سكان صنعاء يشكون أزمة حادة في مياه الشرب

في ظل غياب الإمدادات العمومية وارتفاع تكاليف المعيشة

تفريغ صهريج مياه لمحل تجاري في صنعاء (الشرق الأوسط)
تفريغ صهريج مياه لمحل تجاري في صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

سكان صنعاء يشكون أزمة حادة في مياه الشرب

تفريغ صهريج مياه لمحل تجاري في صنعاء (الشرق الأوسط)
تفريغ صهريج مياه لمحل تجاري في صنعاء (الشرق الأوسط)

أصبح اليمني محمود، الذي يقيم في العاصمة صنعاء، عاجزاً عن شراء صهريج ماء كل ثلاثة أسابيع ما دفعه إلى إقناع طفليه مهند وسماح بالموفقة على الانتقال هذا العام من مدرستهما الخاصة إلى أخرى حكومية؛ لتوفير فارق رسوم التعليم من أجل الإعانة في ظل الصعوبات المالية التي يواجهها.

وفيما وافق الطفلان على التنازل عن مدرستهما، يشير محمود الذي يعمل حارساً في مؤسسة خاصة، إلى قيام طفليه منذ بدء الإجازة الصيفية بجلب المياه النظيفة إلى المنزل من إحدى المضخات الخاصة والقريبة من الحي الذي تقطنه الأسرة شمال صنعاء.

لجوء محمود الاضطراري إلى نقل طفليه من التعليم الخاص إلى الحكومي هذا العام رغم علمه المسبق بتدني جودة التعليم في المدارس الحكومية، هدفه توفير بعض المال لشراء صهريج مياه لأسرته كلما اقتضت الحاجة، وللتخفيف من معاناتهم اليومية في جلب المياه، والتي قد تحتاج عادة للانتظار ساعات في طوابير أمام خزان مياه يخصصه مالك المضخة للمحتاجين.

أطفال يمنيون يجلبون مياه الشرب في أحد أحياء صنعاء (الشرق الأوسط)

ويضطر والد الطفلين كل شهر للتقشف، حتى يكفي ما يتقاضاه من راتب يعادل 160 دولاراً، لتوفير احتياجات أسرته؛ منها مياه الشرب بعد أن أصبحت تكاليفها لا يقوى الكثير من اليمنيين على تحملها.

معاناة عامة

مثل عائلة محمود تعاني آلاف الأسر وأطفالها في صنعاء ومدن أخرى نتيجة النقص الحاد بمياه الشرب، بسبب استمرار انقطاعها من المؤسسة العامة للمياه وارتفاع أسعار صهاريج المياه المنقولة إلى المنازل.

ويشكو سكان كُثر في صنعاء وضواحيها من تواصل انقطاع المياه الحكومية عن منازلهم منذ أشهر وبعضهم منذ سنوات. وقال بعضهم في أحاديث مع «الشرق الأوسط»، إنهم باتوا نتيجة تدهور الظروف وارتفاع الأسعار، عاجزين عن توفير مياه الشرب لأسرهم أو حتى إيجاد بدائل أخرى.

ويقول السكان إن معيشتهم باتت مهددة مع استمرار انعدام المياه، سواءً من المشروع الرسمي أو من المياه الخيرية أو من خلال الصهاريج التي ارتفعت تكلفتها بشكل مضاعف.

طفلة يمنية تغسل الصحون بعد تأهيل منظمة أممية بئراً للمياه (الأمم المتحدة)

ولا تزال قضية شح المياه تشكل مصدر تهديد حقيقي لحياة الملايين من سكان 26 مديرية تابعة للعاصمة صنعاء وريفها بشكل عام، ويأتي ذلك في ظل ما تشهده حالياً مناطق متفرقة في صنعاء من موجات جفاف.

ويفيد توفيق، وهو موظف حكومي، يقطن حي السنينة بصنعاء، بأن سعر صهريج الماء بات يتراوح حالياً بين 12 ألفاً و15 ألف ريال يمني (الدولار نحو 550 ريالاً).

وقال إن كمية الماء التي يجلبها وأسرته عبر الصهاريج لمرة واحدة كل نصف شهر تعد ضئيلة ولا تكفيهم سوى لأيام قليلة، مضيفاً أنه لم يعد بمقدوره وأسرته المكونة من سبعة أفراد الاستمرار في شراء المياه بهذه الطريقة؛ نظراً لانقطاع مرتبه وظروف أسرته المادية.

ويؤكد السكان في صنعاء القديمة (المدينة التاريخية) وفي مديرية شعوب لـ«الشرق الأوسط»، وجود أزمة حادة في مياه الشرب يرافقها صعوبات شديدة تواجههم وأطفالهم أثناء رحلة البحث اليومية الشاقة لغرض جلب المياه إلى منازلهم.

ويرجع مسؤولون في مؤسسة المياه بصنعاء الأزمة إلى تهالك الشبكة الحالية؛ كونها قد تجاوزت العمر الافتراضي المقدر بأكثر من 30 عاماً، وعدم وجود صيانة دورية لها، إلى جانب نقص الوقود وانخفاض منسوب مياه الآبار نتيجة الحفر العشوائي ومعوقات أخرى لا حصر لها.

انقطاع المياه رغم الدعم

في حين يصل عدد المشتركين بخدمة المياه في صنعاء إلى نحو 105 آلاف مشترك، وهو أقل من ربع سكان العاصمة صنعاء، يؤكد مسؤولون في مؤسسة المياه الخاضعة للحوثيين، أن لدى المؤسسة في صنعاء 75 مولداً للطاقة الكهربائية تعمل على تشغيل 68 بئراً من أصل 100 بئر لتضخ أكثر من مليون متر مكعب من المياه شهرياً.

إنتاج مياه صالحة للشرب في محافظة المهرة (الشرق الأوسط)

وبينما أقر المسؤولون بتحصل المؤسسة في صنعاء على مختلف أوجه الدعم من عدة منظمات دولية، منها إنقاذ الطفولة، والأغذية العالمي، واليونيسف، واليونبس، وغيرها، أكدوا أيضاً أن الإيرادات التي تتحصل عليها المؤسسة بصورة شهرية تصل إلى ما يعادل نصف مليون دولار.

وكانت تقارير دولية أوضحت في وقت سابق أن نحو 4.5 مليون طفل يمني يعيشون في منازل لا يتوفر فيها مصدر مياه محسن، وصنّفت بعض تلك التقارير اليمن كإحدى أربع دول هي الأشدّ فقراً في الموارد المائية. مؤكدة أن الحصول على مياه الشرب الآمنة يشكل تحدياً يومياً لملايين اليمنيين.

حقائق

18 مليون يمني

يعانون عدم القدرة على الحصول على مياه الشرب المأمونة

وأعلنت منظمة الهجرة الدولية قبل فترة حاجة 15 مليون يمني إلى دعم في المياه والصرف الصحي خلال 2023، في حين حذر البنك الدولي هو الآخر - بتقرير سابق له - من أن توفير مياه الشرب سيكون أكبر المشاكل التي يواجهها اليمن خلال السنوات المقبلة.

وأكد البنك الدولي أن 18 مليون يمني يعانون عدم القدرة على الحصول على مياه الشرب المأمونة، مقترحاً مواجهة هذه التحديات من خلال تخزين مياه الأمطار للاستفادة منها.

وقال البنك إن الصراع الدائر «ترك آثاراً شديدة على البنية التحتية للمياه، ناهيك عن التفاوت في متوسط تساقطات الأمطار السنوية، حيث تعرضت بعض مناطق البلاد بالفعل لنوبات الجفاف، وهما يمثلان مشكلتين أدى تغير المناخ إلى تفاقمهما».

