من جدة... «أرامكس» تختبر أولى عمليات التوصيل الذاتي عبر الطائرات المُسيّرة

النظام التشغيلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات الملاحة الدقيقة مثل «ليدار» لتأمين رحلات ذاتية آمنة وموثوقة دون تدخل بشري مباشر (أرامكس)
النظام التشغيلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات الملاحة الدقيقة مثل «ليدار» لتأمين رحلات ذاتية آمنة وموثوقة دون تدخل بشري مباشر (أرامكس)
TT

من جدة... «أرامكس» تختبر أولى عمليات التوصيل الذاتي عبر الطائرات المُسيّرة

النظام التشغيلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات الملاحة الدقيقة مثل «ليدار» لتأمين رحلات ذاتية آمنة وموثوقة دون تدخل بشري مباشر (أرامكس)
النظام التشغيلي يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتقنيات الملاحة الدقيقة مثل «ليدار» لتأمين رحلات ذاتية آمنة وموثوقة دون تدخل بشري مباشر (أرامكس)

في وقت تتسارع فيه خطوات التحوّل الرقمي حول العالم، تمضي المملكة العربية السعودية بثبات نحو مرحلة جديدة من الابتكار في قطاع الخدمات اللوجستية. مرحلة لا تسير فيها الشاحنات على الطرق فقط، بل تحلّق فيها الطائرات المسيّرة في السماء لتعيد تعريف مفهوم «الميل الأخير» في التوصيل.

إطلاق أولى عمليات التوصيل عبر الطائرات المُسيّرة في مدينة جدة يمثل خطوة نوعية في رحلة المملكة نحو بناء منظومة نقل ذكية ومستدامة، تتوافق مع مستهدفات «رؤية السعودية 2030» لجعل المملكة مركزاً عالمياً للخدمات اللوجستية.

يقول عبد العزيز النويصر، المدير العام لشركة «أرامكس» في السعودية، خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه الخطوة تجسّد التزامنا طويل الأمد بتطوير الخدمات اللوجستية الذكية وتعزيز الاستدامة، بما ينسجم مباشرةً مع أهداف (رؤية 2030) في مجالي التحوّل الرقمي ووسائل النقل الصديقة للبيئة».

جدة... منصة الانطلاق نحو المستقبل

لم يكن اختيار مدينة جدة عشوائياً، بل جاء لأنها تمثل مركزاً لوجستياً رئيسياً ومحوراً للتجارة والنقل البحري والجوي. كما تُعد بيئتها التنظيمية والبنية التحتية الملائمة أرضاً مثالية لتجربة تقنيات مبتكرة بأمان وكفاءة. ويوضح النويصر أن «الاختيار وقع على جدة لما تتمتع به من موقع استراتيجي وبيئة آمنة خاضعة للرقابة، ما أتاح لنا اختبار التكنولوجيا والتحقق من أعلى معايير السلامة التشغيلية».

في المرحلة التجريبية، تم تشغيل مسار محدد مسبقاً لنقل الطرود بين المنشآت اللوجستية عبر مسار جوي مرخص، بهدف قياس كفاءة الملاحة الجوية والتكامل بين الأنظمة الأرضية والجوية.

عبد العزيز النويصر المدير العام لشركة «أرامكس» في المملكة العربية السعودية (أرامكس)

رحلة ذكية من الإقلاع حتى الهبوط

تبدأ عملية التوصيل من مركز تجهيز الشحنات، حيث تُغلف الطرود وتُحمّل على الطائرات المُسيّرة التي تُدار بالكامل عبر منصة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لإدارة الرحلات. تتولى طائرة «DJI Matrice 350 RTK» تنفيذ الرحلة بشكل ذاتي، عبر مسار جوي مُعتمد مسبقاً، من الإقلاع حتى الهبوط، دون أي تدخّل بشري مباشر.

