كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد

«ملاذ آمن» لمختلف القوميات والطوائف في المنطقة

كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد
TT

كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد

كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد

يتميّز إقليم كردستان العراق من حيث التركيبة الجغرافية والسياسية والسكانية والقبلية عن باقي مناطق العراق الأخرى. ومن أبرز ميزاته التنوّع القومي والديني الكبير، بالمقارنة مع مناطق وسط العراق وغربه وجنوبه، ولقد أسهم هذا التنوّع في أن تكون هذه البقعة من العراق ملاذًا آمنًا لعدد هائل من القوميات والطوائف والأقليات التي هجرت مناطقها واستقرت فيها.
من ناحية أخرى، عاش الشعب الكردي في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 كثيرا من الحروب والويلات في عهود الحكومات المتعاقبة، التي شنّ عدد منها هجمات على الشعب الكردي لقمع انتفاضاته. وكان من نتائج هذه السياسة حرمان أبناء القومية الكردية طويلاً من استعمال لغتهم الأم، كما تعرّض كثيرون منهم للتهجير القسري إلى مناطق في وسط البلاد وجنوبها.
كانت أعنف الحملات التي يصفها أكراد العراق بـ«حملات الإبادة الجماعية» التي شنتها عليهم سلطات بغداد تلك التي شنها نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (1979 - 2003), وتمثّلت في «حملات الأنفال».
إذ تٌتهم القوات العراقية بدفن أكثر من 182 ألف كرديًا وهم أحياء في صحارى الجنوب العراقي، وارتكاب مجزرة جماعية بحق 8000 كردي، وقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية ما نتج عنه مقتل أكثر من خمسة آلاف شخص وإصابة أكثر من عشرة آلاف بجروح ما زالوا يعانون من آثارها حتى الآن، إضافة إلى فقدان الآلاف من الأطفال وتدمير أكثر من 4500 قرية.
بعد الغزو العراقي للكويت في أغسطس (آب) من 1990، شنت قوات التحالف الدولي هجومًا على القوات العراقية فأرغمت صدام حسين على الانسحاب من الكويت، وفرضت حصارًا اقتصاديًا على العراق. وفي ربيع عام 1991 انتفض أكراد العراق بوجه الحكومة، وتمكنت قوات البيشمركة الكردية من إخراج الجيش العراقي الأجهزة الأمنية التابعة للنظام من المدن الكردية، لكن الجيش سرعان ما عاد مرة أخرى إلى الإقليم، واستؤنفت الحرب، واضطر آلاف المدنيين الكرد إلى الهروب نحو المناطق الحدودية مع إيران وتركيا. وتوفي كثيرون منهم جراء ظروف النزوح الصعبة المتمثلة بقسوة الطرق والجوع والعطش والبرد الشديد وانتشار الأمراض، وكان الأطفال والنساء والشيوخ في مقدمة الضحايا.

* تطوّر الحكم الذاتي الكردي
غير أن المجتمع الدولي أجبر نظام صدام حسين في ما بعد على سحب قواته من كردستان العراق، وأعلن التحالف الدولي «منطقة حظر طيران» في المناطق الكردية المحرّرة من جيش النظام، بينما ظل في المناطق التي يصفها الأكراد بـ«المناطق المتنازع عليها» بين سلطات الإقليم والحكومة المركزية في بغداد. وفي عام 1992 أسست أول حكومة لإقليم كردستان العراق، كما أسس برلمان الإقليم بعد إجراء انتخابات شارك فيها المواطنون الكرد. ومع أن السنوات التي تلت عام 1992 كانت فترة عرفت بـ«سنوات الحرب الداخلية» بين الحزبين الرئيسين، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، استمرت حتى عام 1998، فإنها انتهت بـ«اتفاقية واشنطن للسلام». وحقًا استطاع الإقليم بعد تلك السنوات أن ينهض من جديد ويمحو آثار الحروب التي نكبته، ويباشر بناء مجتمع ديمقراطي مدني. ثم بعد إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين شارك القادة الأكراد في بناء العراق الجديد متطلعين لأن تكون حقوق الشعب الكردي محفوظة في العهد الجديد، لكنهم لا يبدون اليوم راضين عمّا تحقق، وهم يتهمون الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، وحتى الآن، بأنها لم تفِ بأي التزام اتجاه الشعب الكردي، ويرون أن سلطات بغداد ما زالت تحاول «إثارة المشكلات لإقليم كردستان ومواطنيه».
من ناحية ثانية، استطاع رئيس الإقليم مسعود بارزاني عام 2005، بعد توليه منصبه، «توحيد البيت الكردي» بالتعاون مع الأطراف الكردية الأخرى، فشُكلت أول حكومة موحّدة بعد الحرب الأهلية في الإقليم بقيادة رئيس الحكومة الحالي نيجيرفان بارزاني في العام ذاته. ويمكن القول إنه خلال السنوات الـ24 الماضية استطاع الإقليم أن يؤسس لنموذج ناجح من الديمقراطية في المنطقة رغم المشكلات والضغوط الإقليمية.

