«أتمنى أن أصبح ذات يوم لأجد البحر قد بلع غزة بالكامل».. هذا ما قاله إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، وأحد أكثر القادة الإسرائيليين الدهاة إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت في عام 1988، واستمرت عدة سنوات، وهو تعبير واضح وصريح وبليغ ويختصر عقدة غزة بالنسبة لإسرائيل، أو كما يحلو للإعلام الإسرائيلي تسميتها أحيانا «طنجرة الضغط».
وعلى مدار سنوات الاحتلال الطويلة، كانت «طنجرة الضغط» هذه قنبلة موقوتة بحق، دخولها مشكلة والانسحاب منها مشكلة أكبر، وتركها في حالها مسألة أصعب وأصعب.
لم يترك الإسرائيليون شيئا إلا جربوه في غزة: الهجوم عن بعد، والاحتلال الطويل، ثم تسليمها للسلطة، فالانسحاب منها، ثم فك الارتباط نهائيا، وشن هجمات رادعة لاحقة، فحروب دموية، ولكن من دون أن ينتهي الكابوس.
تعود مشكلة إسرائيل مع غزة منذ البدء.. حتى قبل احتلالها عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري، إذ تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، وقال بن غوريون خلال اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه: «أعرف أنه يجب ضم القطاع.. سنستفيد من ضمه، لكنه لن يبقى أبدا في أيدينا».
شن بن غوريون أول هجوم إسرائيلي على غزة في 14 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1948، أي بعد ثلاثة أيام من إعلان الاستقلال في إسرائيل، رمت الطائرات الإسرائيلية آنذاك تسعة أطنان من القنابل وغادرت. كان بن غوريون يريد تأمين الطريق إلى النقب وإحكام السيطرة عليها، وأطلق لاحقا عملية عسكرية عرفت باسم «عملية يوآف»، ثم تراجع تحت ضغط الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، لكنه ظل يتطلع إلى احتلال القطاع، ويقول لوزرائه: «إذا لم نأخذه الآن فسيصبح صعبا فيما بعد».
عاد بن غوريون بعد خمس سنوات بمقترح جديد لاحتلال غزة، لكن حكومته رفضت ذلك، وبعد عام ونصف العام، أثناء حملة سيناء، وقع احتلال غزة في عام 1956، لكن ذلك لم يدم طويلا، وبعد خمسة أشهر في مارس (آذار) 1957 انسحب الجيش الإسرائيلي من غزة، وجددت مصر الحكم العسكري على القطاع.
وظل احتلال غزة بمثابة الحلم الكابوس في إسرائيل. وفي 1967، كان وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان الذي دخل «فاتحا» للقدس مترددا في شأن القطاع، لكنه قرر احتلاله في النهاية، وهذا ما جرى في حملة انتهت أيضا باحتلال شبه جزيرة سيناء.
وخلال سنوات الاحتلال الطويلة، لم تخضع غزة أبدا للمفهوم الذي تريده إسرائيل (شعب منضبط تحت الحكم العسكري). وسجلت خلال سنوات السبعينات والثمانينات في غزة عدة عمليات ضد الجيش الإسرائيلي ومحاولات كثيرة لبناء مجموعات مسلحة.
وفي 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وواجهت إسرائيل أول مجموعات مسلحة منظمة، وراح مقاتلون هناك ينفذون عمليات لم تعتدها إسرائيل في الأراضي المحتلة، كمائن وهجوم مسلح وخطف وقتل جنود.
كانت الانتفاضة في غزة أكثر من عنيفة وصعبة إلى الحد الذي تمنى معه رابين أن تغرق في البحر. وعندما وقعت إسرائيل اتفاقية السلام مع منظمة التحرير عام 1993 هربت أولا من غزة، وسلمت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات القطاع كاملا إلى جانب مدينة واحدة في الضفة وهي أريحا.
ظل الإسرائيليون يحتلون أجزاء من غزة، لكن مقاومتها لم تتوقف. وفي 2001، أطلقت حماس أول صاروخ محلي الصنع على سديروت. كانت صواريخ حماس بسيطة لا تصل ولا تؤذي حتى إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) سماها لاحقا بالعبثية.
ورغم الضغط الإسرائيلي الكبير ومعارضة السلطة الفلسطينية، لم تتوقف هجمات الفلسطينيين من غزة وظلت العلاقة بين القطاع وإسرائيل بين مد وجزر.
ومرة ثانية، لم تعرف إسرائيل كيف تتصرف مع غزة.
يقول الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف إن «القصة بين إسرائيل وغزة طويلة ومستمرة منذ عام 1948، كانت وما زالت وستبقى علاقة عنف وضغط وإحباط ويأس واتفاقيات وفرص ضائعة».
ويرى الكاتب أن سلسلة الحروب الطويلة التي شنتها إسرائيل على غزة في السنوات الأخيرة تثبت ما ذهب إليه بن غوريون نفسه عام 1948، بما معناه «لو غزونا غزة ألف مرة، فإنها لن تخضع».
كانت إسرائيل تعتقد أن تسليم غزة سيحولها إلى شرطي على الحدود، وكان هذا بمثابة وهم جديد. اضطرت إسرائيل لاحقا إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليم السلطة لها بنحو ثماني سنوات، وتحديدا في نهاية أبريل (نيسان) 2001. أطلقت إسرائيل على العملية اسم «حقل الأشواك» وتركزت العملية في رفح وخانيونس بعد أن توغلت عشرات الدبابات في تلك المدن وهدمت عشرات المنازل، وخاصة على محور فيلادلفيا «صلاح الدين» الذي كانت تسيطر عليه إسرائيل قبل انسحابها من القطاع.
أدت العملية التي استمرت خمسة أيام إلى مقتل ما لا يقل عن 18 فلسطينيا، فيما أصابت المقاومة التي كانت تمتلك بعض الأسلحة الخفيفة فقط حينها عددا من الجنود بجروح طفيفة.
في مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح» بعد أن قتل عدد من الجنود في عمليات متفرقة سابقة، وتركزت العملية لعدة أيام في رفح، وأدت إلى مقتل 17 فلسطينيا وجنديين، وانتهت بهدم أكثر من 15 منزلا وتدمير الكثير من المنشآت والمصانع.
في سبتمبر (أيلول) 2004، عادت إسرائيل ونفذت عملية «أيام الندم» واجتاحت مناطق واسعة من شمال قطاع غزة. كانت العملية الواسعة الأولى التي يخرج بها الجيش الإسرائيلي ردا على إطلاق الصواريخ من القطاع. واستمرت العملية 17 يوما وأدت إلى مقتل 100 فلسطيني على الأقل.
تمركزت قوات الجيش الإسرائيلي خلال العملية في مناطق بيت حانون، وبيت لاهيا ومخيم جباليا للاجئين، التي كانت بحسب إسرائيل مناطق لإطلاق الصواريخ الأساسية لـ«القسام» تجاه مدينة سديروت.
وخلال العملية، اتهمت إسرائيل «الأونروا» بمساعدة حماس بعدما بثت مقاطع لما قالت إنه نقل صاروخ في سيارة تابعة للأمم المتحدة. في العام نفسه، بدأ الإسرائيليون يفكرون في «فك الارتباط» مع غزة والتخلص من «طنجرة الضغط».
وفي 2005، انسحبت إسرائيل فعلا من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط أحادي الجانب»، وبحسبها أخلت إسرائيل 21 مستوطنة في القطاع ومعسكرات الجيش الإسرائيلي، بقرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت آرييل شارون.
أجبر شارون 8.600 إسرائيلي على ترك المستوطنات وقال إنه لا مبرر بعد الآن ليقول أحد إن إسرائيل تحتل القطاع.
وأقر الجنرال الإسرائيلي، عيبال جلعاد، وهو أحد مؤسسي ـخطة «فك الارتباط»، في حديث مع «معاريف»: «الأفضلية الإسرائيلية في كل المناحي لم تمكنا أبدا من إخضاع غزة».
وكشف جلعاد عن أن شارون كان اقترح الانسحاب من غزة عام 1988، ثم عاد وطرح الفكرة نفسها عام 1992. وفي أعقاب الانتفاضة الثانية عام 2000، قرر أخيرا أن الوقت قد حان للانسحاب من غزة.
جرى الانسحاب كما أراد شارون، لكن كابوس القطاع ظل يطارد الإسرائيليين.
