الشراكة الدفاعية السعودية - الأميركية تعيد رسم ملامح الأمن الإقليمي

ترمب يوافق على بيع مقاتلات «إف - 35» للرياض

جانب من مناورات عسكرية استضافتها السعودية في 9 نوفمبر (واس)
جانب من مناورات عسكرية استضافتها السعودية في 9 نوفمبر (واس)
TT

الشراكة الدفاعية السعودية - الأميركية تعيد رسم ملامح الأمن الإقليمي

جانب من مناورات عسكرية استضافتها السعودية في 9 نوفمبر (واس)
جانب من مناورات عسكرية استضافتها السعودية في 9 نوفمبر (واس)

قبل ساعات من وصول الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي إلى البيت الأبيض، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن موافقته على بيع مقاتلات «إف - 35»، الأكثر تقدّماً في العالم، للرياض.

وتندرج صفقة مقاتلات «إف - 35» ضمن اتفاقية دفاعية أوسع تُمهّد لمرحلة جديدة في العلاقات بين الرياض وواشنطن، ولتعاون استراتيجي يشمل قطاعات الأمن والسياسة والتكنولوجيا والاستثمار.

وينظر مراقبون إلى الزيارة التي تأتي بعد ستة أشهر على توقيع حزمة اتفاقات دفاعية واستثمارية غير مسبوقة في مايو (أيار) الماضي، على أنها اختبار حقيقي لمدى قدرة الطرفين على ترجمة التعهدات الكبرى التي أعلن عنها حينها، والتي شكّلت انعطافة في العلاقات الثنائية عقب سنوات من التباينات في الملفات الإقليمية.

شراكة استراتيجية واسعة

شهدت العلاقات الأميركية السعودية، في مايو الماضي، واحدة من أكبر حزم التعاون الدفاعي والاقتصادي في تاريخ البلدين، شملت عقود تسليح وتعاون عسكري مباشر بلغت قيمتها 142 مليار دولار. لكن جزءاً كبيراً من هذه العقود لا يزال قيد التنفيذ أو المراجعة.

وتُعد زيارة ولي العهد فرصة لمتابعة ما تحقّق فعلياً، وحسم الملفات العالقة، سواء في مجال التسليح أو الاستثمار أو التعاون الأمني.

مقاتلة «إف - 35» الأميركية المتطورة (أرشيفية)

ووفق مصادر أميركية، من المتوقع أن يبحث الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترمب إمكانية التوصل إلى اتفاق دفاعي – أمني ثنائي يجري العمل على صياغته منذ أشهر.

وتشير معلومات من واشنطن إلى أن بعض الصفقات الدفاعية خضعت بالفعل لمراجعة «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة»، وبلغت مرحلة متقدمة تسمح بإنجازها خلال الأسابيع المقبلة.

وشملت العقود المعلنة سابقاً تزويد المملكة بطائرات «إف – 15» و«إف – 16»، وأنظمة دفاع جوي وصاروخي، إضافة إلى تحديث الأسطول الجوي السعودي، بمشاركة كبرى الشركات الأميركية مثل «لوكهيد مارتن»، «بوينغ»، «ريثيون»، «نورثروب غرومان» و«جنرال دايناميكس».

لكن المميز في الحزمة الأخيرة هو انتقال العلاقة من شراء السلاح إلى شراكة تصنيع ونقل تكنولوجيا داخل المملكة، انسجاماً مع «رؤية 2030» التي تستهدف توطين 50 في المائة من الإنفاق العسكري بحلول 2030.

وتشمل هذه الشراكة إنشاء خطوط إنتاج محلية وصيانة للطائرات والأنظمة الدفاعية، وتدريب كوادر سعودية، وتطوير سلاسل إمداد وطنية.

كما توسعت الاتفاقات إلى مجالات الفضاء والطاقة النووية المدنية والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، في تحوّل يعكس اندماج التكنولوجيا المتقدمة في صلب التعاون الأمني.

مقاتلات «إف - 35»

تحتل صفقة بيع مقاتلات «إف - 35» موقعاً مركزياً في أجندة الزيارة، مع تأكيد ترمب على دعمه بيع مقاتلات «إف - 35» للسعودية.

وقال الرئيس الأميركي للصحافيين، الاثنين: «سنقوم بذلك، سنبيع مقاتلات (إف - 35)... لقد كان (السعوديون) حليفاً عظيماً».

وتقول إليزابيث دينت، الزميلة البارزة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى لشؤون الخليج، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الموافقة الأميركية على بيع «إف – 35» للمملكة ستكون «أول عملية من نوعها لجيش عربي»، ما يمثل «تحوّلاً كبيراً» في السياسة الأميركية.

ويرى محللون أن حصول الرياض على الطائرة المتقدمة سيمنحها قدرة استراتيجية نوعية، ويعيد رسم ميزان القوة في الخليج، خصوصاً في ضوء التهديدات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي برزت خلال السنوات الأخيرة، سواء كان في المنطقة أو في حرب أوكرانيا.

اتفاق أمني جديد

على الصعيد الأمني، تأتي الزيارة في لحظة تشابكت فيها الملفات الإقليمية؛ من حرب غزة، إلى جهود «حصر السلاح» في لبنان، مروراً بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر، والضبابية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وفي هذا المناخ، تعمل إدارة ترمب على تطوير سياساتها في المنطقة عبر تقوية التحالفات الإقليمية وتعزيز الرّدع.

الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترمب لدى زيارة الأخير إلى الرياض 13 مايو 2025 (أ.ب)

وبحسب مصادر أميركية، يجري العمل على صياغة اتفاق أمني ثنائي يتضمن التزامات دفاع متبادل، وتعاوناً استخباراتياً أوسع، وترتيبات تخُصّ أمن الملاحة في البحر الأحمر والخليج. كما يتضمن آليات مشتركة للتعامل مع التهديدات الإيرانية وشبكاتها الإقليمية.

وتصف هذه المصادر الاتفاق المرتقب بأنه بمثابة «إعلان نوايا استراتيجي» يشبه في روحه أطر الدفاع التي تجمع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.

وفي هذا السياق، رجّح دانيال بينيم، الزميل في معهد الشرق الأوسط والمسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الخليج، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «تعزيزاً أمنياً في العلاقات الأميركية – السعودية خلال الزيارة»، يشمل «ضماناً أمنياً غير تقليدي».

إعادة ترتيب معادلات الأمن الإقليمي

شكّلت حرب غزة نقطة تحوّل في الحسابات الإقليمية لكل من واشنطن والرياض. فالتصعيد الذي شمل لبنان واليمن والعراق كشف عن هشاشة منظومة الردع القائمة، ودفع الولايات المتحدة إلى تعزيز منظومات الدفاع الجوي لدى حلفائها.

في المقابل، أعادت الرياض تقييم موقعها ضمن المنظومة الأمنية، مع الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع واشنطن الذي يشكل ركيزة لأمن الطاقة العالمي والممرات البحرية.

ويلفت مراقبون إلى أن المملكة بلورت دوراً إقليمياً يقوم على الشراكات المتوازنة مع الشرق والغرب، وعلى توزيع الأعباء الأمنية في المنطقة بصورة أكثر اتساقاً مع حجم الأدوار الاقتصادية والسياسية الجديدة.

استثمارات في التكنولوجيا والدفاع

تحمل الزيارة أيضاً جدولاً واسعاً من المشاريع الاقتصادية والتقنية. فقد افتتحت «بوينغ» مركزاً متقدماً للتدريب والصيانة في الرياض، فيما وقعت «لوكهيد مارتن» اتفاقاً لإنشاء خطوط إنتاج محلية لمنظومات «ثاد» و«باتريوت».

كما تتوسع الشراكات في مجالات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية، مع دخول شركات كبرى مثل «مايكروسوفت»، و«أمازون» و«غوغل كلاود»، في مشاريع متصلة بالبنية الرقمية الدفاعية.

ويرى خبراء أن هذه الاستثمارات باتت تُمثّل «الركيزة الثالثة» في التحالف الجديد، إلى جانب التعاون الدفاعي والاقتصادي، بما ينسجم مع أهداف «رؤية 2030» في بناء صناعة تقنية وعسكرية متكاملة داخل المملكة.


مقالات ذات صلة

كيف أعادت زيارة ولي العهد صياغة التحالف السعودي - الأميركي؟

تحليل إخباري من مراسم استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الحديقة الجنوبية بالبيت الأبيض الثلاثاء (أ.ف.ب) play-circle

كيف أعادت زيارة ولي العهد صياغة التحالف السعودي - الأميركي؟

يرى محللون أن زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة تحوّل الرياض لاعباً مستقلاً وفاعلاً في تشكيل المشهد الإقليمي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الاقتصاد  القمر يظهر فوق مبنى «ستيت ستريت» في بوسطن، ماساتشوستس، الولايات المتحدة الأميركية (رويترز)

صندوق التنمية و«ستيت ستريت» لتعزيز وصول المستثمرين إلى السوق السعودية

أعلنت شركة «ستيت ستريت إنفستمنت مانجمنت» وصندوق التنمية الوطني في السعودية، توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي لتعزيز وصول المستثمرين العالميين إلى السوق السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص صورة جماعية لرؤساء كبرى الشركات الأميركية مع ولي العهد والرئيس الأميركي ترمب خلال منتدى الاستثمار الأميركي - السعودي (أ.ف.ب) play-circle

خاص شراكة استراتيجية بملامح المستقبل... دلالات نتائج زيارة ولي العهد إلى واشنطن

كانت العاصمة الأميركية واشنطن مسرحاً لإطلاق مرحلة جديدة من التحالف الاستراتيجي بين السعودية والولايات المتحدة الذي سوف يربط مصالح البلدين لعقود مقبلة.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد الرئيس الأميرركي دونالد ترمب يتحدث في منتدى الاستثمار الأميركي السعودي في واشنطن (أ.ب)

«تكامل» السعودية توقّع أكثر من 20 اتفاقية استراتيجية في واشنطن بما يزيد على 40 مليون دولار

أعلنت شركة «تكامل القابضة»، خلال «منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي» في واشنطن، توقيع أكثر من 20 اتفاقية استراتيجية بقيمة إجمالية تصل إلى 150 مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (واس)

ولي العهد السعودي يغادر أميركا ويبعث برقية شكر للرئيس ترمب

 بعث الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، برقية شكر للرئيس الأميركي ترمب، إثر مغادرته واشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يستأنف أمراً قضائياً بإعادة تمويل جامعة هارفارد

رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب)
رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب)
TT

ترمب يستأنف أمراً قضائياً بإعادة تمويل جامعة هارفارد

رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب)
رياضيون يجدفون في نهر تشارلز أمام حرم جامعة «هارفارد» بماساتشوستس (أ.ف.ب)

استأنفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً قضائياً أعاد إلى حد كبير التمويل الذي قطعته عن جامعة هارفارد، على خلفية اتهامات بتفشي معاداة السامية والانحياز في المؤسسة المرموقة.

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي، اتّهم ترمب عمداء جامعات أميركية بالضلوع في نشر آيديولوجيا «اليقظة» (ووك)، وهو مصطلح كثيراً ما يستخدمه المحافظون للإساءة إلى الأفكار التقدمية.

كذلك، اتهمت إدارته هذه الجامعات بعدم توفير الحماية الكافية للطلاب اليهود أو الإسرائيليين أثناء الاحتجاجات التي جرت في جامعاتهم للمطالبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

وبناءً على ذلك، جمّدت ما يزيد قليلاً على 2.6 مليار دولار من المنح الفيدرالية لهارفارد، تشمل الرعاية الصحية، وألغت شهادة «سيفيس» التي يتم عبرها السماح للطلاب الأجانب بالدراسة في الولايات المتحدة.

وفي سبتمبر (أيلول)، أمرت قاضية في بوسطن بإلغاء قرار تجميد التمويلات، «باعتبارها تنتهك التعديل الأول» من الدستور.

وفي مذكرة موجزة للمحكمة في وقت متأخر، الخميس، كتب محامو الإدارة الأميركية أنّ «المدعى عليهم يستأنفون (الحكم) أمام محكمة استئناف أميركية...»، ولم يتم تحديد موعد لجلسة الاستماع أمام الاستئناف.

وشكل الطلاب الدوليون 27 في المائة من إجمالي عدد الطلاب المسجّلين في جامعة هارفارد للعام الدراسي 2024 - 2025، وهم مصدر رئيسي لدخلها.


الأمم المتحدة تندد بالعقوبات الأميركية على قاضيين بالجنائية الدولية

مقر «المحكمة الجنائية الدولية»... (أ.ف.ب)
مقر «المحكمة الجنائية الدولية»... (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة تندد بالعقوبات الأميركية على قاضيين بالجنائية الدولية

مقر «المحكمة الجنائية الدولية»... (أ.ف.ب)
مقر «المحكمة الجنائية الدولية»... (أ.ف.ب)

نددت الأمم المتحدة، الجمعة، بالعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قاضيين في المحكمة الجنائية الدولية بسبب تحقيقات تتعلق بإسرائيل، عادّة ذلك يشكل تصعيداً في «التدابير الانتقامية» بحق المؤسسات الدولية.

والقاضيان المعنيان، الجورجي غوتشا لورديكيباندزه والمنغولي إردينيبالسورن دامدين، كانا قد صوتا الأسبوع الحالي ضد طعن تقدمت به إسرائيل لإغلاق تحقيق في جرائم حرب في غزة.

وتأتي هذه الإجراءات ضمن سلسلة عقوبات أميركية طالت سابقاً تسعة قضاة ومدعين في المحكمة على خلفية التحقيق في جرائم حرب تتهم إسرائيل بارتكابها في قطاع غزة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ونشر مكتب المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، على منصة «إكس»، أن «العقوبات (...) تمثل تصعيداً جديداً في التدابير الانتقامية من المؤسسات الدولية».

وترتبط العقوبات بقرار المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن القاضيين المشمولين بالعقوبات صوتا هذا الأسبوع لصالح الإبقاء على مذكرتي التوقيف.

وفي يوليو (تموز)، فرضت واشنطن عقوبات أيضاً على فرانشيسكا ألبانيزي المقررة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد اتهامها المتكرر لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.

وأكد مكتب المفوض الأممي أن «العقوبات على قضاة أو مدعين أو خبراء بالأمم المتحدة تتعارض مع سيادة القانون وإدارة العدالة».


إدارة ترمب تبدأ نشر جزء من ملف إبستين بعد أشهر من المماطلة

صورة وزعتها لجنة الرقابة بمجلس النواب الأميركي تُظهر الرئيس ترمب مع جيفري إبستين وقد نشرها الديمقراطيون في اللجنة في واشنطن (رويترز)
صورة وزعتها لجنة الرقابة بمجلس النواب الأميركي تُظهر الرئيس ترمب مع جيفري إبستين وقد نشرها الديمقراطيون في اللجنة في واشنطن (رويترز)
TT

إدارة ترمب تبدأ نشر جزء من ملف إبستين بعد أشهر من المماطلة

صورة وزعتها لجنة الرقابة بمجلس النواب الأميركي تُظهر الرئيس ترمب مع جيفري إبستين وقد نشرها الديمقراطيون في اللجنة في واشنطن (رويترز)
صورة وزعتها لجنة الرقابة بمجلس النواب الأميركي تُظهر الرئيس ترمب مع جيفري إبستين وقد نشرها الديمقراطيون في اللجنة في واشنطن (رويترز)

بدأت وزارة العدل الأميركية، الجمعة، نشر ملفات طال انتظارها تتعلق بالتحقيق في قضية الاتجار بالجنس التي تورط فيها جيفري إبستين.
وكانت إدارة الرئيس دونالد ترمب تستعد في الأيام الأخيرة لكشف مئات آلاف الوثائق المتعلقة بفضيحة إبستين، وهو إجراء ينتظره الأميركيون بفارغ الصبر بعد أشهر من المماطلة.

وقال المسؤول الكبير في وزارة العدل، تود بلانش، الجمعة، إنه من المتوقع أن تنشر الحكومة، قبل انقضاء المهلة القانونية عند منتصف الليل، جزءاً فقط من ملف الممول النافذ والمجرم الجنسي الذي قضى عام 2019.

وصرّح، لشبكة «فوكس نيوز»: «أتوقع أن ننشر مئات الآلاف من الوثائق اليوم»، مضيفاً أنه سيتم نشر «مئات الآلاف» من الوثائق الإضافية «في الأسابيع المقبلة».

وأكد بلانش أن للوزارة كامل الصلاحية في حجب الأسماء والمعلومات الحساسة، وسيتم تعديل الوثائق جزئياً لحماية الضحايا الشباب لجيفري إبستين.

كما أشار هذا المحامي الشخصي السابق لدونالد ترمب إلى أنه لا يتوقع إصدار أي لوائح اتهام جديدة في الفضيحة التي تهز الولايات المتحدة منذ سنوات.

وأثار قرار نشر الوثائق على مراحل، غضب زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، الذي أشار إلى أن القانون «واضح تماماً» ويفرض على الحكومة الكشف عن «جميع الوثائق» بحلول منتصف الليل، وليس جزءاً منها فقط.

وأضاف شومر، في بيان: «هذا ببساطة يوضح أن وزارة العدل ودونالد ترمب و(وزيرة العدل) بام بوندي يريدون فعل كل ما في وسعهم لإخفاء الحقيقة» حول الفضيحة.

وكان جيفري إبستين، وهو من أبرز الشخصيات في أوساط النخبة بنيويورك، محور شبكة لاستغلال فتيات قاصرات جنسياً، يشتبه في أنها ضمت وجوهاً بارزة. وعثر عليه ميتاً في السجن عام 2019، ما أثار العديد من نظريات المؤامرة بشأن قتله للتستر على تورط شخصيات بارزة.

ورغم أنه خاض حملته الانتخابية عام 2024 واعداً بتوخي الشفافية الكاملة بشأن هذه القضية، فإن دونالد ترمب تلكأ لفترة طويلة في تنفيذ وعده، واصفاً القضية بأنها «خديعة» دبرتها المعارضة الديمقراطية، وحضّ الأميركيين على طي صفحتها.

لكنه لم يستطع منع الكونغرس من إصدار قانون يلزم وزارة العدل بنشر جميع الوثائق غير المصنفة بشأن إبستين، وشريكته غيلين ماكسويل التي تقضي عقوبة بالسجن لمدة عشرين عاماً، وجميع الأشخاص المتورطين في القضية.

صدر القانون في 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، وأمهل الحكومة 30 يوماً للامتثال.

«طال الأمر كثيراً»

قال مايك كوستاريل (58 عاماً)، وهو من مؤيدي دونالد ترمب، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لقد طال الأمر كثيراً. من المهم محاسبة أي شخص يستغل الأطفال جنسياً. ولا يهمني انتماؤه السياسي أو مقدار ثروته».

جيفري إبستين وهو يتحدث مع أستاذ اللغويات والناشط السياسي نعوم تشومسكي (أ.ب)

لكن لا يزال هناك غموض بشأن ما ستكشف عنه الوثائق، إذ يشعر مسؤولون ديمقراطيون بالقلق إزاء إمكان تلاعب الإدارة بها.

وقال النائب الديمقراطي روبرت غارسيا، الخميس: «الحقيقة هي أننا لا نعلم ما ستفعله وزارة العدل غداً. ما نعرفه هو ما فعلته في الماضي: لقد حاولت التستر على أمور، وحاولت تشتيت الانتباه».

وفي يوليو (تموز)، أعلنت الوزارة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أنهما لم يعثرا على أيّ عنصر جديد من شأنه أن يبرّر نشر مستندات إضافية أو البدء بملاحقات جديدة. وقد أثار هذا الإعلان سخط أنصار ترمب المتشدّدين الذين يرفعون شعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» مختصراً بـ«ماغا».

صورة من المجموعة الشخصية لجيفري إبستين والتي قدمها الديمقراطيون في لجنة الرقابة بمجلس النواب بتاريخ 12 ديسمبر 2025... الرئيس ترمب (في الوسط) وهو يقف مع مجموعة من النساء يرتدين أكاليل الزهور (أ.ف.ب)

وقد تحرج الوثائق المرتقبة عدّة شخصيات من أوساط المال والسياسة والترفيه كانت تدور في فلك إبستين، بمن فيهم دونالد ترمب الذي كان لفترة طويلة مقربّاً منه قبل أن يتخاصم معه في مطلع الألفية.

الأسبوع الماضي، نشر نواب ديمقراطيون في الكونغرس مجموعة جديدة من الصور المرتبطة بجيفري إبستين، يظهر فيها الأخير في مكتب برفقة ستيف بانون المستشار السابق لترمب، وفيما يشبه طائرة خاصة برفقة المفكر اليساري نعوم تشومسكي، ومع المخرج الأميركي وودي آلن، والرئيس الأسبق بيل كلينتون. كما أظهرت الصور دونالد ترمب إلى جانب نساء تم إخفاء وجوههن.

صورة تُظهر الرئيس السابق بيل كلينتون (وسط) رفقة إبستين (على اليمين) وغيسلين ماكسويل (الثانية يميناً) (أ.ف.ب)

وقال البيت الأبيض الأسبوع الماضي إن «إدارة ترمب تحرّكت من أجل الضحايا أكثر بكثير مما قام به الديمقراطيون، من خلال نشر آلاف الصفحات والدعوة إلى تحقيقات جديدة بشأن أصدقاء إبستين الديمقراطيين».