واشنطن تتقصّى قدرات الدولة اللبنانية على استبدال مؤسسات «حزب الله»

ترى في الجنوب «مساحة نفوذ مدني واجتماعي» للحزب تتجاوز «العسكري»

رئيس الحكومة نواف سلام يستقبل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس في بيروت الثلاثاء (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة نواف سلام يستقبل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس في بيروت الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تتقصّى قدرات الدولة اللبنانية على استبدال مؤسسات «حزب الله»

رئيس الحكومة نواف سلام يستقبل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس في بيروت الثلاثاء (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة نواف سلام يستقبل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس في بيروت الثلاثاء (أ.ف.ب)

حملت زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت، مطلع الأسبوع، دلالاتٍ تتجاوز الوساطة السياسية والأمنية، إذ كشفت أن واشنطن تتقصى قدرات الدولة اللبنانية على أن تحل مكان المؤسسات الاجتماعية لـ«حزب الله» في جنوب لبنان، حسبما قالت مصادر لبنانية مواكبة للقاءات أورتاغوس في بيروت.

وتعمل واشنطن على عدة خطوط متوازية في الوقت نفسه، فإلى جانب الدفع باتجاه تنفيذ «حصرية السلاح» على الأراضي اللبنانية، وتطبيق الاستقرار في المنطقة الحدودية، ودعم الجيش اللبناني، والتوسط بين لبنان وإسرائيل، تضغط في المقابل لمنع «حزب الله» من التمويل، وتجديد مصادره المالية عبر العقوبات على «القرض الحسن»، وتقوية مؤسسات الدولة اللبنانية لتكون بديلاً حيوياً عن مؤسسات الحزب.

موقع الدولة في الجنوب

تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الموفدة الأميركية «حملت رسائل أميركية واضحة حيال الجنوب اللبناني، وموقع الدولة فيه، ودور (حزب الله) المتعاظم في ملء الفراغ الاجتماعي والإداري»، في إشارة إلى ضعف مؤسسات الدولة في المنطقة، مما دفع الحزب لتكون مؤسساته بديلاً.

وتشير المصادر إلى أن «الاهتمام الأميركي المتجدد بالجنوب ليس جديداً، لكنه اكتسب زخماً في الأشهر الأخيرة مع تصاعد التوترات الحدودية وتراجع قدرة المؤسسات اللبنانية على احتواء تداعياتها الاجتماعية والمعيشية»، وتقول إن «واشنطن تعتبر الجنوب اليوم ساحة اختبار حقيقية لمدى قدرة الدولة اللبنانية على إعادة بناء حضورها، بعد أن باتت مؤسسات الحزب تؤدي أدوار الدولة في معظم القرى والبلدات الحدودية».

الرئيس اللبناني جوزيف عون يلتقي أورتاغوس في القصر الجمهوري الثلاثاء (الرئاسة اللبنانية)

رسائل أميركية مشروطة بالسيادة

تؤكد المصادر أن أورتاغوس شددت في لقاءاتها على أنّ «استقرار الجنوب يشكل المدخل الإلزامي لأيّ إعادة إعمار أو دعم اقتصادي»، مشيرة إلى أن «الولايات المتحدة لن تدعم أيّ مشاريع في الجنوب من خارج إطار الدولة اللبنانية، أو عبر قنوات حزبية موازية».

واستشفّ من التقتهم أورتاغوس بأن «الأمن الاجتماعي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري، وأن أيّ منطقةٍ تُدار خارج سلطة الدولة ستبقى عرضةً لعدم الاستقرار، مهما بلغت قدرة الحزب على إدارة شؤونها اليومية».

وتلفت المصادر إلى أن «واشنطن تعي أن الجنوب اللبناني يمثل مختبراً مزدوجاً، فمن جهةٍ هو خط تماسٍ مع إسرائيل، ومن جهةٍ أخرى مساحة نفوذ مدني واجتماعي لـ(حزب الله) يتجاوز الطابع العسكري».

منظومة الحزب... دولة موازية

يكشف الواقع الخدماتي في الجنوب فجوة هائلة بين خطاب الدولة وقدرتها الفعلية على تقديم الخدمات. فبينما تتراجع الوزارات والإدارات العامة تحت وطأة الانهيار المالي، تواصل مؤسسات «حزب الله» تقديم بدائل متكاملة من شبكات استشفائية وتعليمية وإغاثية وتموينية، وجمعيات خيرية تدير حملات دعم غذائي ورواتب شهرية لآلاف العائلات.

وتقول مصادر في الجنوب إنّ «الناس في المنطقة لا يزورون مؤسسات الدولة إلا عندما تتعلق المسائل بالأوراق الرسمية أو الخدمات الإدارية، بعد تراجع تقديمات الدولة وخدماتها منذ الأزمة المالية في عام 2019»، وعليه استفاد الحزب من الأزمة لتوسيع مروحة خدماته ومؤسساته، «وتحوّل الحزب إلى بنية اقتصادية شبه مكتفية، تدير مواردها بمعزل عن انهيار القطاع العام».

هذا الواقع، وفق سياسيين لبنانيين، «يعني عملياً أن الحزب لم يعد يملأ فراغ الدولة فقط، بل بات يشكّل الدولة البديلة في مناطق نفوذه».

وعليه، توضح المصادر المطلعة على لقاءات أورتاغوس في بيروت أنّ «الولايات المتحدة تنظر بقلقٍ بالغ إلى هذا النموذج، وتعتبره تجسيداً لتآكل مؤسسات الدولة اللبنانية لصالح سلطة الأمر الواقع».

الإعمار المشروط

تشير المعلومات إلى أنّ أورتاغوس أكدت في محادثاتها أن «أيّ حديثٍ عن إعادة إعمار أو دعم دولي مشروط بتحقيق سيادة كاملة للدولة اللبنانية على الجنوب، وبوجود مؤسسات رسمية فاعلة قادرة على إدارة المساعدات بشفافية».

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)

وتوضح المصادر المطلعة على لقاءات أورتاغوس أنّ «الإدارة الأميركية تربط بين الاستقرار الأمني والاستقرار الاجتماعي، وترى أنّ غياب الخدمات الرسمية يضعف الثقة بالدولة ويحوّل الناس إلى رعايا لدى القوى المحلية».

وتضيف المصادر أن «واشنطن لا تخفي قلقها من أن يؤدي استمرار الوضع الحالي إلى ترسيخ اقتصادٍ اجتماعي موازٍ يديره الحزب، ما يجعل أيّ محاولة مستقبلية لإعادة دمج الجنوب ضمن المنظومة الوطنية مهمة صعبة».


مقالات ذات صلة

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

المشرق العربي ضبط صواريخ من نوع «سام 7» معدة للتهريب خارج البلاد في البوكمال شرق سوريا (سانا)

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

رجحت مصادر أن تكون الجهة التي كان من المفترض تهريب دفعة صواريخ «سام 7» إليها عبر الأراضي السورية هي «حزب الله» بلبنان، الذي كان يقاتل أيضاً إلى جانب نظام الأسد.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

لبنان: سلام يدافع عن «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات الواسعة

دافع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام عن مشروع قانون استرداد الودائع المصرفية المجمدة منذ عام 2019، واصفاً إياه بـ«الواقعي» و«القابل للتنفيذ».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مودعون يرفعون لافتات اعتراضية على مشروع قانون استعادة الودائع خلال تحركات شعبية على طريق القصر الجمهورية (الشرق الأوسط)

انطلاقة «غير آمنة» لمشروع قانون الفجوة المالية في لبنان

كشف توسّع موجة الاعتراضات على مشروع قانون «الفجوة» المالية، حجم العقبات التي تعترض الوصول إلى محطة تشريع القانون في البرلمان.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

طلبت إيطاليا رسمياً من لبنان، إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بجنوب البلاد بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، وهو مطلب رحب به لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)

صمت مالك سفينة «النيترات» يراكم تعقيدات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

لم تحقق مهمة المحقّق العدلي في ملفّ انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار غايتها في العاصمة البلغارية صوفيا، إذ لم يتمكن من استجواب مالك الباخرة روسوس.