وتعتمد الطائرات على تقنية تحديد المواقع آنياً بالحركة (RTK) التي تتيح دقة تصل إلى مستوى السنتيمتر، مع أنظمة استشعار متقدّمة لتفادي العقبات، ونظام تحديد المواقع البصري (VPS)، وطبقات متعددة من أنظمة GPS لضمان ثبات الرحلة وسلامتها.

ويضيف النويصر أن طائرات «أرامكس» تعتمد على أنظمة دقيقة للغاية في الملاحة وتجنّب العوائق، ما يضمن أداءً موثوقاً حتى في البيئات الحضرية المعقدة. وعند الوصول، تنفّذ الطائرة عملية هبوط عمودية في منطقة محددة مسبقاً، حيث يتسلّم موظف مُدرّب الطرد مباشرة، ثم تعود الطائرة تلقائياً إلى قاعدتها.

التشغيل تحت إشراف الجهات التنظيمية

خلف هذه التجربة المتقدمة يقف تعاون موسّع مع عدد من الجهات السعودية. فقد جرى التنسيق بشكل مستمر مع الهيئة العامة للطيران المدني (GACA) لضمان الالتزام الكامل بمعايير السلامة الجوية، كما دعمت وزارة النقل والخدمات اللوجستية المشروع في مراحله كافة، إلى جانب الهيئة العامة للنقل (TGA) وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (NIDLP).

ويعد النويصر أن «التعاون مع الجهات التنظيمية كان أساسياً لضمان الامتثال لأنظمة الطيران، وفتح الطريق أمام التشغيل التجاري المستقبلي للطائرات المسيّرة». هذا التنسيق المتعدد الأطراف يؤسس لنموذج سعودي يمكن أن يُحتذى به في تنظيم قطاع الطائرات من دون طيار، ودمجها بأمان في المجال الجوي المدني.

السلامة أولاً

في المدن المزدحمة، تشكل السلامة التحدي الأكبر أمام أي تقنية طيران ذاتي. ولذلك، بُني النظام على طبقات متعددة من إجراءات الأمان تشمل المراقبة اللحظية، والتسييج الجغرافي (Geo-Fencing)، وبروتوكولات العودة التلقائية إلى نقطة الانطلاق، إضافة إلى أنظمة الطوارئ الذكية (Fail-Safes). تُتابع كل رحلة من مركز تحكم أرضي يضمّ فريقاً مدرّباً على مراقبة المسارات الجوية المصرّح بها والتعامل مع أي طارئ في الوقت الفعلي. ويشرح النويصر أن «لدى (أرامكس) أنظمة أمان متكررة تتيح التعامل مع أي ظرف غير متوقّع، مع تخصيص مناطق هبوط طارئة لضمان مرونة التشغيل في جميع الحالات».

الاختيار الاستراتيجي لمدينة جدة جاء لكونها مركزاً لوجستياً محورياً وبيئة مثالية لاختبار التقنيات الحديثة بأمان وكفاءة عالية (أرامكس)

الاستدامة في قلب الابتكار

لا تقف أهمية هذه التجربة عند حدود السرعة، بل تمتد إلى هدفٍ بيئي أوسع. فكل رحلة طائرة مُسيّرة تعني استبدال رحلة مركبة تعمل بالديزل، ما يُقلّل الانبعاثات ويحدّ من استهلاك الوقود.

ويُعدّ هذا التحوّل جزءاً من التوجّه العالمي نحو الخدمات اللوجستية منخفضة الكربون التي تتبنّاها المملكة ضمن استراتيجيتها للاستدامة. ويضيف النويصر خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» أن «التوصيل عبر الطائرات المسيّرة يمثل بديلاً نظيفاً وأكثر كفاءة للرحلات القصيرة، ويُسهم مباشرة في خفض البصمة الكربونية وتعزيز كفاءة التوصيل في الميل الأخير».

من التجربة إلى التوسّع

بعد نجاح المرحلة التجريبية في جدة، يجري العمل على توسيع نطاق الخدمة لتشمل مدناً رئيسية أخرى مثل الرياض والظهران. كما يجري تقييم فرص استخدامها في قطاعات جديدة تشمل الخدمات الطبية، والتجارة الإلكترونية، والمناطق النائية التي يصعب الوصول إليها بالوسائل التقليدية.

وينوه النويصر إلى «الفرص الواعدة في استخدام هذه التقنية ضمن الخدمات الصحية والتجارية، خصوصاً لتلبية احتياجات المناطق البعيدة بشكل أسرع وأكثر استدامة». هذا التوسّع يعكس توجهاً أوسع في السوق السعودية نحو التحوّل إلى بنية تحتية لوجستية ذكية تدمج التقنيات الجوية مع التحليلات الرقمية والذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي يرسم الطريق

تعتمد المنظومة التشغيلية للطائرات على أنظمة ذكاء اصطناعي متقدّمة مدعومة بتقنية «ليدار» (LiDAR) أي (رصد الضوء وتحديد المدى)، ما يتيح للطائرة رسم خرائط دقيقة لمسارها، وتفادي العقبات في الزمن الحقيقي، وتعديل اتجاهها تلقائياً دون تدخل بشري. تتكامل هذه القدرات مع منصة رقمية سحابية تربط بين الطائرات ومركز التحكم الأرضي ونظام التتبع اللوجستي، عبر اتصال مُشفّر وآمن يضمن تدفق البيانات في الوقت الفعلي.

ويشير النويصر إلى أن «كل طائرة متصلة بمنصتنا الرقمية عبر شبكة سحابية مؤمنة بالكامل، ما يسمح بالمزامنة اللحظية وتتبع الأداء لحظة بلحظة».

العنصر البشري في منظومة التشغيل الذكي

رغم أن الطائرات تعمل بشكل ذاتي، فإن العنصر البشري لا يزال في قلب العملية. فالمهندسون والمراقبون ومحللو البيانات يديرون الرحلات، ويحلّلون البيانات، ويشرفون على التوافق مع الأنظمة. ويمثل هذا الدمج بين الإنسان والآلة خطوة نحو تطوير مهارات لوجستية رقمية جديدة تتماشى مع مستقبل سوق العمل في المملكة. ويشدد النويصر على أن «المستقبل يتجه نحو منظومة تجمع بين الأتمتة والمهارات البشرية المتخصصة، حيث يتحوّل دور الإنسان من التنفيذ إلى التحليل والإشراف الذكي».

نحو أفق لوجستي جديد

تجربة الطائرات المسيّرة في السعودية لا تمثل مجرد مشروع تقني، بل تمثل تحوّلاً هيكلياً في طريقة إدارة سلاسل الإمداد والنقل داخل المملكة. فهي تجمع بين الكفاءة التشغيلية، والاستدامة البيئية، والابتكار التقني، لتشكّل ملامح جيلٍ جديد من الخدمات اللوجستية الذكية.

ويختتم النويصر بالقول: «نحن نشهد بداية ثورة لوجستية جديدة، ستُعيد تعريف طريقة نقل البضائع في المملكة بسرعة أعلى، وأمان أكبر، وبأثر بيئي أقل».

ومع كل رحلة ناجحة في سماء جدة، يبدو أن المملكة تكتب فصلاً جديداً من التحوّل اللوجستي فصلاً تحلّق فيه الطائرات لا لنقل الطرود فحسب، بل لنقل رؤية وطنٍ يطمح لأن يكون مركزاً عالمياً للذكاء والتقنية والاستدامة.


