عارف الساعدي
أتذكر قبل أكثر من 25 عاماً حين كنتُ طالباً في الجامعة المستنصرية في المرحلة الأولى من الدراسة الجامعية، حيث كنا نلتقي في رابطة للشعر في الجامعة، وكانت في الغرفة التي نلتقي فيها مئات النسخ من ديوان واحد لشاعر لا أعرفه، أتذكر أني أخذت أكثر من عشر نسخ من هذا الديوان، لكتابة المحاضرات، وبعض مسودات قصائدي عليه، ذلك أننا كنا في أيام حصار شديد، وكنا نعاني شحة في كل شيء، منها الورق الذي نكتب عليه.
ما الذي يغري شاعراً كردياً أو تركمانياً شاباً صغيراً لأن يهجر لغته الأم ويرحل نحو اللغة العربية، يدور في أزقتها، ويفتح شبابيكها، ويغيّر هواءها؟ كيف استطاع هؤلاء الشباب أن يتركوا اللغة التي يتحدثون بها مع أمهاتهم وحبيباتهم، ليرحلوا نحو لغة أخرى، فيها من الوعورة والصعوبة على الوافدين إليها الكثير؟
حين يخصص يومٌ للشعر في هذا العالم، فإن هذا التحديد مناسبة مهمة للاحتفاء والتذكير بأهمية الشعر في حياتنا، ولكن الأهم أنه فرصة مناسبة للمراجعة الحقيقية لواقع الشعر العربي ومستقبله، ونظرة موضوعية للمشاكل والمعوقات التي تقف بوجهه، وبما أن هذا الموضوع واسع وكبير لذا سأتوقف عند تجربة الشعر العربي في العراق، وهي كبيرة جداً بلا شك. لا شك أن أزمات الثقافة العربية ترتبط دائماً بالأحداث السياسية والاجتماعية التي تعصف بالبلدان، ودائماً الثقافة تتبع هذه التحولات، فلم نحظ بثقافة حقيقية تبادر بفعل سياسي، أو اجتماعي، إنما دائماً نجد الأثر السياسي أكثر ضوءاً من غيره على الثقافة، والشعر أكثر تجليات الثقافة في ا
قبل عامين كنتُ ضيفاً في مهرجان شعري بدولة خليجية، وبعد أن اختُتمتْ جلسة الافتتاح انسللتُ مع شاعر صديق من ذلك البلد بعيداً عن صخب المهرجان والأصدقاء، وذهبت معه في سيارته إلى المستشفى التعليمي حيث يرقد الشاعر مظفر النواب. في الطريق كان الصديق يتحدث معي عن ضرورة إقناع المرافق الذي يقيم مع مظفر في الغرفة نفسها، ومنذ 6 أعوام، بالدخول لرؤية النواب؛ لأنه ممنوع الدخول إلى الغرفة ومعاينته؛ لوضعه الصحي المتعب جداً، وهذا المنع آتٍ من أعلى السلطات حفاظاً على وضع النواب وصحته. حين دخلت المستشفى أشار لي «النجار» إلى رقم الغرفة وانسحب وقال لي: «انت وشطارتك»، فطرقت الباب وقد كان موارباً قليلاً، خرج إلي شاب عر
ونحن نلملم ما تبقى من دور النشر في معرض الرياض، ونرزم الكتب التي أهداها لنا أصدقاؤنا، دواوين شعر، وأحلام سنين، وقصائد حب، وفكر، وقلق، نرزمها ونحن نشاهد بعضنا البعض، حيث الكل يتحرك بسرعة رهيبة تذكرت أبيات البلاغة التي استشهد بها «الجرجاني» حيث بدأت أدندن بهذه الأبيات: ولما قضينا من منىً كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح وشدت على هدب المهارى ركابنا فلم يعرف الغادي الذي هو رائح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح وفعلاً كانت هذه الأبيات قريبة جدا من مشهد آخر ليلة من ليالي معرض الكتاب في الرياض، ذلك المعرض الذي فتح قلبه قبل أبوابه لاستقبال العراقيين بوصفهم ضيف شرف المعرض، هذا الأ
اعتدنا أن تكون الشعرية العراقية شعرية بكاءٍ ونواح شديدين، وشعرية ناقدة، ولائمة، وراثية لكل صور الحياة وتفاصيل المدينية، هذا في الجانب الحديث من الشعر العراقي - في الأعم الأغلب منه - أما في جانبه الكلاسيكي فهناك شعريات ثابتة، تأتي في مقدمتها شعرية الفخر، أو الاعتداد بالذات والنفخ كثيراً بها، وهي شعرية متوارثة في معظمها، فضلاً عن النقد السياسي الواضح والمباشر، الذي جسده الزهاوي والرصافي، ومن ثم الجواهري ومحمد صالح بحر العلوم وآخرون.
للشعراء طرقٌ كثيرةٌ للتعبير عن ذواتهم، والإعلان عن وجودهم، بصفتهم تجارب شعرية ثابتة على الأرض، ولكن على ما يبدو أن هناك اتجاهين أو خطين واضحين لمثل هذا الإعلان؛ هذان الخطان مختلفان تمام الاختلاف: الأول هو الخط الذي يتبنَّى الروح الدعائية، بحيث يتحول الشاعر إلى مدير علاقات عامة، يتواصل مع الجميع، ويعرف الجميع، وتجده حاضراً في أغلب الفعاليات، مشاركاً أو ضيفاً، وهذه كلها طاقات إضافية تضاف من خارج الشعر لتدعم المشروع الشعري، ولكنها في الوقت نفسه تسحب شاعرها للخوض في عالم العلاقات العامة الذي يخدم الشاعر -كما يظن.
في هذه الأيام تمر الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري، وهي فرصة ليست فقط للاستذكار، قدر ما هي محطة للمراجعة ولزرع أكبر عدد من بذور الأسئلة التي تخص ميداننا الثقافي والأدبي على وجه التحديد. أولى هذه الأسئلة، كم سيبقى الجواهري حياً في وجدان الذاكرة الثقافية العربية والعراقية؟ هل يستطيع أن يقاوم صدأ الأزمنة التي تأكل كل شيء؟ ما هي مقومات البقاء والخلود للجواهري؟ هل الأمر مرتبط بشعره وقوته؟ أم أن الأمر مرتبطٌ بحياة الناس والسياسة وتقلباتها؟ هل البقاء والخلود النسبي للشاعر له علاقة بالشكل الكلاسيكي أم لا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة