حقنة شهرية تحسن أعراض نوبات الربو الشديد

الربو الشديد يسبب أعراضاً أبرزها ضيق التنفس والسعال المستمر (جامعة فيينا الطبية)
الربو الشديد يسبب أعراضاً أبرزها ضيق التنفس والسعال المستمر (جامعة فيينا الطبية)
TT

حقنة شهرية تحسن أعراض نوبات الربو الشديد

الربو الشديد يسبب أعراضاً أبرزها ضيق التنفس والسعال المستمر (جامعة فيينا الطبية)
الربو الشديد يسبب أعراضاً أبرزها ضيق التنفس والسعال المستمر (جامعة فيينا الطبية)

أظهرت دراسة دولية نتائج واعدة لعلاج جديد يعتمد على حقنة شهرية تساعد مرضى الربو الشديد على تحسين أعراضهم وتقليل الحاجة إلى أقراص الستيرويدات اليومية، التي قد تسبب مضاعفات صحية خطيرة عند الاستخدام طويل الأمد.

وأوضح الباحثون، بقيادة جامعة كينغز كوليدج لندن، أن العلاج الجديد يقدم طريقة موجهة ودقيقة لعلاج الالتهاب، بعكس الستيرويدات التي تؤثر على الجسم كله، ونُشرت النتائج، الأربعاء، بدورية «The Lancet Respiratory Medicine».

والربو الشديد هو شكل مزمن من أمراض الجهاز التنفسي يتميز بتفاقم الأعراض بشكل متكرر، مثل ضيق التنفس، والسعال المستمر، وصفير الصدر، وصعوبة النوم بسبب الأزمات الليلية.

وغالباً لا يستجيب هذا النوع من الربو جيداً للعلاجات التقليدية؛ ما يجعل إدارة المرض صعبة ويستلزم متابعة طبية دقيقة للحد من النوبات وتحسين جودة حياة المرضى.

وتعد الستيرويدات فئة من الأدوية القوية التي تُستخدم لتقليل الالتهابات في الجسم، بما في ذلك الالتهاب الرئوي المرتبط بالربو، وتُعطى على شكل أقراص أو بخاخات أو حقن حسب شدة المرض. وعلى الرغم من فاعليتها، فإن الاستخدام طويل الأمد قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، مثل هشاشة العظام، وارتفاع ضغط الدم، زيادة خطر العدوى، وارتفاع مستوى السكر في الدم؛ ما يجعل الأطباء حذرين في وصفها بشكل مستمر.

وخلال الدراسة، تابع الباحثون أكثر من 300 مريض من 68 مركزاً طبياً في 11 دولة لمدة عام كامل، جميعهم يعانون الربو الشديد.

وتلقى المشاركون حقنة «تيزيبيلوماب» (tezepelumab) كل 4 أسابيع، مع متابعة دقيقة لأعراضهم وأدويتهم. ويعمل هذا الدواء البيولوجي على استهداف جزء من الجهاز المناعي المسؤول عن الالتهاب في الرئة؛ ما يقلل من نوبات الربو ويحسّن وظائف الرئة.

وأظهرت النتائج، أن 90 في المائة من المرضى الذين تلقوا العلاج الجديد تمكنوا من تقليل جرعات الستيرويدات اليومية، كما أوقف أكثر من نصف المرضى أقراص الستيرويد تماماً دون تدهور الأعراض، كما وجد الباحثون أن ثلثي المرضى توقفوا عن التعرض لأي نوبات ربو خلال فترة الدراسة.

تحسّن ملموس

وكان التحسن في الأعراض ووظائف الرئة ملموساً بعد أسبوعين من بدء العلاج واستمر طوال العام، كما تحسنت جودة الحياة بشكل كبير، بما في ذلك النوم، النشاط اليومي، والقدرة على ممارسة الرياضة.

