لا تزال زراعة الرئة Lung Transplant أحد أنواع زراعات الأعضاء الأقل في عدد الحالات التي تُجرى لها هذه النوعية من العمليات الجراحية. وتشير المؤسسة القومية الأميركية للقلب والدم والرئة، التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، إلى أن زرع الرئة هو علاج «الملاذ الأخير» بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مرض شديد في الرئة مع عدم وجود خيارات طبية علاجية أخرى للتغلب على تدهور قدرة الرئة على أداء وظائفها بشكل يكفي لعيش المريض حياة مريحة نسبيًا على أقل تقدير.
* قصر القامة
وكان الباحثون من المركز الطبي بجامعة كولومبيا في نيويورك قد نشروا ضمن عدد 16 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي للمجلة الأميركية لطب التنفس والعناية المركزة American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine، نتائج دراستهم حول تأثيرات قصر القامة على فرص تلقي المعالجة الطبية بزراعة الرئة. وهي الدراسة التي قد يستغرب البعض أهميتها ويرى أنها «طريفة» إلا أن لها مدلولات طبية كما سيأتي.
وأفاد الباحثون أن البالغين قصار القامة هم أقل حظًا في أخذ فرصة المعالجة بزراعة الرئة مقارنة بمنْ يكون طولهم ضمن المعدلات الطبيعية، وأن البالغين قصار القامة أكثر عُرضة للوفاة نتيجة لذلك خلال فترة الانتظار لحين توفر رئة ممنوحة من شخص سليم متوفى. وفي هاتين الملاحظتين، تُعاني النساء أكثر من الرجال في أخذ فرصة المعالجة بزراعة الرئة. وعلق الدكتور ديفيد ليدرير، الباحث الرئيس في الدراسة وطبيب الباطنية بجامعة كولومبيا، بالقول: «يميل الجراحون إلى مطابقة قصار القامة مع متبرعين بالرئة قصار القامة لأنهم يعتقدون أن ذلك سيؤدي إلى الحصول على نتائج أفضل لزراعة الرئة. ولكن النتائج الحديثة تشير إلى أن هذا السلوك الطبي يجعل قصار القامة يُعانون من عواقب أسوأ، وقصار القامة بإمكانهم التكيف مع الرئة الأكبر، والجراحون بإمكانهم تقليص حجم الرئة قبل زراعتها في قصير القامة، وبالتالي لا يُوجد مستند علمي يدعم هذا السلوك المنحاز ضد قصار القامة الذين هم بحاجة ماسة لزراعة الرئة».
وتابع الباحثون في دراستهم 13 ألف بالغ محتاجين لزراعة الرئة ممنْ تم وضعهم ضمن قوائم الانتظار لتلقي زراعة الرئة فيما بين عام 2005 و2011، وتبين أن قصار القامة، أي منْ طولهم أقل من 5 أقدام و4 بوصات (1.60 متر تقريبا) كانوا بنسبة 34 في المائة أقل حظًا لتلقي زراعة الرئة مقارنة بمنْ هم أطول من ذلك. وبالتالي، كانوا بنسبة 62 في المائة أعلى في الوفيات خلال فترة الانتظار لتلقي عملية زراعة الرئة. وهو ما علق عليه الباحثون بالقول إن ثمة ضرورة لمراجعة العناصر التي من خلالها يتم ترتيب أولويات تلقي زراعة الرئة لضمان المساواة بين قصار القامة ومنْ هم أطول منهم.
* زرع الرئة
وتذكر المؤسسة القومية الأميركية للقلب والدم والرئة أن زرع الرئة ليس شائعًا جدًا نظرًا لوجود عدد قليل من الأعضاء المتبرع بها والمتاحة للزراعة، وأنه قد أجريت نحو 1800 عملية زرع الرئة في الولايات المتحدة في عام 2010، وتتراوح أعمار معظم الذين تمت لهم عمليات زرع الرئة ما بين 18 و65 سنة، وأن توفر مزيد من الرئتين الممنوحة يعني عددًا أكبر من الرئتين المناسبة للزراعة. هذا مع العلم أن زرع الرئة يُعرض المرضى إلى مخاطر جسيمة يُمكن التغلب عليها إذا ما تمت متابعتهم بشكل دقيق في مرحلة ما بعد إتمام العملية الجراحية للزراعة نفسها، مثل أن يرفض جسم المريض تلك الرئة الجديدة المزروعة أو قد تحصل عدوى ميكروبية شديدة نظرًا لتلقي أدوية خفض مناعة الجسم التي تُعطى لجميع أولئك المرضى لتسهيل تقبل الجسم للرئة الجديدة المزروعة، ولذا تُؤكد المؤسسة القومية الأميركية للقلب والدم والرئة أن في الأجلين القصير والطويل ثمة احتمالات لحصول مضاعفات لعملية زرع الرئة يمكن أن تهدد الحياة.
