التغيير بعد الأربعين له شروطه

أميرة ويلز وأنجلينا جولي ومونيكا بيلوتشي… لماذا غيَرن لون شعرهن؟

التغيير بعد الأربعين قد يكون لتعزيز الثقة بالذات إلا أنه لا يناسب جميع البشرات
التغيير بعد الأربعين قد يكون لتعزيز الثقة بالذات إلا أنه لا يناسب جميع البشرات
TT

التغيير بعد الأربعين له شروطه

التغيير بعد الأربعين قد يكون لتعزيز الثقة بالذات إلا أنه لا يناسب جميع البشرات
التغيير بعد الأربعين قد يكون لتعزيز الثقة بالذات إلا أنه لا يناسب جميع البشرات

تنظر المرأة عموماً إلى كيت ميدلتون، أميرة ويلز، وأنجلينا جولي، ومونيكا بيلوتشي على أنهن قدوة في الجمال، وبالنسبة للرجل، فإن صورتهن تُمثل المرأة المثالية، سواء برقيِها، أو بأنوثتها. لكن هل اكتفين بما حباهن الله من جمال؟ بالتأكيد لا. كأي امرأة عادية، شعرن بالملل، ورغبن في التغيير بعد الأربعين. ثلاثتهن غيَرن لون شعرهن من البني الغامق إلى البني الفاتح، أو الأصفر الذهبي. قد يكون الأمر مختلفاً بالنسبة لمونيكا بيلوتشي، لأنها اضطرت إلى ذلك لتؤدي دوراً سينمائياً لتعود إلى طبيعتها فيما بعد.

كيت ميدلتون في أول إطلالة لها باللون الأشقر الفاتح والذي أثار جدلاً (رويترز)

الضجة التي أثارتها كيت ميدلتون مؤخراً بعد ظهورها بشعر أشقر فاتح هزَّت بعض المعتقدات التي كانت حتى وقت قريب تُعتبر بديهية، مثل مقولتي: «الرجال يفضلون الشقراوات»، و«الشقراوات يستمتعن بالحياة أكثر». السبب يعود إلى أن اللون الأشقر قد لا يحمل نفس التأثير الجمالي للشعر الغامق بسبب تغير الثقافة الاجتماعية، ووضع المرأة عموماً.

فبينما تُمجِّد المقولتان الشعر الأشقر باعتباره رمزاً للجمال والجاذبية، وتشيران في الوقت ذاته إلى أن الشقراوات أقل جدية وذكاء من ذوات الشعر الأسود والبني، فإن هذه الإيحاءات أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد سارية في زمن أصبحت فيه المرأة تسعى لإرضاء نفسها أولاً وأخيراً.

في هذا السياق، كشفت دراسة كورية بعنوان: «دراسة حول تغيّرات تسريحات الشعر لدى النساء والرضا النفسي الناتج عنها» «A Study on Women’s Changes of Hair Style and Psychological Satisfaction» أن تغيير تسريحة الشعر أو لونه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالرضا النفسي. وأوضحت الدراسة أن النساء في الثلاثينات وما فوق يغيرن تسريحاتهن باعتباره وسيلة لتعزيز الثقة بالنفس، والتعامل مع الضغوط الاجتماعية، والنفسية.

تظهر أميرة ويلز بشعر أشقر فاتح خلال حضورها مراسم تأبين جنازة دوقة كنت (أ.ب)

وفي بعض الحالات، يكون تغيير لون الشعر أو قصته بشكل جذري ومفاجئ وسيلة لتغيير الصورة الذهنية للذات، لا سيما عندما يرتبط ذلك بذكريات مؤلمة، أو تجارب صعبة. في حالة كيت ميدلتون جاء مرتبطاً بتجربة المرض، وفي حالة أنجلينا جولي كان لاستعادة السيطرة على حياتها، وتحقيق توازنها النفسي.

كيت ميدلتون

بعد ظهور أميرة ويلز بشعر أشقر فاتح، قامت وسائل التواصل الاجتماعي ولم تقعد بين مستحسن لـ«اللوك» الجديد على أساس أنه ينسجم مع إيقاع العصر السريع لاندماجه بنعومة مع الشيب، وتأخيره عملية صبغ الجذور، ومتحامل رأى أن اللون لا يناسب بشرتها، وأضفى عليها شحوباً هي في غنى عنه، خصوصاً في هذه الفترة التي تبدو فيها متعبة، وشاحبة، ولا تزال تتعافى من مرض السرطان. ومع ذلك لم تصمد طويلاً. بدت وكأنها استغنت عن لونها الأشقر في غضون يومين فقط، وكأنها لم ترَ أنه يستحق الحفاظ عليه وسط كل هذه الضجة. على الأقل هذا ما اعتقده البعض. فالانعكاسات اللونية في كل ظهور لها تقول إن للإضاءة دوراً كبيراً.

أميرة ويلز لدى استقبالها ميلانيا ترمب مؤخراً... شعر ذهبي أخفت القبعة بعض توهجه (أ.ف.ب)

كان أول ظهور لها بشعر أشقر في الرابع من سبتمبر (أيلول) خلال زيارتها لمتحف التاريخ الطبيعي رفقة زوجها ولي العهد البريطاني. بعد يومين، أي في السادس من نفس الشهر ظهرت مرة ثانية فيما يبدو أنه درجة أغمق قليلاً. كانت تتراقص على نغمات عسلية توحي كما لو أنها قامت بعملية «رانساج» Rancage لتوحيد اللون. هذا التراجع السريع جعل البعض يذهب للقول بأنها كانت تستخدم «باروكة».

ما أثارته الضجة من جدل أقرب إلى التنمر أثار حفيظة مصفف شعر الأميرة الراحلة ديانا الذي دافع عنها بمنشور على «إنستغرام» عبَّر فيه عن غضبه واستيائه. كتب فيه: «لقد صدمت من التعليقات السلبية الكثيرة حول شعر أميرة ويلز، لأنني أعتبر شعر المرأة أمراً شخصياً جداً يعزز أسلوبها، وثقتها بنفسها».

لا يزال العديد من المتابعين يرون أن البني يناسب أميرة ويلز أكثر (رويترز)

لم تمضِ سوى أيام معدودات حتى عاد اللون الأشقر للواجهة مجدداً، وذلك خلال حضورها مراسم تأبين جنازة دوقة كِنت. رغم أن القبعة السوداء كانت تغطي رأسها، فإن الخصلات المنسدلة كانت تكشف عن لون أشقر قمحي واضح.

مونيكا بيلوتشي

مونيكا... جميلة الستين بدرجة من اللون البني الكستنائي (مدام فيغارو)

إلى جانب كيت ميدلتون، اعتمدت النجمة الإيطالية مونيكا بيلوتشي اللون الأشقر. لكن تجربتها كانت مختلفة. تبنِيها الشعر الأشقر الذهبي جاء لدواعٍ سينمائية. كان ذلك عندما قامت بدور البطولة في فيلم «الفتاة في النافورة» للمخرج الإيطالي أنطونجيليو بانيزي، والذي لعبت فيه دور أنيتا إكبرغ. شقراء سويدية الأصل تطفح أنوثة ظهرت في فيلم للمخرج فدريكو فيليني «الحياة الحلوة» عام 1960. اللقطة التي ظهرت فيها أنيتا بفستان سهرة أسود وهي تنزل إلى نافورة «تريفي» في روما بشعرها الذهبي الأقرب إلى البلاتيني، أصبحت من أشهر المشاهد في السينما العالمية. لكي تؤدي دورها في الفيلم، كان على مونيكا بيلوتشي التخلي عن شعرها الأسود الطويل، والظهور بشعر أشقر.

لم يعجب لونها الأشقر جميع المعجبين بمونيكا بيلوتشي رغم أنها لا تعتمده في حياتها اليومية (موقع ريديت)

وسائل التواصل آنذاك ضجت مطالبة بعودتها إلى جذورها الأصلية. فرغم أنها لا تقل أنوثة عن أنيتا، فإن اللون لأشقر سحب منها شيئاً من سحرها المعهود، وأفقدها نسبة من جاذبيتها. معظم التعليقات على موقع «ريديت» اتفقت على أنها «بدت كأي امرأة شقراء جميلة لا أكثر ولا أقل». فهي من النساء اللواتي يناسبهن الشعر الغامق أكثر، لأن بشرتها زيتونية فاتحة، وعينيها بنيتان. وهذه مواصفات تتناسب مع اللون الأسود والبني الغامق أكثر.

أنجلينا جولي

أنجلينا جولي ولدت بالأصل شقراء ومع ذلك يرى العديد من المعجبين أنها أكثر سحراً وغموضاً بالبني (أ.ف.ب)

أنجلينا جولي أيضاً ارتبط جمالها بالشعر البني لعقود. كشفت في إحدى المقابلات أنها وُلدت شقراء، لكن والدتها صبغته لها وعمرها لا يتعدى الرابعة، ليصبح ماركتها المسجلة. مؤخراً، غيَّرته إلى اللون الأشقر الفاتح، ومع ذلك لم تُثر جدلاً بمعنى الاستنكار، كما كان الحال بالنسبة لكيت ميدلتون. فاللون الأشقر انسجم مع بشرتها البيضاء، ولون عينيها الخضراوين. لكن هذا لا يعني أن الأغلبية لم تُفضلها باللون البني. فقد ميَّزها أكثر بأن أضفى على ملامحها دفئاً، وغموضاً. أما اللون الأشقر، فرغم جمالها، جعل بشرتها تبدو شاحبة، وأقل إشراقاً، وهو ما يحتاج إلى ماكياج قوي.

التدرج

النجمة أنجلينا جولي بشعرها البني الغامق... بالنسبة للبعض يضفي عليها سحراً وتميزاً (رويترز)

أنجلينا كانت حذرة في تعاملها مع التغيير. فهي لم تعتمد اللون الأشقر الفاتح بشكل مفاجئ، ومن دون مقدمات مثل كيت أميرة ويلز، بل قامت بالعملية بتدرج. في الصيف الماضي استخدمت تقنية «البالاياج»، ثم زادت من جرعة العسلي الفاتح، وأخيراً اعتمدت الأشقر الذهبي بجذور قمحية فاتحة.

الأشقر موضة الموسم... لكن ليس لكل النساء

الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي بلون بني يقارب البني الغامق ماركتها المسجلة (غيتي)

هذا الاهتمام بلون الشعر، على الأقل في حالتي كيت ميدلتون وأنجلينا جولي، يشير إلى أن تدرجات الأشقر الكريمي والقمحي الفاتح ستكون من أبرز صيحات الشعر لهذا العام. لكن في الوقت ذاته، يُذكِّرنا بأن توخي الحذر واجب، كونه لا يناسب جميع البشرات. مصفف الشعر الشهير سام بيرنت يؤكد هذه الفكرة بقوله إن «اختيار الدرجة المناسبة من اللون يمكن أن يكون له تأثير السحر... أو العكس تماماً». قد يُضفي دفئاً وإشراقاً على البشرة، أو قد يجعلها تبدو باهتة وشاحبة». إضافة إلى ذلك، يشير خبراء التجميل إلى أن الخصلات الشقراء قد تناسب إيقاع العصر السريع، وتندمج مع الشيب بسهولة بعد الأربعين، إلا أنها تتطلب عناية خاصة حتى لا يبدو جافاً، وأيضاً اعتماد ألوان ماكياج قوية. خلاصة الأمر أنه كما للذهبي ناسه للبني ناسه.


مقالات ذات صلة

«التلي الأسيوطي» من صعيد مصر إلى «السجادة الحمراء»

لمسات الموضة الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)

«التلي الأسيوطي» من صعيد مصر إلى «السجادة الحمراء»

كان «التلي» يُصنع من الفضة والذهب في بداية القرن الثامن عشر، وزاد انتشاره في زمن محمد علي، بعد ذلك مرَّ بمراحل كثيرة وثّقها الفنان زغلول للمحافظة عليه وإحيائه.

حمدي عابدين (القاهرة)
لمسات الموضة تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)

«نجد» تروي حكاية المجوهرات السعودية للعالم

في قلب نيويورك والرياض؛ حيث يلتقي الذوق الرفيع بالهوية الثقافية، انبثقت مجموعة «نجد» العلامة السعودية الفاخرة التي أسستها خبيرة الأحجار الكريمة حنين القنيبط.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)

2025... صعود جيل جديد من المصممين يعيد صياغة مفهوم الموضة

هل الصناعة، التي أطلقت جيل سان لوران، وكريستيان ديور، ولاغرفيلد، ثم أرماني، وجياني فيرساتشي، وبعدهم جون غاليانو، وألكسندر ماكوين، قادرة على إطلاق جيل جديد؟

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

دخول عزة فهمي عالم السينما ينسجم أولاً مع تاريخها في صناعة التراث وثانياً مع حركة عالمية لم تعد تكتفي برعاية المهرجانات أو الظهور على السجادة الحمراء.

جميلة حلفيشي (القاهرة)
لمسات الموضة المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرية للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي) play-circle 02:28

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

دخول عزة فهمي عالم السينما ينسجم أولاً مع تاريخها في صناعة التراث وثانياً مع حركة عالمية لم تعد تكتفي برعاية المهرجانات أو الظهور على السجادة الحمراء.

جميلة حلفيشي (القاهرة)

«التلي الأسيوطي» من صعيد مصر إلى «السجادة الحمراء»

الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)
الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)
TT

«التلي الأسيوطي» من صعيد مصر إلى «السجادة الحمراء»

الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)
الفنانة سلوى محمد علي بفستان من «التلي» و«الشيفون» (المصمم محمد سامي)

بعد تواريه عن الأنظار لعقود، استعاد «التلي الأسيوطي»، وهو نوع من القماش المصنوع يدوياً، بريقه مجدداً بفضل جهود محبي التراث المصري من الفنانين والمصممين على حد سواء؛ إذ أعادوا اكتشافه وتقديمه بحلة عصرية تناسب كل الأذواق. اعتمدته العديد من النجمات في المهرجانات والمناسبات المهمة في الآونة الأخيرة، الأمر الذي زاد من سحره.

يعود تاريخ «التلي» في مصر إلى أكثر من قرنين؛ إذ نجحت سيدات أسيوط (صعيد مصر) في تحويل ما يقارب الـ40 «موتيفة»، جميعها من البيئة المصرية الجنوبية، إلى رسم أحادي البعد. عملية تطريزه سهلة، الأمر الذي جعله مستخدماً على نطاق واسع لتزيين ملابس العروس، والفساتين الخاصة بالمناسبات السعيدة، فهذه النقوش والتطريزات تتضمن حكايات عن الفرح والسعادة وتعويذات حظ وحماية.

مريم ناعوم على السجادة الحمراء بمهرجان الجونة السينمائي (المصمم محمد سامي)

رغم جمالياته وبعده التاريخي، يعود فضل كبير في إعادة إحيائه حديثاً للفنان التشكيلي سعد زغلول، الذي أنشأ «بيت التلي» في محافظة أسيوط، وتفرغ ثلاث سنوات كاملة لتعليم جيل جديد فنونه وأسراره. وسرعان ما التقط جمالياته مصممون مثل محمد سامي، فقدموه في قطع أنيقة ظهرت بها مؤخراً فنانات في مهرجان الجونة المصري، ومناسبات أخرى، مثل السيناريست المصرية مريم ناعوم، ويسرا، وسلوى محمد علي، وفيفي عبده، بالإضافة لعازفة الهارب منال محيي الدين، وغيرهن.

