هدوء حذر في ريف حلب بعد تصعيد الجيش السوري وقوات «قسد»

تحليق مسيّرات تركية بأجواء المنطقة ودخولها على خط التصعيد

من مواجهات «قسد» والفصائل في دير حافر بريف حلب الشرقي في أبريل الماضي (أرشيفية - متداولة)
من مواجهات «قسد» والفصائل في دير حافر بريف حلب الشرقي في أبريل الماضي (أرشيفية - متداولة)
TT

هدوء حذر في ريف حلب بعد تصعيد الجيش السوري وقوات «قسد»

من مواجهات «قسد» والفصائل في دير حافر بريف حلب الشرقي في أبريل الماضي (أرشيفية - متداولة)
من مواجهات «قسد» والفصائل في دير حافر بريف حلب الشرقي في أبريل الماضي (أرشيفية - متداولة)

ساد هدوء حذر في ريف مدينة حلب شمال سوريا عقب اشتباكات غير مسبوقة في محيط بلدة دير حافر ليل (السبت)، بين قوات وزارة الدفاع السورية و«قوات سوريا الديمقراطية»، في ثاني خرق من نوعه لقرار وقف إطلاق النار. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن مناطق ريف حلب مرشحة للتصعيد، وسط تحشيد عسكري ودفع تعزيزات من الأطراف العسكرية المنتشرة هناك.

وذكر مصدر عسكري وشهود عيان وصفحات محلية، أن جبهة دير حافر، الواقعة شرق مدينة حلب والتي تبعد عنها نحو 52 كيلومتراً، لم تشهد أي خروقات أو مناوشات عسكرية منذ ساعات صباح (الأحد)، بعد ليلة ساخنة تخللها تبادل القصف بين الجيش السوري و«قسد»؛ إذ اتهمت الأخيرة فصائل غير منضبطة، على حد وصفها، بتنفيذ عملية تسلل في محيط البلدة، لترد «قسد» على الاستفزازات براجمات الصواريخ، واستهدفت قريتَي كيارية والسعيد التابعتين لبلدة الخفسة المجاورة.

ونقل شهود عيان وسكان محليون في المنطقة، تحليق مسيّرات تركية في أجواء المنطقة ودخولها على خط التصعيد لصالح الجيش، وقصفت راجمات الصواريخ ومواقع تابعة لـ«قسد»، دون ورود معلومات أو تفاصيل عن سقوط قتلى أو إصابات وخسائر مادية.

ويعد هذا الهجوم الثاني من نوعه في بلدة دير حافر منذ تولي الإدارة السورية الجديدة الحكم في البلاد، بعد وقوع هجوم في 15 يوليو (تموز) الماضي استمر لساعات، والذي أعقبته تعزيزات وتحشيد عسكري متبادل، ونقلت وزارة الدفاع السورية جنوداً وأسلحة ثقيلة من بلدة منبج إلى دير حافر، وقابل ذلك إرسال «قسد» تعزيزات مماثلة وأسلحة متطورة، من بينها راجمات صواريخ ومدافع «هاون» وطيران مسيّر (درون) إلى المنطقة.

وتهدد الاشتباكات بتقويض جهود وقف إطلاق النار وإعادة توحيد هذه المدينة الواقعة شمال سوريا التي مزقتها نيران الحرب منذ سنوات.

مسيّرة تركية تستهدف محيط سد تشرين شرق سوريا (أرشيفية - متداولة)

وكانت قوات «قسد» قد تقدمت نحو الريف الشرقي لمحافظة حلب بعد سقوط نظام الأسد نهاية العام الفائت، وسيطرت على ناحيتَي مسكنة ودير حافر، واحتفظت بسد تشرين الحيوي وبلدة صرين شرق نهر الفرات التابعة إدارياً لمدينة منبج، بعد انسحابها من المدينة، وناحية تل رفعت وحيَّي الشيخ مقصود والأشرفية داخل حلب، في إطار الاتفاق التاريخي الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد القوات مظلوم عبدي، في 10 من مارس (آذار) هذا العام.

أحد عناصر الفصائل السورية الموالية لأنقرة يتابع عن بُعد قصفاً تركياً لمحور سد تشرين (أ.ف.ب)

وعلى مدار أشهر تحولت جبهة ريف حلب الشرقي إلى منطقة مواجهات عنيفة بين «قسد» وفصائل سورية مسلحة مدعومة من تركيا. وعلى الرغم من توصل «الإدارة الذاتية» والحكومة السورية إلى اتفاق حول إدارة سد تشرين في 10 من أبريل (نيسان) الماضي، يقضي بانسحاب جميع القوات العسكرية بشكل كامل من منطقة السد، وإخضاعه من الناحية الأمنية لسيطرة قوات الأمن العام الحكومية، فإن «قسد» رفضت الانسحاب؛ إذ تعده موقعاً استراتيجياً يوفر الكهرباء لمنطقة نفوذها شمال شرقي سوريا، كما يعد مدخلاً رئيسياً لمناطق سيطرتها شرق الفرات.

سد تشرين (أرشيفية)

من جانبه، أكد بدران جيا كرد، مستشار «الإدارة الذاتية» لـ«الشرق الأوسط»، أن المفاوضات مع دمشق بشأن تسليم سد تشرين لا تزال جارية دون التوصل إلى اتفاق نهائي حتى اليوم. وأضاف: «جهود الوسطاء الدوليين مستمرة، ونعمل على تذليل العقبات حول ملفات حساسة تشمل إدارة المعابر، وآليات الاندماج مع الدولة السورية».

ولفت جيا كرد إلى أن المباحثات تتركز على الوصول إلى نموذج اندماج يضمن الحفاظ على خصوصية «الإدارة الذاتية» وقواتها العسكرية، ويُعزز التكامل مع المؤسسات السورية، مشيراً إلى أنها ستكون «في إطار لا مركزية سياسية تعترف بهوية المكون الكردي»، على حد تعبيره.

وكان المقدم محمد عبد الغني قد صرح لـ«الشرق الأوسط»، في أبريل الماضي، بأن أي اتفاق مبدئي حول إدارة سد تشرين يجب أن تسبقه خطوات عملياتية تطبق على أرض الواقع، وتتضمن في مقدمتها انسحاب جميع الجهات العسكرية، لتشمل اتفاقات حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب ومنشأة سد تشرين، على «أن تسري على جميع جغرافية محافظة حلب، وتكون خطوة تمهيدية لتنفيذ اتفاق شامل»، وأن تشمل ريفها الشرقي والشمالي، بما في ذلك عودة مهجّري مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية.

يُذكر أن بحيرة سد تشرين واحدة من كبرى البحيرات الاصطناعية في سوريا، وتحتوي على كميات كبيرة من المياه العذبة المجمعة من نهر الفرات، ويبلغ مستوى التخزين فيها نحو 1.9 مليار م3، وتتراوح مناسيبها بين 400 و600 متر عن سطح البحر.


مقالات ذات صلة

تركيا تُطالب «قسد» بخريطة طريق لتنفيذ اتفاق الاندماج في الجيش السوري

شؤون إقليمية تركيا تطالب «قسد» بالاندماج في الجيش السوري أفراداً وليس وحدة منفصلة (أ.ف.ب)

تركيا تُطالب «قسد» بخريطة طريق لتنفيذ اتفاق الاندماج في الجيش السوري

طالبت تركيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بالتخلّي عن خطابها «الانفصالي»، والتخلُّص من «الإرهابيين» بصفوفها، والاندماج في الجيش السوري، والخضوع لسلطة مركزية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع -على اليمين- يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد... في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

تقرير: مساعٍ حثيثة لإنقاذ اتفاق دمج قوات «قسد» بالدولة السورية قبل نهاية العام

قال أشخاص مشاركون ومطّلعون على محادثات لدمج قوات كردية مع الدولة السورية إن مسؤولين سوريين وأكراداً وأميركيين يسعون لإظهار تقدّم في اتفاق متعثر بهذا الشأن.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)

