د. مبارك الخالدي
تحاول «السدرة»، وهي الرواية الأولى للكاتبة أسماء بوخمسين، الوصول إلى عقل وقلب قارئها عبر بساطة وسلاسة السرد، ويظهر فيها الميل إلى التسجيل الإثنوغرافي كأنما ثمة رغبة في تأكيد صلتها بالواقع المرجعي الذي تحيل عليه. تدور أحداث الرواية في «الديرة»، الهفوف خلال الفترة الممتدة من قبيل الحرب العالمية الثانية إلى ما بعد العدوان الثلاثي على مصر. وفي بؤرة الأحداث، يقف منصور الهنيدي، ابن عبد الرزاق الهنيدي أحد أثرياء «الديرة»، والرواية تروي قصة نمو منصور الروحي والنفسي وتَشَكل وعيِهِ خلال السنوات التكوينية إلى مرحلة النضج والرشد، انتهاءً بتغيره الدراماتيكي من شخص مسالم إلى متسلط.
ما كان في البداية فكرة لمقاربة تحليلية للخطاب السردي في رواية عبده خال «وشائج ماء»، تقّلص إلى قراءة لقسم واحد، قسم «طاهرة»، أو «سفر طاهرة» كما أود أن أسميه.
في كتابة «فيْسْبوكية»، يبدي الروائي الكويتي طالب الرفاعي، استغرابه من السارد الذي يحيط علماً بكل شيء، ولا تغيب عنه أي شاردة وواردة ذات علاقة بالعوالم التخييلية التي يرويها، بما فيها من شخصيات وأحداث ووقائع وأفعال؛ وفي الوقت نفسه، لا أحد يعرف شيئاً عنه: «يستوقفني في الكثير من الروايات، العربية والأجنبية، أن الراوي يعلم كل شيء عن كل شيء! بينما لا أحد يعرف عنه أي شيء: لا عمره، ولا اسمه، ولا مكان وجوده، ولا علاقته بما يروي!
في روايتها «الحارس الليلي» الفائزة بجائزة «بوليتزر» 2021، تعود الروائية لويز إردريك إلى العام 1953 الذي شهد دخول العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والقبائل الهندية في مرحلة جديدة من التوتر والتأزم، أدرك خلالها المواطنون الأصليون عزم الحكومة على تجريدهم من البقية المتبقية من أراضيهم «المحميات» وتقويض مجتمعاتهم بترحليهم إلى المدن بعد تخليها عن مسؤوليتها تجاههم وإيقاف الخدمات التي كانت تقدمها لهم بموجب معاهدات سابقة.
كانت قد مضت 14 سنة على إصدار الطبعة الأولى، بالغلاف السميك، من كتاب «تشريح النقد» في 1957، عندما صمم آندي جورينكو، غلاف الطبعة التي صدرت أول مرة في 1971 عن جامعة برينستون الأميركية بالغلاف الورقي. ولعل جورينكو كان يعي يومها أنه يصمم غلافاً لكتابٍ مهمٍ؛ لكتابٍ ثبت على مدى السنوات أنه «magnum opus»، أي أهم كتب الناقد والمُنَظر الكندي نورثروب فراي وأشهرها وأكثرها تأثيراً.
الهوية، أياً يكن نوعها، هي مُنشأٌ ومبنى حكائي. تنسج من خيوط حكائية، وتتغير تبعاً لتغير الخيوط والنسّاج أو النسّاجين والظروف التي يحدث فيها النسج. لا وجود لهوية خارج الحكاية أو دونها سواء أكانت هوية إنسان، أو مكان، أو أمة أو شعب من الشعوب. فعندما يُطلب من فرد أن يُعَرِّف بنفسه، أن يقول من هو، فإن ما يقول أو يكتب عن نفسه يأخذ شكلاً سردياً؛ ويأتي حكاية، قصة، موقعة منها في المركز، لأنه «بطل» حكايته بلا منازع، والشخصية المحورية فيها. وهويات الأمم تنسج وتحاك من مروياتها المتوارثة والمتغيرة، ومن تصوراتها عن نفسها، وعن أهمية موقعها ومكانتها في التاريخ.
أعتقد أنه بالإمكان القول إنه عندما نعى رولان بارت «المؤلف» لم يتخيل أنه بفعله كان يمهّد الطريق لمن سيأتي بعده، ويحذو حذوه، فَيُمِيتُ هذا المنهج النقدي أو ذاك، أو هذا الجنس الأدبي أو ذاك، كما فعلت الباحثة الفرنسية إيزابيل هوسير، حين تنبأت بموت الرواية واختفائها من الوجود، مثل الملحمة، أو من سيعلن موت النقد الأدبي فيُشَيِّعه إلى «مثواه الأخير»، ليفسح المجال أمام النقد الثقافي، وقد يأتي يومٌ يُعلَنُ فيه موتُ الأخير، مثلما أن البعضُ في المشهد الثقافي العربي قد يُعلن موت علم السرد الكلاسيكي (classical narratology)، إن لم يكن قد أُعلن.
لم أقرأ لسنوات عديدة نقداً لاذعاً، وفي الوقت نفسه عميقاً ومعبراً عن حساسية نقدية عالية، كالنقد الذي وجهه الناقد الإنجليزي جيمس وود إلى رواية زادي سميث «أسنان بيضاء»، في مراجعته للرواية التي نشرت في مجلة «ذا نيو رِببلِكْ» الأميركية في 24 يوليو (تموز) 2000. تبدأ المراجعة بداية طريفة، فكأن ما يفترض أنه مراجعة لـ«أسنان بيضاء» سرعان ما يتكشّف، وفي الجمل القليلة الأولى، عن أن «وود» كان ينتظر الفرصة ليوجه نقده اللاذع إلى روايات أخرى أيضاً، إذ استهل مراجعته بذكر أن جنساً روائياً جديداً في سيرورة التشكل، هو «الرواية الكبيرة الطموحة»، التي يقول إنه بالإمكان تسمية أب لها وهو الروائي الإنجليزي تشارلز ديكن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة