«الشعوب التركية»... وأصابع الاتهام بالإرهاب

سفاح «ليلة رأس السنة» في إسطنبول زاد من التساؤلات حولها

«الشعوب التركية»... وأصابع الاتهام بالإرهاب
TT

«الشعوب التركية»... وأصابع الاتهام بالإرهاب

«الشعوب التركية»... وأصابع الاتهام بالإرهاب

فتحت الحوادث الإرهابية الأخيرة التي تورط فيها مواطنون من آسيا الوسطى، أو ما يسمى بـ«العالم التركي» The Turkic World، الكثير من التساؤلات حول تمدد التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» في هذه المناطق، وانعكاس ذلك، بالتالي، على منطقة الشرق الأوسط.
منفذو الهجوم على مطار أتاتورك الدولي في 28 يونيو (حزيران) الماضي ومطعم ونادي رينا في إسطنبول في الساعات الأولى من عام 2017 جاؤوا من منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى. إذ نفذ هجوم المطار شيشاني وأوزبكي وقيرغيزي تلقوا، على ما يبدو، تدريباتهم على يد «داعش»، بحسب السلطات التركية. ثم تبين أن عبد القادر ماشاريبوف المكنّى بـ«أبو محمد الخراساني»، منفذ «مجزرة رأس السنة» في مطعم رينا، الذي سقط في قبضة الأمن التركي ليل الاثنين الماضي، من أوزبكستان أيضًا وينتمي إلى «داعش». ويرى خبراء في مكافحة الإرهاب أن تكرار هذه العمليات يشير إلى أن التنظيم الإرهابي المتطرف أعلن حربًا على تركيا بسبب مقاتلته في سوريا عبر عملية «درع الفرات» التي انطلقت في 24 أغسطس (آب) الماضي. ولعل التنظيم بدأ توظيف فعلاً خلاياه من مواطني دول آسيا الوسطى الذين يعيش الآلاف منهم في تركيا، وغالبيتهم تجيد اللغة التركية ومنخرطة في المجتمع بسهولة؛ ما يزيد من خطورتهم. ويؤكد الخبراء، أنه من الصعب تأكيد عدد الأوزبك والقيرغيز الذين يقاتلون اليوم في صفوف «داعش»، إلا أن ما يلفت الانتباه هو أن غالبيتهم يُستخدمون في العمليات الانتحارية.
ما زال خطر تمدد التنظيمات الإرهابية وانتشارها، ومنها «داعش» الذي استطاع الانتشار في مناطق ودول كثيرة، يشكل مصدر قلق وخوف بالغ للكثير من حكومات دول آسيا الوسطى. وهذه الدول تجد اليوم صعوبة بالغة في التعامل مع هذا الملف، الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار، وهي التي تعاني أصلا مشكلات وأزمات أمنية واقتصادية كبيرة، قد تكون سببا في تنامي خطر «داعش» الذي يعتمد استراتيجيات وخططا خاصة للتجنيد والتمويل، وتنفيذ العمليات الإرهابية في جميع أنحاء العالم.
ويعتقد بعض الخبراء، أن هناك الكثير من العوامل والمقومات التي قد تساعد في انتشار «داعش» وأمثاله في بعض دول آسيا الوسطى، ولا سيما أن عددًا من التنظيمات والشخصيات المتشددة أعلنت مبايعة التنظيم ودعمه. وفي الفترة الأخيرة، كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن نحو أربعة آلاف مهاجر من آسيا الوسطى سافروا إلى سوريا للانضمام إلى التنظيمات المقاتلة هناك بعد تجنيدهم سرًا من قبل إرهابيين شيشانيين.
وحقًا، يشعر قادة دول آسيا الوسطى، بالذات، بقلق بالغ من تمدد التنظيمات الإرهابية في أراضيها. وفي حين أعربت الولايات المتحدة عن تخوفها من انتشار «داعش» في هذه الدول الإسلامية التي كانت جمهوريات ضمن الاتحاد السوفياتي السابق، تخشى روسيا اختراق «داعش» حدودها الجنوبية؛ وهو ما دفع الدول الكبرى إلى تكثيف جهودها الأمنية في هذه المناطق.
وفي خطوة غير مسبوقة، أرسلت الولايات المتحدة المئات من الدبابات وناقلات الجنود وكميات كبيرة من الأسلحة إلى جمهورية أوزبكستان. كما أن روسيا ستزود طاجيكستان، وهي الجمهورية الوحيدة غير التركية في آسيا الوسطى السوفياتية سابقًا؛ إذ إن التاجيك آريون وأبناء عمومة الإيرانيين، بأسلحة متطورة بقيمة مليار وثلاثمائة مليون دولار؛ لمساعدة هذه الجمهورية من مواجهة الجماعات المسلحة. ومن جانبها، تشعر الصين الشعبية التي لها حدود مشتركة مع وسط آسيا بتخوف وقلق من امتداد «داعش» إلى حدودها الشرقية وانتشارها في إقليم سنكيانغ (غرب الصين) المعروف بـ«تركستان الشرقية»، حيث يشكّل الويغور الترك غالبية السكان الأصليين في الإقليم.
* مقاتلو القوقاز
جدير بالذكر، أنه سبق أن أعلن مقاتلون من أربع جمهوريات مسلمة في منطقة القوقاز هي جمهوريات داغستان والشيشان وإنغوشيتيا (الإنغوش) وقباردينو – بلكاريا (القبرطاي والبكار)، وكلها جمهوريا ذاتية الحكم ضمن جمهوريا روسيا الاتحادية، مبايعتهم تنظيم داعش في تسجيل مصور على الإنترنت باللغتين العربية والروسية.
ويقول مسؤولون في روسيا إن «آلاف الروس، وجلّهم من القوقاز، سافروا بالفعل إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف (داعش)». وقدّر نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي، أن الرقم يصل إلى ألفي مقاتل، وتحدث عودة هؤلاء المقاتلين في الغالب عن طريق تركيا بعدما يدعون أنهم سياح فقدوا أوراقهم.
من جهة ثانية، أصدرت جمهورية طاجيكستان مذكرة اعتقال دولية لقائد «القوات الخاصة» في شرطتها غول مراد حليموف؛ لانضمامه إلى «داعش»، واتهمته بالخيانة العظمى. وكان الكولونيل حليموف (40 سنة)، الذي تلقى تدريبا في الولايات المتحدة، قد اختفى ثم ظهر في شريط فيديو نشر على الإنترنت وهو يتشح بالسواد ويلوح ببندقية قنص، ويهدد بنقل القتال إلى روسيا والولايات المتحدة. وأثار انشقاق حليموف يومذاك قلق كثيرين في طاجيكستان الواقعة على الحدود مع أفغانستان، التي ما زالت مضطربة بعد مقتل عشرات الآلاف في حرب أهلية بين عامي 1992 و1997. في حين عزّزت دول عدة في آسيا الوسطى المناورات العسكرية مع روسيا والولايات المتحدة، مؤكدة عزمها على محاربة التطرف باسم الإسلام.
* منطقة خصبة
من ناحية ثانية، يرى خبراء أن غياب اهتمام الإعلام الغربي وقلة تركيزه على منطقة آسيا الوسطى يدفع إلى إهمال الربط بين «داعش» والدول ذات الشعوب المنتمية للعرق التركي في مناطق الاتحاد السوفياتي السابق بآسيا الوسطى، ومن هنا، فإن التنظيم يستفيد من تجنيد أبناء هذه الشعوب للقيام بعمليات في تركيا؛ إذ إن اللغة والثقافة مشتركتان، ما يسهّل اندماجهم بسهولة بين المواطنين الأتراك أكثر من العرب، وهذه الصفات بالإضافة إلى التاريخ المضطرب الذي عاشته دول المنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي؛ يجعلها منطقة خصبة لاكتساب أتباع جدد للتنظيم.
ويلفت الأكاديمي التركي نهاد يلماز، إلى أن انهيار الاتحاد السوفياتي قاد إلى المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية الأفغانية، وإلى اندلاع الحرب في طاجيكستان، التي أدت إلى ظهور حركة طالبان في أفغانستان، الحركة الأقل شهرة منها في أوزبكستان أي «الحركة الإسلامية الأوزبكية». وحسب يلماز كان الهدف الأبرز للحركة الأخيرة الإطاحة بنظام الرئيس (الراحل) إسلام كريموف في أوزبكستان والاستعاضة عنه بـ«خلافة إسلامية» تحكم المنطقة، وأن جمهوريات أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وكازاخستان ضبطت حركة التنقل فيما بينها.
هذا، وشنّت «الحركة الإسلامية الأوزبكية» هجمات خطيرة على قيرغيزستان من قواعدها في طاجيكستان المجاورة في عامي 1999 و2000 قبل تقييد قدرات الحركة بالاجتياح الأميركي لأفغانستان عام 2001. ورغم تدمير أميركا وحلفائها «الحركة الإسلامية الأوزبكية» خلّفت الأخيرة وراءها تراثًا يقوم على محاولات خلق بديل إسلامي للأنظمة الديكتاتورية في دول آسيا الوسطى في حالة غير مسبوقة إقليميًا. وتجسد تصاعد القمع وعمليات الاضطهاد ضد الجماعات الإسلامية والمعارضة في المجزرة التي وقعت عام 2005 في مدينة أنديجان بأوزبكستان، عندما قمع الجيش الأوزبكي المتظاهرين من المواطنين الذين طالبوا بوظائف أفضل وتعليم وخدمات حكومية، وأدى تحدي المتشدّدين للحكومة إلى وقوع ألف قتيل.
