الملف الرئاسي اللبناني في «عطلة قسرية»

ترقب للخطوة الفرنسية التالية

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يدلي بصوته في جلسة انتخابات الرئاسة الأخيرة في 14 يونيو الحالي (البرلمان اللبناني - د.ب.أ)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يدلي بصوته في جلسة انتخابات الرئاسة الأخيرة في 14 يونيو الحالي (البرلمان اللبناني - د.ب.أ)
TT

الملف الرئاسي اللبناني في «عطلة قسرية»

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يدلي بصوته في جلسة انتخابات الرئاسة الأخيرة في 14 يونيو الحالي (البرلمان اللبناني - د.ب.أ)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يدلي بصوته في جلسة انتخابات الرئاسة الأخيرة في 14 يونيو الحالي (البرلمان اللبناني - د.ب.أ)

دخل ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان عطلة قسرية مع دخول البلاد في عطلة عيد الأضحى المبارك، هذا الأسبوع، فيما يبدو واضحاً من خلال التصريحات والمعطيات أن الأفرقاء السياسيين يعيشون حالة من الترقب بانتظار أي مؤشرات خارجية، لا سيما بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، إلى بيروت، حيث التقى المعنيين، على أن يعود مجدداً في يوليو (تموز) المقبل.

ودخل الاستحقاق الرئاسي مرحلة من الجمود مع تمسك كل فريق بمواقفه، وهو ما تعكسه التصريحات اليومية التي تصدر عن الفريقين، المتمثلين بالمعارضة التي اتفقت على دعم الوزير السابق جهاد أزعور، و«الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) الذي يدعم مع حفائه رئيس «تيار المردة» الوزير الأسبق سليمان فرنجية.

أسباب الجمود

ويعزو مصدر في المعارضة هذا الجمود والترقب إلى سببين أساسيين: تصلّب «الثنائي الشيعي» وعدم اعترافه بالوقائع وتعطيل الاستحقاق، وانتظار جميع الأفرقاء ما سترسو عليه فرنسا بعد زيارة موفدها إلى بيروت.

ويوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأمر الأول هو أن فريق الممانعة لا يريد الاعتراف بالوقائع التي تفترض الذهاب إلى مساحة مشتركة، ويتمسك بموقفه بترشيح فرنجية خلافاً للوقائع الشعبية والسياسية والمسيحية والخارجية، رغم أنه يقر بأن أي فريق غير قادر على إيصال مرشحه». ويضيف: «رغم ذلك يحافظ على تموضعه وإصراره على مرشحه، وهو ما يبقي البلد في حالة الشغور المستمر حتى إشعار آخر لأنه لا يجرؤ على الذهاب إلى دورة ثانية في جلسة الانتخاب، لأنه يدرك أنه سيخسر المعركة الرئاسية».

وتابع المصدر: «أما الأمر الثاني، فهو دخول الفرنسي مجدداً على الخط، وقيام لو دريان بإعداد تقريره وخلاصات واستنتاجات لقاءاته للذهاب إلى مبادرة جديدة وتهيئة المناخ للاتفاق على اسم جديد قد يكون أزعور لأنه ضمن اللائحة التوافقية التي تقاطع عليها عدد كبير من الكتل والنواب».

من هنا، تعد المصادر أن «الفريق الممانع يضع الاستحقاق بيد الخارج، وبالتالي يجب انتظار الجولة الثانية للو دريان وما يحمله من مبادرة عملية لرؤية ما يمكن أن يحدث».

تحذير «حزب الله»

وفي المواقف، حذّر «حزب الله»، المعارضة، من إضاعة الوقت باسم جديد، مجدداً تمسكه بالحوار الذي يعده «حلاً للأزمة»، رغم رفضه التراجع عن دعمه لمرشحه.