ووفقاً للتقرير، فإن قرى ريفية، لا حصر لها، تعاني قلة الخدمات الأساسية بشتَّى أنحاء البلاد، لكن نقص المياه الصالحة للشرب هو أكبر التحديات التي يواجهها الكثيرون في هذه المجتمعات المحلية الأكثر احتياجاً.

وقال إن الحصول على المياه الصالحة للشرب يعد عملاً روتينياً يومياً، ودائماً ما تقع المسؤولية عن جلبها تقريباً على كاهل النساء والأطفال، محذراً من أن هذه المشكلة «تزداد سوءاً مع تغير المناخ الذي يؤدي إلى اشتداد شح سقوط الأمطار وعدم انتظامها».


مقالات ذات صلة

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

العالم العربي جانب من ممثلي القوى اليمنية المشاركين في بلورة التكتل الحزبي الجديد (إكس)

إشهار تكتل واسع للقوى اليمنية لمواجهة الانقلاب الحوثي

أعلن 22 حزباً ومكوناً سياسياً يمنياً تشكيل تكتل سياسي جديد في البلاد، هدفه استعادة الدولة وتوحيد القوى ضد التمرد، وإنهاء الانقلاب، وحل القضية الجنوبية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي: الحوثيون تسببوا في دمار هائل للبنى التحتية باليمن

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، أن انقلاب الجماعة الحوثية في بلاده تسبَّب في دمار هائل للبنى التحتية والاقتصاد الذي قد يخسر 657 مليار دولار

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الجماعة الحوثية تعتزم فرض ضرائب دخل على مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

الحوثيون ينشئون آلية للجبايات تحت مزاعم دعم القضاء

يتجه الحوثيون إلى توسيع دائرة مواردهم من خلال ابتكار آليات ووسائل جديدة للجبايات بالتزامن مع مساعيهم إلى إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرتهم.

وضاح الجليل (عدن)
يوميات الشرق وزير الإعلام اليمني وعدد من سفراء الدول العربية والأجنبية لدى اليمن خلال انطلاق «ليالٍ يمنية» في الرياض (متداولة)

أنغام الطرب اليمني الأصيل تُعانق رقصات الفلكلور في قلب الرياض

على إيقاع الطرب اليمني الأصيل، وتناغم رقصات الفلكلور التراثي العريق، انطلقت مساء الأحد في قلب العاصمة السعودية الرياض، فعاليات «ليالٍ يمنية» التي تستمر 3 أيام.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي اليمنيون يشتكون من بطء الإنترنت رغم مزاعم تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)

إرغام محال الإنترنت بصنعاء على المشاركة في التعبئة الحوثية

شنَّت الجماعة الحوثية في الأيام الأخيرة حملات ضد مُلاك مَحال وشبكات الإنترنت في العاصمة المختطفة صنعاء، بغية ابتزازهم وإجبارهم على الترويج لأفكار الجماعة.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

العيسى يناقش «تفهم الاختلاف ومعالجة سوء الفهم بين الإسلام والغرب» في سويسرا

الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى حل ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية (الشرق الأوسط)
الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى حل ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية (الشرق الأوسط)
TT

العيسى يناقش «تفهم الاختلاف ومعالجة سوء الفهم بين الإسلام والغرب» في سويسرا

الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى حل ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية (الشرق الأوسط)
الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى حل ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية (الشرق الأوسط)

حَلّ الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، ضيفَ شرفٍ على نادي 44، للدراسات الفكرية، في مقرّه بمدينة لاشو دو فون السويسرية، وذلك بمناسبة مرور 80 عاماً على إنشائه، حيث ألقى محاضرة بعنوان: «الإسلام والغرب وتفهُّم الاختلاف ومعالجة سوء الفهم»، بحضور قادة الأحزاب السياسية.

