فاضل السلطاني

فاضل السلطاني
محرر الثقافة والكتب في «الشرق الأوسط» منذ عام 1997. نشر عدة كتب شعرية وترجمات. وفي الدراسات له «خمسون عاماً من الشعر البريطاني» و«الأرض اليباب وتناصها مع التراث الإنساني». وأصدر بالانجليزية «فيليب لاركن شاعراً منتمياً» و«ثلاثة شعراء محدثون». مُجاز في الآداب من جامعة بغداد، وحاصل على درجة الماجستير في الأدبين الأوروبي والأميركي من جامعة لندن.

هل يمكن أن تخترع البشرية طريقًا ثالثًا؟

كتبنا الأسبوع الماضي، عن دورات التاريخ الماكرة، التي تبدو من السطح أنها لا تخضع لمنطق معين، ومن الصعب تفسيرها في ضوء المناهج التي ورثناها، فلكل دورة إيقاعها الخاص، الذي قد يبدو نشازا، أو خروجا عن النغمة العامة. الدورة الآن هي الدورة الشعبوية، إن صح التعبير، ولكن ماذا بعدها؟ لا أحد يستطيع أن يتنبأ. لكن الدرس الذي يجب أن نتعلمه هو أن ليس هناك قوانين ثابتة، بمعنى آخر ليست هناك آيديولوجية معينة ترتفع فوق الواقع، وتحاول أن تلوي عنقه ليتوافق معها بدل أن تتوافق هي معه، أي أن تتحول إلى علم.

شبح يجول في ليل العالم اسمه «الشعبوية»

للتاريخ دوراته الغريبة، أو في الأقل تبدو كذلك من السطح. بدأ القرن العشرون بالحركة الاشتراكية التي استقطبت ملايين الناس في المعمورة، وعمّرت الأنظمة التي حكمت باسمها في نصف أوروبا أكثر من سبعين عامًا. وفي البلدان العربية وأفريقيا، ركب قطارها السريع الجنرالات عبر انقلابات عسكرية متتالية، ودهسوها في النهاية بالدبابات المجنزرة، وأدخلوها السجون المحصنة، بينما كانوا يهتفون باسمها في الشوارع. كانت فكرة جذابة من الصعب مقاومة إغرائها الساحر، ووعودها الكريمة بالسعادة والرخاء لبني البشر فوق هذه الأرض. أصبحت حلم الملايين، وسال دونها كثير من الدم.. وربما لا تزال حلمًا مستحيلاً. مضت دورتها، وقد لا تعود قط.

شعراء «داعش» الرومانسيون!

هل تريد أن تفهم المتطرفين؟ اقرأ شعرهم! هذا ما تنصحنا به دراسة مطولة نشرتها مجلة «نيويوركر» الأميركية في عددها الأسبوعي الصادر في الثاني من هذا الشهر بعنوان «خطوط المعركة». ودعك عزيزي القارئ من كل شيء آخر: عمليات القتل الجماعي، وقطع الرؤوس، وذبح البشر وحرقهم أحياء، و«جون الذباح» واستعباد النساء في الموصل والرقة فهي لا تعبر، حسب منطق الدراسة، عن حقيقة المتطرفين فعلا، بل ابحث عن الحقيقة، الحقيقة كلها، في شعرهم. الدراسة الغريبة هذه كتبها روبن كروسويل، وبيرنارد هيكل. والرجلان ليسا غريبين عن المنطقة.

هيلاري مانتل.. وثاتشر

هيلاري مانتل، هذه المرأة التي تعاني من أمراض كثيرة ومنذ وقت مبكر أثرت على مظهرها الخارجي، أصبحت في السنوات الأخيرة ظاهرة نادرة في الحياة الثقافية البريطانية منذ فوزها بجائزة «بوكر» البريطانية مرتين، الأولى عام 2009 عن روايتها التاريخية الضخمة «قصر الذئاب»، التي تناولت فيها سيرة توماس كرومويل، أحد مستشاري الملك هنري الثامن، والثانية بعد ثلاث سنوات عن روايتها «أخرجوا الجثث»، التي عادت فيها إلى السيرة ذاتها، مركزة على مصير إحدى زوجات هنري الثامن، آن بولين، التي أعدمها الملك هنري نفسه.