ووفق الباحثين، فإن هذه النتائج تمثل خطوة مهمة لمرضى الربو الشديد؛ إذ سمح العلاج البيولوجي للغالبية بتقليل أو إيقاف الستيرويدات مع تحسين أداء الجهاز التنفسي. كما أن التحكم في الأعراض يمكّن المرضى من التنفس بشكل طبيعي، والنوم دون يقظة ليلية، وتقليل نوبات الربو اليومية؛ ما يسمح لهم باستعادة حياتهم بعيداً عن قيود المرض المزمن.

وأضاف الباحثون أن النتائج تفتح المجال لمزيد من الأبحاث حول دمج هذه العلاجات مع بروتوكولات حديثة للربو، بما يعزز خيارات العلاج ويطورها في المستقبل.


مقالات ذات صلة

14 طريقة لخفض سكر الدم دون أدوية

صحتك شخص يُجري فحصاً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كولومبيا البريطانية)

14 طريقة لخفض سكر الدم دون أدوية

يُعد خفض سكر الدم والحفاظ عليه ضمن المستويات الطبيعية أمراً بالغ الأهمية للصحة العامة إذ يسهم في تحسين الطاقة والمزاج والقدرة على التركيز 

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الشراكات الاستراتيجية تدعم توجهات السعودية في تنويع الاقتصاد (الشرق الأوسط)

دراسة: الشراكات الاستراتيجية للسعودية بوابة للنمو وتنويع الاقتصاد وتجاوز التحديات

دعت دراسة اقتصادية إلى ضرورة تعزيز الشراكات السعودية الاستراتيجية بما يتوافق مع مستهدفات «رؤية المملكة 2030»، عبر تبنّي اتفاقيات نوعية.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
صحتك الوجبات الغنية بالدهون غير الصحية تضر بخلايا الكبد (جامعة هارفارد)

كيف تؤثر الدهون على نمو خلايا الكبد السرطانية؟

أظهرت دراسة حديثة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة أن النظام الغذائي الغني بالدهون يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك تغيرات الشهية في الشتاء تتأثر بشكلٍ أكبر بانخفاض ساعات النهار والتعرض لأشعة الشمس (بيكساباي)

لماذا يزيد الطقس البارد من شعورك بالجوع؟ وما الحل؟

خلال أشهر الشتاء الباردة، يشعر الكثيرون بجوعٍ أكبر من المعتاد، ويقول الخبراء إن الأسباب الحقيقية تكمن في قصر النهار، واضطراب الساعة البيولوجية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الأطفال الذين ينشأون مع الكلاب أقل عرضة للإصابة بالربو (رويترز)

دراسة: الكلاب تغير ميكروبات الأمعاء بما يفيد الصحة النفسية

أشارت دراسة جديدة إلى أن التأثيرات المفيدة للكلاب على الصحة النفسية للبشر قد ترجع، في جزء منها، إلى تبادل الكائنات ​المجهرية الدقيقة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات
TT

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

مع استعداد كثير من العائلات للتجمع خلال موسم الأعياد، تشهد حالات الإصابة بالإنفلونزا ارتفاعاً حاداً في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، كما كتبت ناتاشا إتزل*.

ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» (CDC)، فقد وصلت نتائج الاختبارات الإيجابية (المؤكدة) إلى أعلى مستوياتها المسجلة حتى الآن هذا الموسم.

سلالة متحورة من الفيروس

يُعد فيروس الإنفلونزا ««إيه- إتش 3 إن 2» (A H3N2) أكثر فيروسات الإنفلونزا شيوعاً هذا الموسم. وفي الأسبوع الماضي، نشرت مجلة «فاست كومباني» تقريراً عن سلالة متحورة جديدة من فيروس الإنفلونزا «A H3N2» تُعرف باسم السلالة الفرعية «كيه» (K) التي ظهرت بعد طفرات عدة.

أهم الأحداث

وإليكم ما تحتاجون إلى معرفته عنها:

- ارتفاع عدد الإصابات: تُظهر البيانات الحديثة ارتفاعاً حاداً في حالات الإصابة المؤكدة بالإنفلونزا. ووفقاً لبيانات «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» للأسبوع المنتهي في 13 ديسمبر (كانون الأول)، كانت نسبة العينات التي ثبتت إصابتها بالإنفلونزا 14.8 في المائة. وهذا هو أعلى مستوى للحالات المؤكدة حتى الآن هذا الموسم.

وبلغ إجمالي حالات الإصابة بالإنفلونزا 4.6 مليون حالة على مستوى البلاد. وتُشير تقديرات المراكز إلى وجود 49 ألف حالة دخول إلى المستشفيات، و1900 حالة وفاة بسبب الإنفلونزا.

- أنواع الفيروسات: أبلغت مختبرات الصحة العامة عن 927 فيروساً للإنفلونزا. من بينها 911 فيروساً من النوع «إيه» (A)، و16 فيروساً من النوع «بي» (B)، ومن بين 706 فيروسات من النوع «إيه» التي تم تحديد نوعها الفرعي، كان 89.9 في المائة منها من النوع «H3N2».

الولايات التي شهدت أعلى نشاط للإنفلونزا، تشمل ما يلي: كولورادو، ولويزيانا، ونيوجيرسي، ونيويورك، ورود آيلاند. وتُظهِر بيانات التتبع من وزارة الصحة بولاية نيويورك أن الحالات بلغت أعلى مستوياتها لهذا الموسم، مع أكثر من 5300 حالة دخول إلى المستشفى حتى الآن. وفي مدينة نيويورك، ارتفعت حالات الإصابة بالإنفلونزا بشكل ملحوظ.

وبسبب موسم الأعياد، ستتأخر البيانات هذا الأسبوع. وسيتم نشر بيانات الأسبوع المنتهي في 20 من هذا الشهر في 30 منه.

ما هي أعراض الإنفلونزا؟

تتراوح أعراض الإنفلونزا عادة من خفيفة إلى شديدة. وتقول «مراكز مكافحة الأمراض» إن هذه هي الأعراض الرئيسية التي يجب الانتباه إليها:

  • ارتفاع درجة الحرارة أو الشعور بالحمى والقشعريرة.
  • سعال.
  • التهاب الحلق.
  • سيلان الأنف أو انسداده.
  • آلام في العضلات أو الجسم عموماً.
  • صداع.
  • إرهاق (تعب).
  • احتمال الإصابة بالقيء والإسهال (أكثر شيوعاً عند الأطفال منه عند البالغين).

وتشير «المراكز» إلى أنه ليس كل من يُصاب بالإنفلونزا يُصاب بالحمى.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


العقم ليس دائماً لغزاً… الخلل يكمن أحياناً في «التموضع»

استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
TT

العقم ليس دائماً لغزاً… الخلل يكمن أحياناً في «التموضع»

استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة

بعد أكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً من البحث السريري الهادئ بعيداً عن الأضواء، خرج إلى العلن اكتشاف طبي لافت قد يُعيد صياغة فهم الطب الحديث لما يُعرف بـ«العقم مجهول السبب» لدى النساء. ونشرت نتائج الدراسة، التي شملت 372 امرأة من 23 دولة، في ديسمبر (كانون الأول) 2025 في المجلة الدولية لأمراض النساء والتوليد: (International Journal of Gynecology & Obstetrics).

البروفسور موسى الكردي يقود مقاربة جديدة في علاج العقم

لقاء حصري

في لقاء حصري مع «الشرق الأوسط»، تحدث البروفسور موسى الكردي -الطبيب، والباحث البريطاني من أصل سوري، وأستاذ أمراض النساء والعقم المرتبط أكاديمياً بكلٍّ من جامعتي كمبردج ودمشق- عن الخلفيات العلمية لتقنية جراحية جديدة أعادت الاعتبار للمقاربة التشريحية الوظيفية البسيطة قبل اللجوء إلى أكثر تقنيات الإخصاب المساعد تعقيداً.

من أين بدأت الفكرة؟

يقول البروفسور موسى الكردي إن الشرارة الأولى لم تولد في مختبر، بل في العيادة، ومن ملاحظات سريرية تراكمت عبر سنوات طويلة من العمل في مراكز طبية داخل الشرق الأوسط وأوروبا، ولا سيما خلال مراحل تدريبه وتعاونه الأكاديمي في المملكة المتحدة.

ويضيف: «في بريطانيا تعلّمت قاعدة أساسية في الطب: لا تبدأ بالحل المعقّد قبل أن تُعيد طرح السؤال البسيط. لماذا لا يحدث الحمل، رغم أن كل الفحوص تبدو طبيعية»؟

ويتابع أن هذا السؤال، الذي قد يبدو بديهياً، قاده إلى إعادة النظر فيما كان يُسلَّم به طبياً، والبحث في العامل التشريحي الوظيفي الذي كثيراً ما يُهمَل في تقييم حالات العقم غير المفسَّر.

«العقم مجهول السبب»

* ماذا اكتشفتم بعد سنوات المتابعة؟

- يوضح البروفسور موسى الكردي أن المتابعة السريرية الطويلة كشفت نمطاً متكرراً لدى عدد كبير من النساء المصنَّفات ضمن «العقم مجهول السبب»: فحوص هرمونية طبيعية، إباضة منتظمة، أنابيب فالوب سليمة من الناحية الشكلية... ومع ذلك لا يحدث الحمل.

ويضيف: «بعد سنوات من المراقبة الدقيقة، تبيّن لنا أن المشكلة لم تكن في جودة البويضة، ولا في الهرمونات، ولا حتى في سلامة الأنابيب من حيث الشكل، بل في العلاقة المكانية بين الأعضاء. ففي بعض الحالات تكون قناة فالوب بعيدة تشريحياً عن موضع خروج البويضة، فلا تتمكن من التقاطها في اللحظة الحاسمة، رغم أن كل شيء يبدو طبيعياً في صور الأشعة، والفحوص التقليدية».

ويتابع الكردي موضحاً أن الطب الحديث، في كثير من الأحيان، يركّز على ما يظهر في التحاليل، ويغفل ما لا يُقاس بسهولة: «الأنبوب قد يكون سليماً، لكنه لا يعمل بكفاءته الوظيفية إذا لم يكن في الموضع الصحيح. هنا يكمن الخلل الذي ظلّ لسنوات يُصنَّف خطأً على أنه عقم بلا سبب».

تصحيح تشريحي يعيد الوظيفة الطبيعية

تقنية جديدة

* ما جوهر التقنية الجديدة؟

- تعتمد التقنية على إعادة التموضع التشريحي الدقيق للرحم إلى وضعه الأمامي الطبيعي، مع إنزال المبيضين وقناتي فالوب إلى موضع أقرب لقاع الحوض، بما يسمح للأنابيب باستعادة وظيفتها الفيسيولوجية الطبيعية في التقاط البويضة بعد الإباضة.

ويشرح الكردي أن هذه المقاربة تستند إلى مبادئ تشريحية كلاسيكية تُدرَّس في كليات الطب البريطانية، لكنها -للمرة الأولى-طُبِّقت سريرياً بصورة منهجية طويلة الأمد، مع تتبّع النتائج على مدى سنوات.

نتائج غير متوقعة

أظهرت نتائج الدراسة نسب حمل لافتة، بلغت:

- 87 في المائة لدى السيدات السليمات.

- 56 في المائة لدى من يعانين أليافاً رحمية، أو بطانة رحم مهاجرة، أو التصاقات حوضية.

