«السدرة» تمزج الواقعي بالسحري و«تحرر القط الأسود من الخرافة»

الروائية السعودية أسماء بوخمسين في روايتها الأولى

«السدرة» تمزج الواقعي بالسحري و«تحرر القط الأسود من الخرافة»
TT

«السدرة» تمزج الواقعي بالسحري و«تحرر القط الأسود من الخرافة»

«السدرة» تمزج الواقعي بالسحري و«تحرر القط الأسود من الخرافة»

تحاول «السدرة»، وهي الرواية الأولى للكاتبة أسماء بوخمسين، الوصول إلى عقل وقلب قارئها عبر بساطة وسلاسة السرد، ويظهر فيها الميل إلى التسجيل الإثنوغرافي كأنما ثمة رغبة في تأكيد صلتها بالواقع المرجعي الذي تحيل عليه.
تدور أحداث الرواية في «الديرة»، الهفوف خلال الفترة الممتدة من قبيل الحرب العالمية الثانية إلى ما بعد العدوان الثلاثي على مصر.
وفي بؤرة الأحداث، يقف منصور الهنيدي، ابن عبد الرزاق الهنيدي أحد أثرياء «الديرة»، والرواية تروي قصة نمو منصور الروحي والنفسي وتَشَكل وعيِهِ خلال السنوات التكوينية إلى مرحلة النضج والرشد، انتهاءً بتغيره الدراماتيكي من شخص مسالم إلى متسلط. ويتخلل التصوير لتطور شخصيته كشفٌ للعوامل والأشخاص الذين كان لهم تأثير عليه، بالإضافة إلى الظروف القاسية والمعاناة التي يمر بهما كطفل يتيم الأم عهد أبوه برضاعته وتربيته وتعليمه إلى عدد من النساء.
بيد أن حكاية منصور ليست الوحيدة في الرواية، فثمة حكايات أخرى ترويها الساردة، حكايات ثانوية ومهمة، انفتح الخطاب السردي لها مثلما اتسع لاستطرادات الساردة التي كان لها أثر واضح في إبطاء إيقاع السرد وأحياناً إيقافه بتدخلاتها للتعليق أو الشرح أو إبداء وجهة نظرها. تلك حكايات النساء اللاتي عهد إليهن عبد الرزاق الهنيدي تباعاً بمهمة حضانة ورضاعة وتربية وتعليم ابنه منصور الذي فارقت أمه «أم الخير» الحياة بعد ولادته بدقائق. خلال تلك الحكايات، تتجلى الظروف والعزلة والمعاناة القاسية التي خَبرها الطفل اليتيم، بعيداً عن أبيه المنشغل بتجارته أو مع زوجته الثانية.
تستهل الساردة الحكي في الفصل الأول «الحمل الثقيل» بقصة عبد الرزاق الهنيدي وهو يجتاز الأزقة الضيقة في طريقه إلى «فريج اللباني»، حيث تقيم الداية/القابلة أم سليمان التي خرج على يديها منصور من رحم أمه إلى الوجود قبل موتها. يحث الهنيدي خطاه في «الطرق الملتوية والقذرة لدرجة التنفير، ويمني نفسه أن تكون الأخيرة» (5). لقد سار في هذه الطرق المتربة والمغبرة قبل عامين متجهاً إلى بيت أم سليمان حاملاً ابنه «المغمور برائحة دم حار، وإحساس يقطر ألماً وخيبة». دفعته طموحاته التي تستحوذ على كل اهتمامه، وترهقه فكرياً وجسدياً، إلى «جمع حزمة الأحزان والمسؤوليات، وأودعها في مهد الوليد، وألقى بها في عقر دار بفريج اللباني، وأوصد عليها تماماً» (6).
يعود عبد الرزاق إلى بيت الداية بعد أن أرسلت إليه ليأتي ليأخذ ابنه الذي نبتت أسنانه اللبنية، وفطمته المرضعة أم حميدان لفطمها ابنها نويصر بسبب حملها، كما تروي الساردة في الفصل الثاني «أم سليمان الداية»، الذي يتضمن حكاية أم سليمان المرأة المعدمة متعددة الخدمات والمهمات، التي تقول عنها الساردة في لحظة توقف عن السرد لغرض الشرح تبدو فيها وكأنها تتماهى مع أهل الديرة أو كأنها واحدة منهم «هي جزء من الفريج، كما الميزاب الذي يتدفق منه ماء المطر، لا نشعر بأهميته أو وجوده» (13) إلا عند تعطله.
يعود سليمان المكلف بإحضار منصور من بيت المرضعة أم حميدان «حاملاً منصوراً كعصفور هش بين ذراعيه العملاقين» (22). كان منصور شاحباً ومغبراً، ويرتدي ثوباً جديداً، «لكن من ألبسه الثوب»، تُعَلق الساردة، «نسي أن يغسل وجهه المتسخ، ويزيل المخاط الجاف المخضر من جانبي أنفه» (23). لم تدم إقامة منصور في بيت أبيه سوى شهرين، فلم يكد يستقر ويشعر بالطمأنينة لوجوده مع أبيه، حتى يُنتزع من المنزل إلى منزل أخرى، إلى رعاية سعدية العرجي، بعد تذمر زوجة أبيه من مشقة العناية به، ثم لانشغالها بالجنين في رحمها.
سُعدت سعيدة العرجي الأرملة الوحيدة بمنصور لأنها رأت فيه مصدراً للرزق يقيها الفقر، ولم يجد فيها منصور «الأم الرؤوم»؛ كان مجرد سبب لاستلام الأجر الأسبوعي من أبيه، فكانت سعيدة نادراً ما تتحدث إليه، أو حتى تنظر إليه، و«رفضت أن يكون البديل لطفل لم يضمه رحمها» (71). وجدت في دفعه للذهاب إلى «المطوعة» كل صباح فرصة للتخلص منه لبعض الوقت إلى أن عاد للعيش في المنزل الكبير بعد ختمه القرآن وهو في العاشرة.
عاش منصور طيلة سنوات عمره من الطفولة المبكرة إلى نهاية الرواية وحيداً، بلا أصدقاء لا صديق ولا رفيق له سوى قط أسود، وسدرة في بيت أبيه، كانت له الأم الحنون التي تحنو عليه. لم يكن القط مرافقاً فقط بل حارساً يتولى حمايته ويصد عنه الأذى ويتحدث إليه. لا أحد يعرف متى ومن أين جاء القط الأسود ومتى بدأت رفقته لمنصور. لكنه يظهر أول مرة في بيت أم سليمان، عندما يحضر سليمان منصوراً من بيت المرضعة أم حميدان: «التفت عبد الرزاق حيث ينظر صغيره» (23)، فرأى قطاً أسود له عينان بلونين مختلفين. فعندما يسبح عبد الرزاق الله ويتعوذ من الشيطان، تطمئنه أم سليمان بأن هذا القط يرافق «منصوري» دائماً، وهو أنيس، وحتى الفروخ أو الفئران لا تخافه. لكن القط الوديع يتحول إلى قط شرس عندما يحدق أي خطر بمنصور. يحميه من الأطفال المتنمرين عندما يتكالبون عليه؛ ويصد عنه البحارة خلال رحلته البحرية إلى الهند عندما يَهِمُون ليلاً بفعل الفاحشة به في جوف المركب.
لقد اشتغلت الروائية على البعد المحاكي/ المحاكاتي، سواء لعالم القصة في «السدرة» أم للشخصيات ومنها الشخصية الرئيسية، منصور، فمنحته الملامح والتفاصيل الكفيلة بجعله يظهر بصورة شخص محتمل يعيش في عالم يحاكي أو يوهم بكونه واقعاً حقيقياً. لكنها، وفي الوقت نفسه، أدخلت العنصر «الواقعي السحري» المتمثل بالقط الأسود الناطق والسدرة الأم الرؤوم التي تمد أغصانها لتحتضن منصوراً وتمنع سقوطه على الأرض. يكشف «الواقعي السحري» البعد المضاد للمحاكاة لعالم القصة والبعد «التأليفي» لمنصور، مذكراً بأنه شخصية متخيلة تعيش في عالم متخيل، بالإضافة إلى توظيفه في التعبير عن التغير الدراماتيكي في شخصية منصور وذلك بجعل القط الأسود يموء «بحرقة وجزع»، ويخرج تاركاً الباب مشرعاً، والسدرة تغطي رأسها، تحبس شهقة في صدرها وتنوح، عندما يأمر منصور زوجة أبيه وابنه من زوجته الأولى وابنة أخيه بمغادرة البيت الكبير لأنه سينتقل للعيش فيه مع زوجته الهندية. لم يعد منصور بحاجة لمن يحميه أو من يحنو عليه، لقد أصبح منصوراً آخر، هذا ما يدركه القط الأسود وتدركه السدرة.
بفراره بعد تحول منصور إلى كائن قاس ومستبد، تُكمل «بوخمسين» تحريرها للقط الأسود، وفك ارتباطه بالشر كما يظهر دائماً في الخرافة والأسطورة. فلقد قدمت في «السدرة» قطاً أسود خَيراً وطيباً ومسالماً، يهرب من رفيقه عندما يرى الشر وقد تغلغل فيه.
لم يكن تغير منصور مفاجئاً، فقد بدأ تدريجياً بعد وفاة أبيه، وكان من إحدى علامات تغيره توقفه عن زم شفتيه. فهو يزمهما عندما يشعر بالخوف أو يرتبك أو «لا يجد تفسيراً لما يحدث أمامه» (83). ظننت في البداية أن زمة الشفتين خصيصة وصفة مميزة له «كويرك/quirk» إلى أن توقف عنها وبدأ يعبر عما بداخله إيذاناً بدخوله في مرحلة جديدة لإمكان لـ«السحري» فيها.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.