تنحي سيلفيا فندي عن منصبها يُطلق مرحلة انتقالية جديدة في صناعة الموضة الإيطالية

ماريا غراتزيا كيوري تتسلم المشعل منها

سيلفيا فندي مع العارضة ليندا إيفانجيليستا والمصمم مارك جاكوبس بعد عرضها لربيع وصيف 2023 (أ.ف.ب)
سيلفيا فندي مع العارضة ليندا إيفانجيليستا والمصمم مارك جاكوبس بعد عرضها لربيع وصيف 2023 (أ.ف.ب)
TT

تنحي سيلفيا فندي عن منصبها يُطلق مرحلة انتقالية جديدة في صناعة الموضة الإيطالية

سيلفيا فندي مع العارضة ليندا إيفانجيليستا والمصمم مارك جاكوبس بعد عرضها لربيع وصيف 2023 (أ.ف.ب)
سيلفيا فندي مع العارضة ليندا إيفانجيليستا والمصمم مارك جاكوبس بعد عرضها لربيع وصيف 2023 (أ.ف.ب)

تشهد صناعة الموضة الإيطالية الفاخرة بداية تغيير شامل. في أسبوع ميلانو الأخير، والذي اختُتم بعرض جورجيو أرماني، قالت سيلفانا ابنة شقيقه في كلمة مؤثرة كما لو أنها ترثيه، إن رحيله هو نهاية مرحلة وبداية أخرى.

هذا التصريح لا ينطبق على دار «جورجيو أرماني» فحسب، بل على مجال المنتجات الفاخرة الإيطالية عموماً، والتي يبدو أنها تطوي صفحة كان فيها المؤسسون هم أصحاب القرارات الإبداعية والتنفيذية. لم تكن وفاة «ملك الموضة» كما كان يُطلق على أرماني، هي السبب الوحيد الذي هز أركان الموضة الإيطالية، فقد سلطت الضوء عليه لأن التحركات باتجاه التغيير بدأت منذ فترة. حسب تعليق مدير إحدى دور الأزياء الكبرى في ميلانو، على هامش أحد عروض أسبوع الموضة: «هذه آخر سنوات الجيل الأول من المصممين الإيطاليين، نحن في خضم إعادة تنظيم كبيرة».

كان عرض جورجيو أرماني الأخير نهاية مرحلة بدأها المصممون وبداية مرحلة جديدة (رويترز)

مثلاً سلَّمت دوناتيلا فيرساتشي إدارة العلامة التجارية التي ورثتها عن أخيها، جياني فرساتشي، لمجموعة برادا، لتكتفي بمنصب شرفي. قبل ذلك باع روبرتو كافالي الذي توفي في عام 2024، علامته التجارية سنة 2019 إلى مجموعة «داماك» الإماراتية، فيما استحوذت مجموعة «لانفان» الصينية على علامة «سيرجيو روسي» للأحذية. هذا عدا عن العديد من بيوت الأزياء التي تنضوي تحت أجنحة مجموعتي «إل في إم إتش» و«كيرينغ». ثم جاء خبر تنحي سيلفيا فينتوريني فندي عن منصب المديرة الإبداعية في الدار التي أسستها جدتها لتتولى منصبها ماريا غراتزيا كيوري.

لم يكد أسبوع ميلانو لربيع وصيف 2026 يُختتم، حتى أعلنت مجموعة «إل في إم إتش» المالكة للدار، الخبر، أو بالأحرى القرار، مضيفة أنها ستتولى في المقابل، منصب «رئيسة شرفية».

مصمما دار «دولتشي أند غابانا» ستيفانو غابانا ودومينكيو دولتشي في نهاية عرضهما بميلانو (رويترز)

المصممة ميوتشا برادا وشريكها الإبداعي المصمم راف سيمونز بعد عرضهما الأخير في ميلانو (أ.ب)

إلى الأمس القريب، كانت إيطاليا تُفضِل الشركات الصغيرة أو المملوكة لعائلات تعتز بمفهوم «صُنع في إيطاليا». كانت تنظر بعين الشك والريبة إلى المجموعات الكبيرة على أساس أن همها الأول ينصب على تحقيق الربح على حساب الحرفية والجودة. بيد أن تحولاً كبيراً حصل بسبب تحركات الأسواق العالمية. ففي عام 2012، كانت 76.8 في المائة من شركات الأزياء الإيطالية التي تتجاوز إيراداتها السنوية 50 مليون يورو لا تزال تُدار من جانب العائلة المؤسسة. ثم انخفض هذا الرقم إلى 57 في المائة فقط في عام 2022، وفق مسح أجراه مرصد «أوب» ونُشر عام 2024. إلى ذلك، ازدادت عمليات استحواذ المجموعات الأجنبية على الشركات الإيطالية بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية. دور أزياء قليلة لا تزال متمسكة باستقلاليتها، أو قادرة على ذلك، مثل «زينيا» و«دولتشي إي غابانا» و«برونيلو كوتشينيللي» و«ميسوني».

