خفض الفائدة الأميركية شبه محسوم... لكن بأي ثمن؟

«الفيدرالي» على مفترق طرق: بيانات متضاربة وضغوط سياسية متنامية قبل القرار الكبير

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

خفض الفائدة الأميركية شبه محسوم... لكن بأي ثمن؟

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

بينما يترقب العالم قراراً حاسماً من مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» بشأن أسعار الفائدة، تُلقي الضبابية المحيطة بتشكيلة لجنة السياسة النقدية بظلالها على هذا الحدث. فقبل أقل من أسبوع على اجتماع اللجنة، لا يزال مصير بعض أعضائها معلقاً، وسط معركة قانونية وسياسية تثير تساؤلات حول استقلالية البنك المركزي. يأتي هذا في ظل بيانات اقتصادية متضاربة وضغوط سياسية غير مسبوقة من الرئيس دونالد ترمب، مما يجعل قرار الأربعاء لحظة مفصلية في مساعيه للتأثير على السياسة النقدية الأميركية من جهة، ويضع المؤسسة النقدية الأهم في العالم أمام تحدٍ مزدوج لتحقيق مهمتها المزدوجة المتمثلة في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل من جهة أخرى.

ففيما يستمر ترمب في ممارسة الضغط لخفض أسعار الفائدة والتي تبلغ اليوم نطاق 4.25 في المائة - 4.50 في المائة، بالتزامن مع محاولاته لتغيير تركيبة لجنة السياسة النقدية، تطرح تساؤلات جدية حول استقلالية البنك المركزي، في ظل ما يراه بعض الاقتصاديين مؤشرات على أن الولايات المتحدة قد تتجه نحو فترة من «الركود التضخمي» (Stagflation).

بيانات اقتصادية تضغط لخفض الفائدة

على الرغم من ارتفاع التضخم في أغسطس (آب)، فإنه لم يكن كافياً لثني «الاحتياطي الفيدرالي» عن التوجه نحو خفض أسعار الفائدة في اجتماعه ليومين (الثلاثاء والأربعاء)، كما هو متوقع على نطاق واسع. فقد أظهر تقرير أسعار المستهلكين ارتفاع التضخم بعيداً عن هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة، لكن هذا لم يقلل من مخاوفه الرئيسية الأخرى: تباطؤ سوق العمل.

وأظهر تقرير منفصل صادر عن وزارة العمل الأميركية، أن عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانات البطالة، بلغ 263 ألف شخص الأسبوع الماضي، وهو أعلى مستوى فيما يقرب من 4 سنوات.

وتعدّ هذه البيانات آخر المؤشرات الاقتصادية الكبرى التي اطلع عليها «الفيدرالي» قبل اجتماع لجنته السياسية.

ويرى محللون أن «الاحتياطي الفيدرالي» يواجه وضعاً صعباً للغاية، نظراً لضعف سوق العمل ووجود مؤشرات على ارتفاع التضخم. عادةً، إذا واجه «الاحتياطي الفيدرالي» ضعفاً في سوق العمل، فسيرغب في خفض أسعار الفائدة. وإذا واجه ارتفاعاً في التضخم، فسيرغب في رفعها. لكنه الآن في وضعٍ تُوجد فيه قوى مُعاكسة.

وقال كبير الاقتصاديين الأميركيين في «أكسفورد إيكونوميكس»، رايان سويت: «يواجه (الاحتياطي الفيدرالي) وضعاً صعباً، حيث تظهر البيانات الجديدة أن كلتا مهمتيه (التضخم وسوق العمل) تتجه في الاتجاه الخاطئ»، وفق موقع «إنفستوبيا» الأميركي المتخصص.

ورغم هذا التضارب، تشير أسواق المال، وفقاً لأداة «فيد ووتش» التابعة لمجموعة «سي إم إي»، إلى شبه يقين بأن «الفيدرالي» سيخفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية على الأقل.

معركة على مقاعد التصويت في «الفيدرالي»

في موازاة هذه التطورات الاقتصادية، يواصل ترمب الضغط على «الاحتياطي الفيدرالي» لخفض أسعار الفائدة، في محاولة لدعم الاقتصاد قبل الانتخابات. لكن الأمر لا يقتصر على التصريحات؛ بل يمتد إلى محاولات لإعادة تشكيل لجنة السياسة النقدية نفسها.

فلغاية الآن، لم يتضح بعد من هم الأعضاء الذين سيصوّتون على قرار سعر الفائدة، وهو ما يزيد من الغموض الذي يحيط بالاجتماع؛ إذ إن المعركة القضائية بين محافِظة «الفيدرالي» ليزا كوك وإدارة ترمب ما زالت قائمة. فبعد أن أقالها ترمب الشهر الماضي بزعم ارتكابها احتيالاً عقارياً، وهو ما تعدّه سابقة، قضت محكمة لصالحها يوم الثلاثاء، مما يسمح لها بالاستمرار في منصبها. ورغم أن محكمة قضت لصالح كوك بالسماح لها بالاستمرار في منصبها، فإن إدارة ترمب استأنفت الحكم، مطالبةً بقرار عاجل قبل اجتماع اللجنة.

محافِظة «الاحتياطي الفيدرالي» ليزا كوك تستعد للمشاركة في مؤتمر جاكسون هول (أرشيفية - رويترز)

وفي تطور بهذا الملف قد يقوّض مزاعم إدارة ترمب، أشار مستند قرض لكوك، إلى أن شقتها السكنية التي اشترتها في يونيو (حزيران) 2021، هي «منزل لقضاء العطلات»؛ إذ أظهرت وثائق حصلت عليها وكالة «أسوشييتد برس»، أن كوك وصفت العقار في نموذج ثانٍ قدمته للحصول على تصريح أمني، بأنه «منزل ثانٍ».

غموض حول تركيبة اللجنة والتصويت

الغموض لا يقتصر على البيانات الاقتصادية أو الضغوط السياسية، بل يشمل أيضاً هوية الأعضاء الذين سيصوّتون على قرار الفائدة.

فإلى جانب قضية كوك، يسعى ترمب لملء الشاغر المؤقت في مجلس المحافظين بعد الاستقالة المفاجئة لأدريانا كوغلر. وصوّتت لجنة في مجلس الشيوخ لصالح ترشيح ستيفن ميران، مستشار البيت الأبيض الاقتصادي، ليحل محلها. ومن الممكن أن يصوت مجلس الشيوخ بكامل أعضائه على ترشيحه في وقت مبكر من يوم الاثنين، مما قد يمهد الطريق لمشاركته في التصويت على سعر الفائدة.

ستيفن ميران مرشح الرئيس دونالد ترمب لعضوية مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» (أ.ف.ب)

هذا التغيير المحتمل في تركيبة اللجنة قد يؤثر بشكل مباشر على نتيجة التصويت، ويزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.

وعلى صعيد الترشيحات المرتقبة لخلافة رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم بأول، بعد انتهاء ولايته في مايو (أيار) المقبل، يبدو أن المدير التنفيذي في شركة «بلاك روك»، ريك ريدر، يتقدم قائمة المرشحين، وفق مسؤول في إدارة ترمب. وقد حصل لقاء موسع دام لأكثر من ساعتين، بين وزير الخزانة سكوت بيسنت، وريدر، يوم الجمعة، حيث تمت مناقشة السياسة النقدية، وهيكلية عمل «الاحتياطي الفيدرالي» والسياسات التنظيمية، وفق «رويترز».

رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول في مؤتمر صحافي (رويترز)

ضغوط سياسية واستقلالية مهددة

تُثير الضغوط المتواصلة من ترمب لخفض أسعار الفائدة، إلى جانب إقالته لكوك وتعيينه لميران، مخاوف بين الاقتصاديين من أن يقوم «الفيدرالي» بخفض الفائدة استجابة لرغبة الرئيس، وليس لمصلحة الاقتصاد. هذا الأمر يهدد استقلالية البنك المركزي، الذي يعدّ حجر الزاوية في استقرار الاقتصاد الأميركي.

ويشير الاقتصاديون الذين يدافعون عن استقلالية البنوك المركزية، إلى أن الدول التي تتمتع بنوكها المركزية باستقلالية أقل، غالباً ما تشهد معدلات تضخم أعلى. ففي حالة تركيا مثلاً، وبعد أن ضغط الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة في عام 2022، ارتفع التضخم في البلاد إلى 85 في المائة.

وعلى الرغم من هذه التحديات، من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض «الفيدرالي» سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة، بغض النظر عن تركيبة اللجنة، في محاولة لدعم سوق العمل ومنع ارتفاع البطالة. ومع ذلك، فإن هذا الخفض يظل أقل بكثير من التخفيضات الكبيرة التي طالب بها ترمب، مما ينذر بأن القرارات المستقبلية قد تكون أكثر إثارة للجدل، وقد يصبح كل صوت في اللجنة حاسماً.

حقائق

معدل الزيادات في أسعار الفائدة الأميركية بعد ارتفاع التضخم عام 2022

  • 18 ديسمبر 2024: 25 نقطة أساس
  • 7 نوفمبر 2024: 25 نقطة أساس
  • 18 سبتمبر 2024: 50 نقطة أساس
  • 26 يوليو 2023: 25 نقطة أساس
  • 3 مايو 2023: 25 نقطة أساس
  • 22 مارس 2023: 25 نقطة أساس
  • 1 فبراير 2023: 25 نقطة أساس
  • 14 ديسمبر 2022: 50 نقطة أساس
  • 2 نوفمبر 2022: 75 نقطة أساس
  • 21 سبتمبر 2022: 75 نقطة أساس
  • 27 يوليو 2022: 75 نقطة أساس
  • 16 يونيو 2022: 75 نقطة أساس
  • 5 مايو 2022: 50 نقطة أساس
  • 17 مارس 2022: 25 نقطة أساس


مقالات ذات صلة

الفضة تلامس قمة تاريخية جديدة عند 63.59 دولار للأونصة

الاقتصاد صائغ ذهب يُدخل حجراً كريماً داخل تاج فضي في ورشة لصناعة المجوهرات في مومباي بالهند (رويترز)

الفضة تلامس قمة تاريخية جديدة عند 63.59 دولار للأونصة

سجل سعر الفضة الفوري ارتفاعاً قياسياً جديداً، حيث وصلت الأسعار في التداولات الأخيرة إلى نحو 63.59 دولار للأونصة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري باول مغادراً القاعة بعد انتهاء مؤتمره الصحافي عقب قرار خفض الفائدة (رويترز)

تحليل إخباري «الفيدرالي» قد «يحجب» خفض الفائدة عن ترمب... لكنه يرسم رؤية إيجابية لاقتصاد 2026

قد لا يمنح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الرئيس دونالد ترمب جميع تخفيضات أسعار الفائدة التي يرغب فيها، إلا أن رؤيته لاقتصاد 2026 إيجابية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد خواتم ذهبية معروضة للبيع في محل ذهب بالسوق الكبير في إسطنبول (أ.ف.ب)

الذهب يرتفع مع انقسام آراء مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن خفض الفائدة

ارتفعت أسعار الذهب، يوم الخميس، بعد أن خفّض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يعقد مؤتمراً صحافياً في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» يخفض الفائدة ربع نقطة

اختتم مجلس الاحتياطي الفيدرالي اجتماعه الأخير للسياسة النقدية لهذا العام بإقرار خفض أسعار الفائدة، بواقع ربع نقطة، إلى نطاق ما بين 3.50 إلى 3.75 في المائة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد باول في مؤتمره الصحافي بعد قرار اللجنة الفيدرالية (أ.ب)