* الطبيعة الجغرافية لكردستان العراق
تمتاز التركيبة الجغرافية لإقليم كردستان بتنوع غني. وعن هذا التنوع يقول البروفسور خليل إسماعيل، الخبير في الجغرافية السياسية وأستاذ قسم الجغرافية في جامعة صلاح الدين بمدينة أربيل، لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «تمثل مرتفعات حمرين وابتداءً من مناطق جنوب قصبة مندلي وبدرة وجسّان التي تمتد إلى حدود جنوب كركوك، وتحادد حدود محافظة كركوك، ثم تخترق منطقة الفتحة وتتجه إلى الشمال الغربي من مدينة الموصل، إلى أن تصل إلى مرتفعات سنجار، الحدود الطبيعية لإقليم كردستان العراق. وأهم ما يمكن أن نشير له بهذا الصدد هو التقرير الذي قدّمته لجنة عصبة الأمم عام 1924 إلى عصبة الأمم يوم ذاك في إطار مشكلة ولاية الموصل. هذا التقرير أكد على أن العراق يتميز بثلاثة أقاليم، هي: إقليم العراق وإقليم كردستان وإقليم الجزيرة، وأشار التقرير إلى أن إقليم كردستان ينفصل عن إقليم العراق من خلال مرتفعات حمرين ومكحول إلى مرتفعات سنجار. وبالتالي فهذه المنطقة تختلف تماما من الناحية الطبيعية عن المناطق الواقعة جنوب مرتفعات حمرين».
وعن تضاريس إقليم كردستان، أوضح إسماعيل: «ليس غريبا أن تأخذ هذه المنطقة اسم الإقليم، لأن الإقليم هو المنطقة المتميزة عن المناطق المجاورة، فإقليم كردستان يتميّز عن المناطق المجاورة الأخرى من حيث ارتفاع الأرض وانخفاضها. ذلك أن الأرض ترتفع من مرتفعات حمرين باتجاه الشمال والشمال الشرقي إلى الحدود العراقية الإيرانية والحدود العراقية التركية، في حين تتميز المناطق الواقعة جنوب حمرين بانبساطها ولذا سميت من القديم باسم إقليم السواد. وكذلك من حيث نسبة الأمطار، يختلف إقليم كردستان تماما عن مناطق وسط العراق وجنوبه، إذ إن المناطق الواقعة في شمال حمرين تتميز بكونها ذات أمطار نسبية أعلى بكثير من نسبة الأمطار في المناطق الواقعة جنوب حمرين، وبالتالي يتميز إقليم كردستان باكتفاء مائي لافت، بل إن إقليم كردستان العراق يمثل المصدر الرئيس لموارد المياه بالنسبة لوسط العراق وجنوبه. وأما من ناحية درجات الحرارة فإن إقليم كردستان يتميز باعتدال درجات الحرارة في الصيف، ولذا يعد كثير من مناطق الجبال مراكز سياحية ليس فقط للعراقيين بل لكثير من السياح من دول الجوار ودول الخليج العربي».

* التركيبة السكانية
وعن تفاصيل التركيبة السكانية للإقليم، قال إسماعيل: «يتميز التوزيع السكاني لإقليم كردستان بأنه منتشر جغرافيًا، بعكس حال مناطق وسط العراق وجنوبه، حيث تتركز الكثافة السكانية في حوضي نهري دجلة والفرات وفروعهما. كذلك من ناحية التركيب القومي أو الإثني، يتميّز إقليم كردستان بتنوع قومي/ إثني يختلف عن حال باقي مناطق العراق الأخرى، فهو يجمع بين قوميات متنوعة، فبالإضافة إلى الكرد الذين يمثلون الغالبية العظمى من سكانه، فهناك التركمان والعرب كذلك».
وعن التركيبة الدينية والطائفية – المذهبية في الإقليم، يشرح البروفسور قائلاً: «التركيبة الدينية هي الأخرى متنوعة في الإقليم، فإلى جانب المسلمين الذين يشكلون غالبية سكانه، هناك المسيحيون والإيزيديون والأرمن والصابئة والكاكائيون. ثم هناك تنوّع طائفي – مذهبي غني. هذا الوضع الذي يندر وجود مثيل له في أي منطقة أخرى من العالم، جعل سكان إقليم كردستان العراق، بصفة عامة، أكثر حرية وتسامحًا من كثرة من مواطني هذه المنطقة، ويعتبر الإقليم الملتقى لكثيرين من الأقليات والطوائف التي ظلمت واضطهدت خلال الفترات السابقة سواءً من المسيحيين أو العرب أو غيرهم. كل هؤلاء وجدوا في الإقليم الملاذ الآمن لحين الفرج والعودة إلى بلادهم». وتابع: «ثم إن موقع إقليم كردستان الذي تحده من الشرق إيران ومن الشمال تركيا ومن الغرب سوريا ومن الجنوب باقي مناطق العراق الأخرى، أتاح له أن يحتضن الآلاف من الأكراد الهاربين من إيران وتركيا وسوريا بسبب السياسات التي تنتهجها حكومات هذه الدول ضد مواطنيها الأكراد».

* الأحزاب الكردية
في ما يخص الحياة الحزبية في إقليم كردستان العراق، تنشط في الإقليم عشرات من الأحزاب والحركات السياسية التي مرت - بحسب المتخصصين السياسيين - بعدة مراحل من العمل السياسي، أبرزها مرحلة سبقت انتفاضة عام 1991 ومرحلة أخرى بدأت بعد الانتفاضة اتسمت بعد مرور عدة سنوات بولادة أحزاب المعارضة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور صباح صبحي، رئيس قسم العلوم السياسية في كلية القانون والسياسة بجامعة صلاح الدين، لـ«الشرق الأوسط» موضحًا: «من الناحية التاريخية مرّت الأحزاب السياسية في الإقليم بعدة مراحل: المرحلة الأولى منها تتمثل بالمرحلة التي سبقت انتفاضة عام 1991، فالتركيبة الحزبية في ذلك الوقت كانت مختلفة عما هي عليه الآن. ذلك أن مصالح الأحزاب الكردية آنذاك كانت الوصول إلى هدف واحد ألا وهو تحرير كردستان، وتشكيل تحالفات من أجل الوصول إلى حقوق الشعب الكردي في الإقليم. بعد تلك البداية جاءت مرحلة التنافس على السلطة، التي تمثل المرحلة الثانية من مراحل عمل هذه الأحزاب. وبالفعل فتشكلت أحزاب جديدة، وظهرت الأحزاب الإسلامية المعتدلة في الإقليم. واعتمد العمل الحزبي على المكاسب التي سبقت عام 1991، ولمن سيكون الأولوية للوصول إلى السلطة. واستمرت هذه المرحلة حتى عام 2009. عند هذا المفصل حدث تغيّر في الحالة الحزبية، فالحالة التي ظهرت منذ عام 2009 كانت تختلف تمامًا عما سبقها، وكان من أهم سماتها ظهور أحزاب المعارضة. هذه الأحزاب ظاهرة جديدة في المجتمع السياسي الكردي، ولقد بدأت أحزاب المعارضة استغلال سخط الفئات الشعبية غير الراضية عن أداء السلطة، والتعهد لها بتحقيق مطالبها وأمانيها. ومن ثم ساهمت الحالة الجديدة في إضفاء تغيير على مسار الائتلافات الحزبية ومسار سياسات الأحزاب، وبعدما كانت السياسات العامة الحزبية في السابق تعتمد على الاتفاقيات المبرمة بين الأحزاب السياسية، صار الوضع بعد 2009 يعتمد على أي الأحزاب هي الأكثر شعبية وقدرة بالوصول إلى الجمهور. وهكذا نما الجمهور المسيّس أكثر فأكثر، وأصبح الناس أكثر وعيًا بما يريدون ومن يحاسبون، وصاروا يولون اهتماما أكبر بالسياسة، ويقدرون أكثر أهمية أصواتهم في الإقليم. ولكن التركيبة الحزبية الحالية في الإقليم يجوز وصفها من الناحية العلمية بالتركيبة الضبابية، إذ إننا لا نستطيع الزعم بأن لدينا أحزابا يمينية ويسارية كالأوروبيين، بل لدينا فسيفساء واسعة على خريطة الأحزاب في الإقليم. لدينا أحزاب قومية وأحزاب دينية وأحزاب علمانية، كما أن الأحزاب الإسلامية على نوعين: إسلامية معتدلة وإسلامية تمثل الوسط بين المعتدل والمتطرف».
وأضاف صبحي: «الأحزاب السياسية الكردية لا تعتمد تقليديًا على السياسات، والسياسات لديها ليس مهمة بقدر أهمية التاريخ والمبادئ والبرامج، لكن الاهتمام بالسياسة بدأ أخيرًا يظهر شيئًا فشيئًا، لذا نرى إن الموقف السياسي لكل حزب أصبح ذا أهمية خاصة للوصول إلى الجمهور. ويجري حاليًا على الساحة السياسية في الإقليم تنافس قوي حول مسألة الرئاسة لعله أحسن دليل على هذا، فالأحزاب الكردية تعبّر عن مواقفها للوصول إلى الجمهور».
واستطرد الدكتور صبحي: «يبلغ عدد الأحزاب السياسية المجازة رسميًا في إقليم كردستان العراق حاليًا 36 حزبًا، وبحسب قانون ميزانية الأحزاب، الصادر عام 2015 الحالي، فإن ميزانية الأحزاب تعتمد على عدد مقاعدها في البرلمان وعدد أصواتها في الانتخابات وتاريخ هذه الأحزاب. وعليه، يمكننا أن نصنف أحزاب الإقليم إلى أحزاب صغيرة وأحزاب متوسطة وأحزاب كبيرة،، وتتحرك الأحزاب الصغيرة حول الأحزاب المتوسطة والكبيرة، بينما تبحث الأحزاب المتوسطة عن أقطاب خاصة بها لتؤثر على الشارع والسياسة في الإقليم. وعمومًا، تتجه الأحزاب الصغيرة نحو الزوال، بحكم قانون ميزانية الأحزاب إذا جرى تطبيقه بشكل فعلي، وكذلك ففشل هذه الأحزاب بدخول البرلمان سيساهم في انكماشها أكثر فأكثر، وبناءً عليه أرى أن مجتمعنا السياسي لا يتجه نحو التعددية المتطرفة، بل نحن نتجه إلى عدد معين الأحزاب الرئيسية التي تتنافس في ما بينها». واستطرد لافتًا: «التشكيلة الثامنة لحكومة إقليم كردستان تشكلت في يونيو (حزيران) من عام 2014 الماضي، وهي المعروفة بـ(حكومة القاعدة الواسعة) لأنها تضم أحزاب المعارضة وأحزاب السلطة معا. إنها تتكوّن من خمسة أحزاب رئيسة في إقليم كردستان متمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب الأغلبية الذي يتزعمه رئيس الإقليم مسعود بارزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني (الذي يتزعمه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني) اللذين كانا يقودان حكومة الإقليم قبل تشكيل هذه الحكومة. أما الأحزاب الثلاثة الأخرى الرئيسة المشاركة في الحكومة، فهي عبارة عن أحزاب المعارضة المتمثلة بـ(حركة التغيير) التي انشقت عن الاتحاد الوطني الكردستاني وأعلنت عن نفسها رسميًا عام 2009 والاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية الكردستانية».
وأوضح صبحي أن «الأحزاب المعارضة الآن تمتلك حقائب وزارية في الحكومة، وفي الوقت ذاته تلعب دور المعارضة في البرلمان وفي الشارع. وهي الآن تحمل صفة السلطة والمعارضة معًا، وهذه صفة سياسية غير صحية، لأن المفترض بأحزاب المعارضة أن تبقى خارج السلطة التي يشكلها حزب الأغلبية مع الأحزاب المتآلفة معه، وتقوم بتعيين نواقص الحكومة للعمل عليها بعد أربع سنوات من أجل الحصول على مكاسب، وتشكل شخصية سياسية خاصة بهما لكي يستطيع الناخب الذي يصوت للمعارضة التعرّف على سياساتها».

* التركيبة القبلية
القسم الآخر المهم من تركيبة إقليم كردستان هي التركيبة القبلية، فالإقليم يضم المئات من القبائل الكردية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ. ولمعرفة تفاصيل هذه التركيبة المتنوعة من القبائل، التقت «الشرق الأوسط» الصحافي هيمن صالح، الباحث الاجتماعي مدير تحرير جريدة «باس» الأسبوعية الكردية الذي شرح قائلاً: «التركيبة الاجتماعية لإقليم كردستان تتكوّن من مجموعة من القبائل، التي تتوزّع على المناطق التي كان آبائها وأجدادها يسكنونها في الماضي. ومن ثم توزعت هذه القبائل على مدن الإقليم حسب قربها من القرى والمناطق التي كان أبناؤها يعيشون فيها»، وأردف: «هناك عدد كبير من القبائل في الإقليم، من أبرزها البارزانيون والجاف والزيباريون والسورجيون والخيلانيون والكوران والكلهر والدلو والزنكنة والسندي والسليفاني والشمديناني والشمزيناني والشيروان والمزوري والهركي والكردي والأركوازي ولسورميري ولجمور وقبائل أخرى كثيرة. ولقد استطاع الشعب الكردي المحافظة على نفسه من خلال هذه القبائل عبر مراحل التاريخ المختلفة. وكانت القبائل الكردية في الماضي ضرورة للحفاظ على الهوية الكردية للمواطن في الإقليم، لكن بمرور الوقت وتطور العالم لم تبقَ هذه القبائل في مناطقها الأصلية، بل نزحت باتجاه المدن. مع هذا، لحد الآن نلاحظ أن الطابع القبلي ما زال سمة من السمات البارزة في إقليم كردستان، فلو سألت أي شخص في الإقليم فسيعرف نفسه عن طريق قبيلته».

* الوضع الاقتصادي في الإقليم
أخيرًا، من الناحية الاقتصادية، يشهد إقليم كردستان العراق الآن مرحلة الوصول إلى الاستقلال الاقتصادي عن السلطة المركزية العراقية في بغداد. ووفق المصادر الكردية فإن هذا الاستقلال الاقتصادي بات ضروريًا بعدما مارست سياسة حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وحكومة بغداد الحالية برئاسة حيدر العبادي تهميش الكرد العودة لمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
وتتهم المصادر الكردية حكومتي المالكي والعبادي بـ«شن حرب اقتصادية» على الإقليم أثرت على مجمل مجالات الحياة فيه، «إذ مضى أكثر من سنة ونصف السنة على قطع موازنة الإقليم من قبل حكومة بغداد، الأمر الذي دفع بالإقليم – وفق المصادر – إلى إيجاد حل للخروج من الأزمة الاقتصادية، عبر تصدير نفطه بشكل مستقل عبر تركيا إلى دول العالم، والاستفادة من واردته في صرف رواتب موظفيه ودفع الديون المترتبة عليه. ومن ثم إعادة بناء البنى التحتية التي توقفت غالبية مشاريعها بسبب الأزمة المالية، وبالتالي الحصول على نقطة قوة رئيسية يعتمد عليها الإقليم مستقبلاً».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.