«البنك الدولي»: «فخ الدخل المتوسط» يعوق التقدم في 108 دول

السعودية تبرز بفضل الإصلاحات والزيادة الهائلة في مشاركة المرأة

أشخاص يمرون أمام شاشة تعرض خطاب الموازنة لوزيرة المالية نيرمالا سيتارامان في مومباي (رويترز)
أشخاص يمرون أمام شاشة تعرض خطاب الموازنة لوزيرة المالية نيرمالا سيتارامان في مومباي (رويترز)
TT

«البنك الدولي»: «فخ الدخل المتوسط» يعوق التقدم في 108 دول

أشخاص يمرون أمام شاشة تعرض خطاب الموازنة لوزيرة المالية نيرمالا سيتارامان في مومباي (رويترز)
أشخاص يمرون أمام شاشة تعرض خطاب الموازنة لوزيرة المالية نيرمالا سيتارامان في مومباي (رويترز)

أعلن البنك الدولي يوم الخميس أن أكثر من 100 بلد - من بينها الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا - تواجه عقبات خطيرة يمكن أن تعوق جهودها لتصبح من البلدان مرتفعة الدخل في العقود القليلة المقبلة. وجاء ذلك في دراسة جديدة أعدها البنك، والتي قدمت لأول مرة خريطة طريق شاملة لمساعدة البلدان النامية على الإفلات من «فخ الدخل المتوسط».

واستناداً إلى الدروس المستفادة طوال 50 عاماً مضت، أشار تقرير البنك عن «التنمية في العالم 2024» إلى أنه مع ازدياد ثراء البلدان، فإن معدلات النمو الاقتصادي تتباطأ أو تتوقف عندما يصل نصيب الفرد إلى ما نسبته 10 في المائة من نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي السنوي في الولايات المتحدة - أي ما يعادل 8 آلاف دولار في الوقت الحالي، وهنا تقع هذه البلدان في فخ «ثبات» معدلات النمو الاقتصادي. ويأتي هذا الرقم في منتصف نطاق تصنيف البنك الدولي للبلدان «متوسطة الدخل»؛ فمنذ عام 1990، لم يتمكن سوى 34 اقتصاداً متوسط الدخل من التحول إلى وضعية الاقتصاد مرتفع الدخل - وكان أكثر من ثلثها إما مستفيداً من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أو من احتياطيات النفط التي تم اكتشافها مؤخراً.

وبحلول نهاية عام 2023، كان هناك 108 دول مصنفة كبلدان متوسطة الدخل، حيث يتراوح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها بين 1136 دولاراً و13845 دولاراً. ويعيش في هذه البلدان نحو 6 مليارات نسمة، أي نحو 75 في المائة من سكان العالم، ويعاني اثنان من كل ثلاثة من سكانها من الفقر المدقع. كما تنتج هذه البلدان أكثر من 40 في المائة من الناتج المحلي العالمي و60 في المائة من الانبعاثات الكربونية. وتواجه هذه البلدان تحديات أكبر بكثير، مقارنة بالدول التي نجحت في تجاوز فخ الدخل المتوسط، بما في ذلك النمو السريع في أعداد السكان المسنين، وتزايد إجراءات الحماية الاقتصادية، وسرعة التحول الطاقي.

وتعليقاً على ذلك، قال رئيس الخبراء الاقتصاديين في مجموعة البنك الدولي والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية، إندرميت جيل: «ستكون البلدان متوسطة الدخل هي الساحة التي ستُحسم فيها معركة تحقيق الرخاء الاقتصادي العالمي. غير أن العديد من هذه البلدان يعتمد على استراتيجيات قديمة لمحاولة اللحاق بالاقتصادات المتقدمة. فبعضها يركز بشكل مفرط على الاستثمار لفترات طويلة جداً، بينما يتجه البعض الآخر نحو الابتكار دون الاستعداد الكافي لذلك. لذا، من الضروري اتباع نهج جديد يركز أولاً على الاستثمار، ثم الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة المقبلة من الخارج، وأخيراً تبني استراتيجية متكاملة توازن بين الاستثمار والتكنولوجيا والابتكار. ومع تنامي الضغوط الديموغرافية والإيكولوجية والجيوسياسية، لا مجال للخطأ».

واقترح التقرير استراتيجية ثلاثية المحاور لتمكين البلدان من الانتقال إلى فئة البلدان مرتفعة الدخل. وفقاً لمستوى التنمية الذي تمر به، يجب على كل بلد تبني سياسات تتناسب مع أولوياته. في المرحلة الأولى، يمكن للبلدان منخفضة الدخل التركيز على السياسات التي تعزز الاستثمار. وعندما تصل إلى الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، ينبغي عليها توسيع نطاق سياساتها لتشمل المرحلة الثانية، التي تدمج الاستثمار مع التكنولوجيا، عبر تبني وتعميم التطورات التكنولوجية القادمة من الخارج عبر مختلف قطاعات الاقتصاد. وعند بلوغ الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، يجب أن تنتقل إلى المرحلة النهائية وهي: الاستثمار والتكنولوجيا والابتكار. وفي مرحلة الابتكار، لن تكون هذه البلدان مستوردة للأفكار والتكنولوجيات العالمية، بل ستتصدر المشهد.

وأشار المدير المسؤول عن تقرير «التنمية في العالم 2024»، سوميك لال إلى أن الطريق أمام البلدان لن يكون سهلاً، ولكن يمكنها تحقيق تقدم حتى في ظل الظروف الصعبة التي نواجهها. يتوقف النجاح على قدرة المجتمعات على تحقيق التوازن بين قوى الإبداع والحفاظ والإحلال. فالبلدان التي تسعى لتجنب معاناة مواطنيها المرتبطة بالإصلاحات والانفتاح قد تخسر المكاسب المرتبطة بالنمو المستدام.

كوريا الجنوبية

وبحسب التقرير، فإن كوريا الجنوبية تعد مثالاً بارزاً على نجاح الاستراتيجية ثلاثية المحاور. ففي عام 1960، كان نصيب الفرد من الدخل في كوريا الجنوبية لا يتجاوز 1200 دولار فقط. وبنهاية عام 2023، ارتفع هذا الرقم إلى 33 ألف دولار. وقد بدأت كوريا الجنوبية تطبيق مجموعة من السياسات الأساسية لزيادة الاستثمارات العامة وتشجيع الاستثمارات الخاصة. وفي سبعينات القرن العشرين، تطورت هذه السياسات إلى استراتيجيات صناعية شجعت الشركات المحلية على تبني التكنولوجيا الأجنبية واتباع أساليب الإنتاج المتقدمة.

واستجابت الشركات الكورية لهذه السياسة، حيث شرعت شركة «سامسونغ»، التي كانت تنتج قبل ذلك المعكرونة، في تصنيع أجهزة التلفزيون للأسواق المحلية والإقليمية، وفي سبيل تحقيق هدفها، قامت الشركة بالحصول على تراخيص استخدام تكنولوجيا التصنيع من الشركات اليابانية مثل «سانيو» و«إن إي سي». وأدى نجاح «سامسونغ» إلى زيادة الطلب على المهندسين والمديرين وغيرهم من المهنيين المهرة. وبدورها استجابت حكومة كوريا الجنوبية لذلك، حيث قامت وزارة التعليم بتحديد أهدافٍ للجامعات الحكومية لتساعد في تطوير المهارات الجديدة التي تطلبها الشركات المحلية، كما قامت بزيادة مخصصاتها المالية. واليوم، تعد «سامسونغ» من كبرى الشركات العالمية المتميزة في الابتكارات التكنولوجية، فهي واحدة من أكبر شركتين لتصنيع الهواتف الذكية في العالم.

واتبعت دول أخرى، مثل بولندا وشيلي، مسارات مماثلة. حيث ركزت بولندا على زيادة الإنتاجية باستخدام التكنولوجيا القادمة من أوروبا الغربية، بينما شجعت شيلي على استيراد التكنولوجيا وتكييفها محلياً، مثل تعديل تكنولوجيا استزراع السلمون النرويجي ليتناسب مع الظروف المحلية، مما جعل شيلي واحدة من أكبر مصدري سمك السلمون.

الاقتصادات الغنية بالموارد

ومن بين القادمين الجدد الآخرين إلى فئة الدول مرتفعة الدخل، استفادت الاقتصادات الغنية بالموارد مثل السعودية عندما تزامن توقيت إصلاحاتها مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وأشار التقرير إلى أن المملكة شهدت زيادة غير مسبوقة في مشاركة المرأة في القوى العاملة منذ عام 2017 نتيجة لتغيير اللوائح وتغير الأعراف الاجتماعية، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية السليمة، والاتصالات الحكومية الفعالة. وبحسب التقرير، قد يحتوي نجاح السعودية في زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة من 17.4 في المائة في عام 2017 إلى في المائة في عام 2023 على دروس مهمة لدول ومناطق أخرى.

وبرزت اقتصادات شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وتايوان والصين كنموذج يحتذى به من خلال اتباع مسار الادخار والاستثمار المرتفعين، والسياسات التعليمية المستنيرة، وتوسيع التجارة من خلال السياسات التصديرية، واعتماد التكنولوجيا من الاقتصادات الأكثر تقدماً، والانتقال إلى الابتكار المحلي بعد سد الفجوات مع الحدود التكنولوجية العالمية.

وبحسب التقرير، يمكن للبلدان متوسطة الدخل تحسين توزيع المواهب ورأس المال البشري بشكل أكثر فعالية من خلال فتح فرص التعليم والعمل والأعمال التجارية أمام الأفراد الموهوبين والمكتسبين للمهارات. ويتعين على سياسات التنمية الاقتصادية أن تركز على تعزيز الحراك الاجتماعي والاقتصادي بدلاً من السعي لتحقيق توزيع مثالي للدخل. كما ينبغي على الدول تجنب دعم الشركات بناءً على حجمها فقط، وتقييم القيمة التي تضيفها الشركات للاقتصاد من خلال معايير مثل خلق الوظائف، والتصدير، وتقديم التكنولوجيا والابتكار. وينبغي على السياسات دعم الشركات ذات الإمكانات الكبيرة للنمو، مع التخلص من الشركات غير المنتجة، وتحديث النماذج التنظيمية، وربط رواد الأعمال بفرص التمويل والموجهين والأسواق. ومن خلال تعزيز الأسواق القابلة للمنافسة، يمكن للدول متوسطة الدخل تحقيق توازن بين دعم الشركات الراسخة وضمان عدم إساءة استخدامها لقوتها السوقية.


مقالات ذات صلة

«البنك الدولي»: انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 6.6 % بسبب الصراع

الاقتصاد تصاعد الدخان في أجواء الضاحية الجنوبية لبيروت بعد غارة إسرائيلية (رويترز)

«البنك الدولي»: انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 6.6 % بسبب الصراع

توقع تقرير المرصد الاقتصادي للبنان الصادر عن «البنك الدولي» أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان بحوالي 6.6 في المائة في عام 2024 نتيجة للصراع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص مقر مجموعة البنك الدولي (أ.ف.ب)

خاص نحو التكامل الإقليمي في مجال الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تعد السوق العربية المشتركة للكهرباء مبادرة في غاية الأهمية تستهدف تحقيق التكامل بين شبكات الطاقة الكهربائية في البلدان العربية لإنشاء سوق إقليمية للكهرباء بين…

الاقتصاد ولي العهد السعودي يتوسط القادة والوزراء المشاركين في افتتاح قمة «مياه واحدة» أمس في الرياض (واس)

السعودية: مشروعات مليارية لمواجهة نقص المياه عالمياً

عززت السعودية التزامها دعم قطاع المياه عالمياً، بإعلان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أن المملكة قدمت 6 مليارات دولار لدعم 200 مشروع إنمائي.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد يلقي كلمته في افتتاح قمة «المياه الواحدة» بالرياض (الشرق الأوسط) play-circle 01:27

ولي العهد: السعودية قدمت 6 مليارات دولار لدعم 200 مشروع إنمائي في 60 دولة

أكد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، أن السعودية أدرجت موضوعات المياه «للمرة الأولى» ضمن خريطة عمل «مجموعة العشرين» خلال رئاستها في 2020.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مقر بنك الشعب الصيني في بكين (رويترز)

تيسير نقدي عالمي يهيمن في نوفمبر وسط غموض يلفّ 2025

استمرّت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة في تنفيذ سياسات التيسير النقدي خلال شهر نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)

فرنسا تضيف أول مفاعل نووي إلى شبكة الكهرباء منذ 25 عاماً

مفاعل «EPR» النووي من الجيل الثالث في فلامانفيل (أ.ف.ب)
مفاعل «EPR» النووي من الجيل الثالث في فلامانفيل (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تضيف أول مفاعل نووي إلى شبكة الكهرباء منذ 25 عاماً

مفاعل «EPR» النووي من الجيل الثالث في فلامانفيل (أ.ف.ب)
مفاعل «EPR» النووي من الجيل الثالث في فلامانفيل (أ.ف.ب)

قالت شركة الكهرباء الفرنسية، المملوكة للدولة، إن فرنسا ربطت مفاعل «فلامانفيل 3» النووي بشبكتها، صباح السبت، في أول إضافة لشبكة الطاقة النووية في البلاد منذ 25 عاماً.

وبدأ المفاعل العمل في سبتمبر (أيلول) الماضي، قبل توصيله بالشبكة، وسيدخل الخدمة بعد 12 عاماً من الموعد المخطط له في الأصل، وبتكلفة نحو 13 مليار يورو (13.56 مليار دولار) أي أربعة أمثال الميزانية الأصلية.

وقالت شركة الكهرباء الفرنسية في بيان السبت: «نجحت فرق شركة الكهرباء الفرنسية في توصيل مفاعل (فلامانفيل) الأوروبي المضغوط بالشبكة الوطنية في الساعة 11:48 صباحاً (10.48 بتوقيت غرينتش). ويولد المفاعل الآن الكهرباء».

يعد مفاعل «فلامانفيل 3» الأوروبي المضغوط أكبر مفاعل في فرنسا بقدرة 1.6 غيغاواط وأحد أكبر المفاعلات في العالم، إلى جانب مفاعل «تايشان» الصيني بقدرة 1.75 غيغاواط، الذي يعتمد على تصميم مماثل، ومفاعل «أولكيلوتو» الفنلندي.

والمفاعل يعد أول محطة يتم توصيلها بالشبكة الرئيسية في فرنسا، منذ «سيفو 2» في عام 1999، لكنها تدخل الخدمة في وقت من الاستهلاك البطيء للكهرباء في الوقت الحالي، إذ تصدّر فرنسا كمية قياسية من الكهرباء هذا العام.

وتخطط شركة «إي دي إف» لبناء 6 مفاعلات جديدة أخرى للوفاء بتعهد عام 2022 الذي قطعه الرئيس إيمانويل ماكرون كجزء من خطط التحول في مجال الطاقة في البلاد، على الرغم من أن هناك الكثير من التساؤلات لا تزال قائمة حول تمويل وجدول زمني للمشاريع الجديدة.