دمشق و«قسد» تُسارعان لإنقاذ اتفاق الدمج قبل انقضاء المهلة

قال عدة أشخاص مشاركين في محادثات لدمج القوات الكردية مع الدولة السورية إن المسؤولين السوريين والأكراد والأميركيين يسعون جاهدين لإظهار تقدم في اتفاق متعثر.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية رئيس الأركان التركي سلجوق بيرقدار أوغلو وقادة القوات المسلحة أجروا تفتيشاً بمقر القيادة الرئيسي للفيلق السادس في كليس على الحدود السورية الأربعاء (الجيش التركي - إكس)

تركيا تُحذر «قسد»: «صبرنا بدأ ينفد»

حذرت تركيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من أن صبرها بدأ ينفد إزاء عدم تحركها لتنفيذ اتفاق الاندماج في الجيش السوري، مؤكدةً أنها لا تؤيد استخدام القوة العسكرية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» بالبرلمان التركي تستعد لمناقشة الاقتراحات الخاصة بعملية السلام (حساب البرلمان في إكس)

تركيا: تباينات في مواقف الأحزاب بشأن «عملية السلام» مع الأكراد

تستعد لجنة شكّلها البرلمان التركي لاقتراح الإطار القانوني لحل حزب «العمال الكردستاني» ونزع أسلحته للمرحلة الثانية من عملية السلام وحل المشكلة الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

فصائل عراقية تنضم إلى دعوات لحصر السلاح بيد الدولة

عرض لـ«الحشد الشعبي» في بغداد (د.ب.أ)
عرض لـ«الحشد الشعبي» في بغداد (د.ب.أ)
TT

فصائل عراقية تنضم إلى دعوات لحصر السلاح بيد الدولة

عرض لـ«الحشد الشعبي» في بغداد (د.ب.أ)
عرض لـ«الحشد الشعبي» في بغداد (د.ب.أ)

يسارع قادة ميليشيات عراقية هذه الأيام إلى إعلان دعواتهم لحصر السلاح بيد الدولة، في تطور يثير مفاجآت وعلامات استفهام وكذلك انتقادات على المستوى المحلي، ذلك أن هذه الشخصيات كانت حتى وقت قريب تتمسك بسلاحها وتتحدى الدولة علناً في المجاهرة به بذريعة انتمائها لـ«محور المقاومة»، الذي يناهض الولايات المتحدة الأميركية، ويشدد على خروج قواتها من العراق.

ولا تبتعد تحليلات محلية في تفسير هذه «الظاهرة» عن ضغوطات أميركية في العراق، إلى جانب تحولات إقليمية محتملة، إلى جانب سعي هذه الفصائل إلى الانتقال للعمل السياسي بعد فوزها بمقاعد في البرلمان الجديد.

وإلى جانب دعوة أطلقها رئيس «تيار الحكمة»، عمار الحكيم، صدرت في غضون اليومين الأخيرين دعوات لحصر السلاح بيد الدولة من ثلاث شخصيات فصائلية معروفة ومدرجة ضمن لائحة العقوبات والإرهاب الأميركية.

ثلاثة فصائل

ويتصدر تلك الشخصيات أمين عام «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، الذي بات له وجود وازن في البرلمان بنحو 27 مقعداً، حيث قال، الجمعة: «نحن نؤمن بحصر السلاح بيد الدولة، وسنعمل على تحقيقه بخطوات واقعية». التوجه ذاته عبَّر عنه أمين عام «أنصار الله الأوفياء»، حيدر الغراوي، وكذلك فعل شبل الزيدي، قائد «كتائب الإمام عليّ».

ويجمع قادة الفصائل الثلاثة انضواءهم ضمن مظلة قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، وإدراجهم على لائحة الإرهاب الأميركية، ما يعزز فرضية أنهم يسعون إلى المناورة السياسية تجاه واشنطن التي تشدد على عدم القبول بمشاركة عناصر من الفصائل المسلحة ضمن التشكيلة الحكومية المقبلة.

جدية واشنطن

ورأى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، نزار حيدر، أن إطلاق دعوات لحصر السلاح من قيادات فصائلية يعود في أساسه إلى أن «القوى الشيعية ومعها كل الفصائل بدأت تشعر بجدية الموقف الأميركي في عدم التعامل مع حكومة جديدة تشترك فيها الفصائل».

ويقول حيدر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفصائل على وجه التحديد تسابق الزمن حالياً لإثبات حُسن نواياها لواشنطن قبل أن يصل مبعوثها الخاص مارك سافايا إلى بغداد».

ويُقسِّم حيدر الفصائل المسلحة إلى نوعين، الأول، الذي انخرط بالعملية السياسية والانتخابية على عدة مراحل كانت آخرها الانتخابات النيابية الأخيرة، ومنها الذي شارك في الحكومات السابقة بوزير أو أكثر. وهذه الفصائل سعت وتسعى للتحول من كونها قوة مسلحة خارج سلطة الدولة إلى كونها جزءاً من مؤسسات الدولة الأمنية وغيرها.

ويرى أن النوع الأول «هو مَن يدعو حالياً إلى حصر السلاح بيد الدولة ليجد المقبولية لدى المجتمع الدولي والإقليمي، وتحديداً الولايات المتحدة».

أما النوع الثاني، ويتعلق بـ«الفصائل التي ما زالت لا تجد نفسها في العملية السياسية على الرغم من انخراطها في الانتخابات النيابية الأخيرة، وما زالت توظف الخطاب (المقاوم) في مسعى منها للحصول على أكبر المكاسب السياسية والمالية والأمنية قبل إعلانها الانخراط التام بالدولة».

تكتيك مرحلي

ويتفق إحسان الشمري، رئيس «مركز التفكير السياسي»، حول أهمية وتأثير الضغوط الأميركية المسلطة على الفصائل وإرغامها على إعلان تخليها عن السلاح خارج إطار الدولة.

ويرى الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «دعوات نزع السلاح يجب النظر إليها من ناحية التوقيت الذي يتزامن مع الاشتراطات الأميركية المتعلقة بضرورة تفكيك السلاح وحصره بيد الدولة والقائد العام للقوات المسلحة، وأيضاً بقرب وصول المبعوث الأميركي مارك سافايا إلى العراق».

ويعتقد الشمري أنها تأتي أيضاً ضمن توقيت مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، ذلك أن «هذه الجماعات تسعى إلى الانخراط في الحكومة الجديدة وهي تدرك حجم الممانعة الأميركية في هذا الاتجاه».

عناصر من «كتائب حزب الله» خلال استعراض ببغداد في سبتمبر 2024 (رويترز)

ولا يستبعد أنها تأتي كذلك ضمن «سياق تكتيكي مرحلي لاختبار مدى الاستجابة الأميركية لمثل هذه الدعوات، وأيضاً قد تكون مدخلاً لانخرط هذه الفصائل في مفاوضات مباشرة مع واشنطن».

ويلفت الشمري إلى أن دعوات الفصائل العراقية «لا يمكن فصلها عن طبيعة خطاب (حزب الله) اللبناني، وهي متسقة مع اشتراطاته لنزع السلاح، إذ تريد أن تبدو عملية نزع السلاح وكأنها إجراءات وترتيبات محلية داخلية وليست نتيجة ضغوط أميركية وخارجية».


نائب رئيس الحكومة اللبنانية: مسار المفاوضات السياسية مع إسرائيل لم ينطلق

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً نائب رئيس الحكومة طارق متري (رئاسة الجمهورية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً نائب رئيس الحكومة طارق متري (رئاسة الجمهورية)
TT

نائب رئيس الحكومة اللبنانية: مسار المفاوضات السياسية مع إسرائيل لم ينطلق

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً نائب رئيس الحكومة طارق متري (رئاسة الجمهورية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً نائب رئيس الحكومة طارق متري (رئاسة الجمهورية)

نفى نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري أن يكون مسار المفاوضات السياسية مع إسرائيل قد انطلق مع تعيين مفاوضين مدنيين من قبل الطرفين، لافتاً إلى أن التركيز راهناً هو على سحب الذرائع الإسرائيلية، من خلال تفعيل عمل لجنة وقف النار (الميكانيزم) لتجنب جولة حرب جديدة.