من مجموعة دار «برادا» لربيع وصيف 2026 (إ.ب.أ)

يقول لوكا سولكا، من شركة «بيرنشتاين»: «لم تعرف إيطاليا رجل أعمال تمكن من تأسيس تكتل ناجح. كانت هناك بعض المحاولات، لكنها لم تُكلّل بالنجاح». ويضيف: «أرماني دليل واضح على أن أمل ظهور تكتل إيطالي مجرد وهم حتى الآن».

حتى المجموعات الإيطالية الكبيرة مثل «برادا»، التي استحوذت على دار «فرساتشي»، لا تُحقق ما تحققه «إل في إم إتش» العملاقة في مجال المنتجات الفاخرة بإيرادات قُدرت بـ84.7 مليار يورو في عام 2024 (مع العلامات التجارية الإيطالية فندي وبولغاري ولورو بيانا وإميليو بوتشي، وحصص في تودز)، أو 17.2 مليار يورو لمنافستها «كيرينغ»، الشركة الأم لعلامات «غوتشي» و«بوتيغا فينيتا» و«بريوني»، وداري المجوهرات «بوميلاتو» و«دودو».

من عرض «دولتشي أند غابانا» الأخير واحد من البيوت التي لا تزال مستقلة (رويترز)

من عرض «دولتشي أند غابانا» واحد من البيوت التي لا تزال مستقلة (إ.ب.أ)

في الجانب الآخر، هناك أمل بأن تعود الأمور إلى نصابها بعد أن يمل المستهلك، الذي تعوّل عليه المجموعات الضخمة في آسيا، ويبدأ في البحث عن الجودة والحرفية بمعناهما الإيطالي عوض الإثارة. هذا على الأقل ما يؤمن به برناردو بيرتولدي، أستاذ الاقتصاد في جامعة تورينو في شمال إيطاليا، الذي يقول إن قطاع المنتجات الفاخرة يدخل حقبة جديدة، قد تُفيد الإيطاليين، مستشهداً بالتراجع الذي شهدته عائدات «إل في إم إتش» و«كيرينغ» في الآونة الأخيرة. ويوضح برناردو بيرتولدي: «سيتوقف المستهلكون عن التسوق في متاجر السلع الفاخرة، وسيبحثون عن أفضل حرفي لأحذية الكعب العالي».

يبدو أن دار «تودز» توافقه الرأي، فنظمت على هامش عرضها الخاص بالأزياء معرضاً مصغراً في جناح الفن المعاصر بميلانو، استعرض فيه اثنا عشر حرفياً مهاراتهم في صنع الحقائب والأحذية.

عمليات إنقاذ

لكن، هل ستقف المجموعات العملاقة مكتوفة الأيادي» أبداً. فقد تعاملت مع تراجع مبيعاتها باتخاذ إجراءات شملت تغيير مصممين ورؤساء تنفيذيين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

من إبداعات البريطانية لويز تروتر مصممة دار «بوتيغا فينيتا» الجديدة (أ.ف.ب)

أسلوب البريطانية لويز تروتر مصممة دار «بوتيغا فينيتا» الجديدة واضح في ميل للابتكار والتفصيل (أ.ف.ب)

مثلاً تولى ديمنا، المتمرد على التقاليد والقادم من «بالنسياغا»، زمام المسؤولية في دار «غوتشي»، وكشفت البريطانية الشابة لويز تروتر عن مجموعتها الأولى لدار «بوتيغا فينيتا»، وحل داريو فيتالي محل دوناتيلا في «فرساتشي»، وتولى أليساندرو ميكيلي الإدارة الإبداعية في دار «فالنتينو» خليفة لبييرباولو بيكيولي، الذي توجه إلى دار «بالنسياغا». تغييرات تستهدف تحقيق الأرباح، الأمر الذي يضع هؤلاء المصممين تحت ضغوطات كبيرة، نظراً لحجم التوقعات من قبل المستهلك والآمال من قبل المسؤولين والمساهمين. وهو ما عبَّر عنه إيان غريفيث، مصمم دار «ماكسمارا» منذ عام 1987 في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» قائلاً: «ماذا سيحدث لإرث» هذه الدُّور؟ وماذا عن هؤلاء المصممين الذين يضطرون لإثبات أنفسهم خلال موسم أو موسمين فقط؟ لقد عملت على مدى 20 عاماً لكي أتعلم قواعد (ماكسمارا)، وأتعرف على شخصيتها قبل أن يسمحوا لي باتخاذ أي قرار».

