السكري.. هل يزيد الإصابات بعدوى السل؟

العلاقة الغريبة بين المرضين تثير تساؤلات علمية دون أجوبة شافية

السكري.. هل يزيد الإصابات بعدوى السل؟
TT

السكري.. هل يزيد الإصابات بعدوى السل؟

السكري.. هل يزيد الإصابات بعدوى السل؟

العلاقة بين الأمراض أحد الجوانب الطبية التي تستدعي المزيد من الاهتمام، ذلك أن ملاحظات الباحثين حول ارتباط ارتفاع الإصابات بمرض ما مع مرض آخر لا تفيد فقط في جوانب الوقاية أو الكشف المبكر عن الإصابات بالأمراض المختلفة، بل تفيد أيضا في مزيد من الفهم لآليات نشوء الأمراض المختلفة وأسباب الإصابات بها.
وعلى سبيل المثال، فإن معرفتنا اليوم أن ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع نسبة الكولسترول هما من عوامل الخطورة التي ترفع من احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب، لم تكن في البدء سوى ملاحظات طبية لوجود علاقة بين ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول وبين الإصابة بأمراض شرايين القلب، ثم تطورت معرفتنا بعمق تلك العلاقة إلى حين اكتشف الباحثون الطبيون في منتصف القرن الماضي أنها من عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية. وهناك كثير جدا من الأمثلة حول موضوع دراسات العلاقات بين الأمراض.

* العلاقة بين المرضين
مرض السكري (diabetes mellitus) ومرض سل الدرن (tuberculosis) هما اليوم أحد جوانب الاهتمام الطبي لمعرفة طبيعة العلاقة بينهما. وهناك كثير من الملاحظات الطبية التي سيتم عرضها والتي تثير مزيدا من التساؤلات حول طبيعة العلاقة الغريبة بين السكري وسل الدرن.
خلال عشرات من السنوات، لاحظ الباحثون الطبيون أن ثمة علاقة ما، من غير المعروف حتى اليوم أبعادها، بين الإصابة بمرض السكري والإصابة بمرض سل الدرن. وصحيح أنه منذ منتصف القرن الماضي بدأت الإصابات بمرض سل الدرن بالانخفاض في مجتمعات الدول المتقدمة، نظرا لنجاح وسائل الوقاية وفحوصات الكشف المبكر ودقة المتابعة الطبية التشخيصية وتوفر أدوية المعالجة بأنواع فاعلة من المضادات الحيوية، في تقليل نسبة الإصابات الجديدة بسل الدرن ومعالجتها بطريقة تامة وتخليص الجسم من ميكروبات سل الدرن. ولكن الإصابات بسل الدرن لا تزال تواجه ارتفاعا مضطردا في كثير من الدول النامية ومجتمعاتها في أنحاء العالم، وهو ما تشير إليه إحصائيات منظمة الصحة العالمية وتؤكد بالتالي على ضرورة وضع برامج وقاية وبرامج تشخيص الإصابات وبرامج المعالجة الناجحة لتلك الإصابات بغية خفض نسبة انتشار الإصابات بسل الدرن، وخصوصا مع ظروف الازدحام في المعيشة وتدني مستوى التغذية الصحية وانتشار الإصابات بأمراض ميكروبية أخرى تؤثر على مستوى مناعة الجسم ومقاومته لميكروب سل الدرن كالإيدز وغيره.
وفي نفس الوقت، يعاني العالم أجمع اليوم من انتشار عوامل صحية ترفع من احتمالات الإصابة بمرض السكري، كالسمنة وغيرها، وهو ما تؤكده نتائج الدراسات الميدانية في المجتمعات العالمية المختلفة، وتنصح من خلال عرض نتائجها بضرورة العمل على وضع برامج الوقاية من مرض السكري ومسبباته.
وإزاء هذين الأمرين، ثمة اليوم نمو واضح في الأدلة والملاحظات العلمية الطبية في وجود علاقة قوية ومعقدة بين ارتفاع الإصابات بالسكري والإصابات بسل الدرن، والعكس صحيح.
وللتوضيح، تشير الإحصائيات الطبية إلى أن العبء الاقتصادي والاجتماعي للأمراض المعدية (communicable diseases) آخذ في الارتفاع في الدول النامية، وخصوصا الدول المنخفضة الدخل المادي. وفي نفس الوقت يظل العبء المادي للأمراض المعدية يمثل نحو 47 في المائة من عبء الأمراض في تلك الدول المتدنية الدخل، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 70 في المائة في عام 2020. هذا من جانب، ومن جانب آخر ونتيجة لعوامل متعددة، تبلغ الإصابات بمرض السكري ما يفوق 170 مليون إصابة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 450 مليونا بحلول عام 2030، ثلاثة أرباعهم من المتوقع أن تكون في الدول النامية، وخصوصا متدنية الدخل منها. والعبء المالي لمرض السكري، بكل تداعياته ومضاعفاته على الكلى والقلب والدماغ والعين وغيرها، يمثل عبئا ماديا لا يستهان به. وعدم المعالجة الناجحة لمرض السكري ترفع من احتمالات الإصابات بأمراض ميكروبية مختلفة نظرا لتدني مناعة الجسم وتدني قدراته على مواجهة الأمراض الأخرى.ودائما تشير المصادر الطبية إلى ارتباط تدني مستوى صحة الجسم والفقر وارتفاع الإصابات بمرض سل الدرن. ولذا يظل سل الدرن أحد الأسباب الخمسة الأولى للوفيات في مناطق واسعة من أفريقيا وآسيا ذات الدخل المادي المنخفض، بالإضافة إلى أمراض مهمة أخرى كأمراض شرايين القلب والإيدز وغيرها. ووجود ما يصنف بأنه «مراضة مرافقة» (Comorbidities)، مثل وجود إصابة بمرض السكري مع الإصابة بسل الدرن، هو بالفعل أحد العوامل التي تجعل من الصعب على الأطباء النجاح في معالجة السكري لضبط نسبة السكر في الدم وتقليل خطر مضاعفاته، وأيضا النجاح في القضاء على ميكروب سل الدرن وتخليص الجسم منه بتناول الأدوية المتوفرة.

* «سل السكري»
وتاريخيا، لاحظ الأطباء أن نسبة إصابات مرضى السكري بمرض سل الدرن دائما هي نسبة عالية. وفي عام 1934، لاحظ الطبيب هاوارد رووت، من مستشفى ديكونس في بوسطن، تلك العلاقة بين مرضى السكري بالولايات المتحدة وخصوصا بين المرضى البالغين منهم، وبشكل أعلى مما هو متوقع، وبين المراهقين وصغار الشباب لاحظ أن خطورة الإصابة بهما معا هي أيضا عالية. وخلال دراسة تشريحية للمتوفين لاحظ وجود ما يعرف بـ«سل درن السكري» (the tubercular diabetic)، كحالة ربما لا تظهر فيها على مريض السكري علامات واضحة للإصابة بسل الدرن، ولكنه موجود.
ولاحظ أن ترافق المشكلتين الصحيتين كان أعلى لدى مرضى السكري الذين لا يتم بشكل فاعل ضبط نسبة السكر في الدم لديهم. كما لاحظت دراسة أخرى من فيلادلفيا للدكتور باوكوت أن علامات سل الدرن من خلال فحص أشعة الصدر كانت أعلى لدى مرضى السكري، وخصوصا الذين يحتاجون إلى كميات أعلى من العلاج بهرمون الإنسولين، وهو ما يعني أولئك الذين يواجه الأطباء صعوبات في خفض نسبة السكر لديهم وضبطها ضمن المعدلات المطلوبة علاجيا.
والحقيقة أنه خلال السنوات الـ20 الماضية لا يزال الباحثون الطبيون يدرسون علاقة الإصابات بسل الدرن بين مرضى السكري، وخصوصا في كيفية إصابة مرضى السكري بميكروب سل الدرن وشكل ظهور علامات ومظاهر الإصابة بسل الدرن لدى مرضى السكري ونوعية استجابة أجسامهم لمعالجة سل الدرن.

* إصابات السل
ودعونا نراجع كيف يصاب المرء بمرض سل الدرن. هناك خطوتان، الأولى تعرض المرء لدخول ميكروب سل الدرن (Mycobacterium tuberculosis) إلى جسمه، ثم الخطوة الثانية هي تطور الإصابة وتغلل الميكروب ونموه في أجزاء مختلفة من جسم المريض، كالرئتين أو نخاع العظم أو العظم أو الجهاز البولي أو غيرهم. والخطوة المهمة في مقاومة الجسم لعدوى سل الدرن هي نشاط خلايا جهاز مناعة الجسم، وخصوصا ما يعرف علميا بـ«الخلايا البالعة» (phagocytes) والخلايا اللمفاوية (lymphocytes). ومرض السكري من المعلوم طبيا أنه يؤثر على قدرات عمل هذه الخلايا وعلى نظام الملاحظة الكيميائية لوجود ميكروبات غريبة (chemotaxis)، وغيرها من خطوات ملاحظة وجود الميكروبات وبدء خطوات تخليص الجسم منها، وهو ما يعبر طبيا عنه بـ«خمول وظيفة مناعة الجسم» (depressed immunological function). كما يؤثر مرض السكري على قدرات خلايا المناعة على إنتاج مواد الإنترفيرون وغيرها من المواد الكيميائية ذات القدرات الدفاعية في مواجهة الجسم للميكروبات. كما لاحظت بعض الدراسات الطبية تدني قدرات عمليات تطهير الحويصلات الهوائية بالرئة لميكروبات الدرن، وعلى سبيل المثال تدني إفراز خلايا المناعة البالعة (alveolar macrophages) لمواد مثل بيروكسيد الهيدروجين (hydrogen peroxide) للقضاء على الميكروبات.

* تذبذب السكر
وفي دراسة إسبانية حول اختبار الجلد للدرن (tuberculin skin test)، لاحظ الباحثون أن نحو 40 في المائة من مرضى السكري المشمولين في الدراسة لديهم اختبار مؤكد، مما يشير إلى ارتفاع معدل السل الكامن (latent tuberculosis) في مرضى السكري. كما لاحظت دراسات أخرى من بريطانيا وكوريا وغيرهم من دول العالم أن الإصابات بسل الدرن أعلى بين مرضى السكري مقارنة بغير مرضى السكري.
وإذا كان مرض السكري مرتبطا بارتفاع الإصابات بسل الدرن، يظل السؤال: هل شدة مرض السكري وعدم انضباط معالجته السبب وراء ارتفاع احتمالات الإصابة بسل الدرن؟ وهناك بالفعل عدة دراسات طبية بحثت في هذه النقطة، إحداها جرى إجراؤها في تشيلي، ولاحظت بالمتابعة لمدة عشر سنوات أن احتمالات إصابة مريض السكري بسل الدرن أعلى بنسبة 25 في المائة، وخصوصا بين مرضى السكري الذين يعتمدون على الإنسولين في المعالجة. ولاحظت نتيجة مشابهة دراسة أخرى أجريت في تنزانيا، ومنهما يلاحظ الأطباء أن الحاجة إلى الإنسولين في معالجة السكري، كعلامة على شدة مرض السكري وصعوبة انضباطه، هي مؤشر على توقع ارتفاع احتمال الإصابة بسل الدرن. كما لاحظت دراسة أخرى من هونغ كونغ أن عدم انضباط نسبة السكر في الدم هو أيضا عامل آخر في رفع احتمالات الإصابة بسل الدرن لدى مريض السكري. والأهم هو ما لاحظته دراسات أخرى، من أن مرضى السكري حينما يصابون بسل الدرن يكونون أعلى احتمالا لمواجهة صعوبات في علاج الدرن بتناول أنواع المضادات الحيوية المعتاد وصفها في معالجة سل الدرن، وتحديدا تتحدث تلك الدراسات عن احتمال نشوء حالات مقاومة متعددة للمضادات الحيوية (multidrug - resistant tuberculosis). وحتى اليوم لا يوجد تفسير علمي لهذا الأمر. وإذا كان السكري يرفع من احتمالات الإصابة بسل الدرن، فإن هناك سؤالا آخر بالمقابل: هل وجود إصابة بسل الدرن لدى إنسان غير مريض بالسكري يرفع من احتمالات إصابته بمرض السكري؟
ولا توجد إجابة علمية واضحة حتى اليوم على هذا السؤال، ولكن من الملاحظ أن وجود عمليات التهابات ميكروبية بالجسم يجعل الجسم يفقد نسبيا السيطرة على ضبط نسبة السكر في الدم بطريقة صحيحة، وعلى وجه الخصوص جرى التوصل إلى ملاحظات علمية عدة تؤكد احتمالات تسبب سل الدرن بالإصابة بمرض السكري، وهو ما جعل كثيرا من الباحثين يدرسون تأثيرات عدم انضباط نسبة السكر في الدم لدى مرضى سل الدرن، مثل دراسة نيجرية لاحظت أن سل الدرن يرفع من احتمالات بدء اضطرابات نسبة السكر في الدم بعد ثلاثة أشهر من بدء المعالجة الدوائية لسل الدرن، ودراسة تركية لاحظت نفس النتائج. وهو ما فتح جانبا آخر من البحث، هل العلاج الدوائي للسل له علاقة باضطرابات نسبة السكر في الدم أم السبب هو مرض سل الدرن؟
وتظل العلاقة بين سل الدرن ومرض السكري بحاجة إلى مزيد من الدراسات في المستقبل القريب لفهم طبيعية العلاقة بينهما.