وأشار متري في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المهمة الأساسية للجنة «التحقق من الخطوات والإجراءات التي يقوم بها الجيش اللبناني في إطار تنفيذ واجباته كاملة، واقترابه من استكمال خطته لجنوبي الليطاني»، مضيفاً: «لكن إسرائيل يمكنها أن توسِّع عملياتها العسكرية بذرائع ومن دون ذرائع». وأشار متري إلى «تلميحات بوجود ضغوط أميركية لمنع إسرائيل من شن جولة حرب جديدة على لبنان».

العلاقات اللبنانية السورية

ويتولى متري ملف العلاقات اللبنانية- السورية التي تم التداول بإصابتها بانتكاسة، بعد فشل زيارة الوفد القضائي اللبناني إلى دمشق، في الحادي عشر من الشهر الجاري، في تحقيق النتائج المرجوة فيما يتعلق بالتوصل إلى معاهدة قضائية جديدة تنظِّم آلية تسليم السجناء السوريين الموقوفين في لبنان، بعدما ظهر تباين واسع في مقاربة الطرفين لبنود مشروع الاتفاقية.

ويُعتبر حل هذا الملف أولوية للسلطات السورية، وهو ما أكده متري، لافتاً إلى أهمية الانتهاء من هذه المسألة؛ سواء للسوريين أو اللبنانيين، متحدثاً عن ضغوط كبيرة يمارسها أهالي السجناء.

وأوضح متري أنه «قبل شهرين انطلقنا بمناقشة مسودة أولى لاتفاقية تعاون قضائي، وقد جرت مناقشتها، ولكنها لم تكن مُرضية؛ إذ كان تنفيذها يتطلَّب وقتاً، وإقرارها من قبل مجلس النواب. لذلك أعددنا مشروع اتفاقية ثانية نوقشت في دمشق الأسبوع الماضي، وشهدت أخذاً وردّاً حول بنودها، ولكنها أيضاً لم تكن مُرضية للطرف السوري. بناءً عليه، طلبنا منه إعداد اقتراحات لتعديلها بغية العمل عليها والأخذ بها. وتتطلب هذه المسودة -حصراً- إقرارها من قبل مجلس الوزراء».

وشدد متري على وجود «إرادة سياسية لمعالجة هذا الملف في أسرع وقت ممكن؛ إذ إن كل يوم يمرُّ يزيد الأمور تعقيداً»، قائلاً: «نحن مستعجلون لنقل العلاقات اللبنانية- السورية من مرحلة المعالجة إلى مرحلة التعاون، بما يطوي صفحة الإشكالات والتناقضات السابقة».

ورداً على سؤال عن الإشكاليات التي لا تزال تحول دون اعتماد مسودة اتفاقية لحلِّ ملف السجناء السوريين، أشار متري إلى أن «الاعتراضات تركزت على استثناء بعض المحكومين، إضافة إلى ملف الموقوفين»، مؤكداً أن الطرف اللبناني يعمل على معالجة هذا الملف بسرعة: «وقد أُطلق سراح نحو 100 موقوف بموجب إخلاءات سبيل، بينما أُفرج خلال شهرين عن 22 موقوفاً كانوا موقوفين على خلفية الانتماء إلى تنظيم كان محظوراً -هو (جبهة النصرة)- ولم يعد كذلك».

وتحدَّث متري عن «صعوبات كثيرة واجهها القضاء اللبناني، ما أدَّى إلى تباطؤ كبير في عمله. أضف أنه -وبفعل الظروف السابقة- لم يلتزم القضاء العسكري في بعض الأحكام بأعلى المعايير القضائية». ولكنه شدَّد على أن «الأمور تبقى قابلة للحل، ما دامت هناك إرادة سياسية لبنانية، وما دام الجميع مدركاً لأهمية المعالجة بعيداً عن المماحكات». وأضاف: «للدولة اللبنانية مصلحة كبرى في هذه المرحلة، لالتقاط الفرصة الراهنة، والعمل بعد سنوات طويلة على بناء علاقات سوية وسليمة مع سوريا؛ علاقات تقوم على التكافؤ والاحترام والتعاون»، مؤكداً أن «السوريين اليوم لا يرغبون في الهيمنة على لبنان ولا التدخل في شؤونه».