يوسف دياب (بيروت)

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)

عكستِ الاعتراضات على مشروع قانون استعادة الودائع المجمدة منذ عام 2019 في لبنان، انطلاقةً غير آمنةٍ له، إذ بدأتِ الحكومة بمناقشة المسودة، بالتزامن مع اعتراضات سياسية من قوى ممثلة بالحكومة وخارجها، وانتقادات عميقة من قبل «جمعية المصارف»، فضلاً عن تحركات شعبية نُظمت بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء.

وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أنّه لا يقف مع أي طرف ضدّ آخر، وأنّ النقاش يجب أن يتم تحت قبة البرلمان، فيما دافع رئيس الحكومة نواف سلام عن المسودة، وشدّد على أنَّ مشروع قانون الفجوة المالية واقعي وقابل للتنفيذ، مؤكداً أنَّ أي تأخير في إقراره قد يضر بثقة المواطنين والمجتمع الدولي.

وبرزتِ اعتراضات قانونية على إدراج مواد ذات «مفعول رجعي» لضرائب واقتطاعات وتعديلات في القيم الدفترية للمدخرات المحوّلة بعد عام 2019، والعوائد المحصّلة على الودائع في سنوات سابقة.


مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
TT

مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)

قتل شخصان وأصيب 6 مدنيين بينهم امرأة وطفل بجروح جراء اشتباكات اندلعت في مدينة حلب شمال سوريا بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تزامنت مع زيارة وفد تركي إلى دمشق، في وقت توشك مهلة تنفيذ بنود اتفاق 10 مارس (آذار) بين «قسد» والسلطات على الانتهاء.

وفي حين تبادل الطرفان الاتهامات بالتسبّب في اندلاع الاشتباكات، أفادت مصادر في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»، بأن المبعوث الأميركي توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، يجريان اتصالات لتهدئة الاشتباكات لمنع تصعيد يستفيد منه «داعش»، وقوى إقليمية معادية.

واتهمت أنقرة ودمشق «قسد» بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقية الموقعة في 10 مارس الماضي، وأكدتا رفض أي محاولات للمساس بوحدة سوريا واستقرارها.

جاء ذلك في مؤتمر صحافي بدمشق ‌بعد محادثات بين وفد تركي رفيع المستوى ‌والرئيس السوري ​أحمد الشرع ‌ووزير الخارجية أسعد الشيباني وآخرين، وقال الشيباني إن دمشق لم تلمس «أي مبادرة أو إرادة جادة» من «قسد» لتنفيذ الاتفاق، لكنها اقترحت في الآونة الأخيرة عليهم طريقة أخرى لدفع العملية قدماً.


ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
TT

ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

يعتزم ائتلاف «الإعمار والتنمية»، الذي يترأسه محمد شياع السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، طرحَ «مبادرة سياسية شاملة» لحسم منصب رئاسة الوزراء.

وذكر إعلام «تيار الفراتين»، الذي يتزعمه السوداني، في بيان، أمس، أنَّ ائتلاف «الإعمار» يعمل على «بلورة مبادرة سياسية متكاملة» تهدف إلى كسر حالة الانسداد السياسي، مشيراً إلى أنَّ تفاصيلها ستُطرح أمام قوى «الإطار التنسيقي» في اجتماعه المرتقب.

إلى ذلك، قال العضو في ائتلاف «الإعمار والتنمية» قصي محبوبة لـ«الشرق الأوسط» إنَّ «المبادرة ستكون عبارة عن شروط الائتلاف لاختيار رئيس الوزراء»، دون ذكر تفاصيل.

من ناحية ثانية، رحب مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى العراق، في تدوينة عبر منصة «إكس» بإعلان بعض الفصائل المسلحة استعدادها لبحث نزع سلاحها، لكنَّه شدّد على «أن يكون نزع السلاح شاملاً، وغير قابل للتراجع».