باول بعد قرار خفض الفائدة: مخاطر التضخم تميل إلى الصعود

حذر رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في مؤتمر صحافي عقب قرار خفض الفائدة، من أن «مخاطر التضخم تميل إلى الصعود».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الأسواق الناشئة تسجل عوائد قوية في 2025 وتستعد لمواصلة الصعود

موظفون يعملون في بورصة المكسيك (رويترز)
موظفون يعملون في بورصة المكسيك (رويترز)
TT

الأسواق الناشئة تسجل عوائد قوية في 2025 وتستعد لمواصلة الصعود

موظفون يعملون في بورصة المكسيك (رويترز)
موظفون يعملون في بورصة المكسيك (رويترز)

تحدّت الأسواق الناشئة الرسوم الجمركية والحروب التجارية واضطرابات الاقتصاد العالمي، محققةً عوائد مزدوجة الرقم في 2025، ما عزّز آمال المستثمرين بتكرار الأداء القوي في العام المقبل.

فبعد سنوات من الخيارات المالية الصعبة، وسياسات نقدية دقيقة اتخذها صانعو القرار في البنوك المركزية، باتت دول كانت تُعدّ عالية المخاطر تبدو اليوم أكثر متانة في مواجهة الغيوم السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا، وتزايد التشرذم الجيوسياسي، وفق «رويترز».

وقالت المديرة التنفيذية في «مانولايف لإدارة الاستثمارات»، إلينا ثيودوراكوبولو: «هناك رياح مواتية كثيرة انتقلت من هذا العام إلى العام المقبل، لا سيما في ظل الأداء اللافت والمميز»، مشيرةً إلى «مزيج من السياسات السليمة والحظ الجيد».

تحرّر الأسواق الناشئة

أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مناخاً من عدم اليقين، يدفع عادةً المستثمرين إلى الملاذات الآمنة مثل السندات الأميركية أو الدولار. غير أن السياسات الجمركية المتقلبة وهجمات ترمب على «الاحتياطي الفيدرالي» قلبت المعادلة، لتجعل الأسواق الناشئة تبدو أكثر استقراراً نسبياً.

وبينما لا تزال تداعيات السياسات الأميركية تتصدّر قائمة المخاطر المحتملة على موجة الصعود المتوقعة في 2026، استغل بعض المستثمرين التراجعات التي أحدثتها إعلانات «يوم التحرير» الجمركية في أبريل (نيسان)، لزيادة انكشافهم على أصول الأسواق الناشئة.

وقال مدير المحافظ في «جانوس هندرسون»، توماس هوغارد: «نرى توجهاً متزايداً لتنويع الاستثمارات بعيداً عن الولايات المتحدة أو السعي إلى تنويع عالمي أوسع». وأضاف أن ديون الأسواق الناشئة كانت دون الملكية لفترة طويلة بعد سنوات من تدفقات الخروج.

وشهدت دول عدة تحولات جذرية؛ إذ تحولت تركيا إلى سياسات اقتصادية تقليدية منتصف 2023، وألغت نيجيريا الدعم وخفّضت قيمة النايرا، وواصلت مصر إصلاحات مدعومة من صندوق النقد الدولي، فيما اجتازت غانا وزامبيا وسريلانكا فترات تعثّر تلتها تحسينات في التصنيفات الائتمانية.

وساعد هذا الصعود في عكس سنوات من نزوح رؤوس الأموال، مؤكداً -حسب المستثمرين- أن الخيارات الصعبة التي اتخذتها الحكومات تُؤتي ثمارها، وتمهّد لقوة إضافية في 2026.

وقالت جوليا بيليغريني، من «أليانز غلوبال إنفستورز»: «باتت هذه الاقتصادات قادرة على امتصاص الصدمات الكبرى؛ إذ تقف على أسس أقوى».

كما أشار محللون إلى عام آخر من صافي الترقيات الائتمانية بوصفه دليلاً إضافياً على استمرار المتانة. وقال استراتيجي «مورغان ستانلي»، جيمس لورد: «الأساسيات تتحسن في هذه الفئة من الأصول، خصوصاً من منظور الجدارة الائتمانية السيادية»، لافتاً إلى «زخم متنامٍ في الترقيات عاماً بعد عام».