الفنانة يسرا مع مصمم الأزياء محمد سامي (المصمم محمد سامي)

حالياً يعد مصمم الأزياء المصري محمد سامي أحد أبرز المصممين الذين يحتفون بهذا الفن والأكثر استخداماً له في تصميماته. وُلد اهتمام سامي من رغبة في أن ينسج قصصاً معاصرة من التراث المصري مفعمة بالفخامة وتليق باللقاءات الرسمية وعالم الفن. يقول إنه ظل سنوات يبحث في التراث الشعبي المصري وفنون الحرف الشعبية حتى اكتشف ضالته في هذا النسيج. درس موتيفاته المتعددة، وبعد أن فهمها اجتهد في إدخال «التلي الأسيوطي» كقماش رئيسي في عروضه ومجموعاته.

لقاء الموضة والفن

ويؤكد سامي لـ«الشرق الأوسط» أن «لقاءه مع الفنان التشكيلي سعد زعلول مؤسس (بيت التلي) كان محطة مهمة في مسيرته، من ناحية أنه هو الذي فتح أمامه طاقة لتصميمات مبتكرة يمكن أن تصل إلى العالمية».

مسيرة طويلة قطعها «التلي الأسيوطي» قبل الوصول إلى «السجادة الحمراء» في مهرجانات السينما المصرية الكبرى، فقد بدأت عمليات إحياء صناعته عام 1984 من القرن الماضي، وقادها الفنان التشكيلي سعد زغلول بإنشاء «بيت التلي» في منطقة الوليدية المتاخمة لمدينة أسيوط (400 كيلومتر جنوب القاهرة)، والمجاورة لمبنى جامعتها العريقة. وقد خاض زغلول العديد من التجارب، وقام بالكثير من الرحلات للمشاركة في ملتقيات عربية ودولية لعرض منتجات «التلي الأسيوطي» التي يتم نسجها في «بيت التلي» الذي أنشأه منذ أكثر من 30 عاماً.

من أعمال المصمم المصري (الشرق الأوسط)

قصة «التلي» حسب قول الفنان سعد زغلول لـ«الشرق الأوسط» طويلة ومدهشة جداً، مضيفاً: «هناك أشياء عجيبة صادفت مسيرتي مع (التلي) ومحاولات إعادته لمكانته التاريخية الرفيعة في تصميم الأزياء واحتلال الوضع الذي يليق به». ويشرح أنه «يكفي أن نعرف أن متاحف العالم كله لديها قصاصات منه، مكتوب بجوارها (التلي الأسيوطي)، أو (الأسيوطي) نسبة إلى محافظة أسيوط، فعلى ضفاف نيلها كان يباع للأجانب عندما يقفون أمامها للاستراحة».

ويضيف أن «التلي» كان يُصنع من الفضة والذهب في بداية القرن الثامن عشر، وزاد انتشاره في زمن محمد علي، بعد ذلك مرَّ بمراحل كثيرة قام بتوثيقها زغلول للمحافظة عليه، وتقديمه كمنتج عالي الجودة.

رحلة «التلي» في عالم الموضة

وبدأت علاقة محمد سامي بـ«التلي» منذ ما يقرب من 12 عاماً عندما زار معرض «ديارنا» الذي تقيمه الحكومة المصرية سنوياً لدعم وتنشيط التراث والحرف الشعبية. كان وقتها يبحث عن الأزياء التراثية والحرف اليدوية المصرية. يقول: «كان السؤال الذي يدور في رأسي وقتها: لماذا لا ترتدي نساء مصر ملابس تنتمي للتراث رغم الكنوز الكثيرة التي نملكها ويزخر بها موروثنا الشعبي، خصوصاً أن تاريخ (التلي) كان حاضراً في ملابس الأميرات زمن الملكية المصرية، وفساتين فنانات السينما في ذلك الوقت، مثل سامية جمال ونعيمة عاكف وشادية ونور الهدى وتحية كاريوكا؟».

لتحقيق ذلك، بدأ سامي رحلة بحثه عن «التلي» ليتمكن من خلاله من تقديم تصميمات بصورة حديثة تحظى بقبول الأذواق المختلفة.

من أحد عروضه (الشرق الأوسط)

يقول المصمم: «كنت في تلك الأثناء منجذباً بشكل كبير لهذا النوع من النسيج، وقد فتح تجولي في المعرض شهيتي لجمع ما تيسر من القطع، والرغبة في الحصول على المزيد منه من منطقة الحسين. كان ذلك عام 2014، بعدها تمت دعوتي لتقديم عرض أزياء، الأمر الذي شكّل فرصة أمامي لإبراز تراثنا المصري بشكل حديث».

صمم سامي مجموعة ملابس سهرة طبقاً لذلك؛ إذ طعّم «التلي» بـ«الشيفون» و«الدانتيل»، إضافة إلى خامات أخرى، وكانت ردة فعل كل من حضر العرض مدهشة؛ إذ توالت الأسئلة عن «التلي»، وكان هناك فضول عارم للتعرف على تفاصيل تطريزه. كل هذا شجّعه على كتابة فصول أخرى لا تقل إثارة، لا سيما بعد ارتداء «السيدة الأولى» انتصار السيسي بعض تصميماته، وهو ما اعتبره «مكافأة كبيرة» له، وتتويجاً لهذا القماش.