لم تتوقف الصواريخ والعمليات، ونفذت إسرائيل آنذاك عدة حملات سريعة من بينها «الواقي الأمامي» و«رياح خريفية»، مرورا بـ«السهم الجنوبي»، وحتى الوصول إلى عملية «أول الغيث».
كانت عملية «أول الغيث» في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 هي العملية الأولى بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، واستمرت العملية سبعة أيام وجرى خلالها تدمير مخارط لتصنيع صواريخ «القسام»، ومخازن للأسلحة، ومقرات ومراكز خدمات لوجيستية لحماس. وخلفت جميع العمليات السابقة ما لا يقل عن 70 قتيلا في صفوف الفلسطينيين و11 جنديا إسرائيليا، وكانت تستهدف هذه العمليات منع إطلاق صواريخ «القسام»، ودمرت إسرائيل من أجل ذلك الهدف عشرات المنازل شمال غزة.
بعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، حدث تطور مفاجئ ومنحى خطير في العلاقة بين غزة وإسرائيل، إذ نجحت حماس وفصائل أخرى عبر نفق طويل يمتد لـ300 متر من تنفيذ هجوم مباغت على موقع كرم أبو سالم العسكري وأخذت معها الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط حيا يرزق إلى غياهب «طنجرة الضغط».
أعلنت إسرائيل فورا بدء عملية باسم «سيف جلعاد» دمرت خلالها محطة كهرباء غزة ومئات المنازل، قبل أن تتطور عمليتها إلى برية موسعة، وعرفت باسم «أمطار الصيف» واستمرت نحو شهر وجرت خلالها مهاجمة البيوت وعدد من الجسور، وأدخلت إسرائيل للمرة الأولى منذ «فك الارتباط»، قوات المدرعات، المشاة والهندسة إلى جنوب القطاع.
قتل خلال العملية نحو 394 فلسطينيا، وجرح نحو 1000 فلسطيني، وقتل نحو تسعة جنود إسرائيليين.
وفي فبراير (شباط) 2008، عادت إسرائيل من جديد ونفذت عملية «الشتاء الساخن».
بدأت العملية في 27 فبراير 2008 وانتهت في 3 مارس، وتضمنت سلسلة من الاغتيالات لناشطين فلسطينيين، وفيها اقتحمت إسرائيل مناطق من القطاع، ولأول مرة كانت إسرائيل تحتل شمال غزة والمقاومة تمطر سديروت وأشكلون بالصواريخ.
قتل في العملية نحو 170 فلسطينيا وجرح نحو 400 وقتل عشرة جنود إسرائيليين وبعض المستوطنين.
ولم تنته القصة..
في نهاية العام وتحديدا في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، شنت إسرائيل إحدى كبرى عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية وعرفت باسم «الرصاص المصبوب». بدأت العملية بهجوم جوي مركز على غزة أدى إلى مقتل 89 شرطيا تابعين لحماس، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.
خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوما، نحو 1400 قتيل فلسطيني وآلاف من الجرحى، ودمرت أكثر من ألف منزل في غزة وتكبدت إسرائيل أكثر من 13 قتيلا بين جنودها وثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.
قالت إسرائيل إنها أضرت كثيرا بقدرات حماس العسكرية وبنيتها التحتية ولقنتها درسا قاسيا.
وبعد أربع سنوات وفي 2012، شنت إسرائيل عملية عامود السحاب.
أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان حماس، أحمد الجعبري، واتضح بعد ذلك أن إسرائيل لم تنل من قدرات حماس العسكرية في الحروب السابقة.
شنت حماس أعنف هجوم على إسرائيل واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين.
اكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل أكثر من 200 فلسطيني وجرح 500 وخلفت دمارا كبيرا، وقتل الفلسطينيون سبعة إسرائيليين بينهم جنود.
أطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخا وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة.
وفي 21 نوفمبر انتهت العملية بهدنة توسطت فيها مصر.
واليوم، بعد عامين فقط، تنفذ إسرائيل في غزة عملية «الجرف الصامد» التي بدأتها منذ الثامن هذا الشهر، ولا يبدو أنها الأخيرة في المواجهة المتجددة.
وفي هذه الحرب المستمرة حتى اليوم، قتلت إسرائيل نحو 600 فلسطيني بينهم عائلات كاملة وجرحت أكثر من ثلاثة آلاف ودمرت ألفي منزل وتكبدت أقسى خسائر في حروبها مع غزة، إذ فقدت نحو من جنودها قتلى في الميدان حتى قبل أن تنتهي الحرب، وفوق ذلك خطفت حماس أحد الجنود بعد معركة في أحد أحياء القطاع.
ومن البديهي أن لكل جولة مواجهة عسكرية تكاليف باهظة اقتصادية كذلك.
ويرجح اقتصاديون أن غزة تخسر مع كل يوم آخر من المواجهة نحو 37 مليون دولار، فيما تخسر إسرائيل نحو 100 مليون، وتدخل في الحسبة تكلفة الحرب كذلك.
وتثبت الحرب التي تتجدد كل عامين أن غزة تخرج من كل حرب أقوى وأكثر بأسا وشدة وخبرة كذلك، فيما لم تستطع إسرائيل تحديد استراتيجية واضحة للتعامل مع القطاع. ولم يتوقف النقاش في إسرائيل منذ سنوات حول مصير قطاع غزة، ولم تحسم أي حكومة إسرائيلية أمرها بشأن ذلك، يتركونه أو يحتلونه، يبقون على حماس أم يسقطون سلطتها، وفي كل مرة كان يبرز السؤال الأصعب: ماذا بعد احتلال غزة إذا كان ذلك ممكنا؟
وخلال الأيام القليلة الماضية، عادت فكرة احتلال القطاع إلى الواجهة.
وقال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق أهرونوفيتش، إن «الجيش الإسرائيلي ليس مقيدا بالوقت فيما يتعلق بالعملية البرية في قطاع غزة»، مضيفا: «إذا أحوجنا الأمر، فسنحتل قطاع غزة». وأضاف: «في كل الأحوال، إسرائيل ستلحق بحماس ضربة قاسية».
وتقول إسرائيل منذ ثلاث حروب إنها ستلحق بحماس مثل هذه الضربة، لكن الحركة الإسلامية تخرج في كل حرب أقوى من ذي قبل.
ولا يبدو أن حديث أهرونوفيتش جاء من العدم، وقالت مصادر سياسية إسرائيلية إن مسألة الوضع المستقبلي للقطاع تطفو على السطح الآن داخل أروقة صنع القرار في إسرائيل. ويرى مراقبون في إسرائيل أن عودة الحكم العسكري لغزة أو لأجزاء منها مسألة ممكنة، لكنها تأتي حلا أخيرا.
وقالت مصادر أمنية إسرائيلية إن الجيش يستعد لاحتمال تلقيه أوامر باحتلال غزة، وإنه قام باستدعاء العشرات من جنود الاحتياط من وحدات الحكم العسكري، إضافة إلى أكاديميين متخصصين في مجال الحكم والإدارة المدنية، وذلك في إطار التجنيد الأخير الذي ضم 18 ألفا من جنود الاحتياط. وتأتي هذه النقاشات على خلفية تصاعد الانتقادات في إسرائيل لاستراتيجية الحكومة في التعامل مع غزة، وثمة انقسام كبير داخل الحكومة الإسرائيلية حول الطريقة المثلى للتعامل مع القطاع.
ويدعو وزراء لضبط النفس في التعامل مع غزة، ويدعو آخرون لاحتلال القطاع والقضاء على حماس نهائيا. ولم تفض عشرات الاجتماعات للمجلس الأمني والسياسي المصغر إلى قرار واضح. وحتى عندما قرر المجلس عملية برية قال إنها محدودة، ومن ثم أمر بتوسيعها.
وتجد إسرائيل صعوبة بالغة في إعادة احتلال القطاع بسبب الكثافة السكانية العالية هناك وطبيعة البيوت والمخيمات المكتظة والأسلحة التي تملكها الفصائل الفلسطينية.
وقال عوزي أراد، مستشار الأمن القومي السابق في مكتب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن إسرائيل تعيش في مأزق بسبب عدم قدرتها على اتخاذ قرار ضد حماس.
وأَضاف المستشار الإسرائيلي: «إذا أردنا تحقيق أهداف عملية فسنكون بحاجة إلى تجنيد قوات أكبر والقيام بعملية متدحرجة ومتواصلة».
ويعتقد معظم الساسة الإسرائيليين أن احتلال غزة وإسقاط حماس، معركة لا بد منها في النهاية وسيأتي يوم لخوضها.
لكن ماذا بعد ذلك؟ هذا هو السؤال الذي طرحه عاموس جلعاد، المسؤول الكبير في وزارة الدفاع الإسرائيلي، الذي قال: «السؤال الذي يقض مضاجعنا، ماذا بعد إعادة احتلال القطاع؟ هل تقوم إسرائيل بإدارة شؤون مليون ونصف المليون فلسطيني في جميع مناحي الحياة؟»
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية «علي واكد»، لـ«الشرق الأوسط»: إن «إسرائيل بعد سلسلة من الحروب مع غزة تسعى اليوم إلى تحقيق إنجاز سياسي يمكنها من نزع تهدئة طويلة ينعم فيها سكان جنوب إسرائيل بالهدوء، وعدم الاكتفاء بفترة تهدئة قصيرة تتبعها جولات أخرى، كما جرى في أعقاب عمليتي (الرصاص المصبوب) و(عمود السحاب)».
وأضاف: «هذا هو الهدف الرئيس لإسرائيل في الفترة الحالية»، لافتا إلى أن دخول الجيش الإسرائيلي في عملية برية يأتي للضغط أكثر على حماس بالقبول بتهدئة طويلة الأمد، ومن خلالها يستعيد الجيش هيبته بإقناع الفلسطينيين بأن التفكير في كل عملية إطلاق صاروخ نحو جنوب إسرائيل سيدفعون ثمنه باهظا.
ويرى واكد أن خيارات إسرائيل الأخرى تبدو صعبة الآن. وقال: «في إسرائيل، هناك إقرار واضح بأن غزة تمثل مشكلة لم تحل جذريا، ومن الصعب جدا أن يجري حلها نهائيا».
وأضاف: «جبهة غزة تشكل عقدة أمنية وسياسية لإسرائيل».
ومن وجهة نظر واكد، فإن الطرف الإسرائيلي لا يريد تغيير موازين القوى السياسية في غزة، بل «يتعمد استخدام سياسة الفصل بين غزة والضفة لإضعاف السلطة سياسيا». وكان لافتا أن الهجوم الإسرائيلي على الضفة الغربية الذي سبق الهجوم على غزة جاء في أعقاب توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاق مصالحة مع حماس، وهو الاتفاق الذي دعت إسرائيل عباس فورا إلى تمزيقه وخيرته بين إسرائيل وحماس.
ومع ذلك، لا يبدو أن الحرب على غزة يمكن أن تخرب المصالحة. وحتى الآن، تظهر إسرائيل متخبطة في إخراج المشهد الأخير للحرب.
ويرى المحلل السياسي والمختص بالشؤون الإسرائيلية «أكرم عطا الله»، أن إسرائيل لم تحقق أي إنجازات عسكرية سواء في العملية الحالية أو العمليات الأخيرة التي شهدتها غزة في السنوات السابقة، مستدلا بذلك على تطور قدرات المقاومة من معركة لأخرى من خلال استخدام أسلحة وصواريخ جديدة. وأضاف عطا الله لـ«الشرق الأوسط»: «كل ذلك التطور الحاصل على صعيد قدرات المقاومة، شكل صورة أخرى من الحالة المعقدة التي تعيشها إسرائيل مع مقاومة غزة، التي أصبحت بلا شك شوكة في حلق إسرائيل، تحاول التخلص منها بكل السبل»، وأعرب عطا الله عن اعتقاده أن العملية الحالية ربما تنتج اتفاقا ترغب إسرائيل والمقاومة في الوصول إليه من خلال تهدئة طويلة تستمر لعدة سنوات وبما يضمن تلبية شروط الجانبين. لكن المؤكد أن إسرائيل لن تتخلص من «طنجرة الضغط» أبدا.
«ليخ لغزة»؛ أي: اذهب إلى غزة. هذا ما يقوله إسرائيلي للآخر عندما يريد أن يهاجمه بعبارة: اذهب للجحيم.
عقدة غزة
إسرائيل شنت 13 عملية عسكرية واسعة في القطاع خلال 13 سنة.. وقضيتها مشتعلة
عقدة غزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة