لبنان يترقب تصنيفه الإقليمي على لوائح مكافحة تبييض الأموال 

جهود تسابق هواجس «المنطقة الرمادية» 

لبناني يجمع الفئات الورقية القديمة من الليرة في محله التجاري (رويترز)
لبناني يجمع الفئات الورقية القديمة من الليرة في محله التجاري (رويترز)
TT

لبنان يترقب تصنيفه الإقليمي على لوائح مكافحة تبييض الأموال 

لبناني يجمع الفئات الورقية القديمة من الليرة في محله التجاري (رويترز)
لبناني يجمع الفئات الورقية القديمة من الليرة في محله التجاري (رويترز)

يترقب لبنان التصنيف الذي سيحوذه على لوائح كفاءة الإجراءات القانونية والتنفيذية التي يتبعها في مجال مكافحة غسل (تبييض) الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك في الاجتماع العام نصف السنوي لمجموعة العمل المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المقرر انعقاده خلال النصف الثاني من مايو (أيار).

ووُضع الملف اللبناني على جدول الأعمال ضمن لائحة تقارير «التقييم المتبادل»، في ضوء حصيلة لقاءات ومشاورات أجرتها بعثة خبراء من المجموعة قبل أسابيع في بيروت، وهو ما يقع ضمن المهام الأساسية للمجموعة، الهادفة إلى تحديث المعلومات والمعطيات الآلية وإلى تحليل فاعلية مدى تحقيق الدولة العضو لمجموعة محددة من النتائج الفورية التي تعدّ أساسية لأداء سليم ونظام فعال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع النتائج المتوقع أخذها بعين الاعتبار في ملف مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في تلك الدولة.

جنود يحرسون مقر مصرف لبنان المركزي في مارس الماضي (أ.ف.ب)

لبنان من مؤسسي المجموعة

ويعدّ لبنان من مؤسسي المجموعة الإقليمية وأول رئيس دوري لها، وهي ذات طبيعة طوعية وتعاونية مستقلة، يجري تمويلها من مساهمات الدول الأعضاء، وتتخذ من المنامة في البحرين مقراً لها. وتعمل على غرار مجموعة العمل المالي الدولية (FATF)، ولا سيما التزام التوصيات الأربعين في نطاق مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح ومعاهدات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بوصفها معايير دولية مقبولة في هذا الشأن، وكذلك أي معايير أخرى تتبناها الدول العربية لتعزيز مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح في المنطقة.

وتبدو الترقّبات «مقبولة» نسبياً لدى المرجعيات المحلية المعنية، بشأن حصيلة التقييم الأولي الخاص الذي سيتم عرضه على الاجتماع العام، بحيث يؤمل أن تفضي التوصيات إلى تصنيف لبنان تحت المتابعة مع تحديد المتطلبات القانونية والإجرائية التي يتوجب التزامها توخياً لعدم إدراجه لاحقاً ضمن القائمة «الرمادية» التي تثبت وجود أوجه قصور في كفاءة مكافحة تبييض الأموال، في حين يواصل فريق العمل المعني بالملف مهمته خلال الفترة الفاصلة عن الاجتماع السنوي الثاني للمجموعة، الذي ينعقد خلال الخريف المقبل.

«11 نتيجة فورية»

ويستخدم خبراء المجموعة الذين يشكلون فريق التقييم «11 نتيجة فورية»، بما في ذلك القضايا الأساسية لكل نتيجة، المدرجة جميعها في منهجية التقييم، لكن تحليل الفعالية لا يعتمد على المعلومات المتبادلة مع فريق التقييم فقط، إذ يزور فريق التقييم المتبادل الدولة العضو محل عملية التقييم، عقب تبادل المعلومات، بحيث يتم مقابلة المسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص لاكتساب فهم شامل لطريقة عمل نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وبحسب معلومات مستقاة من مسؤولين في البنك المركزي، ولا سيما هيئة التحقيق الخاصة التي تمثل لبنان في المجموعة، فإن التقييم الميداني الذي أجرته البعثة في بيروت أظهر كفاءة عالية في التزام 3 معايير أساسية وجيدة في 4 من البنود الـ11 الواردة، بينما فرضت الأزمة النقدية والمالية المستمرة منذ خريف عام 2019 تراجعات في التزامات ثانوية، ما يمكن أن يشكل لاحقاً ثغرات غير مرغوبة لمرور عمليات مالية مشبوهة وفق محددات تبييض الأموال.

محتجون أمام بنك لبنان والمهجر للمطالبة بحقوق المودعين 9 مايو (رويترز)

المنطقة الرمادية

ويدرك الجانب اللبناني، بحسب المصادر، أن الوقوع في محظور المنطقة الرمادية التي تولّد صعوبات إضافية في مرور التحويلات عبر الحدود، وتزيد كلفتها وتعقيداتها مع البنوك المراسلة، قد يكون مسألة وقت فقط، مع ترجيح صدور القرار خلال الأشهر المقبلة في حال التراخي أو عدم القدرة على إعادة هيكلة منظومة الرقابة ومعالجة نقاط الضعف في تتبع الأموال المشبوهة ومكافحتها.

وبمعزل عن تأثير الاتهامات القضائية المتلاحقة لحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ومجموعة من البنوك تحت شبهات تبييض الأموال، لاحظ مسؤول معني أن جزءاً وازناً من المخاطر يرتبط بالتنامي الاستثنائي للأنشطة النقدية بالليرة وبالدولار خارج منظومات التقصي والمراقبة التي تلتزمها الوحدات المصرفية وشركات الأموال المرخصة، والقائمة خصوصاً على قاعدة «اعرف عميلك» التي تتيح قانونياً وعملياً معرفة مصادر السيولة النقدية ومقاصدها وكمياتها، بينما تتكدس النقود في المنازل والشركات.

ويساهم التعميم الأحدث الصادر عن البنك المركزي تحت الرقم 165 في الحد من تأثير النمو غير المسبوق لعمليات النقد الورقي، ولا سيما وضع أنظمة جديدة للمقاصة، تخص الأموال الجديدة بالدولار الأميركي والليرة اللبنانية، وذلك عبر فتح حسابات جديدة لدى مصرف لبنان، مخصصة حصراً لإجراء كل العمليات المتعلقة بمقاصة الشيكات والتحويلات الإلكترونية الخاصة بالأموال النقدية.

مراعاة الأزمة

وبرغم ما تبديه مجموعة العمل الإقليمية من مراعاة لخصوصيات الأزمات القائمة وما أنتجته من أضرار جسيمة أصابت القطاع المالي بهيكليته وأنشطته، يرتقب أن تتضمن التوصيات بالحد الأدنى حزمة مشددة من التدابير التنفيذية والإجرائية الضامنة لإعادة تصويب الانحرافات التي سجلها لبنان في مجالات نقدية ومالية محددة، ولا سيما ما يتعلق بأولويات الإدارة الفعالة للنمو الاستثنائي خارج القنوات المصرفية والأدوات الإلكترونية، للسيولة النقدية والمبادلات الورقية (الكاش) بالليرة وبالدولار. كذلك ما يتعلق بمسارات مكافحة الأموال الناتجة عن شبهات الفساد واختلاسات الأموال العامة وتهريب المخدرات وسواها.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اللبناني «المنهك» ينزلق إلى هاوية الركود الشامل

المشرق العربي معبر جوسيه بين لبنان وسوريا إثر استهدافه بقصف إسرائيلي في 25 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

الاقتصاد اللبناني «المنهك» ينزلق إلى هاوية الركود الشامل

يعكس التباين في تقديرات الخسائر الاقتصادية للحرب حقيقة عمق حال «عدم اليقين» وصعوبات التحقّق من مستويات التدهور اللاحقة بالمؤشرات الأساسية والمرافق الإنتاجية.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي «مصرف لبنان المركزي»... (أرشيفية - رويترز)

لبنان يواجه حزمة استحقاقات مالية «داهمة»

يشهد لبنان زحمة استحقاقات مالية مهمة ومتزامنة خلال الشهر الحالي؛ تبدأ بشروع الحكومة في مناقشة مشروع قانون الموازنة للعام المقبل.

علي زين الدين
المشرق العربي حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (رويترز)

رياض سلامة... من جوائز التكريم إلى أروقة المحاكم

يشكّل سلامة منذ ثلاثة أعوام محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الحاكم السابق للمصرف المركزي في لبنان رياض سلامة (رويترز)

توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بعد استجوابه

أوقف القضاء اللبناني، اليوم (الثلاثاء)، الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، بعد استجوابه بشأن قضية اختلاس أموال.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة عامة لمعمل الجية الحراري المتوقف عن العمل (إ.ب.أ)

​مخرج سياسي لبناني لاستئناف إنتاج الكهرباء بالحد الأدنى

أثمرت الاتصالات بين المؤسسات العامة في لبنان مخرجاً لإعادة التغذية الكهربائية بالحد الأدنى لتشغيل المرافق الحيوية بعد يومين من العتمة الشاملة

«الشرق الأوسط» (بيروت)

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.