فيحاء السامرائي
تكاد تتبلور سمات جليّة في أدب ما بعد 2003 في العراق، وخاصة لدى كتّاب الرواية، كتجسيد القسوة وشخصنة المآسي والرؤى العدمية، والإسراف في سرد تفصيلات العنف، حتى أصبح تناول الكاتب لها لا يشكّل إحراجاً، ويُعزى ذلك إلى ما يكتنف الواقع من أحداث صادمة تفوق الخيال. ومن غير المستغرب أن نقرأ اليوم، سواء لأدباء «الداخل أو الخارج»، إن تصحّ التسمية، موضوعات روايات تتشظى بين ثناياها أهوال فواجع ومواجع، وتسود مفردات مثل موت، دماء، تفجير، أشلاء، جثث، مقابر... إلخ.
بين فينة وأخرى، تشهد خشبات مسارح لندنية أعمالاً مسرحية، تتناول أوضاعاً تخصّ العراق كالاحتلال وأسبابه أو الوضع السياسي والاجتماعي فيه، كمسرحية «عشاء مع صدام»، و«شيء يحدث» التي تبحث في أسباب التدخل الغربي في شؤون ذلك البلد الذي غدا يوماً محطّ أنظار العالم واهتمامه... وآخر هذه الأعمال مسرحية «مخاطر المهنة» على مسرح هامستيد، عن رواية بالعنوان ذاته للمؤلف والسياسي روري ستيوارت مطبوعة عام 2006. روري ستيوارت، وزير الدولة للتنمية الدولية عن حزب المحافظين حالياً، خريج مدرسة إيتون والرحالة المغامر الذي عيّن في عمر الثلاثين نائباً لمحافظ سلطة الائتلاف المؤقتة في محافظة العمارة عقب سقوط النظام.
هل بمقدورنا امتلاك فضاء من المخيلة العقلية والفانتازية، وتصوير رؤانا المستقبلية، في قصص من جنس الخيال العلمي، لما قد يجري في العراق بعد مائة عام؟ سؤال حوّلته دار «كوما برس» مشروع تأليف مبتكرا دعت فيه كتّابًا عراقيين إلى كتابة عشر قصص قصيرة تنبع من خصوصية وتاريخ عشر مدن ومناطق عراقية، وما سيحدث فيها عام 2103، أي بعد مائة عام من التغيير الذي حدث إثر الغزو الغربي للعراق عام 2003، وما أعقبته من صراعات طائفية وسياسية وإرهاب. كيف سيكون الناس آنذاك؟ هل سينعمون بوضع مستقر وسلام؟ هل ستتغير قيمهم ومجريات حياتهم اليومية وفضاءاتهم المعرفية والسلوكية؟
يقص لنا محمد مسوكر، الروائي الإرتيري، في رواية «شاهد قبر»، عن واقع مختلف ببيئته وعاداته، بخصوصيته وبمحليته، لنتعرف عبره على خصائص إثنوغرافية ثقافية مجتمعية لمنطقة القضارف، شرق السودان، حيث تدور أحداث الرواية في الثمانينات، بعيون لاجئين مستقرين معزولين تستهلكهم صراعات ومشكلات الهوية، محملين بذاكرة زمن وتراث بيئة. إنهم يجسّدون شخصيات أدبية تتماهى مع فضاءات مكانية وزمانية تحدد طرق معيشتها، وتؤثث معمار الرواية وعالمها الداخلي والخارجي ومنظور تطورها. بعد صراع مسلّح مع الحكومة الإثيوبية، تهرب أعداد كبيرة من الإرتيرين إلى السودان، حيث 570 قبيلة تنقسم إلى 57 فئة إثنية..
اختيار شخصية صدام وقسوته بشكل هزلي موضوعا لنص مسرحي، مسألة جريئة غامر بها الكاتب، لكن المؤلف أنتوني هرووز لم يفلح في تقديري، كما فلح كاتب المسرحية الجادة (إفطار مع موغابي) التي تعرض هذه الأيام على مسرح أركولا في لندن. ومن المعروف عن هرووز مناصرته لقضايا شعوب العالم الثالث ومناهضته للحرب. وجاء في نصه المسرحي الأخير (عشاء مع صدّام) الذي يقدمه مسرح (مينير جوكليت فاكتري) حتى الرابع عشر من الشهر المقبل، ليبين مواقفه تلك ولكن بطريقته الخاصة التي تقترب من الفارْس (FARCE)..
ضمن الموسم العالمي للاحتفاء بمنجز الكاتب الآيرلندي صموئيل بيكيت، قدمت أخيرًا فرقة سيدني الأسترالية على مسرح الباربيكان في لندن، مسرحية «في انتظار غودو» برؤية إخراجية جديدة للمخرج أندرو أبتن (مواليد 1966) وتمثيل هيوغو ويفنغ (فلاديمير) الذي سبق أن اشتهر بشخصية آرنولد في فيلم «سيد الخواتم»، وريتشارد روكسبير (استراغون)، وفيليب كاست في دور (السيد بوزو)، ولوك مولنز في شخصية التابع (لاكي). كتب بيكيت المسرحية عام 1947 وكان أول تجسيد لها قبل ستين عامًا، وأخرجها آنذاك المخرج بيتر هول على مسرح الفنون الملكي في كوفنت كاردن عام 1955.
يطرح شاكر الأنباري نفسه في هذه الرواية كسارد ذاتي، ويتجلّى ذلك من خلال العنوان «أنا و..».، الأنا هي الشاهد، والمؤلف هو السارد، والسرد هو «استعادي نثري ينتجه شخص واقعي، مهتما بوجوده الخاص، ومركّزا على حياته الشخصية، وعلى تطور شخصيته بنوع خاص» (لوجون).. يصنّف عمل الأنباري ضمن مدار الكتابة عن الذات، أي عن حياته الخاصة، عن أفكاره وعواطفه، نجاحه وفشله، وعن أصدقائه وأشياء أخرى..
تلتقي عناصر الحياة الأولية، الماء والتراب والنار في معرض «استحضار عبق الماضي» لناجحة صالح، لندن، التي تعكس من خلاله رؤيتها كفنانة تعد السيراميك «تكوينا نحتيا وليس تزيينيا»، و«شاشة لعرض ذكريات محفورة في الذاكرة لمفردات الحياة اليومية».
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة