ريتا حايك لـ«الشرق الأوسط»: في «البرابرة» أُثبتُ مَن أكون

المشاركة بالسينما الفرنسية حلمٌ تحقَّق... والطموح يتّسع

أرادت محو الأحكام المسبقة عندما يتعلّق الأمر بامرأة وافدة من الشرق الأوسط (صور ريتا حايك)
أرادت محو الأحكام المسبقة عندما يتعلّق الأمر بامرأة وافدة من الشرق الأوسط (صور ريتا حايك)
TT

ريتا حايك لـ«الشرق الأوسط»: في «البرابرة» أُثبتُ مَن أكون

أرادت محو الأحكام المسبقة عندما يتعلّق الأمر بامرأة وافدة من الشرق الأوسط (صور ريتا حايك)
أرادت محو الأحكام المسبقة عندما يتعلّق الأمر بامرأة وافدة من الشرق الأوسط (صور ريتا حايك)

حضر رجلٌ أحد العروض القليلة لمسرحية «فينوس» الشهيرة من بطولة ريتا حايك في باريس. لفته الأداء وأثمر تعارُفهما تحوّله وكيلَ أعمال الممثلة اللبنانية في فرنسا والخرائط المجاورة. ولمّا بلغه أنّ الفرنسية جولي دلبي تبحث عن ممثلة، اقترح أن تُجرِّب. لقاؤهما الأول عبر «زووم» تجاوز اختبار المهارة. فتلقّي ريتا حايك أسئلة شخصية بيَّن تعمُّد المخرجة وكاتبة السيناريو اكتشافَ جانبها الإنساني. «لم تُرد مجرّد ممثلة. بحثتْ في أفكاري وشخصيتي ونظرتي إلى الإنسان»، تقول مَن قدَّمت دور «ألمى» المؤثّر في فيلم «البرابرة» المعروض أخيراً في مهرجان «تورنتو السينمائي الدولي».

لم تُرد جولي دلبي مجرّد ممثلة بل بحثت في النظرة إلى الإنسان (صور ريتا حايك)

في قرية فرنسية صغيرة، تدور الأحداث. إنها حكاية سكان همُّوا لاستقبال حافلة ظنّوا أنها تقلّ لاجئين أوكرانيين ليتبيَّن أنهم سوريون. هنا تتبدَّل الملامح وتُستبدل النظرة إلى الإنسان بأخرى. يمرّ الفيلم على مشهدية صعود اليمين المتطرّف في فرنسا وازدواجية المعايير المتعلّقة بإشكالية اللجوء. فيه تؤدّي ريتا حايك شخصية طبيبة توليد سورية بُترت قدمها جرّاء تمادي العنف، فالتحقت هي وعائلتها بالملاذ الفرنسي لعلّه يُنقِذ.

غابت لمدّة عن منزلها، وهي أمٌّ لطفل ودَّع عامه الدراسي في يوم التصوير الأول، فكثَّفت حميمية المناسبة حزن الانسلاخ. تذكُر: «لم أحضر حفل نهاية السنة، لكنّ ما غادرتُ لأجله يستحق. أخبرتُ ابني أنّ ريتا في سنّه كانت تحلم، والآن تُحقّق أحلامها. بإمكانكَ فعل الشيء نفسه إنْ حلمتَ واجتهدت. هذا تعاملي الأول مع ممثلين فرنسيين لا يعرفون مَن أكون. جزءٌ مني أراد أن يُثبت لهم نفسي. أردتُ محو الأحكام المسبقة عندما يتعلّق الأمر بامرأة وافدة من الشرق الأوسط. شعرتُ بالفخر وأنا أتحدّث بأربع لغات: مع الفرنسيين بالفرنسية، ومع الإسبان بالإسبانية، ومع المخرجة بخليط إنجليزي - فرنسي، وباللهجة السورية. أريتهم إلمامي بالتاريخ والثقافة. كأنني أقول: هذا هو اللبناني وهذا ما نستطيع فعله».

أدَّت دور «ألمى» المؤثّر في فيلم «البرابرة» (صور ريتا حايك)

تصف الفيلم بالإنساني لمَنحه أسماءً ووجوهاً وحكايات لبشر مُطارَدين بالنمطية والانطباع الجاهز. تؤكد أنه يُضحك على مواقف ويستدعي أيضاً الدمع: «تشاء جولي دلبي عبر أعمالها خوض ثورتها. فنّها رسائل. وهذا تحوَّل كذلك جزءاً من رحلتي. أريد بفنّي أن أقول شيئاً. الفرص الخالية من فعل القول، لن تجد طريقها إليّ. أترقّب الدور المُحمَّل بفكرة مؤثّرة. الدور الناطق. خارجه لستُ أكترث».

تطلّبت شخصيتها الاستعانة برِجل اصطناعية. أخبرها المتخصِّص في تركيب هذه القِطع أنها المرّة الأولى التي يضعها على بشريّ لم يفقد ساقه. لبَّس قدمها بمادة «الجفصين» وأجرى اللازم لتبدو مبتورة: «حين صوّرني بعد الانتهاء من مَهمّته، صُدِمت. آلمني المشهد. يقتضي كوني ممثلة التمرين على الحالة الجديدة. عليَّ اعتياد السير بها والتعامل معها بوصفها بعضاً من جسدي. بعد انتهاء التصوير، رحتُ أشعر بأوجاع استجدَّت. ثم تبيَّن أنّ تلك الرِّجل خلَّفت رواسب. كل ذلك يستحقّ العناء. أحياناً نشقى لكي نسعد».

بعد عرضه الأول في «تورنتو»، تهامس حاضرون في كونها مبتورة القدم بالفعل، أم أنّ ألم البتر وتداعياته ألمَّ فقط بالشخصية: «شعرتُ بنظراتهم، كأنهم يقولون: لا، هذا تمثيل! لمحتُ التأثّر في العيون».

صُدِمت حين صوّرها المتخصِّص بعد الانتهاء من تركيب الرِّجل الاصطناعية (صور ريتا حايك)

كان بلوغ السينما الأوروبية حلماً وقد تحقَّق. وريتا حايك من الصنف الذي يوسِّع الأحلام ويُطلقها إلى البعيد: «طموحي السينما الإسبانية وربما الإيطالية أيضاً. وستظلّ السينما الفرنسية مرادي. انطلاقي من لبنان نحو هذه الآفاق الشاسعة، يُشعل وجودي. أعمال بهذا الحجم تُهوِّن الصعب وتُخفّف قسوة غياب الأم عن طفل ينتظرها».

بدأ عرض «البرابرة» في الصالات الفرنسية، وتأمل فنانته بعرضه في لبنان متى تهدأ ناره. ترى أنّ إشكاليته مطروحة، وتهمّ المُشاهد المحلّي لانخراطه في جدلية اللاجئين ونقاش العنصرية. ماذا تعني لها جولي دلبي؟ تراها ملهمة وفيها سحر يميّزها: «هي جزء من تاريخ السينما الفرنسية، وكاتبة مرشّحة لـ(أوسكار أفضل سيناريو). وجودي في القرية الفرنسية حيث تجري الأحداث، أمام كاميرتها، ممتع. بعض التجارب لا يتكرّر، وهذا الفيلم منها».

هل لا تزال الفرص المحلّية مُغرية؟ لذّة الشخصية في مسلسل لبناني، أو مشترك، أو معرَّب، هل غادرتها؟ جوابها: «على الإطلاق». ما يهمّ ريتا حايك هو الفرصة المُحمَّلة بما يؤثّر ويُغيِّر: «أريد كلَّ مختلف وفريد، والأهم أن يُقنعني فأؤدّيه بأقصى الشغف».


مقالات ذات صلة

حسن هادي: «مملكة القصب» كوميديا سوداء من ذاكرة الحصار

يوميات الشرق لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)

حسن هادي: «مملكة القصب» كوميديا سوداء من ذاكرة الحصار

أكد حسن هادي أنَّ الفيلم حاول عكس صورة المجتمع خلال التسعينات، بسبب الحصار والعقوبات المفروضة.

داليا ماهر (الدوحة)
سينما أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)

فيلم «أڤاتار: نار ورماد»... نقاط ضعف وحسنات

كل ما يحدث في «أڤاتار: نار ورماد» على مدى ثلاث ساعات و17 دقيقة كان يمكن له أن يحدث على كوكب الأرض فيما لو قرر جيمس كاميرون وكاتبا السيناريو ذلك.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا) )
يوميات الشرق سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية

وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن عمر 72 عاماً

توفيت الفنانة المصرية سمية الألفي صباح اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع مع المرض.

يسرا سلامة (القاهرة)
تحليل إخباري لقطة من فيلم «الست» (حساب الكاتب أحمد مراد على موقع «فيسبوك»)

تحليل إخباري جدل «الست»... هل يثير شهية صناع الدراما لمعالجة السيّر الذاتية؟

أثار فيلم «الست» جدلاً وزخماً نقدياً مكثفاً خلال الأيام الماضية، منذ الإعلان عن صناعة الفيلم قبل أشهر عدة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)

«فلسطيني على الطريق»... رحلة شخصية تتحول إلى فيلم عن مأساة متجددة

لا يقدم فيلم «فلسطيني على الطريق» عملاً وثائقياً تقليدياً عن مكان أو مسار، بل ينطلق من تجربة إنسانية تمثلت في لحظة فقد قاسية.

أحمد عدلي (القاهرة )

حسن هادي: «مملكة القصب» كوميديا سوداء من ذاكرة الحصار

لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)
لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)
TT

حسن هادي: «مملكة القصب» كوميديا سوداء من ذاكرة الحصار

لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)
لقطة من فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)

أبدى المخرج العراقي حسن هادي سعادته وفخره بترشيح فيلمه «مملكة القصب» ضمن «القائمة المختصرة» لجوائز «الأوسكار» الـ98، وقال إن اختياره لمرحلة التسعينات ليروي تفاصيل قصته التي تتمحور حول الظروف التي مرَّ بها الشعب العراقي وقت الحصار وتبعاته السلبية على الناس كافة «كان ضرورياً لتوثيق بعض الأحداث المريرة».

وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما علم بترشيح الفيلم ضمن القائمة المختصرة لجوائز «الأوسكار»، انتابه شعور بالفخر والسعادة لوصول فيلم عراقي مصنوع محلِّياً إلى هذه القائمة.

وأوضح أنَّ «الترشيح أضفى الشرعية على فكرة أنَّ السينما المحلِّية من الممكن أن تكون سينما عالمية بامتياز»، مُعرباً عن أمنيته أن يكون الوصول إلى هذه القائمة مجرَّد بداية: «لأنَّ هناك كثيراً من العمل لإنجازه حتى الوصول إلى صناعة سينمائية عراقية محترفة، تكون ضمن المنافسين على أهم الجوائز السينمائية»، وفق تعبيره.

المخرج حسن هادي يتحدَّث عن فيلم «مملكة القصب» (مؤسَّسة الدوحة للأفلام)

الفيلم الحاصل على تمويل «مؤسَّسة الدوحة للأفلام»، والذي عُرض خلال فعاليات مهرجان «الدوحة السينمائي» 2025، للمرة الأولى في الشرق الأوسط، نافس في «المسابقة الدولية للأفلام الطويلة»، عقب فوزه بجائزتين في مهرجان «كان السينمائي» بدورته الماضية، وشهد حضوراً جماهيرياً كبيراً في الدوحة، إلى جانب إشادات نقدية.

ويقول هادي إنّ «(مؤسَّسة الدوحة للأفلام) أصبحت تمثل اليوم مقصداً لرواد الإبداع في العالم العربي، فهي آمنت بأنَّ الصوت المحلِّي في المنطقة يستحق أن يروي قصته بنفسه، وكان دعمها ووقوفها خلف هذه المشروعات ذا أثر بالغ في وصول السينما العربية إلى آفاق عالمية، فقد منحتنا الصدقية التي احتجنا إليها، وكانت شهادتها قيمة لا تُقدَّر».

فيلم «مملكة القصب»، أو «كعكة الرئيس» كما أطلق عليه البعض بعد ترجمته إلى العربية، وفق المخرج العراقي، يدور حول فتاة قدَّمت شخصيتها بطلة الفيلم الممثلة العراقية بنين أحمد نايف، البالغة 11 عاماً، والتي حاولت بكلِّ الطرق الممكنة صنع كعكة لعيد ميلاد الرئيس الراحل صدام حسين، بعدما وقع الاختيار عليها لإتمام هذه المهمة، وسط تحدِّيات وظروف قاسية شهدتها تلك المرحلة، من عقوبات أثَّرت في الناس تحت ضغط واقع صعب في العراق.

وأكد حسن هادي أنَّ الفيلم حاول عكس صورة المجتمع خلال التسعينات بسبب الحصار والعقوبات المفروضة؛ مشيراً إلى التأثير السلبي للحصار على أخلاقيات المجتمع آنذاك، وأنَّ ما حدث ما زال محفوراً في الذاكرة، ولا يمكن محوه؛ لأن آثاره قائمة حتى اليوم.

«مملكة القصب» يترشَّح ضمن قائمة الجوائز القصيرة بـ«الأوسكار» (الشركة المنتجة)

وتطرَّق الفيلم إلى كثير من التفاصيل التاريخية والواقعية للعراق وتاريخه وثقافته، وعدَّ المخرج العراقي تقديم هذه القصة في أول فيلم روائي طويل له، بعد تجارب قصيرة: «حلماً تحقق».

وكشف حسن هادي أنه تعمَّد توظيف «الكوميديا السوداء» في التفاصيل؛ لأنها نتاج ما عاشه العراق من ضغوط في عهد صدام حسين، لافتاً إلى أنَّ العراق غني بالحكايات التي تمسُّ الشعب، ولا بد من أن تُروى، وهو حريص على ذلك.

وعن التحدِّيات التي واجهته، قال: «العودة بالزمن إلى مرحلة التسعينات لم تكن سهلة، وكذلك وجود فريق من الممثلين غير المحترفين. كلها تحدِّيات وليست معوقات، وربما هي أفضل التحدِّيات التي واجهتُها؛ لأن العمل على تفاصيل دقيقة بحرص وإتقان تنتج عنه صورة مختلفة ومتميِّزة».

وعن أداء الطفلة بنين لدور البطولة، أوضح: «كانت خجولة جداً، ولكننا أردنا من الممثلين الأطفال أن يدركوا أنه لا شيء اسمه صواب أو خطأ، لذلك كنا نرحِّب باللحظات العفوية والسعيدة، والتي استقبلها الناس بأريحية بعد مُشاهدة الفيلم».

وفي جلسته الحوارية خلال فعاليات «الدوحة السينمائي»، قال حسن هادي، المولود في العراق والمقيم فيه، إنَّ بداياته في عالم السينما جاءت عبر أشرطة الفيديو، مؤكداً أنه نشأ ودور السينما مغلقة، مع وجود حظر على تصدير الأفلام إلى العراق، قائلاً: «ولكننا كنا نتداول أشرطة الفيديو فيما بيننا بشكل سرِّي لمُشاهدة الأفلام».

وحرص خلال التحضيرات للفيلم على عدم تحديد عام بعينه خلال التسعينات، حتى لا يقع في أخطاء تاريخية، موضحاً أنَّ حماسته لعرض هذه المرحلة يعود إلى قلَّة التطرُّق إليها فنِّياً من قبل، وأنه لم يفكر في صناعة أفلام تناقش المرحلة الحالية في العراق؛ لأن المقارنة بين اليوم وما عاشه العراقيون في تسعينات القرن الماضي لا تُذكر.

وأكد المخرج العراقي أنَّ صناعة الفيلم لم تنطلق من معاناة شخصية؛ بل من إطار عام تألَّم منه وعايشه الشعب العراقي في تلك المرحلة، سواء بالحرب أو بالاعتقال أو بغير ذلك من الأساليب المُتَّبعة آنذاك، موضحاً أنَّ «الهدف من الفيلم ليس إدانة صدام حسين؛ بل إبراز تفاصيل معاناة الشعب، وقد تعمَّدت عدم كتابتها من منظور سياسي»، وفق تعبيره.


«حبّ في شبه مدينة»... مسرحية عن الإنسان العالق في المكان المُنهَك

في هذا المشهد لا خلاص واضحاً... فقط هدنة قصيرة مع الواقع (الشرق الأوسط)
في هذا المشهد لا خلاص واضحاً... فقط هدنة قصيرة مع الواقع (الشرق الأوسط)
TT

«حبّ في شبه مدينة»... مسرحية عن الإنسان العالق في المكان المُنهَك

في هذا المشهد لا خلاص واضحاً... فقط هدنة قصيرة مع الواقع (الشرق الأوسط)
في هذا المشهد لا خلاص واضحاً... فقط هدنة قصيرة مع الواقع (الشرق الأوسط)

تُقدّم مسرحية «حبّ في شبه مدينة» قراءة لعلاقة الإنسان بمدينة بات الخراب أحد إيقاعاتها اليومية. وهذه المدينة ليست مكاناً مُحدّداً بترسيم جغرافي، وإنما حالة ذهنية ونفسية مُعلّقة بين ما كان وما لم يكتمل، وبين ذاكرة لم تُشفَ وحاضر عاجز عن إنتاج معنى مستقرّ للحياة.

العمل الذي عُرض على «مسرح المدينة» في منطقة الحمراء البيروتية، من تأليف حسن مخزوم وكتابته، وسينوغرافيا لينا عسيران وتصوُّرها وإخراجها، يضع شخصيتَين في مواجهة مدينة ذات طابع ديستوبي؛ كثيفة الجدران ومسكونة بالوحدة. «هي» و«هو» يلتقيان بوصفهما كائنَيْن يحمل كلٌّ منهما عزلة تُشبه عزلة الآخر. اللقاء اصطدام غُربتَيْن، ومن هذا الاصطدام تُبنى علاقة تتحوّل تدريجياً إلى محاولة متبادلة لتفادي السقوط الكامل في الفراغ.

الحبّ في العمل حالة دفاعية أكثر منه وعداً بالخلاص. هو ردّ فعل إنساني على مدينة تضيق كلما اتّسعت، وتفرض على سكانها أن يبحثوا عن دفء مؤقّت داخل علاقات عابرة، سرعان ما تختبر قدرتها على الصمود. فالعلاقة العاطفية هنا ليست مُصمَّمة لتُنقذ أياً منهما. إنها فقط تؤجّل الانهيار من دون أن تمنح الطمأنينة، لكنها تمنح معنى مؤقّتاً للبقاء.

يشتغل النصّ على مفارقة الزمن بوصفها أحد أوجه العبث اليومي. فالشخصيتان تعيشان زمنَيْن متعاكسَيْن يُمثّلان حاضراً عصيّاً على الانتماء إليه، وماضياً يُستدعى على هيئة ملاذ من ثقل الراهن. وسط هذا التمزُّق، يتقاطع مصير الفرد مع مصير المدينة. فالمدينة، كما الشخصيتان، عالقة بين خوف من مستقبل غامض وارتهان لذاكرة حروب لم تُسمَّ ولم تُحلَّ، فتصبح عبارة: «هذا الوطن مُتعِب جداً»، خلاصة شعورية لحالة عامة، حيث التعب شرط دائم للعيش.

في مدينة تتكاثر فيها الجدران يصبح الاقتراب فعلاً محفوفاً بالتردّد (الشرق الأوسط)

الحوار مُحمَّل بالدلالة ومبنيّ على شذرات اعتراف تتقاطع فيها السخرية السوداء مع الإحباط العميق. جُمل مثل «أصبحتُ حشرة من فرط ما غفوتُ على الرصيف»، أو «تبدأ الثورات في الصباح الباكر، لكنني لم أستيقظ على رنّة المنبّه»، تكشف عن تعطُّل الفعل وفقدان التوقيت. هنا، يفقد الغضب قدرته على التحوّل إلى فعل، ويتأخَّر دائماً كما لو أنّ المدينة سبقت ساكنيها بخطوة إضافية في إنتاج الخيبة.

وينقسم المكان المسرحي بين الداخل والخارج، فيتحوَّل البيت إلى مساحة عزلة، في حين تتجسَّد المدينة على هيئة ضغط دائم لا إفلات منه. النوافذ والضوء والأصوات لغة ثانية موازية للنصّ. فالضوء يُلاحق محاولة الشخصيتَيْن المُتكرّرة للهروب من مواجهة الذات، وسط فقدان القدرة على رؤية النفس بوضوح داخل فضاء خانق يفرض إيقاعه على كلّ حركة.

ويحتلّ الجسد موقعاً مركزياً في العرض، فيُشكّل الإيماء والرقص المعاصر أداة تفكير موازية للنصّ المكتوب. حركة الشخصيتَيْن مُتقطّعة، كأنّ الجسد يسبق الوعي أحياناً أو يعجز عن اللحاق به. وهذا الجسد يتوتّر ويخاف ويرغب في الالتصاق، ثم ينسحب سريعاً. وفي تردُّده، يتحوّل الرقص إلى ترجمة بصرية للعلاقة المأزومة بين الإنسان وفضائه، وصورة ملموسة للتشظّي النفسي الذي تفرضه الأمكنة المُغلقة.

مدينة تُرمَّم جدرانها في حين يظلّ الإنسان معلّقاً في المنتصف (الشرق الأوسط)

تؤدّي الموسيقى مع غناء زياد الأحمدية وحضور العود، دور الذاكرة الصوتية للعمل. فالعود يستدعي ثقل ما لم يُحسَم بعد. نبرته الشرقية الحزينة تتقاطع مع فكرة مدينة تعيش بين رائحة اللافاندر والبارود، وبين محاولة ناعمة لاستعادة الحياة وواقع عنيف يفرض نفسه باستمرار. الغناء يُضاعف أثر المشهد، فنشعر بانبعاث الصوت من عمق المدينة نفسها وليس من خارجها.

لافت أداء الممثّلَيْن روى حسامي وميران ملاعب في قدرته على الإمساك بهذا التوازن الدقيق بين العبث والألم. أداء مشغول على التفاصيل، يُراكم الإحساس بالاختناق، ويترك الشخصيتَيْن مكشوفتَيْن أمام المدينة والجمهور معاً. أمامهما، تلتقي المدينة المُنهَكة من الحروب والإنسان الذي يسكنها بفقدان القدرة على الحسم والعيش في انتظار مفتوح لا يعرف ما سيُنقذه أو متى.

ووسط التقاطع الضاغط، يُقدَّم الحبّ على هيئة أثر إنساني مُثقل بالانكسارات، يحاول أن يثبت وجوده في مدينة لم تعد تمنح سكانها الإحساس بالحياة. مدينة تُنتج علاقات تُشبهها؛ ناقصة، مُتردّدة، ومعلَّقة بين الرغبة في النجاة والاستسلام البطيء لواقع لا يكفّ عن فقدان التوازن.


رسالة ميلادية دافئة من دوق ودوقة ساسكس

لحظة عائلية دافئة في موسم الأعياد (إنستغرام)
لحظة عائلية دافئة في موسم الأعياد (إنستغرام)
TT

رسالة ميلادية دافئة من دوق ودوقة ساسكس

لحظة عائلية دافئة في موسم الأعياد (إنستغرام)
لحظة عائلية دافئة في موسم الأعياد (إنستغرام)

شاركت دوقة ساسكس صورة عائلية جمعتها بدوق ساسكس وطفليهما، مُرفقة برسالة بمناسبة عيد الميلاد. وفي الصورة التي نُشرت عبر «إنستغرام»، يظهر الأمير آرتشي وهو يعانق والده، في حين تنحني ميغان مُمسكة بيد الأميرة ليليبت. ويقف أفراد العائلة على جسر خشبي صغير وسط منطقة غابات. وجاء في الرسالة: «عطلات سعيدة! من عائلتنا إلى عائلتكم».

وبشكل منفصل، أصدر الدوق والدوقة أيضاً بطاقة تهنئة بعيد الميلاد، إلى جانب فيديو لنهاية العام، يُضيء على أنشطتهما الخيرية. ويظهر في الفيديو الأمير آرتشي (6 أعوام) والأميرة ليليبت (4 أعوام)، وهما يساعدان والديهما في إعداد الكعك قبيل عيد الشكر، بالتعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية المحلية. ويستعرض الفيديو الأعمال التي نفّذها الدوق والدوقة من خلال «مؤسّسة آرتشويل»، التي غيَّرت اسمها أخيراً إلى «آرتشويل للأعمال الخيرية».

مشاركة بهجة الميلاد (إنستغرام)

وفي إعلان إعادة إطلاق الاسم عبر موقع «آرتشويل»، قال الأمير هاري وميغان إنّ المؤسسة أتاحت لهما ولأطفالهما «توسيع جهودهما الخيرية العالمية بوصفهما عائلة». وكانت المؤسّسة قد أُسِّست عام 2020، عقب تنحّي الزوجين عن واجباتهما الملكية وانتقالهما للإقامة في الولايات المتحدة. وجاء في رسالة بطاقة عيد الميلاد الخاصة بهما: «بالنيابة عن مكتب الأمير هاري وميغان، دوق ودوقة ساسكس، و(مؤسّسة آرتشويل)، نتمنّى لكم موسماً سعيداً من الأعياد وعاماً جديداً مفعماً بالفرح». ويأتي ذلك بعد يوم من إصدار أمير وأميرة ويلز صورة عائلية جديدة، ظهرت على بطاقة عيد الميلاد الخاصة بهما هذا العام، وتُظهر الأمير ويليام وكاثرين مُحاطَيْن بأزهار النرجس، إلى جانب أبنائهما الأمير جورج، والأميرة شارلوت، والأمير لويس. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدر الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا بطاقة عيد الميلاد الخاصة بهما، مُتضمّنة صورة التُقطت لهما في روما بإيطاليا.