من المعروف أن ارتفاع ضغط الدم يُعتبر من أكبر المشكلات الصحية التي يعاني منها ملايين البشر حول العالم، إذ يمكن اعتباره مرضًا مزمنًا عالميًا. ويعاني منه تقريبًا واحد من كل ثلاثة أميركيين، حسب مركز مراقبة على الأمراض والوقاية منها. ومن المتوقع بحلول عام 2025 أن يكون عدد مرضى ارتفاع الضغط حول العالم نحو مليار ونصف المليار شخص، وهو الأمر الذي يمثل تهديدًا للصحة في العالم، إذ إن ارتفاع ضغط الدم من العوامل الرئيسية المسببة لأمراض القلب والسكتة الدماغية والفشل الكلوي.
وعلى الرغم من أن السبب الحقيقي لارتفاع ضغط الدم ليس محددًا على وجه الدقة، فإن هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الضغط مثل تناول نسب عالية من الصوديوم متمثلة في ملح الطعام. ومن أهم العوامل التي يمكن أن تتسبب في ارتفاع الضغط تزايد الضغوط النفسية والتعرض الدائم لها. وخلافًا للاعتقاد السائد بأن هذه الضغوط النفسية تكون السبب في المرض في فترة البلوغ، وفي فترة منتصف العمر، كشفت دراسة طبية حديثة عن أن المراهقين أيضًا أصبحوا في خطر الإصابة المبكرة بارتفاع ضغط الدم نتيجة للاضطرابات النفسية التي يمكن أن يتعرضوا لها، وأن هذه المشكلات النفسية تترك أثرها العضوي على هؤلاء المراهقين.
* دراسة متابعة
وكانت الدراسة التي نشرت في شهر فبراير (شباط) من العام الحالي في مجلة القلب journal Heart التي قام بها باحثون أميركيون من كلية الطب في إيكان Icahn School of Medicine قد تتبعت مليون ونصف المليون من المراهقين لمتابعة ارتفاع ضغط الدم لديهم من ملفات مركز تسجيل الأمراض في السويد تم تجنيدهم في الجيش في الفترة من 1969 وحتى عام 1997.
وخضع هؤلاء جميعا لاختبارات نفسية أثناء التجنيد لتقييم مدى تأقلمهم وتعاملهم مع الضغوط النفسية، وذلك من خلال مقابلة استمرت نحو 20 دقيقة وتم رصد درجات لطريقة التعامل تتدرج من 1 وحتى 9 وكانت الدرجة الكبرى 9 تمثل أعلى معدل من المرونة والتعامل مع الضغوط. وقام الباحثون بتقسيم بيانات الذين خضعوا للاختبار إلى 5 مجموعات.
وكان هذا الكشف إجباريًا على جميع المراهقين البالغين 18 عامًا عند التقدم للتجنيد، وقد قام الباحثون بتتبع هؤلاء المراهقين حين بلوغهم عمر 47 سنة. وفي المجمل رصدت نسبة 6 في المائة من هؤلاء المراهقين الذين عانوا بالفعل من ارتفاع ضغط الدم. وأشارت الإحصائيات إلى أن المراهقين الذين عانوا من سرعة التوتر والقلق وكانت لديهم مرونة واحتمالاً أقل في التعامل مع الضغوط الحياتية، هم الذين أصبحوا أكثر عرضة من أقرانهم الآخرين للإصابة بارتفاع ضغط الدم. وكان المراهقون الذين سجلوا درجات أقل في تحمل الضغوط أكثر عرضة بمقدار 40 في المائة للتعرض لارتفاع ضغط الدم في فترة البلوغ. كما وجد الباحثون أن فرص الإصابة زادت بزيادة الاستجابة السريعة في كل الدرجات.
وبطبيعة الحال تم الأخذ في الاعتبار بقية العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة ضغط الدم مثل السمنة ومرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع تناول المأكولات التي تحتوي على الصوديوم الموجود في ملح الطعام. وفي المقابل، وجد الباحثون عاملين يمكن أن يؤدِّيا إلى خفض فرص الإصابة، وهما ارتفاع مستوى التعليم، وكذلك المعيشة في مكان راقٍ اجتماعيًا واقتصاديًا.
* أهمية العامل النفسي
وتأتي أهمية الدراسة من أنها تتبعت بيانات عدد هائل من المراهقين فضلاً عن أنها أشارت إلى أهمية وضع العامل النفسي في الاعتبار في تشخيص ارتفاع ضغط الدم ومحاولة علاج المراهقين الذين لا يتمتعون بالمرونة الكافية في مواجهة الضغوط، وعمل تقييم لذلك بشكل مسحي لمعرفة المراهقين الأكثر احتمالية للإصابة والتعامل معهم بالشكل الأمثل لمساعدتهم في تجاوز القلق الذي يلازمهم من خلال علاج نفسي واجتماعي وسلوكي، ومحاولة احتواء المراهقين بالحنان، وعمل دراسات مسحية باستمرار لقياس الأمور الأكثر تسببًا في الضغوط والقلق عند المراهق التي تختلف من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر.
وكانت دراسة سابقة أُجريت منذ عامين قد استطلعت 124 من المراهقين، طلب منهم تحديد أكثر الأمور التي تسبب لهم التوتر والقلق في كل نواحي حياتهم مثل الدراسة والحب والفكر والجنس والصداقة، وهل يمثل التنافس بهدف التفوق الأكاديمي أو الاجتماعي أو العاطفي مصدرًا للقلق.
واتفق معظم الطلاب المتفوقين والمتعثرين (على حد سواء) على أن الدراسة تلعب دورًا كبيرًا في ممارسة الضغط النفسي على المراهق. وأيضًا لعبت العلاقات العاطفية دورًا بالغ الأهمية بالنسبة لغالبية المراهقين، إذ بينما تميز المراهقون الذين في علاقة عاطفية بالاتزان النفسي والعاطفي، فإن البعض منهم أعرب عن أن العلاقة العاطفية تسبب أيضًا نوعًا من القلق والتوتر لكثير من الأسباب مثل القلق حول مستقبل العلاقة وعدم التأكد من مشاعر الطرف الآخر أو سيطرة طرف ما على مصير العلاقة.
وأيضًا كان هناك دور كبير للتيارات الفكرية في زيادة التوتر عند المراهقين نظرًا لاستعداد المراهق في هذه الفترة من حياته لاعتناق أي أفكار غريبة تشعره بالتميز وتحاول الإجابة على الكثير من الأسئلة التي تدور في ذهنه. وتعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل التي يمكن أن تزيد القلق والتوتر. وفي النهاية، يجب التعامل مع مشكلات المراهقين بالاهتمام الكافي لضمان صحتهم النفسية والجسدية أيضًا.
* استشاري طب الأطفال