* أنواع الزرع
ومصدر الرئة المزروعة إما رئة مأخوذة من جسم شخص متوفى أو جزء من الرئة المأخوذ من جسم شخص سليم. وعليه هناك أربعة أنواع من زراعة الرئة، أولها زرع كامل الرئتين، المأخوذة من متبرع متوفى، في جسم مريض واحد، أي زرع مزدوج Double - Lung Transplant، وتستغرق هذه العملية عادة ما بين 6 إلى 12 ساعة. والثانية، زرع رئة واحدة، مأخوذة من متبرع متوفى، في جسم شخص مريض، أي زرع أحادي Single - Lung Transplant، وتستغرق هذه العملية عادة ما بين 4 إلى 8 ساعات. وثالثها، زرع فص من الرئة الممنوحة من شخص سليم حي Living Donor Lobar Lung Transplant في جسم شخص مريض، وهو نوع نادر من الزراعات في الوقت الحالي ويتم غالبًا للأطفال. والنوع الرابع في حالات مرضى لديهم فشل في القلب والرئتين يتم لهم زراعة القلب والرئتين Heart–Lung Transplant المأخوذتين من متبرع متوفى.
وتقول المؤسسة القومية الأميركية للقلب والدم والرئة إن الطبيب قد ينصح بزراعة الرئة لمنْ لديهم مرض شديد في الرئة وقابل للتطور إلى حد تهديد سلامة حياة المريض ولا تُجدي الوسائل العلاجية الطبية في معالجتهم، وتحديدًا منْ تشير التقديرات الطبية العلاجية إلى أن فرص بقائهم على قيد الحياة لا تتجاوز سنة أو سنتين على الرغم من توفير الدعم الطبي العلاجي بأقصى ما يُمكن على هيئة أدوية وأجهزة مساعدة على التنفس Breathing Devices. ولذا فإن عملية زرع الرئة يمكن أن تحسن نوعية الحياة التي يعيشها المريض وأيضا قد تساعدهم على العيش لفترة أطول مما لو تُركوا من دون إجراء جراحة زراع الرئة.
* حالات مرضية
وتذكر أيضًا أن من أهم الحالات المرضية التي قد تتطلب معالجة بزراعة الرئة هي مرض الرئة الانسدادي المزمن COPD الذي هو في حقيقة الأمر ليس مرضًا واحدًا فحسب وفق ما تشير إليه منظمة الصحة العالمية WHO، ولكنّه مصطلح عام يُستخدم للإشارة إلى أمراض رئوية مزمنة تحدّ من تدفق الهواء في الرئتين. وهذا المرض ليس مجرّد سعال بسيط يصيب المدخّن، وإنما هو مرض رئوي لا يُشخّص بسهولة ويتهدد حياة المصابين به. وأكثر أعراض هذا المرض شيوعًا ضيق التنفس، أو «الحاجة إلى استنشاق الهواء»، وفرط إفراز البلغم، والسعال المزمن.
وقد تصبح الأنشطة اليومية، مثل صعود عدد قليل من الدرجات، أمرًا بالغ الصعوبة كلّما اشتد المرض. وتضيف أن مرض الرئة الانسدادي المزمن من الأمراض التي يمكن توقيها، غير أنّه يتعذّر الشفاء منه. ويمكن أن يساعد العلاج على إبطاء استفحاله، علما بأن المرض يتفاقم ببطء مع مرور الوقت. وعليه يُشخّص هذا المرض، في غالب الأحيان، لدى أولئك الذين يبلغون من العمر 40 عامًا أو يزيد. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن مرض الرئة الانسدادي المزمن، على الرغم من قلّة الحديث عنه نسبيًا، يُودي بحياة شخص واحد في كل عشر ثوان على مستوى العالم. ومن المتوقّع أن يزيد العدد الإجمالي للوفيات الناجمة عن هذا المرض في السنوات العشرين القادمة بشكل يجعل منه ثالث أهمّ أسباب الوفاة في العالم، وذلك إذا لم تُتخذ إجراءات فورية للحد من عوامل الخطورة ذات الصلة، وبخاصة تدخين التبغ وتلوّث الهواء.