«نجد» تروي حكاية المجوهرات السعودية للعالم

تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)
تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)
TT

«نجد» تروي حكاية المجوهرات السعودية للعالم

تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)
تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)

في قلب نيويورك والرياض؛ حيث يلتقي الذوق الرفيع بالهوية الثقافية، انبثقت مجموعة «نجد»، العلامة السعودية الفاخرة التي أسستها خبيرة الأحجار الكريمة والمصممة حنين القنيبط.

منذ إطلاقها عام 2019، حرصت حنين القنيبط على أن تعكس مجموعتها جذورها النجدية وثراء التراث السعودي، من خلال قطع تجمع بين الحرفية التقليدية والابتكار المعاصر، لتُصبح «أمارين» علامتها التجارية انعكاساً لروح المملكة وواجهتها للعالم.

هدفها منذ البداية كان إظهار الهوية السعودية للعالم بطريقة مبتكرة، من خلال قطع تحمل قصة وثقافة، وتجسد رؤية واضحة تجمع بين الأصالة والفن المعاصر والاستدامة، لتثبت أن المجوهرات يمكن أن تكون رسالة ثقافية بحد ذاتها، كما أنها تجربة شخصية لكل من يقتنيها.

خاتم من الياقوت الأحمر واللؤلؤ ضمن مجموعة نجد (الشرق الأوسط)

تقوم فلسفة «أمارين» على فكرة أن المجوهرات أكثر من مجرد زخرفة؛ إنها حكايات تُروى في المناسبات العاطفية والخاصة، من الخطوبة والهدايا العائلية إلى القطع المستوحاة من إرث الأجيال. اسم العلامة التي أسستها حنين القنيبط، مشتق من كلمتين لاتينيتين، ويرمز إلى الحب والارتباط العاطفي الملكي ليعكس كيف يمكن للمجوهرات أن تصبح رمزاً للمشاعر والذكريات.

بدأ شغف حنين القنيبط بالمجوهرات منذ سن العاشرة، حين كانت تستعمل مصروفها الشخصي لاقتناء قطع مميزة أثناء السفر، ومع الوقت تطوّر هذا الشغف ليصبح تصميمات للعائلة والأصدقاء، ثم تطوّر الأمر بعدها إلى خواتم ألماس صممتها أثناء الثانوية.

تصميم مبتكر متعدد الاستخدام حاصل على براءة اختراع (الشرق الأوسط)

ومع تراكم الخبرة، وحصولها على 12 شهادة من المعهد الأميركي للجيمولوجيا (علم الأحجار الكريمة) في أميركا، أسست علامتها الخاصة، ونصب عينيها أن تكون برؤية واضحة تجمع بين الأصالة والابتكار.

تتسم مجموعة «نجد» باستخدام أحجار كريمة طبيعية، مستدامة، وأخلاقية، مثل الزمرد والزفير والياقوت الأحمر والألماس؛ حيث حرصت على التتبع الكامل للمصدر لضمان أثر إيجابي على المجتمعات المحلية. كما صممت حنين القنيبط مشبكاً مبتكراً متعدد الاستخدامات، حاصل على براءة اختراع منذ 2021، يسمح بتحويل القطعة من شكل إلى آخر، وبسهولة تُمكن أصحاب الاحتياجات الخاصة من ارتداء مجوهراتهم بأنفسهم، وهو مثال حي على الجمع بين الجمال العملي والابتكار الفني.

مجموعة من الخواتم والأساور المصنوعة من التيتانيوم (الشرق الأوسط)

أما من الناحية البصرية، فكل قطعة في «نجد» تحمل نقوشاً مستوحاة من التراث النجدي والعمارة التقليدية، بدءاً من الأبواب القديمة والورود الثلاثية على البوابات، وصولاً إلى التفاصيل الدقيقة للبيوت التراثية. هذه النقوش لم تُستمد عشوائياً، بل بناءً على أبحاث علمية ومعمارية ودراسات تاريخية دقيقة، لتجمع بين الفن الإسلامي القديم والابتكار المعاصر في تصميمات فريدة.

وللرجال نصيب أيضاً؛ حيث صممت حنين القنيبط مجموعة من التيتانيوم، وهو معدن خفيف وقوي يتحمل الاستخدام اليومي، ويجمع بين المتانة والراحة والأناقة، ما يجعل القطع عملية وعصرية دون المساس بالتصميم الرفيع.

خاتم من الذهب والألماس على شكل نجمة من مجموعة «نجد» (الشرق الأوسط)

بعد مجموعة «نجد» التي صبّت فيها المصممة كل ما تُخزنه ذاكرتها ووجدانها من موروثات، وجاءت فيها كل قطعة تعبيراً عن حكاية من الماضي، ستخوض حنين رحلة جديدة عبر الزمن؛ حيث ستستلهم تصاميمها من حضارات وثقافات مختلفة، لتروي من خلالها قصصاً جديدة، لكنها ستواصل دائماً مشوارها في دمج الماضي بالحاضر.


