مَن هم المتحكّمون بمقدرات الذكاء الاصطناعي؟

طروحات تعدُّه سباقاً جيوسياسياً للغلبة والفوز وليس نظاماً مجتمعياً ينبغي إدارته بحكمة

الذكاء الاصطناعي قد يوظف للغلبة والفوز.. رغم استفادة كل المجتمعات من مزاياه الفريدة
الذكاء الاصطناعي قد يوظف للغلبة والفوز.. رغم استفادة كل المجتمعات من مزاياه الفريدة
TT

مَن هم المتحكّمون بمقدرات الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي قد يوظف للغلبة والفوز.. رغم استفادة كل المجتمعات من مزاياه الفريدة
الذكاء الاصطناعي قد يوظف للغلبة والفوز.. رغم استفادة كل المجتمعات من مزاياه الفريدة

في قاعات مجالس إدارة وادي السيليكون، تباشر مجموعة صغيرة من المديرين التنفيذيين في هدوء اتخاذ قرارات ستُشكّل مسار حياة المليارات من البشر. ومعظمنا لن يعرف ما هي تلك القرارات إلا بعد فوات الأوان لتغييرها.

خطة أميركية للذكاء الاصطناعي

نشر البيت الأبيض، في يوليو (تموز) الماضي، «خطة عمل الذكاء الاصطناعي الأميركية»، وهي وثيقة من 28 صفحة تبدو أشبه بسياسة صناعية لسباق تسلح جديد.

يكمن في الركيزة الأولى سطر يُخبرك بالضبط إلى أين تتجه سياسة الولايات المتحدة: «مراجعة إطار عمل إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي التابع للمعهد الوطني للمعايير والتقنية (NIST) لإزالة الإشارات إلى المعلومات المضللة، والتنوع، والمساواة، والشمول، وتغيرات المناخ».

عندما تبدأ الحكومات في شطب هذه الكلمات عن قصد، من الإنصاف أن نتساءل: مَن الذي يضع شروط مستقبلنا التكنولوجي - ولمن تكون الفائدة؟تخفيف الرقابة... وسباق جيوسياسي

هذا أكثر من مجرد كلام. تتباهى الخطة نفسها بإلغاء أمر الإدارة الأميركية السابقة بشأن الذكاء الاصطناعي، وتخفيف الرقابة، وتسريع وتيرة البنية التحتية والطاقة لمراكز البيانات. إنها تُعيد صياغة الذكاء الاصطناعي بصورة أساسية بوصفه سباقاً جيوسياسياً «للغلبة والفوز»، وليس بوصفه نظاماً مجتمعياً تنبغي إدارته. إنه منظور أقل تركيزاً حول الإشراف وأكثر توجهاً صوب إبرام الصفقات، وهو أسلوب حوكمة يُعامل السياسة العامة معاملة وثيقة الشروط. هذا التأطير مهم: فعندما يكون الهدف السياسي هو السرعة والهيمنة، تصبح المساءلة مجرد «شيء جميل مُضاف».

المسار الأوروبي

اختارت أوروبا مساراً مختلفاً تماماً: فرض القيود أولاً، ثم التوسع. دخل قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي حيز التنفيذ في أغسطس (آب) من عام 2024، ويفرض التزامات تدريجية حتى عام 2026، مع تصميم إنفاذ القانون بناءً على المخاطر. فهل هو منقوص؟ بكل تأكيد. لكن الرسالة لا لبس فيها: يتعين على المؤسسات الديمقراطية - وليس فقط على إدارات العلاقات العامة للشركات - تحديد الاستخدامات، والإفصاحات، والمسؤوليات المقبولة قبل أن تنتشر التكنولوجيا في كل مكان.

الشركات تتحكم بالذكاء الاصطناعي

في الآونة ذاتها، يتركز ثقل الذكاء الاصطناعي في قبضة عدد قليل من الشركات التي تتحكم في قدرات الحوسبة، والنماذج، والتوزيع. لنتحدث عن الحوسبة مثالاً - أي سعة الحوسبة القائمة على الأدوات المسرعة (التي تسرّع وقت وحدة معالجة الرسوميات/وحدة المعالجة المركزية المسرّعة) اللازمة لتدريب وتشغيل الذكاء الاصطناعي الحديث - بالإضافة إلى النماذج والتوزيع.

لا يزال المحللون يُقدِّرون حصة شركة «إنفيديا» الأميركية من مسرعات الذكاء الاصطناعي بنحو 90 في المائة، وتستحوذ شركات الحوسبة السحابية الكبرى على السعة لسنوات مقدماً. وهذه الندرة تُشكل مَن يستطيع التجربة، ومَن لا يستطيعها، ومن يدفع لمن مقابل الوصول إليها. وعندما يتعامل رئيس الدولة مع السياسة التكنولوجية مثل مصرفي استثماري، فإن تلك المفاوضات لا تدور حول المصلحة العامة؛ وإنما حول تعظيم الصفقة، غالباً لمصلحة خزينة الدولة، وأحياناً لتحقيق مكاسب سياسية.

غموض وتعقيد

وما يزيد الغموض والتعقيد، التفاف الشركات وانعدام شفافيتها، إذ يرفض التقرير التقني الخاص ببرنامج «تشات جي بي تي 4» الخاص بشركة «أوبن إيه آي» الكشف عن بيانات التدريب، أو حجم النموذج، أو قدرات الحوسبة المستخدمة، مستشهدا صراحة بالمنافسة والسلامة.

وبغض النظر عن رأيك في هذا المنطق، فإن ذلك يعني أن الشركات تطلب من المجتمع قبول أنظمة ذات تبعات كبيرة بينما يبقى المجتمع إلى حد كبير جاهلاً بما يدخل في تكوينها. إن عبارة «ثقوا بنا» ليست أسلوباً للحوكمة الحكيمة.

سلطة مُركزة

إذا كنت تريد مثالاً صغيراً ولكنه واضح عن كيفية تأثير الخيارات الخاصة على الحياة العامة، فانظر إلى ما حدث عندما أطلقت شركة «أوبن إيه آي» صوتاً جذاباً يُدعى «سكاي - Sky» اعتقد الكثيرون أنه يشبه صوت الممثلة سكارليت جوهانسون. بعد رد فعل عنيف من الجمهور، أوقفت الشركة هذا الصوت مؤقتاً.

وهنا نلاحظ أنه لم تُرسم حدود ثقافية من قِبل جهة تنظيمية أو محكمة، بل من قِبل فريق منتجات، وقرار شركة. وهذا يمثل قدراً كبيراً للغاية من السلطة لمجموعة صغيرة للغاية من الناس.

أضرار بيئية

تظهر السلطة أيضاً في فواتير الخدمات. يربط أحدث تقرير بيئي لشركة «غوغل» زيادة بنسبة 48 في المائة في انبعاثات الغازات الدفيئة منذ عام 2019 بنمو مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي، ويوثق استخدام 6.1 مليار غالون من المياه في عام 2023 لأغراض التبريد - وهي أرقام سترتفع مع التوسع. يذهب تحليل دورة حياة «ميسترال - Mistral» إلى أبعد من ذلك، حيث يُقدّر استهلاك الطاقة والمياه لكل استعلام «prompt» لنماذجها. كل «استعلام للنموذج» له بصمة؛ إذا تضاعفت هذه الأرقام بالمليارات، فلن تتمكن من التظاهر بأنها مجانية، مهما كنتَ مُنكراً للتغيرات المناخية.

إذن، أجل، الولايات المتحدة «تفوز بالسباق». إلا أن تركيز القرارات التي تؤثر على حرية التعبير، والتوظيف، والتعليم، والبيئة في دائرة صغيرة للغاية من قاعات مجالس الإدارة. والنتيجة هي عجز ديمقراطي. فهنا يُختزل الجمهور إلى مجرد متفرجين، يتفاعلون مع الحقائق المفروضة بدلاً من وضع القواعد.بدائل وخيارات

ماذا لو عكسنا الوضع؟ نبدأ بمعاملة الذكاء الاصطناعي بصفته بنيةً تحتية تتطلب قدرات عامة، وليس فقط نفقات رأسمالية خاصة. تعكس مبادرة «المورد الوطني لأبحاث الذكاء الاصطناعي» التجريبية «National AI Research Resource pilot» التوجه الصحيح:

* أستاذ في جامعة آي إي، مدريد. مجلة «طفاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»• أولاً - امنح الباحثين والشركات الناشئة وصولاً مشتركاً إلى قدرات الحوسبة والبيانات والأدوات؛ حتى لا تكون الأبحاث مقيدة بعقود مع شركات الحوسبة السحابية الكبرى. اجعل الوصول مستمراً، وممولاً جيداً، ومستقلاً؛ لأن العلم المفتوح يموت عندما يصبح الوصول إليه مرهوناً باتفاقيات عدم الإفصاح.

• ثانياً - اربط الأموال والمشتريات العامة بشروط. إذا كانت الوكالات والمدارس ستشتري الذكاء الاصطناعي، فيجب أن تطلب إفصاحات أساسية: ما هي البيانات التي استُخدمت للتدريب؛ ما هي الضوابط التي تحكم المخرجات؛ ما هي الاختبارات المستقلة التي اجتازها النموذج؛ وسجل للطاقة والمياه مرتبط بالزمان والمكان، وليس بالمعدلات السنوية. إذا لم يستطع البائع تلبية هذه الشروط، فإنه لا يحصل على العقود. هذا ليس «معاداة للابتكار»، بل هو انضباط السوق الذي يتسق مع القيم العامة.

• ثالثاً - افصل الطبقات لكبح الاحتكار. لا ينبغي لمقدمي الخدمات السحابية أن يكونوا قادرين على فرض استخدام نموذجهم لرقائقهم لتشغيل خدماتهم كخيار افتراضي. إن قابلية التشغيل البيني ونقل البيانات ليستا مثاليات رومانسية؛ بل هما السبيل للحفاظ على قطاع تنافسي عندما تتحكم ثلاث شركات في البنية بأكملها.

أهمية الشفافية

• رابعاً - يجب أن تعني الشفافية أكثر من مجرد «بطاقات النماذج» التي يكتبها البائع. بالنسبة للأنظمة التي تتجاوز حجماً معيناً، يجب أن نطلب إفصاحات قابلة للتدقيق لأطراف ثالثة مؤهلة - حول مصدر بيانات التدريب، ومجموعات التقييم، وأداء ما بعد النشر. إذا كان هذا يبدو مرهقاً؛ فذلك لأن العواقب على نطاق واسع مرهقة كذلك. لقد تعلمنا هذا في كل بنية تحتية حيوية أخرى.

• خامساً - اجعل السرد البيئي يتواءم مع الواقع. يجب أن تكون إفصاحات المياه والطاقة فورية، وخاصة بالمنشأة، وموثقة.

إن «توفير المياه بحلول عام 2030» لا يساعد بلدة ما تُستنزف طبقة المياه الجوفية لديها في هذا العقد. إذا كانت الشركات تريد أن تكون سبّاقة في طرح النماذج الرائدة، فيجب أن تكون أيضاً الأولى في تطبيق شراء الطاقة الخالية من الكربون على مدار الساعة، وتحديد ميزانيات مياه صارمة ذات صلة بالعلوم المحلية لحركة وتوزيع وإدارة المياه.

خطر أعمق

هناك خطر أعمق عندما تُدار الاستراتيجية التكنولوجية الوطنية مثلما تدار محفظة الأعمال: إذ تصبح الكفاءة والإيرادات هي المقاييس الأساسية؛ ما يطغى على احتياجات المواطنين التي يصعب قياسها كمياً.

في القطاع الخاص، يمكن تبرير التضحية بالأخلاق أو الشفافية أو الاستقرار على المدى الطويل من أجل صفقة مربحة بأنها تهدف إلى زيادة قيمة المساهمين. أما في الحكومة، فتؤدي هذه المقايضة نفسها إلى تآكل الديمقراطية ذاتها؛ ما يركز القرارات في أيدي أقل، ويجعل منظور «الربح أولاً» طبيعياً في مسائل يجب أن تركز على الحقوق، والضمانات، وثقة الجمهور.