أما بالنسبة لبقية الملفات العالقة بين البلدين، فنفى متري أن تكون في «حالة جمود»، موضحاً أن «نحو 400 ألف سوري عادوا إلى بلادهم، ولكنهم يواجهون صعوبات في السكن، مع وجود اهتمام عربي بأوضاعهم».

وإذ أكد أن «التركيز مستمر على ضبط الحدود بين البلدين»، أوضح أن «مسألة الترسيم لم تبدأ بعد، وهي مسؤولية تقع على عاتق الطرفين». وأوضح أن «الجانب الفرنسي يقدِّم مساهمة تقنية في هذا المجال عبر تقديم خرائط الانتداب الفرنسي، والتي ستساعد في عملية الترسيم».

وكان متري ووزير العدل، عادل نصار، قد عقدا اجتماعاً مع رئيس الجمهورية جوزيف عون يوم الجمعة، في إطار السعي للتوصُّل إلى اتفاقية بين لبنان وسوريا، تتعلَّق بملفِّ السجناء والموقوفين. وشدد عون على ضرورة درس أفضل الصيغ القانونية الممكنة للتفاهم والاتفاق مع الجانب السوري، مؤكداً على وجود رغبة قوية في إقامة أفضل العلاقات مع سوريا، وتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات.


غزة: أسلحة جديدة في أيدي المجموعات المسلحة المناهضة لـ«حماس»

مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)
مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

غزة: أسلحة جديدة في أيدي المجموعات المسلحة المناهضة لـ«حماس»

مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)
مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)

ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي في الساعات الأخيرة، بنشر مقاطع فيديو وصور لأسلحة جديدة ظهرت في أيدي عناصر المجموعات المسلحة الموجودة في مناطق السيطرة الإسرائيلية داخل قطاع غزة، التي تعدّ نفسها البديل الذي سيحل مكان حكم «حماس» في القطاع، وباتت تطور من أساليبها الهادفة للمشارَكة في الإطاحة بالحركة.

واختلفت الآراء حول مصدر تلك الأسلحة إنْ كانت من قبل إسرائيل، وهي جديدة، أم أنها أسلحة استولت عليها القوات الإسرائيلية من عناصر «حماس» في القطاع، وسلمت جزءاً بسيطاً منها لتلك العناصر، أو أن تلك المجموعات استولت عليها من أنفاق وأماكن قتال عناصر الحركة بعد مقتل كثير من نشطائها في عمليات ملاحقة جرت خصوصاً في رفح.

الفلسطيني ياسر أبو شباب الذي يقود ميليشيا مسلحة في غزة تناوئ «حماس» والذي قُتل (صورة نشرتها «يديعوت أحرونوت»)

ونُشر مقطع فيديو وصورة، تعودان لغسان الدهيني، الذي تولى قيادة «القوات الشعبية» بدلاً من ياسر أبو شباب الذي قُتل منذ أسابيع في رفح جنوب قطاع غزة، وهو يحمل قذيفة «تاندوم» وهي قذيفة مطورة من قاذف «آر بي جي»، وكانت «حماس» تستخدمها كثيراً خلال السنوات الماضية وخلال الحرب الأخيرة، وكان في مقطع الفيديو يتفقد صندوقاً يحمل به أسلحة جديدة، ومن حوله كثير من المسلحين.

ويبدو أن الأمر لم يقتصر على الدهيني، الذي تنتشر مجموعاته في رفح جنوب قطاع غزة، حيث نُشر مقطع فيديو لعناصر تتبع مجموعات تطلق على نفسها «الجيش الشعبي» التي يقودها أشرف المنسي، في مناطق جباليا وبيت لاهيا شمال القطاع، حيث ظهر برفقتها قذائف «آر بي جي» بعدد محدود جداً.