سيلفيا.. الوريثة

التنحي بالنسبة لسيلفيا فندي ليس سهلاً على المستويين الإبداعي والعاطفي كونها حفيدة مؤسسة دار «فندي» (أ.ب)

الأمر يختلف بالنسبة لسيلفيا فينتوريني فندي؛ فهي هنا تعيش انتقالية مصيرية على المستويين الوظيفي الإبداعي والعاطفي، كونها سليلة عائلة فندي. تولت الإشراف على خطوط الإكسسوارات والأزياء الرجالية منذ عام 1994، وقضت ما يقارب ثلاثة عقود من العمل جنباً إلى جنب مع المصمم الراحل كارل لاغرفيلد، الذي شغل منصب المدير الإبداعي للأزياء النسائية في الدار لمدة 54 عاماً.

من عرض دار «فندي» الأخير (أ.ف.ب)

تقول بعد إعلان خبر تنحيها: «لقد كانت هذه السنوات مثيرة بحق، ومسيرة سرتُ فيها باسم جدتي أديل، ووالدتي آنا، وخالاتي. وقلبي يتوجه إلى كارل، ذلك المعلم الاستثنائي الذي منحني شرف العمل إلى جانبه، وعلمني فن المشاركة، وهي سمة أساسية في تاريخ النساء في عائلتي، بينما كان يرشدني في الوقت نفسه إلى رعاية وحماية رؤيتي الإبداعية الخاصة حتى أتمكن من التحليق بها بمفردي».

من عرض دار «فندي» الأخير قبل أن تسلم سيلفيا المشعل للقادم (أ.ف.ب)

مسؤوليات وإنجازات

بعد وفاة لاغرفيلد، وسّعت فينتوريني فندي نطاق إشرافها لتشمل الأزياء النسائية أيضاً لموسمين متتاليين، ثم عادت لتتولى هذا الدور مجدداً في عام 2025 - عام الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس الدار - وذلك بعد مغادرة المصمم البريطاني كيم جونز المنصب في أكتوبر (تشرين الأول) من العام السابق.

حقيبة «باغيت» تعود دائماً بألوان وخامات جديدة (أ.ف.ب)

لكن أهم إنجازاتها تصُبُّ في جانب الإكسسوارات؛ فهي التي أبدعت لنا في عام 1997 حقيبة «باغيت» الشهيرة، التي حققت للدار إيرادات خيالية ودشَّنت عصر «حقيبة الموضة». وفي عام 2009، قدمت حقيبة «بيكابو» التي أصبحت واحدة من الركائز الأساسية في أعمال الدار.

أهم ما ميز أسلوبها ميلها للفن واعتزازها بهويتها كابنة روما، حيث جمعت في تصاميمها بين الخطوط المعمارية لهذه المدينة والتي تظهر في مزيج من الطراز الباروكي والكلاسيكي الحديث والحداثي، ولمسات ناعمة وأحياناً متحررة من القوالب التقليدية، تتجلى عموماً في الزخرفات والتطريزات.

من أجمل إبداعاتها أيضاً حقيبة «بيكابو» التي عشقتها المرأة بغض النظر عن عمرها ومكانتها (رويترز)

لم تكن تتعامل مع المواد الفاخرة مثل الفرو والجلد والحرير على أنها مجرد رموز للترف، بل تتجرأ على تقطيعها لإعادة تشكيلها في قطع معاصرة. كل هذا وهي حريصة على الحفاظ على الإرث الإبداعي لعائلتها، تحت الإدارة الجديدة لمجموعة «إل في إم إتش» واستراتيجياتها التوسعية.

لكن في النهاية، ستبقى الكلمة الأخيرة للأرقام، على الأقل حتى تتحقق قراءة أستاذ الاقتصاد، برناردو بيرتولدي، بأن يمل المستهلك ويعود للبحث عن التقاليد الإيطالية.


مقالات ذات صلة

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

لمسات الموضة تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة وتُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

يدار وادي دوكة بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام، بتحديد مواقع آلاف أشجار اللبان، واستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليُصبح أول غابة ذكية في منطقة الخليج.

جميلة حلفيشي (صلالة - عُمان)
لمسات الموضة زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

فاز المصمم اللبناني العالمي زهير مراد خلال حفل فاشن تراست أرابيا (FTA) في نسخته السابعة بجائزة تقدير لمساهمته في إثراء المشهد الإبداعي في المنطقة ودوره في…

«الشرق الأوسط» (الدوحة - قطر)
لمسات الموضة لقطة جماعية على خلفية قلعة درامون التي أقيم فيها العرض (تصوير سام كوبلاند)

«ديور» تنسج قصة أسكوتلندية من التويد والتارتان

في مايو (أيار) الماضي، وهو بداية موسم عروض خط «الكروز» أو الـ«ريزورت»، قدمت «ديور» تشكيلتها من هذا الخط لعام 2025 في أدنبره الاسكوتلندية. كان عرضاً مثيراً…

جميلة حلفيشي (لندن)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.