عطاالله: رفضنا تسليم الأسد ورقة المقاومة وكان العقاب رهيباً

روى لـ«الشرق الأوسط» قصة «المقاومة الوطنية» ومسلسل الاغتيالات ومحطات سياسية (2)

TT

عطاالله: رفضنا تسليم الأسد ورقة المقاومة وكان العقاب رهيباً

حافظ الأسد
حافظ الأسد

في 16 سبتمبر (أيلول) 1982 استمع اللبنانيون إلى نداء أطلقه من منزل كمال جنبلاط في بيروت جورج حاوي، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، ومحسن إبراهيم، الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي، للدعوة إلى مقاومة الجيش الإسرائيلي الذي اجتاح المدينة بعد اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل ووقوع مجازر صبرا وشاتيلا. وقبل نهاية الشهر فوجئ أهالي المدينة بمكبرات الصوت لجيش الاحتلال تبث الرسالة الآتية: «يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا لأننا غداً منسحبون، نحن ليست لدينا مهمات في داخل بيروت».

فوجئ أهالي المدينة الذين كانوا ابتهجوا بسلسلة عمليات استهدفت الجيش الإسرائيلي في بيروت. وفي اليوم التالي انسحب الجيش الغازي إلى خلدة عند المدخل الجنوبي للمدينة التي اكتسحها شعور بالاعتزاز بأبنائها المقاومين.

لم يعرف سكان المدينة، وكنت بينهم، من أدار الهجمات السبع التي استهدفت الجيش الإسرائيلي خلال 11 يوماً وأرغمته على الانسحاب. كان اسم الشاب إلياس عطاالله وهو عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي وقائده العسكري وكانت أوكلت إليه سراً مهمة تأسيس «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» (جمول) وتنسيق عملياتها. ويقول عطاالله لـ«الشرق الأوسط» إن ثلاثة فقط كانوا يعرفون مهمته، وهم حاوي، وإبراهيم وخليل الدبس، عضو المكتب السياسي في الحزب.

ولادة «جمول»

بدأت قصة «جمول» باختيار عطاالله 21 شاباً وتسليحهم وتوزيعهم في ثلاثة قطاعات في بيروت. كانت معلومات الجيش الإسرائيلي شحيحة؛ لهذا تمكن عطاالله أحياناً من استطلاع الأماكن المناسبة لتنفيذ الهجمات ورافق مرات عمليات التنفيذ من أماكن قريبة.

عطاالله مع عرفات وجورج حاوي ومحسن إبراهيم وأبو إياد خلال الحصار... وبين مقاتلي «المقاومة الوطنية» (أرشيف إلياس عطاالله)

يروي عطاالله أن العملية الأولى نفذت في ليل 20 سبتمبر حين قام شابان بإلقاء قنابل يدوية على جنود إسرائيليين متحلقين حول النار قرب صيدلية في محيط محلة الصنائع. انسحب المهاجمان بسلام وأسفرت العملية عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجنود الإسرائيليين. استهدفت العملية الثانية آليتين عند محطة أيوب في نزلة البطريركية واستخدمت فيها قذائف من عيار «ب 7».

نفذ رجال المقاومة هجوماً ثالثاً استهدف جنوداً إسرائيليين احتلوا مقر منظمة التحرير الفلسطينية في شارع المزرعة. وكان للعملية الرابعة دوي خاص؛ إذ قتل شابان بالمسدسات ضابطاً إسرائيلياً وجنديين كانوا يتناولون القهوة في مقهى «الومبي» في شارع الحمراء الشهير. وتبعتها ثلاث عمليات في تلة الخياط وجسر سليم سلام وفندق «ألكسندر» في الأشرفية. وهنا شهادة عطاالله عن عمليات «جمول».

محاولة اغتيال أنطوان لحد

* في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1988 أصيب قائد «جيش لبنان الجنوبي» اللواء أنطوان لحد، المتعاون مع إسرائيل، برصاص رفيقتكم سهى بشارة. ما قصة هذه العملية الجريئة؟

- هذه العملية، بدأت بصلة بهذه الصبية التي كان اختصاصها الرياضة ونشاطات تتعلق باللياقة البدنية. سهى من عائلة شيوعية. كانت تذهب دائماً إلى قريتهم قرب مرجعيون، ولم تحصل لها مضايقة أبداً. وكانت صديقة لزوجة أنطوان لحد التي اقترحت عليها أن تعطي لأولادها دروساً خصوصية ومكثفة في البيت لأن مخاطر الانتقال كبيرة. بقيت لفترة طويلة تعطيهم دروساً، تجلس وتشرب قهوة معهم. من هنا طلعت الفكرة بأن يتم اغتيال لحد. كنا ثلاثة نعرف. شاب موجود في بلجيكا، وجورج حاوي وأنا.

أنطوان لحد (أ.ف.ب)

أنا لم أكن ضد، ولكن كنت مستهولاً منطق العملية، كنت أقيسها على نفسي، أنا في بيت بشكل دائم وأجلس مع أولادهم، وإلخ، ثم أقدِم على قتل الأب الذي كنت أتحدث معه! قلت لسهى، هذه العملية ليست بسيطة، ليس لأنها صعبة عسكرياً، بل لأنك قد ترتبكين عندما تنظرين إلى عينيه وتريدين إطلاق النار عليه. لم أكن أحبطها، لا أبداً، لكن حقيقة لم أستطع أن أمنع نفسي من أن أضع هذه الملاحظات، وربما ضمناً لم أشعر أن (العملية) فيها إنسانية. وأنا لم أكن أولي أهمية كبيرة لشيء كان اسمه قائد «جيش لبنان الجنوبي»، سواء أكان سعد حداد أو لاحقاً لحد.

قررت، وجاءت وأخذت السلاح، وحكي كثيراً عن السلاح أن جورج (حاوي) ربما أعطاها مسدسه. ذهبت وعندما استحكمت منه أطلقت عليه رصاصات عدة، وفوراً أمسكوا بها، وهو نُقل بطائرة إلى إسرائيل. أصيب إصابات قاتلة لكنه «زمط زمطة» (نجا بأعجوبة)، كيف عاش؟ مكث فترة طويلة في المستشفى في حالة الخطر.

في عام 2000 أفرج عن سهى بشارة بتدخل فرنسي وبطلب من الرئيس رفيق الحريري الذي حرص على أن يستقبلها. يوم أطلق سراحها نقلت بسيارة إسعاف من سجن الخيام، كان الشرط ألا تمر على أحد حتى تصل إلى السرايا (الحكومية في بيروت حيث استقبلها الحريري). أنا حاولت أن أخطفها لأنني لا أريد ذلك. هذه نحن يجب أن نستلمها وليس سوانا.

رفيق الحريري مستقبلاً سهى بشارة (أ.ف.ب)

لم أستطع خطفها. غشوني. كانوا يخضعوننا للمراقبة. كنت وضعت نقاطاً عسكرية عدة لأمسك بسيارة الإسعاف، لكنهم مروا بمنطقة (بعيدة)، جاءوا عن طريق صوفر.

* نفذتم عمليات، وذات يوم استدرجتم، بواسطة شخص متهم بالعمالة، ضابطاً إسرائيلياً في البقاع الغربي؟

- أريد أن أقول قبل ذلك، كانت هناك عمليات عدة مهمة، مثلاً (في) عملية وادي الزينة وقد رأيناهم مرميين نحو 12 قتيلاً.

* هل كان صديقك وليد جنبلاط يعرف أنك منسق العمليات؟

- لم يكن مشاركاً. وليد جنبلاط أنا أطلعته، لاحقاً، وشعرت أنه متضايق، وصارحني. قال لي: أنا ليس لي دخل في الموضوع أن أقول نعم أو لا للعمليات في الجبل، لكن أتمنى ألا تكون قرب المختارة (مقر جنبلاط). قلت له: حكماً. قال لي: إذا احتجتم أي شيء – وهذه حقيقة أشهد لها لأن البعض يحاول أن يشوه وليد جنبلاط. أشهد أنه عرض عليّ أي مساعدة من دون أن يكونوا ملتزمين بموقف المقاومة، وأنا أفهم السبب. ويومها سمّى لي شخصاً، هو أنور الفطايري. كان أمين سر الحزب. قال لي: اختاره أنت.

عطاالله مع وليد جنبلاط وجورج حاوي (أرشيف إلياس عطاالله)

* كيف انتهت «جبهة المقاومة الوطنية»؟

- لم تنته في يوم محدد. كان هناك مسار. أول الأمر لمسناه، بطريقة غير مباشرة بعض الشيء. نحن تمنينا (على السوفيات)، وطلبنا رسمياً، أننا نريد قناصات. أرسل لنا السوفيات، وهم لا يتدخلون كثيراً، 5 قناصات. وصلت القناصات إلى سوريا فصادرها حافظ الأسد. طالبنا بها، فقالوا لنا لم يصل شيء. أكد السوفيات أنها وصلت، لكن لا يريدون أن يحولوها قضيةً مع حافظ الأسد. القناصات سلاح جبار في عملية المقاومة. كانت قادرة على العمل من مسافة ألف متر. نعم اعتبرنا الأمر إشارة إلى موقف سلبي من نظام الأسد.

لاحقاً، بدأنا نشعر من سلوك حركة «أمل» بقيادة نبيه بري، رئيس المجلس النيابي الآن، بموقف لم يكن أبداً ودياً. وكان حسب المناطق وحسب الأشخاص، ولكن المسؤولين أبداً لم يكونوا وديين. وحصلت وشايات وإيصال معلومات ليس أساسها من عند «أمل»، بل أساسها من عند الذي أعتقد أنه ساهم في إخفاء الإمام موسى الصدر وهو النظام السوري.

غازي كنعان وموجة الاغتيالات

* ذات يوم أبلغكم مركز المخابرات السورية القريب ببرقية استدعاء عاجلة من اللواء غازي كنعان، مسؤول المخابرات السورية في لبنان. ما هي هذه القصة؟

- مضمون البرقية أنه ضروري جداً أن نلتقي في المكان الفلاني في الساعة الفلانية وأنا أنتظر. نعم، استدعاء. ذهبت إلى جورج حاوي، فقال لي: وصلتني البرقية. استقللنا السيارة في اليوم المحدد، أعتقد في فبراير (شباط) 1985. وصلنا فوجدناه جالساً خلف طاولة وقبالته كرسيان فارغان. جلسنا، فطلب قهوة، وبينما كنا نشربها فتح الحديث قائلاً: «أنا أحبكم. أنا أحترمكم. أنتم الملتزمون العقائديون المنظمون الشجعان، وكذا وكذا».

غازي كنعان برفقة بشار الأسد في بيروت عام 1999 (أ.ف.ب)

كان قلقي يتزايد كلما تزايد المديح. ما هي القصة؟ حتى تلك اللحظة لم نكن عرفنا ما هي. قال: أنا، تحدث سيادة الرئيس معي. هو لا يقول حافظ الأسد، يقول سيادة الرئيس، أن المقاومة ليست قضية لبنانية، بل قضية عربية استراتيجية، ولا يمكن أن توضع إلا في هذا السياق وأن تُقاد إلا بهذا المنطق. أنا، كنت واثقاً وعندي ثقة والآن عندي ثقة أننا معكم واحد، وسنشكل قيادة إما لتنسيق دقيق أو مشترك. لا تحصل عمليات وفق تقدير جهة واحدة.

أنا كنت متفقاً مع جورج أنه إذا حصل شيء محرج أتولى أنا «تسويد وجهي»؛ لأنني أنا لا أمثل الحزب. قلت له: هذا عمل يستحيل. حتى أنه حصل نقاش بين أطراف سياسيين ولم نستطع أن نعمل تنسيقاً أو عملاً مشتركاً؛ لأننا ليست لدينا وسائل متابعة لعملية، وليست لدينا قدرة أخذ القرار من بعد انطلاق (المنفذ). نريد أن نعطيه حرية القرار حتى يعرف كيف يتصرف. بعد أن يقطع المنفذ نهر الأولي، مدخل الجنوب، انتهى (الأمر) ولا يعود بإمكاننا أن نفعل شيئاً.

رفضت اقتراحه. قال لي: اترك لي سبل التنسيق والعمل المشترك. واقترح دمج العمليات مع عمليات «حزب الله». قال: تندمجون. قلت له: بالأمس قتلوا لنا شخصاً، وأنت تعرف، فكيف أندمج معهم؟ نحن لم نقتل منهم أحداً. مقاوم في قلب الجنوب قُتل على مرأى من رفيقه في ظهره، وبالتأكيد «حزب الله» هو من فعلها. قال: هذه مشاكل تحصل في العمل المسلح، تحصل في ظروف صعبة. كانت رسالته واضحة وهو أنه ممنوع علينا العمل بشكل مستقل.

قلت له في النهاية وبعدما ضاق خلقي وعرفت أنه قرار حاسم: كي لا نطيل الموضوع، نحن صراحة جئنا إلى هنا وكنا نريد أن نختم النقاش بأن نطلب معونات بوسائل ربما موجودة لديكم، وهي أفضل من تلك الموجودة لدينا لكي نستطيع أن نقوم بدور أكبر. أما أن نجلس الآن ونبحث مسائل التنظيم وغيره فهذا مستحيل، ودعني أكون صريحاً معك. لا نستطيع... إذا نسقنا معكم، مع أن هذا يشل العمل، وقلتم أنتم لا، فهل نستطيع أن نناقشكم؟ قال: أبداً لا يمكنكم أن تناقشونا. فقلت له: إذا قلتم لا فتعني لا. وإذا قلتم نعم فنعم، وإذا قلتم عملية واحدة في الأسبوع فيعني عملية واحدة في الأسبوع. فقال لي: ألست أنت عسكرياً؟ يعني لا يوجد نقاش.

قلت له: يا سيادة العميد، وكان لا يزال عميداً، أنا من الآن أقول لك لا نستطيع أن ننسق ولا نعمل بشكل مشترك. لا نشتغل مع «حزب الله». لا نستطيع نهائياً، وهذا ليس مسألة صعوبات فقط. هذا قرار نهائي. لن نكون حجارة شطرنج. وقف العمل أفضل في حالة من هذا النوع.

نظر مثل النسر، وبطريقة فيها مفاجأة هائلة أو خيبة أمل هائلة. توقف عن الكلام ورفع يده وضرب الطاولة؛ فطارت فناجين القهوة ومنفضة السجائر. وقف ورفع سبابته باتجاهنا، وقال: ستدفعون الثمن غالياً. آخر كلمة. «ستدفعون الثمن غالياً». ومشى من دون أن يودعنا.

حافظ الأسد

بقينا أنا وجورج جالسين إلى الطاولة. لم نفاجأ بأنهم يريدون ذلك، فوجئنا بردة الفعل. منذ قال «قال لي سيادة الرئيس» يعني أننا نتحدث، تقريباً، إلى حافظ الأسد. هذه لا يستخدمها هو إلا عندما يريد أن يقول لك لا يمكنك أن ترفض.

نفذ تهديده ودفعنا الثمن غالياً جداً. أول ثمن دفعناه اغتيالات على مستوى القيادة في الحزب، وثاني ثمن اغتيالات على مستوى المقاومة، نحو 28 - 30 مسؤولاً من المقاومة. لم نكن نعرف من ينفذ في حينها. لكن القرار من غازي كنعان. وهنا (في بيروت) خلال 1986 و1987، أول واحد خليل ناعوس، كان عضو لجنة مركزية مسؤول بيروت، محترم جداً جداً في الوسط السياسي البيروتي، اغتيل على مفرق المركز.

الثاني كان الكاتب والمفكر حسين مروة، وكان عمره 87 سنة ومُقعَد، وأنا كنت مررت به قبل يومين ولم يكن قادراً على التكلم، ويبدو ميتاً، جاء شخص وأطلق النار في جبهته. طلقة واحدة.

كانت لحسين مروة سمعة واسعة... ومن بعده حسن حمدان، المعروف بمهدي عامل، وهو فيلسوف لبناني مشهور، ولديه مجموعة مؤلفات ومشهور في فرنسا وكان من الأساتذة الجامعيين الذي يتوافد الطلاب من اختصاصات مختلفة لسماع محاضراته. ومن بعده سهيل طويلة الذي كان عضو لجنة مركزية، ورئيس تحرير «النداء» صحيفة الحزب الشيوعي اللبناني. هؤلاء في ظرف قصير.

كان توقيع غازي كنعان صريحاً على الاغتيالات. جاء إلى مأتم حسن حمدان، والطريف في الموضوع أنه لم يأت ليعزي. قالها بوضوح. وكأنه يقول أنا من قتله. صافح كريم مروة (نائب الأمين العام للحزب) وقال له أمام العشرات: «هكذا أحسن لكم؟ هل كان ضرورياً أن توصلوا أنفسكم إلى هنا؟».

لم نوقف عمل المقاومة بعد كل الاعتداءات التي حصلت، رغم هذا بقينا حتى عام 1988 نسجل أكبر عدد عمليات، وخسائر الإسرائيليين بلغت نحو 300 قتيل وأكثر. طبعاً نحن ولا يوم، وهذا كنا نشدد عليه كثيراً، ألحقنا أذى بمواطن لبناني، ولا حتى رآنا. ليس لدينا سجل اختلاط.

* كم عملية بتقديرك نفذت جبهة المقاومة؟

- فوق الألف.

* كم قتيل سقط لها؟

- أعتقد نحو 160. لكن أكيد فوق الألف (عملية) لأن المعدل اليومي نحو 3 إلى 4 (عمليات). المقاومة بقيت مستمرة رغم الضغوط، رغم الاغتيالات، ورغم كل شيء، ولكن طبعاً صار وضعنا صعباً، مطاردين، وحاسين بالمطاردة، وخصوصاً أنه حضرته، غازي كنعان، رجع من بعد أن طرد من بيروت خلال الاحتلال الإسرائيلي. افتعل أولاً حرباً بيننا وبين «أمل»، وحصلت حرب قاسية جداً، وسقطت بيروت بيدنا، وعندما سقطت بيروت بيدنا هو لم يرسل شيئاً، إخباراً، بل أناس لهم علاقة بهم برأيي، (قالوا) نزلت الدبابات من صوفر، لواء أو لواءا دبابات، واحد ذهب باتجاه المختارة، والآخر نزل من عاليه إلى بيروت. صوب المختارة، يعني معقل وليد جنبلاط. المعركة معنا من دون أي مبرر، حصلت المعركة معنا من دون مبرر. فجأة، في الوتوات حيث مقر الجريدة ومركز الحزب، هجموا عليه يريدون احتلاله، وصارت المعركة. هو استغل قصة المعركة ونزل إلى بيروت. أول اتصال به كان من كريم مروة فقال له: «يا جاسوس يا إسرائيلي».

نعم، حرام كريم، هو ليس رجل هذا العمل، وقعت السماعة (الهاتف) من يده وبقيت مفتوحة. ذهب والتقى (رئيس الحكومة) سليم الحص وقال له: كيف تصل أن يقول لي غازي كنعان، أنا كريم مروة، يا جاسوس يا إسرائيلي؟

إبعاد إلى موسكو

* كان نظام الأسد يقتل الشيوعيين والاتحاد السوفياتي لا يتدخل؟

- لم نلمس مساعدة لا في الحصار ولا بعده في المقاومة. اللهم ذهبت أنا مشواراً إلى موسكو، بعدما حصلت عندي مشكلة تقنية هنا، وهي أن الموجة التي نفجر عليها كشفها الإسرائيليون ولم نعد قادرين على أن نجد موجة فوق وتحت... صار الأمر في حاجة إلى شخص يعرف أكثر منا. ذهبت إلى موسكو. جلست مع اثنين برتبة مارشال وطرحت المشكلة، وبينما نحن نعمل، وهم لم ينزلوا في فندق لأنه عمل سري، وصل ماتوزوف، مندوب اللجنة المركزية، وهو كان مسؤولاً عن لبنان وفلسطين في اللجنة المركزية، وقال لي: لماذا تنحتون 10 ساعات في اليوم؟ قلت له: نريد أن ننهي العمل ونمشي. قال لي: لا، أنت باقٍ 6 أشهر هنا. طلعت القصة إبعاد. عرفت بها في موسكو. قلت له: كيف 6 أشهر؟ قال لي: جاءتني رسالة من المكتب السياسي لحزبكم بأنك باقٍ 6 أشهر.

تبين أن السبب هو محمد الخولي، مسؤول المخابرات الجوية السورية، وكان الأقرب إلى حافظ الأسد. أبلغ الخولي الذي التقيته نحو عشر مرات، حاوي قائلاً: «لديكم شخص اسمه إلياس عطاالله. إما تجدونه مقتولاً على الرصيف وإما تبعدونه». اختاروا الشق الثاني، وأرسلوا لي رسالة. لكن أنا رفضت ورحلت وعدت إلى لبنان.

ضربة النهاية

* لنختم قصة المقاومة باستهداف مركزكم في الرميلة؟

- كانت أكبر ضربة وهي هدت المعنويات. لا أخفيك كان هناك خلاف في قيادة الحزب على مسألة المقاومة، أي هناك جو في القيادة يريد أن يراعي الموقف السوري ويقول دعنا نخفف. هذا الجو لم يجرؤ على التعبير عن نفسه بشكل صريح، بل أصبحت هناك مضايقات ونشأ خلاف. الحقيقة هي أن الخلاف سابق على المقاومة وسابق على الاجتياح، في الموقف من سوريا.

أنا طلبت من الأساس أن نتصرف على أساس أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال في بيروت، وبعدما دخل السوريون، اقترحت ألا نخرج كل شيء خبأناه على أيام الإسرائيلي بافتراض أن الجو أصبح مختلفاً. طلبت أن نبقى كما نحن، والذي تحت الأرض يبقى تحت الأرض. لم يحصل ذلك.

هذا التضييق، منظمات والاعتداء على بضعة شيوعيين، الضغط على المراكز، خلق المشكلات في كل الأماكن من طرابلس إلى غيرها. إلى أن ضربت إسرائيل مركز الحزب الرئيسي في الرميلة (بلدة عطاالله في ساحل الشوف). أنا كان وصلني جو يقول إن إسرائيل تريد أن تضرب في الرميلة، وإنه مرجح من جانب أحد الضباط الكبار في الجيش اللبناني في المخابرات، أن هناك مناخاً بذلك. وجاءني خبر، لا أعرف لماذا، من السجن في إسرائيل، سجن اللبنانيين (كان هناك سجنان، واحد في الخيام وسجن داخل إسرائيل) أيضاً بالأمر نفسه، فأخذنا قراراً احتياطياً أن هذه المراكز الثلاثة في الرميلة، وهي ثكنة فيها 300 مقاتل (مدرسة الفرير) والدير فيه مقر اللجنة المركزية.

حينها لم يبق شبان في بيروت وأصبحوا في الرميلة. جورج حاوي كان داعياً في اليوم التالي إلى اجتماع مجلس وطني، أي المكتب السياسي والقيادة المركزية، يعني أكثر من 100. ليلاً ذهبت إلى جورج حاوي وقلت له لا يمكنك أن ترتكب هذه المغامرة، هذه مغامرة كبيرة، نحن نقول منذ 10 أيام أن هذه الأماكن يجب أن يغادرها من ليس له عمل ضروري فيها. لا أحد يطل. لهذا السبب قتل رفيقان (فقط) في القصف من أصل 8، وهما كانا واقفين في الخارج. نحن كنا منعنا الدخول إلى المركز. كانا واقفين عند الحائط.

نقل اجتماع المكتب السياسي واللجنة المركزية إلى بيروت «زمطنا» (نجونا)، هؤلاء الـ8 منهم حراس ومنهم على السنترال واثنان كانا يتحدثان في الخارج، أحدهما طبيب والآخر من آل الأمين. هذه الضربة بقنبلة فراغية. كان هناك شخص على برج المراقبة فوق الدير، وعندما جاءت الضربة طار في الهواء، أو نزل مع نزول المبنى ووقع على خيمة نايلون لزراعة الخضراوات، وجاء سليماً لكنه قال إنه غير قادر على وصف ما حصل. لم يصب ولا بأي جرح.

* هل اخترق أي جهاز جبهة المقاومة؟

- بشكل محدود جداً. أحدهم. نحن لم نذكر اسمه.

* جهاز عربي؟

- لا، إسرائيلي. الموساد. عربي لم ألمس.

* وماذا عن «كي جي بي» السوفياتية؟

- لا أعرف إذا كانت اخترقت سابقاً قيادات. ربما أنت سمعت ذلك من قبل، لم يذهب أحد إلى موسكو إلا وحاولوا معه إذا كان يود أن يكون متعاوناً مع «كي جي بي». أنا ولا مرة حاولوا معي.


مقالات ذات صلة

«اعترافات» أمهز… تمهيد إسرائيلي لتصعيد ضد لبنان؟

شؤون إقليمية «هيكلية القيادة في الملف البحري السري التابع لحزب الله» حسب ما جاء في منشور على «إكس» للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي play-circle 03:20

«اعترافات» أمهز… تمهيد إسرائيلي لتصعيد ضد لبنان؟

حملة تروج لها السلطات الإسرائيلية لتبرير التصعيد الحربي على لبنان ومحاولة إقناع واشنطن وغيرها من العواصم الغربية بـ«ضرورة توجيه ضربة قاسية أخرى لحزب الله».

نظير مجلي (تل ابيب)
المشرق العربي صورة من مقر قيادة «يونيفيل» في الناقورة جنوب لبنان... عُقد الاجتماع اللبناني الإسرائيلي في هذا المقر وفق ما أوردته السفارة الأميركية في بيروت (رويترز) play-circle

اجتماع ممثلين مدنيين وعسكريين من لبنان وإسرائيل في إطار لجنة وقف النار

عقد ممثلون عن لبنان وإسرائيل، الجمعة، اجتماعاً في إطار اللجنة المكلفة بمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار الساري منذ عام، وفق ما أفادت السفارة الأميركية في بيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بلدة العديسة بجنوب لبنان كما تظهر من الجانب الإسرائيلي من الحدود (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف ثلاثة عناصر من «حزب الله» بجنوب لبنان

أعلن الجيش الإسرائيلي الأحد، أنه استهدف ثلاثة عناصر من «حزب الله» في مناطق متفرقة في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)

سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن لبنان يواجه انهياراً شبه كامل بعد عقود من سوء الإدارة والفساد والطائفية والحروب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الخليج السلطان هيثم بن طارق والرئيس اللبناني العماد جوزيف عون عقدا الأربعاء جلسة خاصة بقصر العلم في مسقط (العمانية)

عُمان ولبنان ينددان بالاعتداءات الإسرائيلية ودعم الجهود الدولية لمنع التصعيد

أعربت سلطنة عُمان ولبنان، في بيان مشترك، الأربعاء، عن قلقهما الشديد إزاء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية واحتلال الأراضي العربية.

«الشرق الأوسط» (مسقط)

مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

توقّعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عودة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال عام 2026، في ظل التعافي التدريجي الذي تشهده سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وقال غونزالو فارغاس يوسا، ممثل المفوضية في سوريا، إن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري عادوا بالفعل إلى بلادهم منذ ديسمبر 2024، إضافة إلى نحو مليونَي شخص من النازحين داخلياً الذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية.

وأوضح أن ذلك يعني أن أكثر من 3 ملايين سوري عادوا، خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، إلى مناطقهم في بلد أنهكته الحرب على المستويات الاقتصادية والبنيوية والخدمية.

تكدُّس السوريين أمام البوابات الحدودية في تركيا انتظاراً لعودتهم إلى بلادهم (أ.ب)

وقال المسؤول الأممي لوكالة «الأناضول»، إنه كان في سوريا قبل أشهر قليلة من سقوط النظام المخلوع، وشهد عن قرب مرحلة الانتقال السياسي في البلاد. وأشار إلى أن الخوف الذي كان يهيمن على المجتمع السوري «تراجع بسرعة، ليحلّ محله شعور واسع بالأمل».

وأضاف أنه توجّه مع فريقه يوم 9 ديسمبر 2024 إلى الحدود اللبنانية، حيث شاهد آلاف السوريين يعودون تلقائياً إلى بلادهم بعد أكثر من 14 عاماً من اللجوء القسري. ولفت إلى أن الكثير من العائدين السوريين عبّروا عن فرحتهم ببلوغ وطنهم عبر تقبيل الأرض فور وصولهم.

الحاجة للدعم الدولي

وفي ما يخص التوقعات المستقبلية، قال يوسا: «منذ 8 ديسمبر 2024، عاد لاجئون سوريون بشكل أساسي من تركيا ولبنان والأردن، وبنسب أقل من مصر والعراق».

وأضاف: «تشير تقديراتنا إلى أن عام 2026 قد يشهد عودة نحو مليون شخص إضافي، ما يعني أن أكثر من 4 ملايين سوري سيعودون خلال فترة عامين». وأشار إلى أن «هذا الحجم الكبير من العودة يتم في ظروف بالغة الصعوبة، ما يجعل الدعم المالي الدولي مسألة عاجلة وحاسمة لضمان الاستقرار ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية».

السوريون في تركيا يواصلون عودتهم إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد (أ.ب)

دور تركي فاعل

وأشاد يوسا بدور تركيا، موضحاً أنها استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين لسنوات طويلة، ولعبت في الوقت ذاته «دوراً إيجابياً» في دعم الحكومة السورية الجديدة عقب 8 ديسمبر 2024.

وأشار إلى أن ممثلين عن القطاع الخاص التركي بدأوا بزيارة سوريا لاستكشاف فرص الاستثمار. واعتبر المسؤول الأممي خطوة المستثمرين الأتراك «مؤشراً مهماً» على بدء مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.

عودة بعد عزلة

وفي تقييمه للمرحلة الراهنة، اعتبر يوسا أن ما تشهده سوريا هو عملية انتقالية معقّدة ستستغرق وقتاً، في ظل الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب على مدى 14 عاماً.

وقال: «بعد حرب طويلة، من الطبيعي أن تكون البلاد مدمرة اقتصادياً وبنيوياً، وهذا التعافي لن يكون فورياً. ومع ذلك، فإن الحكومة والشعب السوري يستحقون إشادة كبيرة لنجاحهم في إعادة ربط البلاد بالعالم خلال فترة قصيرة نسبياً».

وأشار إلى أن سوريا كانت معزولة عن الساحة الدولية لأكثر من 14 عاماً، قبل أن تعود خلال عام واحد فقط إلى إقامة علاقات مع عدد متزايد من الدول، وهو ما اعتبره «تطوراً بالغ الأهمية».

وأكد المسؤول الأممي أن رؤية أعداد كبيرة من السوريين يعودون إلى ديارهم «تمثّل مؤشراً إيجابياً، إلا أن تحسن الأوضاع الاقتصادية بشكل ملموس سيحتاج إلى وقت، ما يستدعي دعماً دولياً منسقاً ومستداماً».

محل صرافة وتحويل أموال في دمشق يوم 18 ديسمبر بعد أن أُلغيت عقوبات «قيصر» الصارمة التي فُرضت على سوريا في عهد الرئيس السابق بشار الأسد (رويترز)

مفتاح التعافي

وسلّط ممثل «المفوضية» الضوء على جملة من العوامل الضرورية لتسريع عملية التعافي في سوريا، وفي مقدمتها الرفع الكامل للعقوبات.

وأعرب عن أمله أن يفتح رفع العقوبات الباب أمام استثمارات واسعة من القطاع الخاص في خطوة ضرورية لمرحلة إعادة الإعمار والتنمية.

وأوضح أن «المفوضية» وشركاءها يقدّمون دعماً مباشراً للعائدين، خاصة في ما يتعلق بإعادة استخراج الوثائق الرسمية.

ولفت إلى أن أكثر من ربع العائدين يفتقرون إلى وثائق أساسية مثل الهويات الشخصية أو سندات الملكية.

مطار دمشق الدولي يستقبل آلاف السوريين منذ سقوط النظام (سانا)

والخميس، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في حفل بالبيت الأبيض قانون تفويض «الدفاع الوطني» لعام 2026 المتضمن بنداً لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، وبذلك تم رفع العقوبات رسمياً عن سوريا.

وفي 11 ديسمبر 2019 أقر الكونغرس الأميركي «قانون قيصر» لمعاقبة أركان نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على «جرائم حرب» ارتكبها بحق المدنيين.

وجرى توقيع «قانون قيصر» خلال ولاية ترمب الرئاسية الأولى (2017 ـ 2021)، لكن تطورات سوريا أواخر العام الماضي دفعته إلى العمل على إلغائه.

ورحبت «الخارجية السورية» في بيان، الجمعة، بـ«الإزالة النهائية» للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، وما تضمنه من إجراءات أثرت على مختلف مناحي الحياة المعيشية والاقتصادية.

وأضافت الوزارة أن الخطوة «تطور مهم يسهم في تخفيف الأعباء عن الشعب السوري، ويفتح المجال أمام مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار».


ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
TT

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم (الأحد)، إن حركة «حماس» الفلسطينية لا تعمل على نزع سلاحها.

وأوضح ساعر، عبر منصة «إكس»، أنه أخبر السيناتور الأميركي ليندسي غراهام خلال لقائهما أن «(حماس) لا تنزع سلاحها، بل تحاول ترسيخ سلطتها في غزة، وليس التخلي عنها»، مشدداً: «نحن لن نقبل هذا».

وأضاف ساعر: «إذا قامت (حماس) بنزع سلاحها سيكون هناك إعادة إعمار ومستقبل أفضل لغزة».

وحضّت الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا، السبت، الطرفين المعنيين بوقف إطلاق النار في غزة على الوفاء بالتزاماتهما وممارسة ضبط النفس، وفق ما أفاد الموفد الأميركي ستيف ويتكوف بعد محادثات في ميامي.

واجتمع مسؤولون من الدول الثلاث مع ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترمب، لمراجعة المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وجاء في بيان نشره ويتكوف على منصة «إكس»: «نؤكد مجدداً التزامنا الكامل بخطة السلام المكونة من 20 نقطة والتي وضعها الرئيس، وندعو جميع الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتها، وممارسة ضبط النفس، والتعاون مع ترتيبات المراقبة».

ودعت الدول الأربع إلى «إنشاء وتفعيل» إدارة انتقالية «على المدى القريب»، وهي خطوة تنص عليها المرحلة الثانية من الاتفاق، لافتة النظر إلى أن المشاورات ستستمر في الأسابيع المقبلة بشأن تنفيذها.

وبموجب الاتفاق، من المفترض أن تنسحب إسرائيل من مواقعها الحالية في غزة، وأن تتولى سلطة مؤقتة إدارة القطاع الفلسطيني بدلاً من حركة «حماس»، وأن يتم نشر «قوة استقرار دولية».


إجراءات أمنية مشددة لحماية احتفالات الميلاد ورأس السنة في سوريا

إضاءة «شجرة الميلاد» في قرية القنية بريف إدلب الغربي (سانا)
إضاءة «شجرة الميلاد» في قرية القنية بريف إدلب الغربي (سانا)
TT

إجراءات أمنية مشددة لحماية احتفالات الميلاد ورأس السنة في سوريا

إضاءة «شجرة الميلاد» في قرية القنية بريف إدلب الغربي (سانا)
إضاءة «شجرة الميلاد» في قرية القنية بريف إدلب الغربي (سانا)

لأول مرة منذ 14 عاماً، احتفل المسيحيون في محافظة إدلب بإنارة شجرة عيد الميلاد، بحضور وسائل إعلام محلية ودولية، في وقت اتخذت فيه وزارة الداخلية إجراءات أمنية احترازية مشددة؛ لضمان حماية الأماكن التي تشهد تجمعات حاشدة.

ومع بدء الطوائف المسيحية المختلفة في سوريا التحضير لأعياد الميلاد ورأس السنة والاحتفالات بإنارة «شجرة الميلاد» وإقامة البازارات، نفذت قوى الأمن الداخلي انتشاراً كثيفاً في أحياء باب شرقي وباب توما والقصاع والقصور. بدأ ذلك مساء السبت بقطع بعض الطرق، ومنع دخول السيارات في الشوارع المكتظة بمحيط الكنائس، وسط حراسة مشددة، وذلك عقب حادثة سرقة تعرض لها نصب تذكري للقديس بولس في باب كيسان أمام باب دير مار بولس لطائفة الروم الكاثوليك، في حادثة غامضة أحدثت صدمة في أوساط المسيحيين.

وقالت مصادر من أهالي الحي بالقرب من الدير، إن اللصوص استغلوا أن موقع النصب المصنوع من البرونز والنحاس، والبالغ ارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف المتر، قريب من ساحة باب مصلى على الشارع العام، كما استغلوا اقتصار الحراسة على شخص واحد من الكنيسة، وقاموا في ساعة متأخرة من الليل بإزالة التمثال عن قاعدته وسرقته، ولم يتبادر لذهن العابرين في المكان أن من يقوم بفك النصب بطريقة احترافية لصوص.

عنصر أمن سوري على سطح يطل على كنيسة القصير أثناء الاحتفال بإنارة «شجرة الميلاد» (متداولة)

وأرخت حادثة سرقة نصب القديس بولس بظلال ثقيلة على أجواء العيد في دمشق، مع أن التحليلات تتجه إلى أن الدافع هو سرقة المعدن المصنوع منه، إلا أن ذلك زاد التحديات الأمنية لدى السلطات التي تبدي اهتماماً خاصاً هذا العام بضبط الأمن في أماكن الاحتفالات والتجمعات الشعبية عموماً والدينية خصوصاً. وبدا هذا واضحاً في المدن والبلدات التي تشهد احتفالات، مثل مدينة حمص والبلدات التابعة لها، وفي بلدات الساحل السوري، ومحافظة حماة، والمناطق كافة التي سبق أن حصلت فيها حوادث عنف ذات طابع طائفي.

صورة جوية لبلدة الغسانية ذات الأغلبية المسيحية جنوب حمص وقد بدأ سكانها بالعودة إلى منازلهم ومتاجرهم المدمرة (أ.ف.ب)

كما برز بوضوح الاهتمام الرسمي باحتفالات البلدات المسيحية مثل القنية واليعقوبية في محافظة إدلب التي عاد إليها قسم كبير من أبنائها بعد الإطاحة بنظام الأسد، حيث كانت تلك المناطق لسنوات ساحات للمواجهات العسكرية ومخيمات النازحين.

فرقة كنسية تعزف في ساحة كنيسة الصليب المقدس بدمشق احتفالاً بإضاءة شجرة عيد الميلاد (سانا)

واتخذت قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية السورية إجراءات أمنية في إدلب لضمان إقامة الفعاليات بشكل آمن. كما عُزفت موسيقى عيد الميلاد للمرة الأولى، بعد أن اقتصرت الاحتفالات خلال سنوات الحرب على الصلوات داخل الكنيسة وفي المنازل.

وأظهرت الصور المتداولة للاحتفالات مشاركة واسعة من الأهالي؛ كونها الأولى منذ عام 2011، ولها أهمية تتجاوز أبعاد الاحتفال الديني إلى التأكيد على بدء عودة الحياة الطبيعية لمناطق كانت الأولى في اندلاع المواجهات العسكرية.

صورة متداولة لتمثال مار بولس المسروق (متداولة)

في الأثناء، حاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع الكنيسة لمعرفة مزيد من التفاصيل، إلا أنه تم التحفظ على المعلومات؛ لأن الأمر ما زال قيد التحقيق.

وقال الأب سلامة سمعان في تصريحات إنه سيكتفي بقول جملة واحدة فقط: «دمشق من دون مار بولس». وللقديس بولس أهمية روحية ورمزية عند المسيحيين والدمشقيين؛ كونه يعبر عن لحظة اهتداء بولس إلى المسيحية على أسوار دمشق. وقد نفذه نحات إيطالي ووُضع أمام باب كيسان، حيث إن مدخل الدير هو الموقع الذي اهتدى فيه القديس بولس. ويظهر بالنصب لحظة وقوعه عن ظهر الحصان، وكان نظره متجهاً نحو السماء.

رجل ينتظر عند كشك «عصير زين» ضمن التحضيرات لأعياد الميلاد في دمشق (أ.ب)

يقول الإعلامي السوري ثابت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «لو عرف اللصوص رمزية نصب بولس بغض النظر عن البُعد الديني، ما أقدموا على هذه الفعلة»، لافتاً إلى أنه في بداية أبريل (نيسان) عام 2007، قامت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي بزيارة لدمشق، وقُبيل مغادرتها قالت في مؤتمر صحافي: «I am on the road to Damascus»، وترجمتها: «أنا على طريق دمشق»، مرددة تعبير بولس.

ويشير سالم إلى أن وزير الخارجية آنذاك وليد المعلم لم يفهم ما قصدته بيلوسي في تصريحها المهم، ولم يرد على تصريحها رغم لغته الإنجليزية القوية، وأنه عادة ما يستخدم هذا القول للإشارة إلى تحول بولس الرسول أو «شاؤول» إلى المسيحية عند تل كوكب قُرب داريا، نتيجة رؤيته المعروفة للهداية، وهو الضابط اليهودي المكلف بتأديب المسيحيين في دمشق وإنهاء وجودهم.