ولا تنفي أي من المجموعات المسلحة بغزة أنها تتلقى دعماً من إسرائيل، التي كان رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، أكد ذلك في تصريحات سابقة كان أصدرها في يونيو (حزيران) الماضي.

وأقر شوقي أبو نصيرة، وهو ضابط أمن فلسطيني سابق يقود أحدث تلك المجموعات وأصغرها والتي تنتشر شرق خان يونس، جنوب القطاع، خلال مقابلة مع «قناة 14» العبرية اليمينية، قبل أيام عدة، بأن إسرائيل أمدته والمجموعات الأخرى بالسلاح والمال والطعام، وأن بينهم تنسيقاً أمنياً كبيراً.

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

وتتهم مصادر من «حماس» كانت تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، منذ أيام، مجموعة أبو نصيرة بإرسال مجموعة من المسلحين، قتلوا الضابط في جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة غزة التي تقودها الحركة، أحمد زمزم، بإطلاق النار على مركبته في مخيم المغازي وسط القطاع، وهو الأمر الذي عُدّ في القطاع بأنه تغيير في أساليب تلك المجموعات التي يبدو أنها تتنافس فيما بينها لتظهر ولاءها لإسرائيل وقدرتها على تحقيق أهداف من خلال مثل هذه الضربات التي تعدّ نوعية.

وأعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة «حماس»، أنها اعتقلت أحد المنفذين، وضبطت بحوزته مسدساً كاتماً للصوت، تم استخدامه في العملية، مشيرةً إلى أن المعتقل اعترف بأنه التقى ضابط مخابرات إسرائيلياً برفقة المنفذين الآخرين، وبوجود أبو نصيرة؛ للتنسيق للعملية التي هدفت لإحداث الفوضى بغزة.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

وبيَّنت أن ضابط المخابرات الإسرائيلية سلم المنفذين 3 مسدسات مزودة بكواتم صوت، و3 دراجات كهربائية، وملابس مزودة بكاميرات صغيرة الحجم، وهواتف موصولة بسماعات لاسلكية، بالإضافة إلى إحداثيات مسار تحرك زمزم.

وبعد الحادثة، أعلنت قوة «رادع» التابعة لأمن الفصائل الفلسطينية المسلحة، وبالتنسيق مع وزارة الداخلية بغزة، فتح «باب التوبة» أمام مَن وصفتهم بـ«العملاء» الذين يخدمون تلك المجموعات المسلحة.

وقالت منصة «حارس» التابعة لأمن تلك الفصائل، الجمعة، إن عدداً من الأشخاص قاموا بتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية بغزة خلال فترة المهلة التي حُدِّدت بـ10 أيام، مشيرةً إلى أنه تتم حالياً معالجة ملفاتهم وفقاً للإجراءات القانونية المعمول بها، معلنةً انتهاء الحملة رسمياً.

مقاتلون من «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)

وأكدت المنصة استمرار سريان قرار ملاحقة المتعاونين مع الاحتلال وتفكيك شبكاتهم، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات ستتواصل دون توقف، محذرةً من التواصل مع «عملاء المرتزقة» أو المنصات الإعلامية الداعمة لهم، مشددةً على أن هذه الوسائل تستخدم أسماء متعددة بهدف التأثير على الوعي العام ومحاولة شرعنة التعاون مع الاحتلال. كما قالت.

وعلى الرغم من هذه الإعلانات من قبل «حماس»، فإن تلك المجموعات إلى جانب مجموعات أخرى تنشط في مناطق سيطرة إسرائيل خلف الخط الأصفر، وهو ما نسبته 50 في المائة من مساحة قطاع غزة، تنشر منذ أيام عدة، وباستمرار، مقاطع فيديو تظهر عمليات تدريب لما قالت عنها عناصر جديدة انضمت إليها.

وأعلنت تلك المجموعات سلسلة من الدورات الجديدة، واستحداث أقسام عسكرية لضمهم إليها، مثل قوات النخبة ومكافحة الإرهاب، وغيرها، الأمر الذي يشير إلى أنها ما زالت قادرة على مواجهة «حماس» حتى وإن كان بالحد الأدنى مما كانت تتوقعه إسرائيل منها.