المستثمرون يتجهون نحو الأصول المتضررة من «ترمب ترايد» بحثاً عن فرص جديدة

اهتمام متزايد من مديري الأصول بالصين والبرازيل والمملكة المتحدة

متداولون في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداولون في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
TT

المستثمرون يتجهون نحو الأصول المتضررة من «ترمب ترايد» بحثاً عن فرص جديدة

متداولون في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداولون في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

بدأ كبار المستثمرين العالميين الابتعاد عن الرهانات الشائعة التي توقعت أن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الضريبية والجمركية ستعزز «وول ستريت» وتلحق الضرر بالأسواق الدولية. في المقابل، يتوجهون الآن للاستفادة من الخاسرين الكبار الذين تأثروا بنتائج الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني).

فمع صعود الأسهم الأميركية والدولار نتيجة أجندة ترمب للنمو، وزيادة الضغوط على الأصول الصينية والأوروبية وأصول الأسواق الناشئة بفعل مخاوف الحرب التجارية، يبحث مديرو الأموال عن فرص في الأصول التي قد تكون عانت من تشاؤم مفرط، وفق «رويترز».

وصرح جون رو، رئيس صناديق الأصول المتعددة في شركة «ليال آند جنرال» لإدارة الاستثمار، التي تدير أصولاً بقيمة 1.2 تريليون جنيه إسترليني (1.52 تريليون دولار) قائلاً: «السرد السائد بأن ترمب جيد للولايات المتحدة وسيئ لبقية العالم منتشر على نطاق واسع.»

هذا الاعتقاد دفعه إلى شراء أصول غير أميركية، مثل شركات السيارات الأوروبية والبيزو المكسيكي، التي يعتقد أنها تعرضت لضغوط بيع مفرطة. كما أغلق مراكز استثمارية استفادت سابقاً من انخفاض الجنيه الإسترليني وأسهم التكنولوجيا الصينية.

وتراجعت أسهم شركات السيارات الأوروبية إلى أدنى مستوياتها في قرابة عامين يوم الأربعاء، بينما انخفض البيزو المكسيكي بأكثر من 2.5 في المائة مقابل الدولار منذ بداية الشهر. أما الجنيه الإسترليني فقد هبط بنحو 5 في المائة أمام الدولار منذ نهاية سبتمبر (أيلول).

وأفاد شانيل رامجي، المدير المشارك في «بيكتيت لإدارة الأصول»، التي تدير أصولاً بقيمة 254 مليار فرنك سويسري (285.43 مليار دولار)، بأنه عزز استثماراته في الأسهم الصينية والسندات البرازيلية منذ الانتخابات.

وقال: «نرى فرصاً استثمارية كبيرة في الأصول التي انخفضت قيمتها قبل الانتخابات وبعدها؛ هناك الكثير من القيمة التي يمكن اقتناصها».

التشكيك في الرواية السائدة

بدأ المستثمرون يعيدون النظر في الرؤية السائدة بأن ترمب سيتبع سياسات تضخم الأسعار في الولايات المتحدة ويعرقل تخفيضات أسعار الفائدة الفيدرالية، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي حيال ارتفاع تكاليف المعيشة والأسعار.

ومنذ عشية الانتخابات، ارتفعت الأسهم الأميركية بأكثر من 4 في المائة، بينما تراجعت الأسهم الأوروبية بنحو 1 في المائة، ووصلت أسهم الأسواق الناشئة إلى أدنى مستوياتها منذ شهرين.

وقال مايكل فيلد، استراتيجي الأسهم الأوروبية في «مورننغ ستار»: «إن تدفق الأخبار السلبية للأسواق غير الأميركية في الوقت الحالي شديد لدرجة أن أي خبر إيجابي قد يتسبب في تحركات حادة بسرعة».

وانخفض اليورو بنحو 3 في المائة منذ فوز ترمب، ليصل إلى أدنى مستوى له في عام مقابل الدولار عند 1.052 دولار هذا الأسبوع، في حين ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار 14 نقطة أساس إلى 4.47 في المائة، حيث يراهن المتداولون على ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية والتضخم.

وتغرق أوروبا في التشاؤم، وهو ما تفاقمه انهيار الحكومة الألمانية والمخاوف المتزايدة بشأن المصدرين. في هذا السياق، تُتداول أسهم شركة «فولكس فاغن» عند حوالي 3.3 مرة من الأرباح المتوقعة، بينما تراجعت أسهم الشركات الكيميائية الأوروبية بنسبة 11 في المائة منذ أواخر سبتمبر (أيلول).

وأظهر استطلاع رأي أجرته «بنك أوف أميركا» الأسبوع الماضي أن معظم المستثمرين يتبنون موقفاً غير مفرط حيال أوروبا، ما يعني أنهم يتوقعون أن تتخلف أسواق المنطقة عن الولايات المتحدة وآسيا في الفترة المقبلة.

لكن بنجامين ميلمان، كبير مسؤولي الاستثمار في «إدموند دي روتشيلد» لإدارة الأصول، قال إنه يفضل الحفاظ على تعرضه للسوق الأوروبية عند مستويات محايدة بدلاً من الانضمام إلى موجة البيع. وأضاف: «هذا يعد خياراً شجاعاً في هذه البيئة الحالية»، مشيراً إلى أن تخفيضات الفائدة من البنك المركزي الأوروبي قد تساعد في تحفيز القروض المصرفية والنشاط التجاري.

وأضاف ميلمان أنه اشترى أيضاً أسهماً صينية منذ الانتخابات الأمريكية، في خطوة تدل على انفتاحه على الفرص في الأسواق الآسيوية.

دولة التضخم؟

قال خبراء اقتصاديون في «باركليز» إنه رغم أن تهديد ترمب بفرض ضريبة استيراد بنسبة 60 في المائة قد يؤدي إلى تقليص نمو الاقتصاد الصيني بمقدار نقطتين مئويتين، فإن الرسوم الجمركية ستكون على الأرجح أقل بكثير وستُنفذ تدريجياً.

وأشار شانييل رامجي، من «بيكتت لإدارة الأصول»، إلى أن المستثمرين يركزون بشكل مفرط على الضرائب المقترحة على الواردات، بينما يقللون من المخاطر السياسية التي قد تؤدي إلى زيادة أسعار المستهلكين. وأضاف: «أعتقد أن ترمب سيحرص على تجنب أي زيادة مفاجئة في التضخم».

وأوضح رامجي أنه خرج من سندات الخزانة الأميركية قبل الانتخابات، لكنه سيعود لشرائها مجدداً إذا استمرت العوائد، التي تتحرك عكسياً مع الأسعار، في الارتفاع.

من جانبه، قال كريغ إينش، رئيس قسم السندات والنقد في «رويال لندن لإدارة الأصول»، التي تدير حوالي 170 مليار جنيه إسترليني (215.53 مليار دولار): «لقد حققت أرباحاً من صفقة سندات قبل الانتخابات استفادت من زيادة توقعات التضخم في الولايات المتحدة».

وأضاف إينش أن السندات الحكومية البريطانية، التي تراجعت أسعارها بالتوازي مع سندات الخزانة الأميركية، أصبحت الآن «رخيصة للغاية».

آفاق النمو العالمي

وتوقع شيلدون ماكدونالد، كبير مسؤولي الاستثمار في «مارلبورو»، أن تؤدي أجندة ترمب الضريبية والإنفاقية إلى تعزيز النمو في الولايات المتحدة والتجارة العالمية، ما يحد من الأضرار التي قد تلحق بالدول الأخرى بسبب الرسوم الجمركية.

وقال ماكدونالد: «ما هو جيد للولايات المتحدة عادة ما يكون جيداً لبقية العالم»، مضيفاً أنه نظراً لأن أسهم «وول ستريت» مكلفة، فإنه يفضل الاستثمار في مؤشر «فوتسي 100» البريطاني، الذي تراجع بنحو 1.3 في المائة منذ 5 نوفمبر.


مقالات ذات صلة

مسؤولو «المركزي الأوروبي» يحذرون… أوروبا يجب أن تستعد لحرب تجارية جديدة مع أميركا

الاقتصاد لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

مسؤولو «المركزي الأوروبي» يحذرون… أوروبا يجب أن تستعد لحرب تجارية جديدة مع أميركا

حذر مسؤولون في البنك المركزي الأوروبي يوم الثلاثاء من أن السياسات الحمائية التي تعتزم الإدارة الأميركية الجديدة تنفيذها ستعرقل النمو العالمي.