ويُعَدّ الدكتور العيسى أولَ شخصيةٍ إسلاميةٍ عربيةٍ تُحاضِر في هذه المؤسسة العريقة، التي تُعَدُّ من أكبرِ المنصَّات الفكرية في أوروبا، والتي سبقَ لها استضافة عددٍ من رؤساء الدول وكبار المفكرين والفلاسفة.

العيسى ترأس الاجتماعَ السنويَّ لمجلس إدارة المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف (الشرق الأوسط)

إضافة إلى ذلك لبّى العيسى دعوة من المنتدى السويسري للسياسة الدولية، لإلقاء محاضرة كانت بعنوان: «الإسلام والغرب: الحاجة المُلحّة لتجديد الحوار في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية»، بحضور رئيس المنتدى، برتراند لويس، وجَمْعٍ من صُنَّاع السياسات والمفكّرين والإعلاميين. وتلا المحاضرة حوارٌ مُوسَّعٌ تناولَ عدداً من القضايا المُتفاعِلة على السَّاحة الدولية ذات الصلة بمحاور المحاضرة، وبالاهتمام الإسلامي عموماً.

حضور كبير من قادة الأحزاب السياسية خلال زيارة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (الشرق الأوسط)

ونوّه المتداخلون بالمضامين الحضارية والشاملة في «وثيقة مكة المكرمة» المُعَبِّرَة عن الأُفق الإسلامي العالمي بتنوُّعه المذهبي، وطالبوا بتوسيع نطاق نشرها وتداولها.

كما استقبلت فلورانس ناتار، رئيس مجلس الدولة السويسرية، في مكتبها السياسي بالقصر التاريخي بنوشاتيل، الدكتور العيسى، وجرى خلال اللقاء مناقشة القضايا المتعلقة بالتضامن الاجتماعي المتعدد الثقافات. وأطلعتْ الأمين العام على مرافق قلعة المدينة العائد إلى القرن الحادي عشر الميلادي.

يُعَدّ الدكتور العيسى أولَ شخصيةٍ إسلاميةٍ عربيةٍ تُحاضِر في نادي 44 (الشرق الأوسط)

وتمنت ناتار التوفيق، للأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، في محاضرته بمناسبة الاحتفال بثمانين عاماً على إنشاء نادي 44 السويسري العريق، المعني بالدراسات الفكرية، الذي يستضيف صُنّاع السياسات والفكر من رؤساء الدول وكبار المفكرين والفلاسفة، وهي المرة الأولى التي يستضيف فيها شخصية عربية إسلامية.

وفي إطار الزيارة ترأَّسَ العيسى الاجتماعَ السنوي لمجلس إدارة المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف، وهي مؤسسة سويسرية مستقلَّة ذاتُ تَمَوضُعٍ أوروبي واسعٍ، ولا تتبع أيّاً من الجهات، ويجدر التذكير بأن الملك خالداً - رحمه الله - افتتَحَ مركزَها الإسلامي في حفلٍ رسميّ.

وناقشَ المجلسُ عدداً من الموضوعات المُدرَجَة على جدول أعماله، ولا سيَّما ذات العلاقة بالشأن الإسلامي في المُجتمَعات الأوروبية.

الدكتور العيسى ورئيس مُنظَّمة «أطبَّاء بلا حدود» كريستوس كريستو (الشرق الأوسط)

كما تضمّنت زيارته لسويسرا الالتقاءَ بالمقرِّر الخاصِّ للأمم المتحدة لشؤون الأقلِّيَّات، نيكولا لوفرا، والاجتماعَ برئيس مُنظَّمة «أطبَّاء بلا حدود»، كريستوس كريستو، في مقرّ المنظمة بجنيف، الذي نوّهَ بالدور المُهمّ الذي تضْطَلع به الرابطة في المجال الإغاثيِّ الطبّيِّ، مُشيراً إلى أنَّ ذلك يُعَبِّر عن قِيَمها الإنسانية، ويُفَسِّر ما تتمتّع به من سمعة دوليةٍ متميزةٍ.