2025... صعود جيل جديد من المصممين يعيد صياغة مفهوم الموضة

من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)
من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)
TT

2025... صعود جيل جديد من المصممين يعيد صياغة مفهوم الموضة

من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)
من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)

لم يشهد عالم الموضة منذ تسعينات القرن الماضي عاصفة تغيير تشبه تلك التي يعيشها في عام 2025، إلى حد يُخلف الانطباع بأن هذه الصناعة تخلع جلدها تحسُباً للمستقبل الذي بات يقتضي تعاملاً ربما يكون صادماً لمواجهة تقلبات الأسواق، وما نتج عنها من تباطؤ وتغيّر في سلوكيات المستهلك الشرائية.

هذه العاصفة من التقلبات والتغيرات هذا العام تُذكرنا إلى حدّ بعيد بعام 1997، الذي شهد ما وصفه البعض بـ«الانفجار الكبير للموضة». كانت المجموعات العملاقة حينها بدأت تفرض سطوتها على الساحة. مجموعة «إل في إم أتش» مثلاً احتفلت آنذاك بعامها العاشر، بإطلاق سلسلة من التعيينات غيّرت وجه الموضة. كان هدفها ضخّ الدور الكبرى التي تملكها بدماء جديدة. عيّنت مارك جاكوبس في دار «لويس فويتون»، وجون غاليانو في «ديور»، والراحل ألكسندر ماكوين في «جيفنشي»، ومايكل كورس في دار «سيلين»، ونارسيسو رودريغيز في دار «لويفي». كانت مغامرة محسوبة من كل الجوانب، الأمر الذي يؤكده نجاحها وبزوغ كل هؤلاء المصممين كنجوم.

جون غاليانو عام 1997 بعد عرضه لموسم الربيع والصيف لـ«ديور» (غيتي)

التعيينات والتنقلات الحالية لا تختلف كثيراً عن تلك الحقبة، وإن كانت باستراتيجيات وأهداف، ربما مختلفة، بسبب تغير الزمن نفسه. فقد التحق ماثيو بلايزي بـ«شانيل»، وتولى جوناثان أندرسون إدارة «ديور»، خلفاً لماريا غراتزيا تشيوري التي انتقلت إلى «فندي»، كما عُيّنت لويز تروتر في دار «كارفن»، وغرايس وايلز بونر في دار «هيرميس» خلفاً لفيرونيك نيشانيان بعد 37 عاماً تقريباً لها في هذا المنصب. وبينما انتقل ديمنا لـ«غوتشي» المملوكة لمجموعة «كرينغ»، أخذ مكانه لبييرباولو بيكيولي في دار «بالنسياغا»، والبقية تأتي.

بين الرحيل والتغيير

وهكذا، بين رحيل أسماء ملامح الموضة لأكثر من نصف قرن، وتنقل مصممين بين الدور الكبيرة، يبدو المشهد وكأنه إعادة للماضي لكن بلغة يفرضها العصر والخريطة الشرائية التي انتقلت من الغرب إلى الشرق. فقد صعدت المنطقة العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، بشكل واضح كقوة إبداعية وشرائية في آن واحد، وهو ما تؤكده الفعاليات الضخمة التي تقام في كل من الرياض ودبي وقطر والكويت، وتحضرها الآن شخصيات عالمية مهمة، لم تكن تتخيل أنها ستحضر يوماً هذه الفعاليات. لكنها الآن، وبعد أن قرأت أحوال السوق جيداً، لم يعد أمامها سوى الانصياع، على أمل اقتناص فرص جديدة.

أنا وينتور والعارضة ناتاليا فوديانوفا ومالك مجموعة كيرينغ فرانسوا بينو في قطر (فاشن تراست أرابيا)

توجه بوصلة الضوء نحو الشرق الأوسط يشير إلى أن مستقبل الموضة لم يعد محصوراً في باريس وميلانو ونيويورك. فالرياض أصبح لها صوت عالٍ بفضل فعاليات كبيرة، تحتضن مبدعين من أبناء البلد، وتدعمهم للانطلاق للعالمية. دبي أيضاً باتت ترى نفسها عاصمة موضة وتطمح للمرتبة الخامسة بعد باريس وميلانو ونيويورك ولندن، بعد أن رسّخت مكانتها كمركز رئيسي لإطلاق ماركات عالمية ومحلية.

المصمم زياد أبو العينين مع لجنة التحكيم خلال عملية الفرز وقبل الإعلان عن أسماء الفائزين (فاشن ترست أرابيا)

أما الدوحة التي تطمح لتوسيع اهتمامها بافتتاح متاحف ومعارض ضخمة على مستوى عالٍ جداً، فلم يفُتها هي الأخرى قوة الموضة وتأثيرها المغناطيسي. أسّست «فاشن ترست أرابيا»، وهي مبادرة عالمية، عمرها 7 سنوات فقط، ومع ذلك يتسابق النجوم والشخصيات المهمة لحضورها. بريق هؤلاء النجوم لا يغطي على أهدافها في دعم المصممين الناشئين العرب بتقديم كل الإمكانات اللوجيستية والمالية لهم لكي ينطلقوا، وهو ما أتاح لمجموعة مهمة منهم إطلاق بيوتهم الخاصة، أو على الأقل ضخّها بالتمويل لمزيد من التوسع والانتشار.