ملاذات جديدة؟

في وقت تعرّض فيه «الاحتياطي الفيدرالي» لانتقادات، أظهرت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة استقلالية ومصداقية في صنع السياسات، حسب المستثمرين.

وقال رئيس ديون الأسواق الناشئة في «إم أند جي»، شارل دو كينسوناس: «مصداقية السياسة النقدية في الأسواق الناشئة ربما بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق». وأضاف: «خفّضت الفائدة، بل سبقت (الفيدرالي)، لكنها لم تُفرط في الخفض، مما ساعد العملات على الصمود».

وأسهم الانضباط النقدي في تفوق عملات الأسواق الناشئة، بالتزامن مع تراجع الدولار، ما غذّى الإقبال على ديون العملات المحلية التي حقّقت عوائد بنحو 18 في المائة هذا العام، مع توقعات بإمكان تكرار عوائد مزدوجة الرقم في 2026.

وحتى عدم اليقين الانتخابي -من المجر إلى البرازيل وكولومبيا- الذي كان يُقلق المستثمرين عادة، بات لدى البعض مصدر فرص. وقالت جوليا بيليغريني: «التغييرات السياسية المحدودة التي قد تلي الانتخابات يمكن أن تخلق تحركات سوقية تولّد فرصاً استثمارية».

أميركا تبقى الخطر الأكبر على آفاق الأسواق الناشئة

ويبقى الخطر الأكبر مرتبطاً بالولايات المتحدة، فدخولها في ركود قد يطلق موجة سحب رؤوس أموال تضر بالأسواق الناشئة. كما أن رفع «الفيدرالي» الفائدة قد يعزّز الدولار ويضغط على عملات هذه الأسواق. ويزيد الغموض مع احتمال تعيين رئيس جديد لـ«الفيدرالي» في 2026.

لكن حتى هذه المخاطر لم تعد بالحدة السابقة ذاتها. وقال دو كينسوناس: «من الناحية الأساسية، أصبحت الأسواق الناشئة أقل حساسية بكثير للاقتصاد الأميركي مما كانت عليه».

ومع ذلك، يثير التفاؤل المفرط بعض التحفظ، فقد أظهر استطلاع «إتش إس بي سي» لمعنويات الأسواق الناشئة، الصادر في ديسمبر (كانون الأول)، اختفاء النظرة السلبية بالكامل وتسجيل صافي معنويات قياسي هو الأعلى في تاريخ الاستطلاع.

وقال رئيس استراتيجية الدخل الثابت للأسواق الناشئة في «بنك أوف أميركا»، ديفيد هاونر: «لم أصادف عميلاً واحداً متشائماً رغم حديثي مع أكثر من 100 عميل خلال الأسابيع الأخيرة». وأضاف محذراً: «عندما يتفق الجميع على اتجاه السوق، يعلّمنا التاريخ ضرورة توخي الحذر».


صناع السياسة في «المركزي الأوروبي» يدعون لـ«توجيه حذر» للسياسة النقدية

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
TT

صناع السياسة في «المركزي الأوروبي» يدعون لـ«توجيه حذر» للسياسة النقدية

مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

حذَّر صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي، يوم الجمعة، من المخاطر الكبيرة التي تحيط بتوقعاتهم الاقتصادية الأخيرة، داعين إلى توخي الحذر في إدارة السياسة النقدية، وعدم استبعاد خيار خفض أسعار الفائدة مجدداً في الوقت الراهن.

وأبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة ثابتة، يوم الخميس، ورفع بعض توقعاته للنمو والتضخم، وهي خطوة عدّها المستثمرون إشارةً إلى عدم وجود تخفيضات وشيكة لتكاليف الاقتراض، وفق «رويترز».

ورغم أن الأسواق استبعدت أي خفض محتمل لأسعار الفائدة، وتتوقَّع رفعها في 2027، فإن عددًا من صناع السياسات، بمَن فيهم فرانسوا فيليروي دي غالهو من فرنسا، وأولاف سليغبن من هولندا، ومارتن كوخر من النمسا، وخوسيه لويس إسكريفا من إسبانيا، وأولي رين من فنلندا، حذَّروا من التسرع في استخلاص النتائج.

وقال كوخر للصحافيين في فيينا: «لسنا في وضع مريح فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي العام، لأن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة. وهذا يعني وجود احتمال لخفض إضافي إذا لزم الأمر، واحتمال لرفع الفائدة إذا اقتضت الظروف ذلك». ووافقه إسكريفا، مؤكداً أن الخطوة التالية قد تكون في أي من الاتجاهين.

وأفادت مصادر مطلعة بأن صناع السياسات كانوا عموماً مرتاحين لتوقعات السوق باستقرار أسعار الفائدة خلال العام المقبل، لكنهم حرصوا على عدم إرسال أي إشارات تستبعد إمكانية التيسير النقدي الإضافي.

وأشار معظم الخبراء إلى أن مخاطر النمو والتضخم متوازنة، رغم أنها كبيرة ومعرَّضة لتقلبات مفاجئة نتيجة التطورات الجيوسياسية. وقال سليغبن: «أعتقد أن مخاطر النمو والتضخم متوازنة إلى حد كبير، رغم أنها كبيرة. ما زلنا في وضع جيد، فالتضخم في أوروبا يقترب من 2 في المائة، ويمكن القول إنه أشبه بجنة بالنسبة لمحافظي البنوك المركزية، لكن في الوقت نفسه ندرك أن المخاطر لا تزال كبيرة».

وفي حديثه لصحيفة «لو فيغارو»، تبنى فيليروي وجهة نظر أكثر تساهلاً، داعياً إلى «أقصى قدر من المرونة»، مؤكداً: «هناك مخاطر في كلا الاتجاهين بالنسبة للتضخم، خصوصاً على الجانب السلبي، لذلك سنكون على قدر عالٍ من المرونة في كل اجتماع من اجتماعاتنا المقبلة».

وقد رفع البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس، توقعاته للتضخم لعام 2026؛ نتيجة تسارع نمو الأجور والخدمات، لكنه لا يزال يتوقع أن يكون نمو الأسعار الإجمالي أقل من الهدف خلال العامين المقبلين.

وأوضح البنك أن انخفاض التضخم الحالي يعود في معظمه إلى تأثيرات استثنائية في قطاع الطاقة، بينما يظل نمو الأسعار الأساسي أعلى من الهدف، ما يستدعي توخي الحذر. ومع استمرار انخفاض أسعار الطاقة منذ تاريخ انتهاء التوقعات، هناك خطر من أن تبدأ توقعات الأسعار بالانخفاض تدريجياً مع انخفاض قراءات التضخم الشهرية، مما يطيل أمد ضعف نمو الأسعار.

وقال رين: «على الرغم من المفاجآت الإيجابية الأخيرة في النمو، فإن الوضع الجيوسياسي والحرب التجارية المستمرة قد يؤديان إلى مفاجآت سلبية لمنطقة اليورو. وتجعل هذه التطورات توقعات التضخم أكثر غموضاً من المعتاد بسبب المواجهات الجيوسياسية والنزاعات التجارية العالمية».


«أدنوك» توقّع تمويلاً أخضر بمليارَي دولار مع «كي - شور» الكورية

الدكتور سلطان الجابر العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ«أدنوك» ويونغجين جانغ الرئيس ورئيس مجلس إدارة «كي - شور» (الشرق الأوسط)
الدكتور سلطان الجابر العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ«أدنوك» ويونغجين جانغ الرئيس ورئيس مجلس إدارة «كي - شور» (الشرق الأوسط)
TT

«أدنوك» توقّع تمويلاً أخضر بمليارَي دولار مع «كي - شور» الكورية

الدكتور سلطان الجابر العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ«أدنوك» ويونغجين جانغ الرئيس ورئيس مجلس إدارة «كي - شور» (الشرق الأوسط)
الدكتور سلطان الجابر العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ«أدنوك» ويونغجين جانغ الرئيس ورئيس مجلس إدارة «كي - شور» (الشرق الأوسط)

أعلنت «أدنوك» توقيع اتفاقية تمويل أخضر بقيمة 7.34 مليار درهم (نحو مليارَي دولار) مع «شركة التأمين التجاري الكورية» (كي - شور)؛ لتمويل مشروعات منخفضة الكربون عبر عملياتها المختلفة، في خطوة قالت إنها تعكس التزامها بإدماج مبادئ التمويل المستدام ضمن خطط النمو والتوسع.

وأوضحت «أدنوك» أن التسهيل الائتماني المدعوم من «كي - شور» جرت هيكلته ضمن «إطار عمل التمويل المستدام» الخاص بالشركة، بما يتيح تمويل المشروعات المؤهلة والمتوافقة مع المعايير الدولية المعتمدة للتمويل المستدام.

وأضافت أن «فيتش المستدامة» أصدرت رأياً مستقلاً بصفتها «طرفاً ثانياً» يؤكد توافق إطار عمل «أدنوك» مع تلك المعايير.

وجرى الإعلان عن الاتفاقية خلال زيارة الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ«أدنوك» ومجموعة شركاتها، إلى جمهورية كوريا، حيث التقى يونغجين جانغ، الرئيس ورئيس مجلس إدارة «كي - شور».

وقال خالد الزعابي، رئيس الشؤون المالية لمجموعة «أدنوك»، إن التسهيل الائتماني «يؤكد التزام (أدنوك) بتمويل النقلة النوعية في أنظمة الطاقة بالتزامن مع الحفاظ على نهج قوي ومنضبط في إدارة رأس المال». وأضاف أن الشراكة مع «كي - شور» توسِّع نطاق الوصول إلى التمويل الأخضر، وتعزِّز العلاقات الاقتصادية مع كوريا، إلى جانب دعم مساعي الشركة لترسيخ مكانتها ضمن الشركات الرائدة في مجال الطاقة منخفضة الكربون عالمياً.

وبيّنت «أدنوك» أن هذا التسهيل يمثل أول تمويل ائتماني أخضر للشركة، يأتي مدعوماً من وكالة ائتمان صادرات كورية، وذلك بعد صفقة مماثلة بقيمة 11 مليار درهم (3 مليارات دولار) أبرمتها مع «بنك اليابان للتعاون الدولي» في عام 2024. وبذلك ترتفع القيمة الإجمالية للتمويلات الخضراء التي حصلت عليها «أدنوك» إلى 18.35 مليار درهم (5 مليارات دولار) خلال 18 شهراً، وفق البيان.

وفي سياق أهداف خفض الانبعاثات، أشارت الشركة إلى أنها تُعد من بين منتجي النفط والغاز الأقل كثافة في مستويات الانبعاثات الكربونية، وتعمل على خفض كثافة انبعاثات عملياتها التشغيلية بنسبة 25 في المائة بحلول عام 2030.

كما لفتت إلى أنها تستثمر 84.4 مليار درهم (23 مليار دولار) في مشروعات خفض الانبعاثات من عملياتها، إلى جانب تسريع نمو مصادر الطاقة الجديدة، بما في ذلك الهيدروجين والطاقة الحرارية الجوفية والطاقة المتجددة.

وأضافت «أدنوك» أنها عضو مؤسس في «ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز»، وهو ائتلاف يضم شركات وطنية ودولية تعهدت بتحقيق صافي انبعاثات من الميثان قريبة من الصفر بحلول عام 2030، وصافي انبعاثات صفري بحلول أو قبل عام 2050.

وذكرت الشركة أن «بنك أبوظبي الأول» تولى دور المنسق لجزء «التمويل الأخضر»، بينما قام بنك «سانتاندير» بدور المنسق لجزء «وكالة ائتمان الصادرات» ضمن الاتفاقية.