ونبه النائب علي فياض (حزب الله) من أن «يجد اللبنانيون أنفسهم أمام أزمة نظام وليس أزمة رئاسة فقط». وقال: «بعد نتائج جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة، وما أعقبها على صعيد لقاءات الموفد الفرنسي، تتنامى فكرة الحاجة إلى الحوار والتفاهم مخرجاً من حالة الاستعصاء القائمة، وبات المعنيون أكثر قابلية للإقرار بما دعونا إليه باكراً، منذ الأسابيع الأولى للاستحقاق الرئاسي، وهو التأكيد على الحوار مدخلاً للتفاهم، ولأن الحوار يتيح تقليب الخيارات والمقارنة فيما بينها، وإزالة الهواجس وتوفير الضمانات، ولأنه تلقائياً سيؤدي إلى توسعة مساحة البحث، بما يدرج موضوع الرئاسة في إطار تفاهمات أوسع تطال القضايا الأساسية التي يحتاج اللبنانيون إلى معالجتها». وأضاف: «إن إصرار البعض على التعامي عن هذا المسار العقلاني، لا يعني سوى نتيجة واحدة، وهي إطالة أمد الفراغ وتفاقم الأوضاع سوءاً وتدهوراً، وعندها ليس من المستبعد أن يجد اللبنانيون أنفسهم أمام أزمة نظام وليس أزمة رئاسة فقط».

وفي السياق نفسه، جدد  عضو المجلس المركزي لـ«حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، التأكيد على أن جلسة «الانتخابات الأخيرة ثبتت موازين للقوى داخل المجلس النيابي، وهذه التوازنات تقطع الطريق على أي فريق من أن يفرض مرشحاً للرئاسة». وقال خلال احتفال تأبيني في الجنوب، إن «الأزمة الراهنة هي أزمة انتخاب رئيس للجمهورية، وهذه الأزمة في مأزق حقيقي يتعمق يوماً بعد يوم، وإطالة أمد الفراغ الرئاسي هو ضرر مطلق على جميع اللبنانيين دون استثناء».

وأضاف: «99 نائباً رفضوا التصويت لمرشح التقاطعات المجتزأة، أي أكثر من نصف النواب من كل الطوائف»، لافتاً إلى أن «جهة بارزة في جماعة التقاطع تعتبر أن ورقة مرشح التقاطع قد احترقت، وأنهم بدأوا يفتشون عن أسماء جديدة».

وتوجه إلى المعارضة بالقول: «ننصحكم بألا تضيعوا الوقت على اسم جديد، ولا تجربوا المجرب لأن الحل والطريق الأقرب والأضمن هو الحوار. (حزب الله) أكد ولا يزال يؤكد دعوته إلى الحوار غير المشروط، وإلى التوافق، ليس من موقع الضعيف، إنما من موقع الحرص، لأن هذا البلد لا يتحمل تصفية حسابات سياسية أو شخصية، ولا يتحمل تعميق الانقسامات الداخلية».

المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان (أرشيفية - رويترز)

وأوضح أن «(حزب الله) أكد للموفد الفرنسي تمسكه بشكل واضح وصريح بدعم ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وأن الوصفة المثالية لحل الأزمة ليست إلا بالحوار والتوافق».

 

أبو فاعور وخلف

وفي إطار الملف الرئاسي، قال عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور: «وصلنا بعد جلسة الأربعاء الرئاسية إلى خلاصة مفادها بأن التفاهم على الرئيس هو الحل الوحيد»، معتبراً أن «لبنان يعيش اليوم حالة انعدام وزن في الملف الرئاسي في ظل انعدام المبادرات الداخلية، والمرحلة تتطلب سكينة وطنية للوصول إلى بر الأمان».

من جهته، دعا النائب ملحم خلف، إلى «ضرورة العودة إلى الدستور في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية بعدما وصلنا إلى حال عدمية»، معتبراً في حديث إذاعي أن «اختزال النواب برؤساء كتلهم المرتهنين بدورهم إلى الخارج يجب أن يتوقف، والمطلوب تطبيق الدستور عبر انتخاب رئيس داخل مجلس النواب صنع في لبنان». وأشار إلى أن «ممارسة الطبقة السياسية التقليدية تحملنا إلى التفكير بإعادة النظر بالقوانين والدستور، الذي بات وجهة نظر في ظل غياب مبدأ المساءلة ومعايير الديموقراطية».


مقالات ذات صلة

لبنان مُصِرُّ على «الانسحاب الإسرائيلي الكامل» من أراضيه

المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً نظيره القبرصي نيكوس خريستودوليدس (إ.ب.أ)

لبنان مُصِرُّ على «الانسحاب الإسرائيلي الكامل» من أراضيه

بدأت الحركة السياسية بالقصر الرئاسي في بعبدا، الجمعة، باكراً، باجتماعات عقدها رئيس الجمهورية جوزيف عون وتلقيه اتصالات وبرقيات تهنئة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (د.ب.أ)

ميقاتي إلى دمشق لتدشين العلاقة الرسمية مع القيادة الجديدة

يتوجّه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى دمشق، السبت، للقاء قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس جوزيف عون وزوجته نعمت نعمة في القصر الرئاسي في بعبدا (أ.ف.ب)

اليوم «الرئاسي» الأول لجوزيف عون اعتذار عن عدم استقبال المهنئين... «الوقت للعمل»

حضر رئيس الجمهورية جوزيف عون صباح الجمعة باكراً إلى القصر الرئاسي في بعبدا (جبل لبنان) حيث عادت الحياة إليه بعد الفراغ في سدة الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون (رويترز)

لبنان: عون تفهّم هواجس «الثنائي» فرجحت كفة انتخابه

يستعد لبنان مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية للدخول في مرحلة سياسية جديدة تواكب التحولات التي شهدتها المنطقة.

محمد شقير (بيروت)

غموض مصير «الأونروا» يشعل الجدل بين الأمم المتحدة وإسرائيل

موظف تابع لمنظمة «أونروا» في أثناء توزيع ملابس شتوية في خان يونس (أونروا)
موظف تابع لمنظمة «أونروا» في أثناء توزيع ملابس شتوية في خان يونس (أونروا)
TT

غموض مصير «الأونروا» يشعل الجدل بين الأمم المتحدة وإسرائيل

موظف تابع لمنظمة «أونروا» في أثناء توزيع ملابس شتوية في خان يونس (أونروا)
موظف تابع لمنظمة «أونروا» في أثناء توزيع ملابس شتوية في خان يونس (أونروا)

تتجادل الأمم المتحدة وإسرائيل حول من سيملأ الفراغ إذا توقفت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن العمل في قطاع غزة والضفة الغربية في وقت لاحق من هذا الشهر حين يُطبق قانون إسرائيلي.

وما زالت الأونروا تعمل في الأراضي الفلسطينية، لكن المستقبل مجهول أمام الوكالة التي يبلغ عمرها نحو 75 عاماً حين يدخل القانون الذي يحظر عملها في الأراضي الإسرائيلية واتصالها بالسلطات الإسرائيلية حيز التنفيذ.

كان الكنيست الإسرائيلي قد أقر القانون في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 الشهر الماضي على أن يدخل حيز التنفيذ نهاية يناير (كانون الثاني).

ومنذ إقرار القانون، تتبادل الأمم المتحدة وإسرائيل الرسائل. وبعد فترة وجيزة، أبلغت الأمم المتحدة إسرائيل أنه ليس من مسؤولية المنظمة الدولية طرح بديل للأونروا في الأراضي الفلسطينية، غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.

وفي رسالة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في وقت متأخر من يوم الخميس، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إنه إذا أُجبرت «الأونروا» على التوقف عن العمل، فسيتعين على إسرائيل «ضمان توفير مجموعة الخدمات والمساعدات التي كانت تقدمها الأونروا» بما يتوافق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي.

وكتب غوتيريش أن وكالات الأمم المتحدة الأخرى مستعدة لمواصلة تقديم الخدمات والمساعدة للفلسطينيين بقدر ما تستطيع، لكن هذا «لا ينبغي النظر إليه على أنه إعفاء لإسرائيل من التزاماتها».

وتعدّ الأمم المتحدة غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، أراضي تحتلها إسرائيل. ويلزم القانون الدولي القوة المحتلة بالموافقة على برامج الإغاثة وتسهيلها وضمان توفير الغذاء والرعاية الطبية ومعايير النظافة والصحة العامة.

وفي رسالة إلى المنظمة الدولية في 18 ديسمبر (كانون الأول)، قال سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون إن التشريع الجديد «لا يقوض بأي حال التزام إسرائيل الراسخ بالقانون الدولي». ورفض أيضاً مطالبة الأمم المتحدة بأن تتحمل إسرائيل مسؤولية سد أي فراغ قد تتركه «الأونروا».

وكتب يقول إن إسرائيل لا تمارس سيطرة فعلية على غزة ومن ثم فهي ليست قوة احتلال، وإن قانون الاحتلال العسكري لا ينطبق أيضاً. وقال إنه «لا يتعين إغفال» مسؤولية السلطة الفلسطينية عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية.

وقال دانون: «في القدس، من حق جميع السكان الحصول على الخدمات الحكومية والبلدية بموجب القانون الإسرائيلي»، ويشمل ذلك خدمات الصحة والتعليم. وضمت إسرائيل القدس الشرقية في خطوة غير معترف بها دولياً.

الصحة والتعليم في خطر

لطالما انتقدت إسرائيل «الأونروا». وتقول إن موظفين في «الأونروا» شاركوا في هجوم حركة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. وقالت الأمم المتحدة إن تسعة من موظفي «الأونروا» ربما شاركوا وتم فصلهم. وتبين أن أحد قادة «حماس» في لبنان قتلته إسرائيل في سبتمبر (أيلول) كان يعمل في «الأونروا».

وقالت الولايات المتحدة إنه يتعين على حليفتها إسرائيل أن تضمن ألا يعيق القانون الجديد توصيل المساعدات وتقديم الخدمات الحيوية، ومنها تلك التي تقدمها «الأونروا»، في غزة التي تعاني من أزمة إنسانية منذ الحرب بين إسرائيل و«حماس».

لكنها أثارت أيضاً تساؤلات حول التخطيط للطوارئ الذي وضعته الأمم المتحدة.

وقال مسؤول أميركي إن مسؤولين من وزارة الخارجية اجتمعوا هذا الأسبوع مع الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الذي يتولى منصبه في 20 يناير، وأثاروا مخاوف عن احتمال تفاقم الأزمة في غزة بمجرد تنفيذ القانون الإسرائيلي.

وتقدم «الأونروا» التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، المساعدات والخدمات الصحية والتعليمية لملايين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ولفلسطينيين في دول عربية مجاورة مثل سوريا ولبنان والأردن.

وقال غوتيريش إنه لا يمكن الاستعاضة عن «الأونروا» في الدور الفريد الذي تضطلع به. ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية التي تقدمها «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية ستكون الأشد تضرراً من غيرها، لأن الوكالات الأخرى لا تستطيع أن تضاهي قدرتها على تقديم مثل هذه المساعدة.

وجادل دانون بأنه «ليس من المستحيل بالمرة إحلال بديل للأونروا يمتلك خطط إغاثة توفر المساعدات الأساسية الكافية للمدنيين الفلسطينيين». وأشار إلى عملية المساعدة في غزة التي قال إن وكالات أخرى للأمم المتحدة جاهزة لتوفير الدعم اللازم «كما تفعل في أماكن أخرى من العالم».

ومن بين الوكالات الأخرى العاملة في غزة والضفة الغربية منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. لكن مسؤولين بارزين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن يصفون «الأونروا» بأنها العمود الفقري لعمليات المساعدات الإنسانية الحالية في غزة.

وتقول إسرائيل إن 1200 شخص قتلوا، واقتيد نحو 250 رهينة في هجوم السابع من أكتوبر 2023 بقيادة «حماس» على جنوب إسرائيل. وشنت إسرائيل حملتها العسكرية على غزة بعد الهجوم.

وقال مسؤولو صحة فلسطينيون إن الحرب في غزة أسفرت عن مقتل أكثر من 46 ألف شخص حتى الآن، فضلاً عن تحويل مساحات واسعة من القطاع إلى أطلال، ونزوح معظم سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة مرات متعددة. ويحذر خبراء الأغذية من مجاعة وشيكة.