لا يبدو بتاتًا أن الرئيس الأميركي عازم على تغيير رأيه بشأن مساعي باريس لإقامة تحالف عريض يضم روسيا للقضاء على تنظيم داعش. والتصريحات التي أدلى بها باراك أوباما أمس في باريس، خلال مؤتمر صحافي في مقر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي حضرته «الشرق الأوسط»، يدل على العكس تماما، إذ يبين أن واشنطن هي التي تتوقع أن تنضم إليها موسكو، في النهاية، لمحاربة تنظيم داعش. واختصر أوباما توقعاته بالقول إن موسكو «ستعي في نهاية المطاف أن التهديد الذي يمثله (داعش) على روسيا وشعبها هو الأهم»، أي أهم من بقاء الأسد في السلطة «وأن عليهم التحالف معنا، نحن الذين نقاتل (داعش)».
كلام الرئيس الأميركي جاء بعد سلسلة من اللقاءات التي عقدها على هامش قمة المناخ في باريس وأهمها ثلاثة: أولها، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ظهر الاثنين، وثانيها مع الرئيس الفرنسي ليل أول من أمس بمناسبة حفل عشاء حضره مساعدوه المقربون إلى جانب وزير الخارجية جون كيري وثالثها صباح أمس، مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في بيت السفيرة الأميركية في العاصمة الفرنسية.
الحجة الرئيسية التي يستند إليها أوباما قوامها القول إن الوضع الميداني في سوريا بعد أسابيع كثيرة على بدء الضربات الجوية الروسية، لم يتغير، بل الذي تغير أن روسيا أخذت تحصي خسائرها، إذ إنها فقدت طائرة ركاب مدنية فوق سيناء وخسرت الأسبوع الماضي طائرة قاذفة على الحدود السورية التركية إضافة إلى كثير من الضحايا. وأضاف الرئيس الأميركي: «أعتقد أن السيد بوتين يفهم، نظرا لأن أفغانستان لا تزال ماثلة في الذاكرة، إن تورطه في نزاع أهلي نتيجته غير محسومة، ليس هو الهدف الذي يرغب في تحقيقه»، في إشارة إلى التدخل الروسي في النزاع الأفغاني في الثمانينات الذي استنفد موارد موسكو. وبحسب التفكير الأميركي، فإن تكلفة دعم الرئيس السوري وإبقائه في السلطة ستكون مرتفعة، لدرجة أن موسكو ستكون مرغمة على تغيير استراتيجيتها وسياستها في سوريا التي اختصرها بأنها تهدف فقط إلى إبقاء الأسد في السلطة وليس لمحاربة «داعش».
بيد أن التغييرات التي يتوقعها أوباما في السياسة الروسية «لن تأتي سريعا»، مضيفًا أنه لا يتوقع من الرئيس بوتين أن «يستدير 180 درجة خلال الأسابيع القادمة» خصوصًا أنه منذ سنوات يدعم نظام الأسد، ولذا «سيحتاج للوقت حتى يغير طريقة تفكيره». ولمزيد من الإيضاح كرر أوباما أنه «لا يجب أن نخطئ وروسيا لن تغير مواقفها سريعا».
يعتبر الرئيس أوباما أنه إلى جانب التكلفة المرتفعة التي ستدفع موسكو لتغيير حساباتها، ثمة عنصر آخر سيحفزها على إعادة النظر في مواقفها، وهو الضغوط العسكرية المتزايدة التي سيمارسها التحالف الغربي ميدانيًا، مشيرًا إلى إدخال فرنسا لمزيد من قواها إلى أرض المعركة وانضمام ألمانيا واحتمال انضمام بريطانيا كذلك. وكل ذلك من شأنه أن يدفع موسكو إلى إعادة النظر في حساباتها وربما الانضمام إلى الغربيين في حربهم على «داعش»، باعتبار أن واشنطن لا تؤمن بأن موسكو تحارب «داعش». وتشكل هذه النظرة نقطة اختلاف مع الرؤية الفرنسية التي عبر عنها وزير الخارجية لوران فابيوس الأسبوع الماضي والتي اعتبر فيها أن الروس أصبحوا «صادقين» في حربهم على «داعش».
من المؤشرات التي يتوقف عندها أوباما، قبول روسيا السير في المسار السياسي المتمثل بما نتج عن اجتماعي فيينا الدوليين وصدور خريطة الطريق. وبرأيه أن ذلك يعني أن بوتين «أخذ يعي أنه لا حل عسكريا في سوريا». ولذا، فإن أوباما يؤكد أنه «لا خلاف بينه وبين بوتين على الحل السياسي»، بل على مصير الأسد الذي يعتبره غير مؤهل لأن يقود المرحلة الانتقالية. وأضاف: «ولكن وبغض النظر عن المعادلة الخلافية، فمن الناحية العملية، من المستحيل أن يتمكن الأسد من توحيد البلاد وأن يجمع جميع الأحزاب في حكومة شاملة». وخلاصة أوباما أن روسيا ستوافق «في نهاية المطاف» على رحيل الأسد «الفاقد للشرعية». لكن ذلك «سيستغرق وقتا طويلا». كذلك، فإن أوباما حذر من أن «داعش» لن يختفي بل «سيظل يشكل تهديدا جديا لكثير من السنوات». أما سياسيًا، فأوضح أوباما أن المنتظر من الجهود الدبلوماسية في فيينا هو إشراك جماعات المعارضة المعتدلة «التي وبصراحة لا تجمعنا أشياء مشتركة مع بعضها، ولكنها تمثل فصائل كبيرة داخل سوريا».
أما الموضوع الثاني الذي توقف عنده أوباما فهو تركيا وتوتر علاقاتها بروسيا والدور المطلوب منها في سوريا. وقد دعا أوباما تركيا وروسيا إلى تجاوز خلافاتهما والتركيز على «العدو المشترك»، الذي هو «داعش». وقال أوباما صباحا بعد لقائه إردوغان: «لقد بحثنا كيف يمكن لروسيا وتركيا أن تعملا معا لخفض التوتر وإيجاد مخرج دبلوماسي لحل هذه القضية». وفيما أعلن إردوغان أنه حرص على طي صفحة الخلاف مع روسيا التي فرضت عقوبات اقتصادية على بلاده وامتنع رئيسها عن لقائه في باريس رغم وجود الرجلين في مكان واحد يوم الاثنين بمناسبة قمة المناخ، حرص أوباما على تأكيد دعمه لتركيا قائلا: «أود أن أكون واضحا جدا، تركيا حليف ضمن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة تدعم حقوق تركيا في الدفاع عن نفسها ومجالها الجوي وأراضيها».
وفي المؤتمر الصحافي، أفاد أوباما أنه لفت نظر الرئيس التركي للحاجة لإغلاق الحدود التركية السورية تماما. ورغم التقدم الذي حصل، فإنه أشار إلى استمرار وجود ثغرة من 80 كلم يستغلها «داعش» كمنطقة ترانزيت للمقاتلين الأجانب ولتصدير النفط وتمويل العمليات العسكرية. وأكد الرئيس الأميركي أن بلاده تتعاون مع تركيا لترى كيفية سد هذه الثغرة مكررًا أن الرئيس إردوغان «يفهم أهمية ذلك».
أوباما يذكر بوتين بمستنقع أفغانستان.. وأن تهديدات «داعش» أهم من بقاء الأسد
تكلفة الحرب الروسية في سوريا ستدفع موسكو لتغيير سياستها
أوباما يذكر بوتين بمستنقع أفغانستان.. وأن تهديدات «داعش» أهم من بقاء الأسد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة