بغداد تحت الطوارئ بعد اقتحام أنصار الصدر البرلمان.. وفرار النواب والعبادي

السلطات أغلقت مداخل العاصمة.. وشددت الحراسة على السفارات الأجنبية والمراكز الحساسة

فوضى عارمة بعد دخول مناصرين للزعيم الشعي مقتدى الصدر المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان أمس (رويترز)
فوضى عارمة بعد دخول مناصرين للزعيم الشعي مقتدى الصدر المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان أمس (رويترز)
TT

بغداد تحت الطوارئ بعد اقتحام أنصار الصدر البرلمان.. وفرار النواب والعبادي

فوضى عارمة بعد دخول مناصرين للزعيم الشعي مقتدى الصدر المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان أمس (رويترز)
فوضى عارمة بعد دخول مناصرين للزعيم الشعي مقتدى الصدر المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان أمس (رويترز)

عاشت العاصمة العراقية أمس، يوما من الفوضى العارمة، حينما اقتحم الآلاف من المحتجين المؤيدين لمقتدى الصدر، المنطقة الخضراء، الشديدة التحصين، ودخلوا مبنى البرلمان بعد فشل النواب في التصويت على تشكيلة لحكومة تكنوقراط قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي، استجابة لمطالب الإصلاح ومحاربة الفساد التي طالب بها مؤيدو التيار الصدري منذ أشهر.
وأعلنت قيادة عمليات بغداد، حالة «الطوارئ» في العاصمة، وقامت بإغلاق الأبواب والمداخل الرئيسية للمدينة، كما تم تشديد الإجراءات الأمنية في محيط البنك المركزي، والمصارف الكبرى وخاصة الرشيد والرافدين، واضطر رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى مغادرة مكتبه في المنطقة الخضراء إلى مكان آمن خارجها. وتمكن المتظاهرون الغاضبون من تسلق الكتل الإسمنتية في المنطقة حيث الكثير من المقار الرسمية قبل أن يدخلوا مبنى البرلمان، حيث عمد بعضهم إلى تخريب قسم من محتويات المبنى والمكاتب في حين طالبهم آخرون بالتحرك في شكل سلمي وحاولوا الحد من الأضرار. وبقيت قوات الأمن في مواقعها ولم تحاول منع المتظاهرين من دخول المبنى. ووضع المتظاهرون سياجا شائكا على طريق يؤدي إلى أحد مخارج المنطقة الخضراء ومنعوا بعض النواب من الخروج. وتم استهداف سيارات عدة أصيبت بأضرار.
وتضم المنطقة الخضراء في وسط بغداد مقر البرلمان والقصر الرئاسي ومكاتب رئيس الوزراء إضافة إلى سفارات عدة بينها الأميركية والبريطانية. وبدأت المظاهرة صباحا خارج المنطقة الخضراء، لكن المشاركين اقتحموا المنطقة بعدما فشل النواب مجددا في الموافقة على تشكيلة حكومية من التكنوقراط عرضها رئيس الوزراء حيدر العبادي. وبدأ التحرك بعد دقائق من مؤتمر صحافي عقده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في مدينة النجف، منددا بالمأزق السياسي الذي تشهده البلاد لكن من دون أن يأمر المشاركين في المظاهرات وبينهم عدد كبير من أنصاره بدخول المنطقة الخضراء.
وأعلن أنصار الصدر الاعتصام داخل البرلمان وفي محيطه حتى تلبى مطالبهم بإنهاء المحاصصة الطائفية بالحكومة، وإقرار الإصلاحات التي أعلنها العبادي منذ أشهر. وكان الصدر أعلن في وقت سابق أمس، تجميد الأعمال السياسية لتياره في الحكومة العراقية وفي البرلمان. وقال في مؤتمر صحافي بمدينة النجف، إنه «لن يقبل أي منصب حكومي في ظل المحاصصة واستمرار الفساد في العراق». وأضاف أن «الانتفاضة الشعبية» التي دعا إليها «لن تريد انتقاما من أحد ولا تريد كرسيا لأحد»، وأضاف: «إن الانتفاضة ستبقى سلمية حتى النهاية».
وذكر شهود عيان أن عددا من النواب الذين كانوا في داخل البرلمان فروا إلى خارج المنطقة الخضراء، على حد قول برلمانية عراقية كانت موجودة هناك، مشيرة إلى أن «الاقتحام كان مباغتا ولم نصدق بأن يقوم أنصار الصدر بتنفيذ تهديداتهم، بل لم نتصور أن تسمح حمايات المنطقة الخضراء ومجلس النواب بدخول هذه المجاميع مثل السيل الجارف». وأضافت النائبة التي لم توافق على نشر اسمها لـ«الشرق الأوسط» أمس «هربنا قبل أن يصل المتظاهرون إلينا، وقد شاهدت بعض النواب يفرون إلى الحدائق المجاورة ويلاحقهم العشرات من المتظاهرين الذين تمكنوا من الإمساك بالنائب عمار طعمة رئيس كتلة حزب الفضيلة في البرلمان وقد انهالوا عليه بالضرب والإهانة». وقالت: إن «هناك بعض النواب استطاعوا الوصول إلى سياراتهم بمساعدة حماياتهم، وأنا منهم، حيث انهال عدد من المتظاهرين بالضرب بالعصي على السيارات ورشقوها بالحجارة».
وأضافت البرلمانية العراقية أن «غالبية البرلمانيين تمكنوا من الهروب وغادروا المنطقة الخضراء مع عوائلهم»، موضحة أن «هناك من غادر المنطقة الخضراء عن طريق بوابة الحارثية، والقسم الآخر عبر الجسر المعلق قبل أن تصله مجاميع المتظاهرين ويجتازوا بواباته من جهة الكرادة، وهناك من اضطر لعبور نهر دجلة بواسطة الزوارق إلى جانب الرصافة».
وقالت: «أعرف بعض النواب قد تركوا المنطقة الخضراء مباشرة إلى مطار بغداد الدولي للسفر إما لأربيل أو السليمانية أو إلى خارج العراق، وهناك من التجأوا إلى بيوت أقاربهم وأصدقائهم خارج المنطقة الخضراء، بينما أنا أغلقت باب بيتي وحماياتي يقفون خارج المنزل رغم أنه لم تسجل أي حالات اعتداء على البيوت، سواء بيوت البرلمانيين أو المسؤولين في المنطقة الخضراء التي لم تعد آمنة أو محصنة».
وقال مسؤول أمني آخر بأن كل مداخل بغداد أغلقت «كإجراء احترازي للحفاظ على أمن العاصمة». وقال متحدث باسم الأمم المتحدة وأربعة دبلوماسيين غربيين يقيمون بالمنطقة الخضراء بأن المجمعات التي يتواجدون فيها أوصدت لكنهم نفوا تقارير عن إجلاء الموظفين.
وقالت النائبة «العراقيون حققوا ما كانوا يعتبرونه حلما بدخولهم للمنطقة الخضراء التي يعتقدونها وكأنها كوكب آخر، واحتلوا مبنى البرلمان الذي كانوا يراقبون فيه ومن خلال شاشات التلفاز معارك النواب وتراشق قناني الماء فيما بينهم، بينما جلس بعض الشباب المتظاهرين على مقاعد النواب والتقطوا (سيلفي) وهم يبتسمون». وباستثناء بيان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لم يصدر أي رد فعل من رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، في الوقت الذي ظهر فيه حاكم الزاملي، مسؤول اللجنة الأمنية في البرلمان والنائب عن التيار الصدري مبتسما بين جماهير تيارهم في المنطقة الخضراء، كما لم يصدر أي بيان أو إيضاح من مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي أو من رؤساء الكتل والأحزاب السياسية.
وقال معصوم في بيانه «اقتحم متظاهرون اليوم (أمس) مبنى مجلس النواب وهددوا باقتحام مبان رسمية وغير رسمية أخرى في المنطقة الخضراء ببغداد»، مضيفا: «إننا نهيب بكافة أبناء شعبنا لا سيما المتظاهرين منهم إلى تغليب الهدوء والالتزام بالقانون وضبط النفس وعدم المساس بأي من أعضاء مجلس النواب والموظفين والممتلكات العامة والخاصة وإلى إخلاء المبنى، كما ندعو رئيسي مجلسي الوزراء والنواب وقادة الكتل البرلمانية إلى إجراء التعديل الوزاري المنشود وتنفيذ الإصلاحات السياسية والإدارية ومكافحة الفساد ونعتبر أن دفن نظام المحاصصة الحزبية والفئوية مهمة لم تعد تقبل التأجيل مطلقا». وأضاف معصوم في بيانه «كما نؤكد أن لزوم الانتصار في المعركة ضد الإرهاب يقتضي وضع حماية استقرار العراق ومصالحه العليا ومكانته وهيبته في المجتمع الدولي فوق أي مصالح أخرى داعين الجميع إلى الالتزام بمبادئ الحوار الديمقراطي وصون الحياة الدستورية وحفظ الأمن والنظام فيما نطالب القوى السياسية بمضاعفة الجهود العاجلة والجدية لحل المشاكل بما يلبي مطالب الشعب وتحقيق مصالحه وتحسين حياته المعيشية، والتحلي بالشعور العالي بالمسؤولية الوطنية ووضع مصالح العراقيين كافة فوق أي مصالح أخرى». وعرضت إحدى المحطات التلفزيونية المحلية لقطات قصيرة لرئيس الوزراء وهو يتمشى في الباحة الخارجية لمقر رئاسة الوزراء غير البعيد عن بناية مجلس النواب وبرفقة عناصر من حمايته وهم يشهرون أسلحتهم الأوتوماتيكية، وقال مراسل المحطة بأنه تمكن من الحديث مع العبادي الذي أخبره بأنه (العبادي) من أمر بفتح أبواب المنطقة الخضراء أمام المتظاهرين. إلا أن مكتب رئيس الوزراء نفى أن يكون العبادي قد أمر لفتح بوابات المنطقة الخضراء أو أنه قال ذلك للمراسل. وفيما انطلقت أنباء غير مؤكدة عن لجوء عدد من البرلمانيين إلى السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، وأن رئيس مجلس النواب بينهم، أو أنه غادر المنطقة الخضراء فإن جميع النواب تقريبا أغلقوا أجهزة الهواتف الجوالة أو لا يردون على الاتصالات.
وفور اجتياح المنطقة الخضراء من قبل المتظاهرين أعلنت قيادة عمليات بغداد حالة الطوارئ القصوى وأغلقت منافذ بغداد إذ لا يسمح بدخول العاصمة، ولكن سيسمح بالخروج منها فقط، ونفت مصادر أمنية إغلاق طريق مطار بغداد الدولي وأن حركة الطيران طبيعية. ويخشى المراقبون أن تمتد حالة الطوارئ حيث سيرافقها في حالة تمديدها حل البرلمان وتعطيل الدستور. يذكر أن مبنى مجلس النواب كان قد بني باعتباره (قصر المؤتمرات) في بداية الثمانينات لاستضافة أعمال مؤتمر عدم الانحياز الذي تم نقله إلى نيودلهي بسبب الحرب العراقية الإيرانية، وقد عقد فيه مؤتمر القمة العربية عام 1990.
وفي هذا السياق، قتل 23 شخصا على الأقل وأصيب 38 آخرون بتفجير سيارة مفخخة استهدف زوارا شيعة في منطقة قريبة من بغداد، وفق ما أفاد مسؤولون عراقيون. وتبنى تنظيم داعش، الاعتداء. والسيارة التي انفجرت كانت متوقفة على طريق في منطقة نهروان يسلكها الزوار الشيعة المتجهون إلى ضريح الإمام موسى الكاظم إحدى العتبات الشيعية، بحسب المسؤولين. وفي بيان نشر على شبكات التواصل الاجتماعي، أعلن «داعش» أن انتحاريا فجر مركبته المفخخة بثلاثة أطنان من المتفجرات.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.