مقالات ذات صلة

سعود بن مشعل يتوج أبطال «جائزة جدة الكبرى» للزوارق السريعة

رياضة سعودية الأمير سعود بن مشعل خلال تتويج الأبطال وإلى جانبه الأمير سلطان بن فهد بن سلمان رئيس اتحاد الرياضات البحرية (الشرق الأوسط)

سعود بن مشعل يتوج أبطال «جائزة جدة الكبرى» للزوارق السريعة

توج الأمير سعود بن مشعل بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، أبطال جائزة جدة الكبرى للزوارق السريعة 2025.

عبد الله الزهراني (جدة ) روان الخميسي (جدة)
يوميات الشرق يحتفي «متحف البحر الأحمر» بقرونٍ من التبادل الثقافي والتواصل الإنساني (المتحف)

افتتاح «متحف البحر الأحمر» في «جدة التاريخية» 6 ديسمبر

يفتح «متحف البحر الأحمر» في «جدة التاريخية» أبوابه يوم 6 ديسمبر، ليكون صرحاً ثقافياً ومعرفياً ووجهة عالمية تُجسّد رؤية السعودية في صون الإرث الثقافي والطبيعي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة سعودية تمكن سكوت ليندبلوم من فرض سيطرته على مجريات السباق (بطولة أرامكو السعودية لفورمولا 4)

«أرامكو السعودية لفورمولا 4»: سكوت ليندبلوم يتوج بطلاً للجولة الثالثة

اختُتمت الجولة الثالثة من «بطولة أرامكو السعودية لفورمولا4» على «حلبة كورنيش جدة»، ضمن فعاليات «موسم جدة»، وسط حضور جماهيري كبير وأجواء مليئة بالإثارة والحماس.

ضحى المزروعي (جدة)
رياضة سعودية اختتمت أمس منافسات السباق الأول ضمن الجولة الثالثة من بطولة أرامكو السعودية للفورمولا 4 (بطولة أرامكو السعودية للفورمولا 4)

بطولة أرامكو السعودية للفورمولا 4: البريطاني لويس ويريل يتوج باللقب

اختتمت مساء أمس منافسات السباق الأول ضمن الجولة الثالثة من بطولة أرامكو السعودية للفورمولا 4 المعتمدة من الاتحاد الدولي للسيارات التي استضافتها حلبة كورنيش جدة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الاقتصاد جانب من منطقة جدة التاريخية «البلد» (تطوير البلد)

«تطوير البلد» تطلق محفظة استثمارية بـ3.6 مليار دولار لإحياء جدة التاريخية

أعلنت شركة «تطوير البلد»، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة والمطوّر الرئيسي لمنطقة جدة التاريخية، محفظتها الاستثمارية لقطاع الضيافة.

أسماء الغابري (جدة)

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

TT

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)
خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

منذ إطلاق نسخته الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، في العاصمة السعودية الرياض، عقب النجاح الذي تحقق في فعالية «آت هاك» العام الذي قبله، شهد أكبر تجمع للأمن السيبراني في المنطقة، لحظات تحوّل لافتة، رصدها الزوّار والمهتمّون، ولاحظتها التغطيات المستمرة لـ«الشرق الأوسط»، وصولاً إلى النسخة الحالية.

يعدّ «بلاك هات» فعالية عالمية متخصصة في الأمن السيبراني، انطلقت في عام 1997، ويعد إحدى أهم المحافل العالمية لقطاع أمن المعلومات وقِبلة للمهتمين فيه، وبدأ كفعالية سنوية تقام في لاس فيغاس في الولايات المتحدة، قبل أن يجد في الرياض مستقرّاً سنويّاً لـ4 نسخ متتالية.

في النسخة الأولى من الفعالية التي ينظّمها «الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز»، الذي أنشأته السعودية لتحقيق أهدافها في تمكين مواطنيها من اكتساب الخبرات في مجال الأمن السيبراني والبرمجة لتحقيق رؤيتها الهادفة إلى تطوير كوادرها المحلية في مجالات التقنية الحديثة، إلى جانب شركة تحالف.

شهدت الفعالية مشاركة أكثر من 200 متحدث عالمي، وحضور أكثر من 250 شركة أمن سيبراني رائدة، منهم عمالقة التقنية العالميون، مثل Cisco وIBM وSpire وInfoblox، بالإضافة إلى أكثر من 40 شركة ناشئة في المجال نفسه، قبل أن تتصاعد هذه الأرقام وغيرها خلال النسخ اللاحقة.

خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

«الشرق الأوسط» التقت خالد السليم، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، الذي شرح بشكل مفصل، أنه «بدايةً من (آت هاك) في عام 2021 عندما بدأنا، وكان أول مؤتمر سيبراني يُقام في السعودية، وبعد النجاح الذي حققناه، استطعنا أن نستقطب (بلاك هات) نفسه من لاس فيغاس، الذي كان يقام منذ أكثر من 35 عاماً، وهذا هو العام الرابع لـ(بلاك هات) هنا، وكل عام يشهد زيادة في الحضور وعدد الشركات، وزيادة في ساعات المحاضرات».

ارتفاع عدد الشركات العالمية المشاركة بنسبة 27 في المائة

نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال بيّن تطور «بلاك هات» في كل نسخة عن النسخ السابقة، من ناحية عدد الحضور وعدد الشركات. وأضاف السليم: «اليوم لدينا أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم، وعدد الشركات العالمية هذا العام زاد قرابة 27 في المائة عن العام الماضي».

ابتكارات جديدة في كل نسخة

السليم وضّح أن «بلاك هات» يبتكر في كل نسخة أشياء جديدة، مثل منطقة الفعاليات التي تضمّ تقريباً 10 فعاليات جديدة، بالإضافة إلى أكثر من 12 مسرحاً مع أكثر من 300 خبير في مجال الأمن السيبراني. وحول نوعية الشركات والجهات المشاركة، دلّل عليها بأن أغلب الشركات العالمية مثل «إف بي آي»، ووزارتي الداخلية والخارجية البريطانيتين، وتابع أن كل هذه الإضافات في كل نسخة «تعتبر متجددة، وكل نسخة تزيد الأرقام أكثر من النسخة التي سبقتها».

الجهات الوطنية «تؤدي عملاً تشاركياً»

وحول مساهمة «بلاك هات» في تحقيق المستهدفات الوطنية، ومنها تحقيق السعودية المرتبة الأولى في مؤشر الأمن السيبراني للتنافسية، نوّه السليم بأن الاتحاد (الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز)، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والشركات السعودية في مجال الأمن السيبراني، تؤدي عملاً تشاركيّاً.

وأردف: «عندما يكون في (بلاك هات) أكثر من 300 ورشة عمل ومنطقة الفعاليات والتدريبات العملية التي تجري فيها والتدريبات المصاحبة لـ(بلاك هات) والشركات والمنتجات السعودية التي تُطرح اليوم، كلها تُساعد في رفع مستوى الأمان في المملكة، وهذا يُساعد في المؤشرات في مجال الأمن السيبراني».

واختتمت فعاليات «بلاك هات 2025»، الخميس، بجلسات استعرضت الهجمات المتطورة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للحوادث السيبرانية، كما ناقشت أحدث الاتجاهات والتقنيات التي تشكّل مستقبل الأمن السيبراني عالمياً.


بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
TT

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

في عامٍ استثنائي اتّسم بتسارع التحوّل الرقمي واتّساع أثر الذكاء الاصطناعي وتحوّل المحتوى الرقمي إلى لغة يومية للمجتمعات، تداخلت ملامح المشهد العربي بين ما رصده بحث «غوغل» من اهتماماتٍ متصدّرة، وما كشفه «يوتيوب» عن لحظاته البارزة ومنتجاته الجديدة في الذكرى العشرين لانطلاقه. جاءت الصورة النهائية لعام 2025 لتُظهر كيف أصبح الإبداع الرقمي، بجميع أشكاله، مرآةً لنبض الشارع وعمق الثقافة وتطلعات الأجيال الجديدة.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدت هذا العام أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا من أي وقت مضى. فقد تصدّرت أدوات الذكاء الاصطناعي قوائم البحث في «غوغل» في عدة دول عربية.

كانت «جيميناي» إلى جانب «تشات جي بي تي » و «ديب سيك» في طليعة الأدوات الأكثر بحثاً، مدفوعةً بفضول جماعي لفهم إمكانات النماذج التوليدية وتطبيقاتها الإبداعية. ولم يقتصر الأمر على التقنيات العامة، بل امتد إلى أدوات متخصصة مثل «نانو بانانا» لتحرير الصور و«فيو» لإنشاء مقاطع فيديو انطلاقاً من النصوص، ما يعكس تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى جزء من الحياة اليومية.

يكشف «يوتيوب» عن ابتكارات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز صناعة المحتوى وتحسين تجربة المشاهدة والتفاعل (شاترستوك)

الأكثر رواجاً في السعودية

وفي قلب هذا المشهد المتغير، برزت المملكة العربية السعودية بصورة لافتة، إذ كان التحول الرقمي العنوان الأبرز لاهتمامات السعوديين خلال عام 2025. فقد لجأ الأفراد إلى بحث «غوغل» لتسيير شؤونهم اليومية ضمن نمط حياة رقمي آخذ في التوسع، مع ارتفاع عمليات البحث المتعلقة بمنصات مثل قبول، وتسجيل الحرس الوطني، والمركز الوطني للقياس. وإلى جانب الإقبال على الخدمات الرقمية، حافظ الترفيه على مكانته في الأمسيات السعودية، حيث استمر مسلسل «شباب البومب 13» في جذب الأنظار، إلى جانب العمل الجديد «فهد البطل» الذي حقق انتشاراً واسعاً.

وفي السياق ذاته، أظهرت المملكة شغفاً متزايداً بتكنولوجيا المستقبل، مع اهتمام واضح بأدوات الذكاء الاصطناعي مثل «Gemini» و«Hailuo AI»، ما يعكس انفتاح المجتمع السعودي على التقنيات الحديثة وتبنّيها مبكراً.

هذا التفاعل مع التكنولوجيا لم يقتصر على السعودية، بل امتد إلى دول عربية أخرى بطرق متعددة. ففي العراق، تصدرت مباريات المنتخب الوطني واجهة البحث إلى جانب بروز أسماء إعلامية ومحتوى رقمي مؤثر. وفي الأردن وسوريا وفلسطين، ظل التعليم والخدمات العامة والدراما المحلية والرياضة في مقدمة الاهتمامات، لتبقى هذه المجتمعات متفاعلة مع مستجدات الحياة رغم اختلاف السياقات والتحديات. أما المغرب والجزائر، فحافظا على حضور كرة القدم في صدارة المشهد، إلى جانب انتشار الأدوات الذكية والأعمال الدرامية ونجاحات الإنتاجات العالمية.

أدوات الذكاء الاصطناعي مثل «جيميناي» و«شات جي بي تي» تصدّرت عمليات البحث في عدة دول عربية (شاترستوك)

من «غوغل» إلى «يوتيوب»

هذه الديناميكية الرقمية امتدت بقوة إلى «يوتيوب»، الذي اختار عامه العشرين ليقدّم أول «ملخص مشاهدة شخصي» عالمي، يسمح للمستخدمين باستعادة أبرز لحظاتهم عبر المنصة. وقد عكس هذا الإصدار فهماً عميقاً لطبيعة الجمهور العربي، الذي أظهر تفاعلاً كبيراً مع المواسم الثقافية كرمضان وعيد الأضحى، وناقش قضايا الذكاء الاصطناعي، وتابع بشغف نجوم كرة القدم العالميين مثل لامين يامال ورافينيا. كما حققت الأعمال الدرامية والأنمي والألعاب من «لعبة الحبّار» (Squid Game) إلى«Blue Lock» و«Grow a Garden» انتشاراً واسعاً، ما يعكس تنوع أذواق الجمهور واتساع رقعة التأثير الثقافي الرقمي.

وبرز عربياً هذا العام صعود لافت لصنّاع المحتوى، وفي مقدمتهم الفلسطيني أبو راني الذي تصدّر القوائم إقليمياً واحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد «Mr. Beast» بمحتوى بسيط وواقعي يوثق تفاصيل الحياة اليومية في غزة.

وعلى مستوى الموسيقى، احتلت أغنية «خطية» لبيسان إسماعيل وفؤاد جنيد المرتبة الأولى، مؤكدة الدور المتصاعد لمنشئي المحتوى في تشكيل الذوق الفني الرقمي.

وإلى جانب رصد الظواهر، كشف «يوتيوب» خلال فعالية «Made on YouTube» عن سلسلة ابتكارات جديدة تستشرف مستقبل صناعة المحتوى. فقد بدأ دمج نموذج «Veo 3 Fast» لتمكين منشئي «شورتس» من تصميم خلفيات ومقاطع عالية الجودة مجاناً، وإضافة الحركة إلى المشاهد بمرونة غير مسبوقة. كما ستتيح ميزة «التعديل باستخدام الذكاء الاصطناعي» تحويل المقاطع الأولية إلى مسودة جاهزة، فيما تضيف ميزة «تحويل الكلام إلى أغنية» بعداً إبداعياً جديداً لمنشئي المحتوى الشباب.

وفي خطوة لتقوية البنية الإبداعية، أعلن «يوتيوب» عن تحسينات واسعة في «استوديو YouTube» تشمل أدوات تعاون بين صناع المحتوى واختبارات «A/B » للعناوين وترقيات تجعل الاستوديو منصة استراتيجية لتطوير المحتوى. كما يجري العمل على توسيع أداة «رصد التشابه» التي تساعد على متابعة الفيديوهات التي ينشئها الذكاء الاصطناعي باستخدام وجوه مشابهة لصناع المحتوى، وهي خطوة مهمة في زمن تتداخل فيه حدود الهوية الرقمية مع الإبداع الاصطناعي.

اهتمامات البحث تنوعت عربياً بين التعليم والرياضة والدراما والأدوات التقنية بحسب سياق كل دولة (أدوبي)

ماذا عن المشاهدات؟

على صعيد المشاهدة، فقد شهد المحتوى المباشر نمواً استثنائياً، إذ إن أكثر من 30 في المائة من مستخدمي «يوتيوب» شاهدوا بثاً مباشراً يومياً في الربع الثاني من عام 2025. لذلك تطلق المنصة أكبر تحديث لأدوات البث الحي لتعزيز تفاعل الجمهور وتوسيع قاعدة المشاهدين وزيادة مصادر الدخل. وفي المجال الموسيقي، تحمل «YouTube Music» ميزات جديدة مثل العد التنازلي للإصدارات وخيارات حفظ المفضلات مسبقاً، فيما تعمل المنصة على أدوات تربط الفنانين بمعجبيهم عبر محتوى حصري وتجارب مخصصة.

كما تتوسع فرص التعاون بين العلامات التجارية وصناع المحتوى، مع ميزات جديدة في «التسوق على يوتيوب» تشمل الروابط المباشرة داخل «شورتس» وإدراج مقاطع العلامات التجارية بسهولة أكبر، مدعومةً بإمكانات الذكاء الاصطناعي لتسهيل الإشارة إلى المنتجات وتوسيع الأسواق المتاحة.

في هذا المشهد المتفاعل بين «غوغل» و«يوتيوب» والجمهور العربي، يتضح أن المنطقة تعيش مرحلة جديدة يتقاطع فيها الذكاء الاصطناعي مع الإبداع الإنساني، ويتحوّل فيها المحتوى الرقمي إلى منصة للتعبير الجماعي وبناء المجتمعات وصياغة الاتجاهات الثقافية. وبين البحث والاستهلاك والإنتاج، يستمر عام 2025 في رسم ملامح عقدٍ مقبل يعد بأن يكون الأكثر ثراءً وتحولاً في تاريخ المحتوى العربي الرقمي.


شريحة دماغية تُمكّن المرضى من تحريك أطراف روبوتية بمجرد التفكير

منصة «إكس»
منصة «إكس»
TT

شريحة دماغية تُمكّن المرضى من تحريك أطراف روبوتية بمجرد التفكير

منصة «إكس»
منصة «إكس»

أعلنت شركة «نيورالينك»، التابعة لإيلون ماسك، أنّ شريحتها المزروعة في الدماغ باتت قادرة على مساعدة المرضى في تحريك أطراف روبوتية باستخدام الإشارات العصبية، في خطوة تُعد من أبرز التطورات في مجال الواجهات العصبية الحاسوبية، وفقاً لموقع «يورونيوز».

ويأتي هذا التقدّم في حين لا يزال الجهاز في مرحلة التجارب السريرية؛ إذ تتركّز الاختبارات على مستويات الأمان ووظائف الشريحة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض وإصابات تحدّ من قدرتهم على الحركة.

وفي مقطع فيديو نشرته الشركة على منصة «إكس»، ظهر المريض الأميركي روكي ستاوتنبرغ، المصاب بالشلل منذ عام 2006، وهو يحرك ذراعاً روبوتية مستخدماً أفكاره فقط، قبل أن يرفع الذراع إلى وجهه ويقبّلها في مشهد لافت.

وقالت «نيورالينك» في بيان عبر المنصة إن «المشاركين في تجاربنا السريرية تمكنوا من توسيع نطاق التحكم الرقمي ليشمل أجهزة فيزيائية مثل الأذرع الروبوتية المساعدة»، مشيرة إلى أن الشركة تخطط لـ«توسيع قائمة الأجهزة التي يمكن التحكم بها عبر الشريحة مستقبلاً».

وتهدف هذه التقنية إلى مساعدة المرضى المصابين بالشلل على استخدام أجهزتهم الشخصية واستعادة جزء من قدرتهم على الحركة، من خلال واجهة تُعرَف بـ«واجهة الدماغ والحاسوب» (BCI)، وهي تقنية قادرة على تفسير الإشارات الصادرة عن الدماغ وتحويلها إلى أوامر رقمية.

وبحسب الشركة، فقد جرى منذ يناير (كانون الثاني) الماضي زرع الشريحة في 12 مريضاً حتى سبتمبر (أيلول) 2024. وكان أول المشاركين يعاني من شلل ناتج عن إصابة في الحبل الشوكي، واستطاع بفضل الشريحة تشغيل ألعاب الفيديو ولعبة الشطرنج بواسطة التفكير.

ويعاني باقي المتطوعين إما من إصابات في الحبل الشوكي أو من التصلب الجانبي الضموري (ALS)، وهو مرض يؤدي تدريجياً إلى فقدان القدرة على التحكم في عضلات الجسم.

وكشف ماسك أن أكثر من 10 آلاف شخص سجّلوا أسماءهم في سجل المرضى لدى «نيورالينك» على أمل المشاركة في التجارب المستقبلية.

وتعد «نيورالينك» واحدة من عدة شركات تعمل في مضمار تطوير واجهات الدماغ الحاسوبي، في حين تشير بيانات التجارب السريرية الأميركية إلى أن تقنيات مماثلة يجري اختبارها لمساعدة المصابين بالشلل الدماغي، والخرف، والجلطات الدماغية، وغيرها من الحالات الصحية المعقدة.