رحيل عمالقة

تبقى أيضاً من أهم الأحداث رحيل جيورجيو أرماني، في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. فهو واحد من أهم المصممين وآخر الكبار ممن صنعوا هوية الأناقة الإيطالية بلغتها الراقية. رحل أرماني واقفاً رغم تعديه الـ90 من العمر، حيث أشرف على كل تفاصيل عرضه الأخير من فراش المرض. برحيله فقدت هذه الصناعة مدرسة إبداعية قائمة بذاتها، أبدعها في السبعينات، وألهم بها المرأة والرجل على حد سواء.

من المعرض الخاص بالراحل جيورجيو أرماني الذي تزامن افتتاحه مع رحيله (رويترز)

في نوفمبر (تشرين الثاني)، رحل المصمم الآيرلندي بول كوستيلو عن عمر ناهز الـ80 عاماً، الذي ارتبط اسمه بأناقة الأميرة ديانا، منذ عام 1983 حين عُين مصمماً شخصياً لها. كان ذلك بعد فترة وجيزة من تأسيس علامته الخاصة، واستمر تعاونهما حتى وفاتها عام 1997. المؤكد أن غيابه سيُخلّف فجوة كبيرة في أسبوع الموضة بلندن، الذي كان وجهاً مألوفاً فيه على مدى 4 عقود، وغذّاه بأسلوب خاص، جمع فيه الكلاسيكية البريطانية بروحه الآيرلندية الدافئة.

المصمم بول كوستيلو في عرضه الأخير لربيع وصيف 2026 (رويترز)

بعد بأسابيع، أعلن خبر وفاة المصممة الاسكوتلندية الأصل، بام هوغ، عن عمر 66 عاماً. وكانت المصممة قد ظهرت في الثمانينات، واشتهرت بأسلوبها المتمرد الذي لامست به جيلاً كاملاً كان تواقاً للتغيير.

لعبة الكراسي الموسيقية

بالنسبة لانتقالات هذا العام، فهي غير مسبوقة. وبعض الاختيارات التي أخذتها بيوت أزياء، على الأمل ترتيب أوراقها وتلميع نفسها، كانت غريبة ومفاجئة.

أكبر مثال على هذا، تعيين ديمنا مديراً إبداعياً لدار «غوتشي» خلفاً للمصمم ساباتو دي سارنو، الذي لم ينجح بعد عامين في الدار من تحقيق النتائج المرجوة. المفاجئ في تعيين ديمنا أنه المصمم الأكثر إثارة للجدل في العقد الأخير، وهو ما يشهد عليه عهده في دار «بالنسياغا»، والتصاميم التي كان يقترحها، ويبدو فيها كما لو أنه يسخر من الثقافة الاستهلاكية من خلال بنطلونات ممزقة وحقائب مستوحاة من أكياس السوبر ماركت وغيرها. غني عن القول إن انتقاله إلى «غوتشي» أثار انقساماً حاداً بين النقاد والمتابعين.

المصمم بييرباولو بيكيولي مع الممثلة تيسا تومبسون في أحد تصاميمه لدار «بالنسياغا» (أ.ف.ب)

خليفته في «بالنسياغا» بييرباولو بيكيولي. هذا التعيين في المقابل أشعل الحماس والآمال بعودة الاتصال بروح الدار القديمة، كما أرساها مؤسسها الإسباني كريستوبال بالنسياغا، الذي قال كريستيان ديور في حقّه مقولة شهيرة: «إنه أستاذنا جميعاً». بييرباولو بيتشولي، رسّخ مكانته في الوجدان بأنه شاعر الألوان والقصات الفخمة. انتقاله من دار «فالنتينو» إلى بيته الجديد يُبشِر بأسلوب راقٍ بعد نحو عقد من الضجيج البصري والجدل بالنسبة لعشاقه. من خلفه في دار «فالنتينو» مفاجأة أخرى. إنه أليساندرو ميكيلي الذي كان قد تولى إدارة «غوتشي» الفنية قبل ساباتو، وحقّق لها نجاحات كبيرة، قبل أن يصيب تمسكه بأسلوبه الخاص المُستهلِك بالملل. الأمر الذي اضطر مجموعة «كيرينغ» لفسخ عقدها معه. لكن يبدو أنها تراجعت عن قرارها بتعيينه في «فالنتينو» التي تملك 30 في المائة من أسهمها حالياً.

التغيير وصل أيضاً إلى دار «هيرميس» رغم ما تحققه من أرباح في عزّ الأزمة الاقتصادية. فلأول مرة منذ 37 عاماً، يتم استبدال المديرة الإبداعية لقسم الأزياء الرجالية فيرونيك نيشانيان بوجه بريطاني شابّ، هي غرايس وايلز بونر. رغم المفاجأة، فإن اسمها كان كفيلاً بطمأنة خبراء الموضة والمتابعين. فهي خريجة معهد «سنترال سانت مارتنز» الشهير، ونالت عدداً من الجوائز المهمة بفضل رؤيتها المعاصرة للأزياء الرجالية.

أوليفييه روستنيغ استخدم وسائل التواصل الاجتماعي واستقطب النجوم والمؤثرين ما جعل دار «بالمان» تتصدر الواجهة (أ.ف.ب)

أوليفييه روستينغ، أيضاً غادر «بالمان» بعد 14 عاماً أعاد فيها للدار بريقها القديم، ووسّع قاعدتها الجماهيرية باستقطابه النجوم واحتضانه الشباب، الذي تحدث لغتهم بسلاسة عبر تطويره وسائل التواصل الاجتماعي. ما إن تم إعلان المغادرة حتى تم الإعلان عن اسم خليفته، أنطونين ترون، على أن يقدم أول مجموعة له في شهر مارس (آذار) المقبل.

نهاية عهد دوناتيلا فيرساتشي

بعد عقود تتنحى دوناتيلا فيرساتشي عن منصبها كمصممة إبداعية (أ.ب)

أقل ما يمكن قوله عن تنحيها عن منصبها الإبداعي لصالح داريو فيتالي إنه نهاية فصل عائلي مثير يصعب تكراره، خصوصاً بعد استحواذ مجموعة «برادا» على العلامة. فدوناتيلا التي قادت الدار منذ مقتل أخيها جياني في عام 1997، واجهت مطبات كثيرة على المستويين المهني والشخصي، لكن صمدت في وجه عدة عواصف، كان بإمكانها أن تهزّ أساسات الدار. هذه المرة استسلمت لتنتهي بذلك سيطرة العائلة على الإدارة الإبداعية لفيرساتشي، التي انتقلت إلى داريو فيتالي والملكية لمجموعة «برادا».

فندي... انتقال تاريخي

لم يكن قرار تنحي سيلفيا فينتوريني فندي عن دورها كمصممة قسم الإكسسوارات والأزياء في الدار، التي تحمل اسم عائلتها، سهلاً؛ فهي هنا تعيش انتقالة مصيرية على المستويين الوظيفي والعاطفي. سيتذكرها عالم الموضة كمبدعة لحقائب أيقونية، مثل حقيبة «باغيت» الشهيرة التي صمّمتها في عام 1997، وحقيبة «بيكابو» في عام 2009، إضافة إلى تصاميم أخرى جمعت فيها الخطوط المعمارية لمدينة روما مع لمسات ناعمة، وأحياناً متحررة من القوالب التقليدية.

سيلفيا سليلة عائلة فندي تتخلى عن منصبها كمصممة قسم الإكسسوارات والأزياء (فندي)

قبل مغادرتها سلّمت المشعل لابنة بلدها، ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» السابقة. اللافت أن اضطرار كل من دوناتيلا فيرساتشي وسيلفيا فندي للتخلي عن إرثهما، يشير إلى أن زمن العائلات في عالم الموضة بدأ ينتهي تدريجياً، وأن سطوة المجموعات العملاقة مثل «إل في إم أتش» و«كيرينغ» وغيرهما تزيد عاماً بعد عام.

أما «ديور» فرسى اختيارها على جوناثان أندرسون، خليفة لماريا غراتزيا. مصمم يعتبره كثيرون الفتى الذهبي بعد إنجازاته في دار «لويفي» الإسبانية التي قادها لسنوات طويلة، وحلّق بها عالياً. عيّنته «ديور» في يونيو (حزيران) 2025، وقدّم مجموعته الرجالية بعد وقت قصير من هذا التعيين، وكان عرضاً ناجحاً. في أكتوبر (تشرين الأول) قدّم أول عرض للأزياء النسائية، لكنه أثار جدلاً وانقساماً.

المصمم ماثيو بلايزي وعارضة في إطلالة لافتة في أول عرض قدّمه لدار «شانيل» مؤخراً (رويترز - إ.ب.أ)

ماثيو بلايزي، الذي التحق بدار «شانيل» في نفس التوقيت تقريباً، قدّم أول عرض له فيها خلال موسم باريس لربيع وصيف 2026. هو أيضاً يتمتع بلمسة «ميداسية» تحوّل الفني إلى قطع تؤجج الرغبة فيها وترفع المبيعات. وصْفته تعتمد دائماً على العناصر نفسها؛ اقتراحات مبتكرة وألوان مثيرة لا تعتمد على الاستسهال. يمكن القول إنه مَن منح دار «بوتيغا فينيتا» سمعتها الحالية، وجعلها تلعب مع الكبار. خليفته البريطانية الشابة لويز تروتر أكّدت أنها ليست أقل منه، بعد أن قدّمت مجموعتها الأولى لدار «بوتيغا فينيتا».

من أول عرض لـ«ديور» قدّمه جوناثان أندرسون (ديور)

لكن يبقى السؤال الذي يُطرح؛ ما إذا كان الصناعة التي أطلقت جيل سان لوران، وكريستيان ديور، وكارل لاغرفيلد، في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، وفي السبعينات جيورجيو أرماني، وجياني فيرساتشي، وفي التسعينات جون غاليانو، والراحل ألكسندر ماكوين، قادرة على إطلاق جيل جديد من المبدعين؟

سؤال تصعب الإجابة عنه حالياً. والسبب هشاشة المنظومة التقليدية، بحيث لم يعد من السهل أمام المصممين الشباب تأسيس علامات قوية، ومستقلة في الوقت ذاته، من دون تمويل خارجي. والدليل أنه حتى العلامات العريقة التي بقيت تحت سيطرة أفراد من العائلات المؤسسة، أصابها الضعف، وبدأت تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. كل هذا سيجعل عام 2025 شاهداً تاريخياً على تغيّر ثقافة الموضة كلها، وإن لم تتوضح معالمها بعد، بحكم أن التغييرات لا تزال جارية.