ويعد التدخين المسبب الأكثر شيوعًا لمرض الانسداد الرئوي المزمن، بالإضافة إلى عدد من العوامل الأخرى مثل تلوث الهواء وعوامل أخرى كلهب وسائل الطبخ والتدفئة سيئة التهوية، والتعرض الطويل المدى لهذه المهيجات يسبب التهابات في الرئتين مما يؤدي إلى ضيق في الممرات الهوائية الصغيرة وتحلل أنسجة الرئة.
ومن الأمراض الأخرى مرض التليف الرئوي مجهول السبب Idiopathic Pulmonary Fibrosis (IPF) الذي هو مرض مزمن يصيب الرئتين، ويتسبب في ظهور ندبات ليفية في داخل تراكيب الرئة، ومع مرور الوقت تصبح أنسجة الحويصلات الهوائية في الرئة عبارة عن أنسجة ليفية، مما يسبب عدم قدرة الرئتين على نقل الأكسجين من الهواء الذي يتنفسه الشخص إلى مجرى الدم لديه، ومن ثم لا تحصل أعضاء الجسم المختلفة، كالمخ وغيره من الأعضاء، على كمية الأكسجين التي تحتاج إليها. وحتى اليوم، يبقى سبب حدوث هذا التليف الناجم عن الالتهابات غير معروف، ولكنه عادة ما يصيب الأشخاص الأكبر من عمر 50 سنة، ومن أهم أعراضه هو حدوث ضيق في النفس وسعال جاف.
وكذلك الحال في أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم الرئوي Pulmonary Hypertension ومرض التليف الكيسي Cystic Fibrosis ومرض نقص ألفا واحد أنتيتربسين AAT Deficiency. وفيها جميعًا تنخفض بالتدريج قدرات الرئة على أداء وظائفها الأساسية، وبالتالي يصل المريض إلى مراحل مرضية متقدمة تتطلب مساندة بالأجهزة ومعالجة بالأدوية، والتي قد تصل إلى مرحلة لا تُجدي فيها نفعًا، ما يتطلب زراعة الرئة.
* انتظار الزراعة
ومتوسط مدة الانتظار لتلقي زراعة الرئة في الولايات المتحدة لمنْ تم إدخالهم في البرامج القومية الخاصة بذلك هو ما بين 2 إلى 3 سنوات. ويتم إجراء عمليات زراعة الرئة في المراكز الطبية المتخصصة والتي لديها خبرة في إنجاز مثل هذه النوعية من المعالجات الطبية المتقدمة. ويُشارك في فريق زراعة الرئة مجموعة من المتخصصين الطبيين، وهو ما يشمل جراحا متخصصا في الجراحات الصدرية وطبيبا متخصصا في أمراض الرئة وطبيبا متخصصا في أمراض القلب والأوعية الدموية وطبيبا متخصصا في أمراض المناعة ومتخصصين في العلاجات التنفسية ومنسق عمليات زراعة الأعضاء، بالإضافة إلى طواقم التمريض والفنيين وأخصائيين نفسيين ومتخصصين في التغذية ومتخصصين في الخدمة الاجتماعية وغيرهم. ولذا فإن نجاح مراحل التحضير لعملية الزراعة ونجاح عملية الزراعة ونجاح اجتياز فترة ما بعد العملية الجراحية وفترة النقاهة يتطلب العمل بروح الفريق بين مجموعة من المتخصصين الطبيين وغير الطبيين.
ووفق ما تشير إليه المؤسسة القومية الأميركية للقلب والدم والرئة فإن النتائج الحديثة تُظهر أن فرص البقاء على قيد الحياة بعد زراعة الرئة Lung Transplant Survival، لمدة عام نحو 78 في المائة، ولمدة ثلاثة أعوام 63 في المائة، ولمدة خمس سنوات 51 في المائة، وهي أفضل ما يُمكن في الوقت الراهن ووفق إحصائيات المستشفيات الأميركية، وأن فرص البقاء على قيد الحياة بعد زراعة الرئة هي أفضل نسبيًا في حالات زراعة الرئتين مقارنة بزراعة رئة واحدة لمتلقي الزراعة، وتحديدًا متوسط البقاء على قيد الحياة هو 4.2 بالنسبة لزراعة رئة واحدة، وهو 6.6 سنة في حالة زراعة رئتين.
ويبقى المريض في المستشفى ما بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع في الغالب، ويُطلب من المريض أن يكون قريبًا من المستشفى فترة 3 أشهر التالية لخروجه منها، وتستمر فترة النقاهة نحو 6 أشهر.
* استشارية في الباطنية