لماذا انقطعنا عن تراثنا النثري؟

مشروع كبير أقدمت عليه «دار الكتب الوطنية» التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بإصدارها سلسلة جديدة بعنوان «عيون النثر العربي القديم»، وتنوعت هذه السلسلة، التي حررها الدكتوران خليل الشيخ وأحمد خريس، المختصان بالأدب الحديث والنقد، لتضم أمهات من كتب النثر العربي القديم تغطي مساحة زمنية كبيرة تمتد ثمانية قرون، ابتداء من القرن الثاني الهجري وانتهاء بالقرن التاسع، وتشمل مختلف الأجناس الأدبية.

معادلة مستحيلة؟

«سقطت النخبة وتقدم الشعب»، يقول الناقد السعودي د. عبد الله الغذامي في الحوار المنشور معه في «ثقافة» اليوم. وهو استنتاج صحيح إلى حد بعيد، برز على أوضح ما يكون بعد أن اجتاحنا الربيع العربي. لقد تراجع المثقفون، أو سقطوا، ليس بالمعنى الفردي، ولكن كمنظومة ثقافية حتى ما قبل الربيع العربي بأمد طويل.

من أين جاءوا؟

كان هيغل يقول إن التاريخ يعيد نفسه مرتين. وأيده ماركس في ذلك، لكنه أضاف أن التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى على شكل تراجيديا، وفي المرة الثانية على شكل كوميديا. هل ينطبق ذلك على التاريخ العربي؟ لا نعتقد. نعم، إنه يكرر نفسه لكن بشكل تراجيدي دائما. أو بشكل كوميدي، أكثر مرارة من التراجيديا؟ في كل مرة نقول إنها فترة حالكة وستمضي، وإذا بنا نجد أنفسنا كل دورة جديدة من هذا التاريخ نعيش حلكة أشد كثافة من سابقتها. كأن 1200 سنة لم تمر قط. كأننا نعود إلى سقوط بغداد، سقوط التاريخ العربي قبل 1220. لماذا نعود والآخرون يتقدمون؟

سطو مسلح على الدين

لم يتوقف كثيرون، ربما بسبب متواليات الفواجع العربية من الموصل إلى غزة، عند دلالة القرار الذي اتخذه المغرب بمنع رجال الدين من الاشتغال بالسياسة، أو بما سماه المغاربة «تقنين الشأن الديني»، على الرغم من خطورة هذا القرار غير المسبوق في تاريخ المنطقة، إذا استثنينا التجربة التونسية أثناء حكم بورقيبة. والفرق بين التجربتين، التونسية والمغربية، أن الأولى كانت مرتبطة بالتوجه العام للحبيب بورقيبة، الذي كان توجها علمانيا شمل مختلف مناحي الحياة، وتنظيم شؤون المجتمع.

كفافي .. نحن لا ننتظر البرابرة

لماذا ننتظر كلنا، هنا في الميدان؟ لأن البرابرة يصلون اليوم. لماذا لا يحدث شيء في مجلس الشيوخ؟ لأن البرابرة يصلون اليوم. أية قوانين يسنها مجلس الشيوخ الآن؟ ولماذا يضع الشيوخ القوانين؟ عندما يأتي البرابرة، يسنون القوانين (قسطنطين كفافي) البرابرة قادمون؟ ولكنهم هنا. كانوا هنا منذ ألف عام. لم يبرحونا قط. استوطنوا فينا. صاروا نحن. صرنا هم. نحن الواحد في الكل، والكل في الواحد. ولدنا معا، وكبرنا معا. أخطأت يا صديقنا كفافي. نحن لا ننتظر البرابرة. أم ترانا ننتظرهم.. نحتاجهم كنوع من الحل؟؟ لكن البرابرة ليسوا على الحدود. عبروا الحدود منذ ألف عام. تعال وانظر. من الإسكندرية إلى بغداد.

تحولات المثقفين .. غربا وشرقا

ظاهرة تحولات المثقفين ليست بجديدة, وتكاد تنطبق على المثقفين اليساريين تحديدا منذ عشرينات القرن الماضي إلى السبعينات منه. ونتحدث هنا عن الغرب، حيث الحدود الفكرية والسياسية والاقتصادية واضحة، ومكرسة منذ مئات السنين بسبب الانقسام الطبقي الواضح، واتخاذ الطبقات الاجتماعية معالم وسمات متميزة. التداخل الطبقي، الذي لا يزال يميز مجتمعاتنا، يكاد يكون معدوما في هذه المجتمعات التي دخلت مرحلة عالية من التطور الرأسمالي منذ أمد بعيد.