«الشرق الأوسط» (فيينا، فرانكفورت )
الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في بورصة الذهب الكورية بسيول (رويترز)

الذهب يواصل تراجعه... والمستثمرون يترقبون بيانات أميركية وتعليقات من «الفيدرالي»

هبطت أسعار الذهب للجلسة الثانية على التوالي الاثنين، في حين يستعد المستثمرون لبيانات اقتصادية أميركية وتعليقات من مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رافعات ضخ النفط في مستودع فاكا مويرتا للنفط والغاز الصخري في الأرجنتين (رويترز)

النفط يتراجع مع انحسار تهديد عاصفة في أميركا وحوافز صينية مخيّبة للتوقعات

واصلت أسعار النفط انخفاضها يوم الاثنين مع انحسار خطر تعطل الإمدادات بسبب عاصفة أميركية، وبعد أن خيّبت خطة التحفيز الصينية آمال المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
خاص أفراد الأمن يسيرون خارج مكان انعقاد مؤتمر «كوب - 29» (أ.ب)

خاص رئيس «كوب - 29»: نستهدف طموحات مناخية عادلة... ونقدّر الجهود السعودية

عشية انطلاق «كوب - 29» الخاص بمكافحة تغير المناخ في باكو، حاورت «الشرق الأوسط» رئيس المؤتمر مختار باباييف، الذي تحدث عن الأهداف المتوخاة من المؤتمر.

مساعد الزياني (الرياض)
الاقتصاد صورة جوية تظهر سيارات مخصصة للتصدير بميناء في مدينة يانتاي بمقاطعة شاندونغ (رويترز)

بنك إيطاليا يحذر من تأثير الحمائية على الاقتصاد العالمي بعد انتخاب ترمب

دعا محافظ البنك المركزي الإيطالي، فابيو بانيتا، الجمعة، المجتمع الدولي إلى تجنب تفاقم المشاعر الحمائية السائدة.

«الشرق الأوسط» (روما)

مخاوف التضخم في بريطانيا تزداد بعد الموازنة الجديدة وفوز ترمب

العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
TT

مخاوف التضخم في بريطانيا تزداد بعد الموازنة الجديدة وفوز ترمب

العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)
العلم البريطاني يرفرف أمام ساعة «بيغ بن» أعلى مبنى البرلمان في وسط لندن (رويترز)

في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا على وشك تجاوز أزمة التضخم، جاء الإعلان عن زيادة الإنفاق الحكومي الكبير من قبل الحكومة الجديدة، متزامناً مع مخاطر اندلاع حرب تجارية عالمية نتيجة خطط التعريفات الجمركية التي طرحها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما يهدد بتمديد أمد هذه الأزمة.

وبلغ التضخم في بريطانيا ذروته عند أكثر من 11 في المائة قبل عامين إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهو أعلى مستوى بين الدول الكبرى الغنية. لكن تراجع التضخم استغرق وقتاً أطول مقارنة بدول أخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص العمالة الناتج عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفق «رويترز».

ورغم استبعاد عودة التضخم إلى مستويات تتجاوز الـ 10 في المائة، فإن بنك إنجلترا رفع توقعاته للتضخم للأعوام الثلاثة المقبلة بعد إعلان موازنة 30 أكتوبر (تشرين الأول) التي تضمنت زيادة الضرائب على أصحاب العمل، مما ينذر بارتفاع الأسعار والأجور.

وألقى فوز ترمب بظلاله على المشهد الاقتصادي، حيث دفع المستثمرين إلى خفض توقعاتهم بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من بنك إنجلترا خلال العام المقبل، ما يضع تحدياً جديداً أمام تعهد رئيس الوزراء كير ستارمر بجعل بريطانيا الاقتصاد الأسرع نمواً بين دول مجموعة السبع.

أثر الموازنة على التضخم

وقالت شركة الاستشارات «بانثيون ماكرو إيكونوميكس» للعملاء في مذكرة يوم الخميس: «نعتقد أن موازنة المملكة المتحدة وانتخاب ترمب سيعززان التضخم ومعدلات الفائدة في المملكة المتحدة».

وتسببت الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام المدرجة في الموازنة، وتأثيرها المتوقع على النمو الاقتصادي، في تقليص توقعات المستثمرين من أربعة تخفيضات في أسعار الفائدة بحلول نهاية 2025 إلى ثلاثة تخفيضات فقط.

لكن مع إعلان ترمب عن تعيينات متشددة لإدارته، تقلصت هذه التوقعات مرة أخرى إلى تخفيضين فقط بنهاية 2025، مقارنة بخمسة تخفيضات متوقعة من البنك المركزي الأوروبي في منطقة اليورو.

التداعيات العالمية للتعريفات الجمركية

توجد سيناريوهات قد تُخفف من التضخم، مثل تأثر صادرات الصين إلى الولايات المتحدة سلباً بسبب تعريفات ترمب، مما قد يخفض أسعارها في الأسواق الأخرى.

ومع ذلك، إذا طالت التعريفات الجمركية بريطانيا ودول أخرى وردت بالمثل، فإن الضرر الذي قد يلحق بسلاسل التوريد العالمية قد يؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم بوتيرة أسرع من المتوقع.

المخاطر التي تواجه البنوك المركزية

قال كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة لدى «بانثيون ماكرو إيكونوميكس»، روب وود: «بنك إنجلترا، كغيره من البنوك المركزية، بالكاد بدأ السيطرة على التضخم ولن يستطيع تجاهل تأثير التعريفات التجارية باعتبارها مجرد صدمة عابرة، خاصة مع استمرار النمو القوي في الأجور».

وأضاف: «لا يمكن للبنك أن يعتبر هذه صدمة مؤقتة. هذا يعني أن تخفيضات أسعار الفائدة ستكون أبطأ من المتوقع».

ويتوقع وود أن يرتفع التضخم في بريطانيا إلى 3 في المائة بحلول الربع الثالث من 2025، متجاوزاً توقعات بنك إنجلترا البالغة 2.8 في المائة.

مستقبل أسعار الفائدة

رغم أن كثيرا من الاقتصاديين يتوقعون أن يخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة بأكثر مما يتوقعه المستثمرون حالياً، فإن أحمد كايا من «المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية» حذر من أن الارتفاع المتوقع في التعريفات الجمركية قد يدفع البنك إلى اتخاذ موقف متشدد.

وانخفض معدل التضخم الرئيسي في بريطانيا إلى ما دون هدف بنك إنجلترا البالغ 2 في المائة لأول مرة منذ 2021 في سبتمبر (أيلول)، حيث بلغ 1.7 في المائة. لكن مسؤولي البنك يؤكدون أن الضغوط الأساسية ما زالت قوية.

وخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية فقط من أعلى مستوياتها خلال 16 عاماً عند 5.25 في المائة، في نهج أكثر حذراً مقارنة بمنطقة اليورو والولايات المتحدة.

أسباب التحديات الاقتصادية

قال كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هو بيل، إن تعافي بريطانيا من تداعيات الجائحة وصدمات أسعار الطاقة أبطأ من دول أخرى. وأضاف أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى خسارة العمالة أثناء الجائحة، أبقيا نمو الأجور عند مستويات مرتفعة لا تتماشى مع أهداف البنك.

من جانبها، أكدت عضوة لجنة السياسة النقدية، كاثرين مان، أن «التطورات السياسية عبر الأطلسي» قد تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والتضخم في بريطانيا.

ويُعد كل من بيل ومان من بين أكثر المسؤولين تشدداً في بنك إنجلترا، إلا أن المحافظ أندرو بيلي شدد الأسبوع الماضي على أن أسعار الفائدة من المحتمل أن تنخفض بشكل تدريجي، بعد أن كان قد أشار في أكتوبر إلى إمكانية إجراء تخفيضات أسرع.

وفي خطاب ألقاه يوم الخميس، أبدى بيلي قلقه العميق إزاء تصاعد مخاوف الحمائية.

وقال: «الصورة الاقتصادية الحالية غامضة بفعل تأثير الصدمات الجيوسياسية والتفكك الأوسع في الاقتصاد العالمي. وفي ظل الحاجة الملحة إلى اليقظة تجاه التهديدات التي تمس الأمن الاقتصادي، دعونا لا ننسى أهمية الانفتاح على الأسواق والعلاقات التجارية العالمية».