* استشارية في الباطنية



لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
TT

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

أحياناً، لا يستطيع بعضنا النوم، رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد؛ وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا، وفقاً لما توصلت إليه دراسة جديدة.

وكل ليلة، ومع غروب الشمس، تبدأ بعض ميكروبات الأمعاء، المعروفة بميكروبات الليل، التكاثر والازدهار، بينما تموت ميكروبات أخرى، وتتغير المواد الكيميائية التي تفرزها هذه الميكروبات أيضاً، مما يسهم في النعاس، وفق ما نقله موقع «سايكولوجي توداي» عن مؤلفي الدراسة الجديدة.

ويصل بعض هذه المواد الكيميائية إلى منطقة تحت المهاد، وهي جزء من دماغك يساعدك على البقاء هادئاً في أوقات التوتر.

وقال الباحثون في الدراسة الجديدة: «من المدهش أن الميكروبات التي تحكم أمعاءك لها إيقاعات يومية، فهي تنتظر الإفطار بفارغ الصبر في الصباح، وفي الليل تحب أن تأخذ قسطاً من الراحة، لذا فإن تناول وجبة خفيفة، في وقت متأخر من الليل، يؤثر إيجاباً بشكل عميق على ميكروبات الأمعاء لديك، ومن ثم على نومك ومدى شعورك بالتوتر».

وأضافوا أن عدم التفات الشخص لما يأكله في نهاية يومه ربما يؤثر بالسلب على نومه، حتى وإن كان يشعر بالتعب الشديد.

كما أن هذا الأمر يزيد من شعوره بالتوتر، وهذا الشعور يؤثر سلباً أيضاً على النوم.

ولفت الفريق، التابع لجامعة كوليدج كورك، إلى أنه توصّل لهذه النتائج بعد إجراء اختبارات على عدد من الفئران لدراسة تأثير الميكروبيوم على الإجهاد والإيقاعات اليومية لديهم.

وقد حددوا بكتيريا واحدة على وجه الخصوص؛ وهي «L. reuteri»، والتي يبدو أنها تهدئ الأمعاء وتؤثر إيجاباً على الإيقاعات اليومية والنوم.

ويقول الباحثون إن دراستهم تقدم «دليلاً دامغاً على أن ميكروبات الأمعاء لها تأثير عميق على التوتر وجودة النوم».

ونصح الباحثون بعدم تناول الأطعمة والمشروبات السكرية ليلاً، أو الوجبات السريعة، وتلك المليئة بالدهون، واستبدال الأطعمة الخفيفة والمليئة بالألياف، بها.