* غياب الإصلاحات
ويرى خبراء، أن حظر الأحزاب الإسلامية السياسية والمنظمات، مثل حزب التحرير الإسلامي، الذي يهدف إلى إقامة «الخلافة» في آسيا الوسطى عبر السياسة لا العنف، دفع كثرة من الشباب إلى حظيرة الراديكاليين الذين يعملون بشكل سري. وهذا على الرغم من أن اللجوء إلى العنف باسم الإسلام مرتبط باليأس والغضب والاضطهاد والسياسات الخاطئة لا فهم الدين.
وتحديدًا، يشير الخبراء إلى أن إخفاق حكومات آسيا الوسطى في تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية، وتخفيف الضغط على الأحزاب والمنظمات الإسلامية أدى إلى اندلاع نزاع واسع يستلهم الكثير من أفكار «داعش»، وعمليات إرهابية واسعة ينفذها أبناء آسيا الوسطى في الخارج. وهذا بالضبط ما عكسته الاعتداءات القاتلة في إسطنبول، حيث بات واضحًا أن المجندين من أبناء دول آسيا الوسطى في صفوف «داعش» قرّروا مغادرة المناخ الذي يعيشون فيه، والبحث عن مناطق للقتال في سوريا وتركيا. وكانت فيونا هيل، الباحثة في معهد «بروكينغز» بالعاصمة الأميركية واشنطن، قد ناشدت الكونغرس الأميركي ضرورة التحليل العقلاني والعميق للخطاب الديني المتطرف، واعتبرت أن الالتزام الطويل الأمد، والتقييم الحذر، وتنسيق الخطط الطارئة هي الحلول الوحيدة من أجل مواجهة تحديات آسيا الوسطى، وتحقيق النجاح في الحرب ضد تنظيمات مثل «داعش». وقالت: إنه طالما واصلت أنظمة المنطقة تجاهل معاناة الناس العاديين فإن أعدادا جديدة منهم ستنضم إلى صفوف «داعش» وتقوم بارتكاب أفعال إرهابية في الخارج.
* الاحتضان التركي
وهنا، يشير الأكاديمي التركي يلماز إلى أن الاحتضان التركي للفارين من قمع الأنظمة في كيانات الشعوب التركية في آسيا الوسطى يعود إلى الإرث العثماني. ويلفت إلى دور التوجهات الراهنة في تركيا لاحتضان مَن يعانون الظلم والقهر في أوطانهم، وهم في غالبيتهم من الإسلاميين السنة المحافظين الذين هم على خلاف مع حكومات بلادهم. وبحسب التقارير، فإن بعض هؤلاء عبروا الحدود إلى سوريا للمشاركة في الحرب، وبعضهم أخذ معه أطفالا، مثل الداعشي الأوزبكي عبد القادر ماشاريبوف منفذ هجوم مطعم ونادي «رينا». إذ وصل هؤلاء إلى تركيا مع عائلاتهم، ويشكّل الأولاد القادمون من آسيا الوسطى الجزء الأكبر من «أشبال الخلافة»، وبعضهم لا يزيد عمره على ثماني سنوات، وظهر هؤلاء عبر فيديوهات ينفذون فيها عمليات إعدام.
وهنا، يشير البعض إلى أن التدفق عبر الحدود التركية ذهابًا وإيابًا إلى سوريا كان سببا في التوتر بين أنقرة وموسكو قبل التفاهمات الأخيرة بينهما، التي أدت إلى تنسيق في الحرب على التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» و«النصرة»، وتفاهمات من أجل وقف إطلاق النار في سوريا، وصولاً إلى مفاوضات السلام بين الأطراف السورية في آستانة عاصمة كازاخستان بعد غد (الاثنين). وكانت العلاقات بين أنقرة وموسكو قد توترت على خلفية وجود لاجئين من الشيشان وطاجيكستان وجمهوريات آسيا الوسطى (التركية الشعوب) السوفياتية سابقًا داخل تركيا، واتهام روسيا بالإقدام على اغتيال عناصر منهم.
كذلك، سبق للحكومة التركية أن دعمت شعب الويغور، التركي عرقيًا، في «تركستان الشرقية» (سنكيانغ) بعد اتهام الحكومة الصينية بشن حملة ضدهم خلال شهر رمضان؛ إذ أصدرت وزارة الخارجية بيانًا قالت فيه «شعبنا حزين بشأن الأخبار التي تقول إن الأتراك الويغور منعوا من الصيام، أو أداء فروضهم الدينية الأخرى». وللعلم، كانت الحكومة الصينية قد ادعت، بدورها، قبل سنتين أن نحو 400 مقاتل من الويغور يقاتلون في سوريا، وأن الطريق التي سلكوه كان من قيرغيزستان، ثم تركيا لعبور الحدود إلى سوريا. ووفق تقارير إعلامية، تضاعف هذا العدد أربع مرات.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».