ويصف البروفسور الكردي هذه النتائج بأنها «تفوق بكثير ما نشهده في محاولات متكررة من الإخصاب المساعد، خصوصاً لدى النساء فوق سن الأربعين، أو من لديهن تاريخ طويل من فشل أطفال الأنابيب».

دور الإخصاب المساعد

* ماذا عن أطفال الأنابيب؟

يؤكد البروفسور موسى الكردي أن هذه التقنية لا تلغي دور الإخصاب المساعد، ولا تنتقص من أهميته، لكنها تعيد ضبط تسلسل القرار الطبي، وتطرح سؤالاً غالباً ما يُهمَل في الممارسة السريرية الحديثة: هل استنفدنا فعلاً كل ما يمكن للجسد أن ينجزه بنفسه؟

ويقول: «في المدرسة الطبية البريطانية، نُعلَّم ألا ننتقل مباشرة إلى المختبر قبل التأكد من أن البيئة التشريحية والوظيفية داخل الجسد مهيّأة طبيعياً للحمل. وهذه التقنية لا تنافس أطفال الأنابيب، بل تمنح الجسم فرصة عادلة أولاً، وقد تُغني كثيراً من النساء عن تدخلات معقدة، أو تجعل نتائجها لاحقاً أكثر نجاحاً».

فريق بحثي بخلفية دولية

شارك في تطوير ونشر هذه التقنية فريق علمي متعدد الخلفيات، يجمع بين الخبرة السريرية في الشرق الأوسط والتكوين الأكاديمي في أوروبا، وبريطانيا، فكان مع البروفسور موسى الكردي: الدكتور أشرف زرقان، طبيب وباحث بريطاني من أصل سوري، وأستاذ وباحث في جامعة كمبريدج، ومتخصص في الأبحاث السريرية المرتبطة بعلاج العقم غير المفسَّر. البروفسور أحمد خطاب، باحث بريطاني من أصل فلسطيني، له إسهامات علمية في مجال الخصوبة، والبيولوجيا الإنجابية، وشارك في التحليل العلمي والسريري لنتائج الدراسة.

ويؤكد هذا التنوع الأكاديمي والجغرافي للفريق البحثي أن الدراسة لم تكن جهداً محلياً معزولاً، بل نتاج تعاون علمي عابر للحدود، يجمع بين المنهجية البريطانية الصارمة والخبرة السريرية المتراكمة في الشرق الأوسط، وهو ما انعكس في قبول البحث، ونشره في مجلة دولية مرموقة تصدر عن دار النشر العالمية «Wiley».

الرسالة الأوسع

يختم البروفسور موسى الكردي اللقاء برسالة إنسانية تتجاوز لغة الأرقام ونِسَب النجاح، قائلاً: «ليس كل ما عجزنا عن تفسيره يجب أن نُسميه مجهولاً. أحياناً يحتاج الطب أن يتراجع خطوة، لا ليضعف، بل ليُحسن الرؤية؛ أن ينظر إلى الجسد كما هو، لا كما اعتدنا أن نُصوّره في المختبر».

ويستحضر هذا المنهج ما قاله الطبيب والفيلسوف العربي الكبير ابن النفيس قبل قرون، حين نبّه إلى أن فهم المرض لا يكتمل بتشريح العضو وحده، بل بفهم وظيفته وسياقه داخل الجسد كله، وكأن هذا الاكتشاف الحديث يعيد صدى تلك الحكمة القديمة بلغة الجراحة المعاصرة.

خلاصة

لا يقدّم هذا الإنجاز تقنية جراحية جديدة فحسب، بل يعيد فتح ملف «العقم مجهول السبب» من زاوية علمية أكثر هدوءاً ونضجاً: بسِّط السؤال... قبل أن تُعقِّد الجواب.

وفي هذا التقاطع اللافت بين منهج الطب العربي الكلاسيكي، الذي قام على الملاحظة، والتشريح، والتأمل، والمدرسة الطبية البريطانية الحديثة، التي تُقدّم المنهجية قبل التدخل، تتجلّى رسالة واحدة عابرة للعصور:

إن التقدّم الحقيقي في الطب لا يكون دائماً بإضافة أدوات جديدة، بل أحياناً بالعودة الحكيمة إلى أساسيات الجسد، والوظيفة، والفطرة.


حرقة المعدة المتكررة قد تكون مؤشراً على حالة أخطر

«بوابة الحمض» قد تضعف عندما يرتخي الصمام المريئي السفلي أو يبقى مفتوحاً جزئياً (بكساباي)
«بوابة الحمض» قد تضعف عندما يرتخي الصمام المريئي السفلي أو يبقى مفتوحاً جزئياً (بكساباي)
TT

حرقة المعدة المتكررة قد تكون مؤشراً على حالة أخطر

«بوابة الحمض» قد تضعف عندما يرتخي الصمام المريئي السفلي أو يبقى مفتوحاً جزئياً (بكساباي)
«بوابة الحمض» قد تضعف عندما يرتخي الصمام المريئي السفلي أو يبقى مفتوحاً جزئياً (بكساباي)

بالنسبة لمعظم الناس، تُعدُّ حرقة المعدة عارضاً مؤقتاً ومزعجاً فحسب، ولكن استمرارها فترات طويلة قد يقود إلى مضاعفات أكثر خطورة، وقد يصل في بعض الحالات إلى مراحل ما قبل السرطان.

ووفق تقرير نشرته شبكة «فوكس نيوز»، يشير خبراء طبيون إلى أن نحو 10 في المائة من المصابين بالارتجاع المعدي المريئي المزمن (GERD) قد يُصابون بحالة تُعرَف بـ«مريء باريت»؛ حيث تُستبدل ببطانة الجزء السفلي من المريء خلايا غير طبيعية تكون أكثر عرضة للتحول السرطاني.

وتُظهر دراسات أن ما بين 3 في المائة و13 في المائة من المصابين بـ«مريء باريت» قد يصابون لاحقاً بسرطان المريء، بينما لا تتطور الحالة لدى الغالبية العظمى منهم.

متى يصبح الارتجاع الحمضي خطيراً؟

يقول اختصاصي صحة الجهاز الهضمي، الدكتور داريل جوفري: «المعدة مُصمَّمة للتعامل مع الحمض، أما المريء فليس كذلك». ويضيف: «في حالات الارتجاع، لا تكمن الخطورة في الإحساس بالحرقان في الصدر أو الحلق؛ بل في التدفق المستمر للحمض في الاتجاه الخاطئ».

ويوضح أن الصمام المريئي السفلي -الذي يصفه بـ«بوابة الحمض»- يمنع في معظم الأشخاص عودة الحمض إلى أعلى؛ إذ يُبقيه داخل المعدة التي تتمتع ببطانة سميكة من المخاط وخلايا متخصصة صُممت لحمايتها من تأثير الأحماض.

ويلفت الدكتور جوفري إلى أن «بوابة الحمض» قد تضعف عندما يرتخي الصمام المريئي السفلي أو يبقى مفتوحاً جزئياً، ما يسمح بارتداد الحمض إلى أعلى. ويوضح أن هذا الضعف قد يرتبط بنقص المغنيسيوم، وارتفاع مستويات التوتر، وتناول الكحول، وسوء النوم، والجفاف، وتناول الطعام ليلاً، وهي عوامل تُربك الهضم الصحي.

ويضيف أن وصول الحمض إلى المريء يهيِّج أنسجة لم تُصمَّم لتحمُّل الأحماض. ويقول: «في كل مرة يعود فيها الحمض بالاتجاه الخاطئ، يُحدث أذى تدريجياً يشبه حرقاً كيميائياً بطيئاً». ومع مرور الوقت، قد يؤدي هذا التهيُّج إلى تآكل البطانة، وتعزيز الالتهاب، وتغيير طبيعة الخلايا.

ويتابع: «هذه الخلايا الجديدة لم تعد خلايا مريئية طبيعية؛ بل تبدأ في التحول إلى خلايا تشبه بطانة المعدة؛ لأنها أكثر تحمُّلاً للحمض»، لافتاً إلى أن هذا التحول يُعرف باسم «التحوّل النسيجي» (Metaplasia) أو «مريء باريت».

وحذَّر من أنه مع بدء تغيُّر الخلايا يرتفع خطر حدوث طفرات إضافية، وإذا استمر هذا المسار فقد يتطور إلى «خلل التنسُّج» (Dysplasia)، وهي المرحلة التي تسبق سرطان المريء مباشرة.

وختم: «الخطر الحقيقي لا يكمن في الشعور بحرقة المعدة بحد ذاته؛ بل في التعرُّض المتكرر للحمض الذي يُجبر المريء على التكيّف بطرق لم يُصمَّم لها أساساً... ومعالجة الارتجاع من جذوره كفيلة بوقف هذه السلسلة كاملة، قبل أن تبدأ التغيُّرات الخلوية».

الرجال أكثر عرضة للخطر

وحذَّر الدكتور جوفري من أن الرجال عموماً أكثر عرضة لمخاطر الارتجاع الحمضي؛ إذ إنهم يستهلكون مخزون المغنيسيوم بوتيرة أسرع، ويميلون إلى تراكم دهون حشوية تضغط صعوداً على المعدة، كما يتناولون وجبات أثقل، ويُكثرون من الوجبات الخفيفة ليلاً. وأوضح أن هذه العوامل جميعها تُضعف «بوابة الحمض» وتُعطِّل الهضم الصحي.

وأضاف: «تناول الطعام خلال الساعات الثلاث التي تسبق الاستلقاء يكاد يضمن عدم إفراغ المعدة، وهو من أكبر مسببات الارتجاع الليلي». وتابع: «إلى ذلك، يتجاهل الرجال الأعراض في كثير من الأحيان، أو يُخفونها باستخدام مثبطات مضخة البروتون (PPIs) ومضادات الحموضة، بدل معالجة السبب الجذري».

وأشار جوفري إلى أن اجتماع هذه العوامل يخلق «عاصفة مثالية» من الالتهاب المزمن والضرر طويل الأمد.

علامات تحذيرية

توجد إشارات إنذارية تدل على أن الارتجاع الحمضي تجاوز كونه إزعاجاً عابراً وأصبح مستمراً ومزمناً. وقال جوفري: «إذا أصبح الإحساس بالحرقان أكثر تكراراً أو أشدَّ حدَّة، أو بدأ يظهر حتى من دون تناول طعام، فهذه علامة تحذير كبيرة يطلقها الجسم».

وأوضح جوفري أن صعوبة البلع، أو الإحساس بأن الطعام «عالِق»، أو بُحَّة الصوت المزمنة، أو السعال المستمر، أو الحاجة المتكررة لتنظيف الحلق، أو الشعور بوجود كتلة في الحلق، جميعها مؤشرات على أن الحمض يرتدُّ إلى مناطق لا ينبغي أن يصل إليها.

وحذَّر قائلاً: «ظهور تقرُّحات في الحلق، أو حتى في الفم، يُعدُّ علامة إضافية على أن الحمض يُحدث أضراراً حقيقية».

وأضاف أن «من أبرز إشارات الخطر أيضاً تحوُّل الارتجاع من حالة تُلاحظ أحياناً إلى شعور يومي أو ليلي، أو توقُّف مثبطات مضخة البروتون ومضادات الحموضة عن تقديم فائدة». ولفت إلى أن ذلك «يعني غالباً أن بطانة المريء متهيِّجة ومتآكلة، وربما بدأت بالفعل تشهد تغيُّرات على المستوى الخلوي».