محمد المخزنجي
كاتب مصري

كل هذا الكربون فينا!

طالب الطب الذي يجلس دائماً في الصف الأخير من مدرج المحاضرات ناحية الباب الخلفي للخروج، نادراً ما يكمل الاستماع إلى محاضرة حتى نهايتها، ودائماً ما يتزود بكتاب يهرب إليه إذا اكتشف مقدمات الضجر فيما يلقيه المحاضر. وإذا لم يسعف المحاضر شغفه ولم يُلبِّ الكتاب أشواقه الدائمة إلى ما يدهش، يتسلل هارباً إلى الوجود الطلق تحت السماء المفتوحة.

وإن فَسَدَ الملح

في أول زيارة بعد تعافيه النسبي من المرض العضال الذي باغته وباغتنا فيه، حضر الدكتور أحمد زويل إلى القاهرة بعد غيبة، ودَعَته جريدة «الأخبار» لحوار مفتوح للنشر، وتركت له أن يختار من يود أن يشاركوا في هذا الحوار مع من تختارهم الجريدة من صحافييها وممن تراهم مناسبين لهذا اللقاء الاستثنائي، وقد شرفني الدكتور زويل بأن أكون أحد اثنين اختارهما لحضور الحوار. منذ البداية، دخل الحوار في مواضيع ذات شجون اجتماعية وسياسية رأيتها غير مناسبة لرجل عائد من قتال مُنهِك مع سرطان شرس، كما أنها بعيدة عن جوهر الكنوز المعرفية العلمية التي يزخر بها منجم فائز منفرد وغير عادي بجائزة نوبل، فالدكتور زويل هو أول من حوَّل تخي

نموس تشيخوف الأربعة

أُصدِّق المثل القائل إن «الطيور على أشكالها تقع»، ليس فقط كمجاز يشير إلى شراكات البشر مع بعضهم البعض، ولكن أيضاً إلى شراكات البشر مع الحيوانات، فاختيار إنسان لحيوان أليف، أو بري، معين، ليصاحبه، إنما يعكس شيئاً مشتركاً من صفات الحيوان الظاهرة مع صفات الإنسان الكامنة، التي يخفيها، أو تخفيها الانطباعات السطحية عنه.

زرنخة الحياة

بعد ظهر الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2010، عقدت وكالة «ناسا» مؤتمراً صحافياً للإعلان عن اكتشاف شكل من أشكال الحياة قائم على عنصر الزرنيخ!

شَعْرَة

في مصر، بينما كان وباء الطاعون الرهيب يجتاح البلاد عام 1835، ويحصد بمنجله الأسود عشرات آلاف الأرواح، رصدت فرنسية تُدعى سوزان فوالكان باستغراب شديد، أن أناساً كانوا يلعبون الكرة في الشوارع بمنتهى الحماس، وعندما سألتهم لماذا يفعلون ذلك؟

يكتم الصوت ويضحك

كان الطبيب الشاب الذي يُعِد لدرجة الاختصاص في الأمراض النفسية والعصبية في تلك المدينة الأوروبية الشرقية، كثيراً ما يحب التمشي في قلب المدينة الذي يشقه شارع كبير ذو أبنية عملاقة ثقيلة مكسوة بالجرانيت، يُقال إن الأسرى الألمان بعد هزيمة بلدهم في الحرب الغربية الثانية قد سُخِّروا لبنائها، تكفيراً عن بعض ما سببه الاجتياح النازي من دمار وموت في هذه المدينة. وعندما كان الطبيب الشاب يتعب من المشي، ويدوِّخه الجمال في قلب المدينة الحديقة الزاخرة بالجميلات العطوفات، كان يتوجه نحو دار سينما صغيرة بطرف الشارع الكبير، تخصصت في عرض الأفلام التسجيلية، يضع في عين حصالة البوابة قطعة العملة الزهيدة، ويدخل ليشاهد

تعذيب الشاي

يُصر خبراء الشاي على أن «العذاب وحده هو الذي يطلق كامل خصائص الشاي»، وهذا مما يؤيدهم فيه شَرِّيبو الشاي المخضرمون، فهم يحرصون كثيرا على جعل أوراق الشاي «تتعذب» بما يكفي داخل إبريق الماء الساخن حتى تنبسط أوراق الشاي الملفوفة، لتمنح الماء أقصى مدخراتها من النكهة الساحرة، وهذا يقتضي وقتا وصبرا لا يقدر عليه غير متذوقي الشاي الحقيقيين، الذين يعرفون أن أوراق بعض الأنواع الفاخرة من الشاي يتضاعف حجمها خمس مرات إذا أُعطيت الوقت الكافي في عملية «النقع» للحصول على شاي حقيقي.

حتى أنتَ يا شَجَر

في الغابة التي تسودها أشجار الزان العملاق والغَرَب الوارف، والمتزاحمة إلى درجة لا تسمح فيها هاماتها المتلاصقة بنفاذ ضوء الشمس إلى ما تحتها، يهيمن الظل الكثيف والأجواء الرطبة المعتمة على قلب الغابة، ما لا يسمح بأي نمو إلا للنباتات المتسلقة التي تتطفل على الجذوع الجبارة للشجر المتطاول، فقط في الفُرَج الضنينة والنادرة التي تسمح بها ثغرات ما بين تجمعات هامات الشجر العالي بنفاذ ضوء الشمس، يغزر العشب الذي لا ينمو إلا في رعاية شمس غامرة، فهو يحب الشمس إلى درجة استعذاب الموت جفافاً بين أحضان شعاعاتها اللاهبة. وكما لو كان العشب يضمر ثأراً قديماً من الأشجار التي طردته من أرضه الأولى، ما أن يشب حريق في ا

عقوبة

مع حلول الظلام في رحاب غابات وجبال وقرى الأمازون، تنطلق الخفافيش «مصاصة الدماء» من كهوفها بحثاً عن طعام، بضع قطرات من الدم لا تملأ ملعقة شاي صغيرة يحصل عليها الخفاش من «فريسة» مواتية، تكفيه لعدة أيام، بعدها يتعرض للموت إن لم يُجدِّد الوجبة... الخفافيش مصاصة الدماء تلك، ليست بتلك البشاعة التي توحي بها التسمية، فهي من الضآلة حتى إن أضخمها لا يتجاوز حجمه حجم أصغر عصافير الدوري، كما أن امتصاصها لوجبات الدماء من عروق «ضحاياها» يتم بخفر ورقة مدهشتين؛ يهبط الخفاش قرب البقرة أو الشاة المستهدفة مهتدياً لا ببصره، بل بإطلاق طقطات خاطفة غير مسموعة ترتطم بالهدف وترتد ليستقبل أصداءها راداره الحي، وبخاصية ال

فتنة برنارد شو

تقول الحكاية، إن ممثلة جميلة التقت في إحدى الحفلات بالكاتب الآيرلندي الساخر برنادر شو، وداعبته، أو راودته، أو تحرشت به - تبعاً للتعبير الرائج هذه الأيام - فقالت له وهي تتمايل وتضحك: «ألا يجدر بنا يا عزيزي أن نلتقي لننجب طفلاً يجمع بين جمالي وعبقرية عقلك».