ليس الهدف هو إبطاء الذكاء الاصطناعي. وإنما أن نقرر، علناً، أي نوع من الذكاء الاصطناعي نريده وبأي شروط.

إن الولايات المتحدة قادرة على الجمع بين الطموح وضبط النفس في آن واحد؛ لقد فعلنا ذلك في مجالات الطيران، والطب، والتمويل. يجب ألا يكون الذكاء الاصطناعي مختلفاً عن ذلك. إذا تركنا الخيارات الكبرى لعدد قليل من الشركات وعدد قليل من المُعينين السياسيين، فسوف نحصل على مستقبل صُنع لأجلنا، وليس بواسطتنا. وسوف يكون ثمن إعادة كتابته لاحقاً أعلى مما يعترف به أي إنسان اليوم.* أستاذ في جامعة آي إي، مدريد. مجلة «طفاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي» لتطوير الصناعة في السعودية

الاقتصاد أحد المصانع في السعودية (واس)

إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي» لتطوير الصناعة في السعودية

أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية إطلاق مبادرة «تقنيات التحوّل الاستثنائي»، بالتعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست».

«الشرق الأوسط» (الرياض )
تكنولوجيا شاشة مبهرة وأداء متقدم وبطارية طويلة العمر

أخف كمبيوتر محمول في العالم يواكب ثورة الذكاء الاصطناعي المحلي

إن كنت ممن يتنقلون كثيراً للعمل أو الدراسة، فسيعجبك كمبيوتر «تكنو ميغابوك إس 14» Tecno Megabook S14 الذي يتميز بأنه أخف كمبيوتر محمول بقطر 14 بوصة وزناً.

خلدون غسان سعيد (جدة)
تكنولوجيا ميزات التصوير بتطبيق كاميرا "ابل"

دليلك للتحكم في كاميرا هاتفك الذكي الجديدة

حقق التصوير الفوتوغرافي عبر الهواتف الذكية قفزات كبرى، منذ إطلاق أول كاميرا لهاتف «آيفون» بدقة 2 ميغابكسل، عام 2007. واليوم، أصبحت الهواتف

جي دي بيرسدورفر (نيويورك)
علوم الانسان ضائع في عصر الذكاء الاصطناعي وهلوساته

نظرة إلى الذكاء الاصطناعي... وصحة الدماغ في 2025

إليكم ما يقوله أربعة من الاختصاصيين في حول الجوانب العلمية التي أثارت اهتمامهم في عام 2025. الذكاء الاصطناعي: محتوى منمق وغير منطقي نحن نغرق في بحر من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا القفل الذكي «نوكي«

أفضل الأقفال الذكية

• القفل الذكي «نوكي» Nuki. يتميز القفل الذكي «نوكي» بمكونات عالية الجودة، وقدرات تكامل سلسة، وتصميم أنيق، كما تصفه الشركة. يعتبر هذا القفل المبتكر جديداً على ال

غريغ إيلمان (واشنطن)

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟
TT

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

يعتمد العلماء منذ سنوات طويلة على خرائط الجينات البشرية لفهم كيفية عمل الجسم وتفسير أسباب الأمراض، بل أيضاً لتطوير علاجات دقيقة لها.

بيانات وراثية أوروبية

لكنّ دراسة علمية حديثة كشفت أن هذه الخرائط رغم أهميتها لا تُمثل البشرية جمعاء بعدالة؛ لأنها بُنيت في الأساس على بيانات وراثية لأشخاص من أصول أوروبية، ما أدّى إلى تجاهل جزء كبير من التنوع الجيني العالمي.

وتُشير الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2025 إلى أن هذا الخلل العلمي ليس تفصيلاً بسيطاً، بل قد يؤثر مباشرة في فهمنا للأمراض، وكيف تختلف بين الشعوب، ولماذا تظهر بعض الحالات الصحية بشكل أكثر شيوعاً أو بشدة أكبر لدى مجموعات سكانية دون غيرها.

ما هي خرائط الجينات؟

خرائط الجينات بمثابة دليل إرشادي يوضح مواقع الجينات في الحمض النووي «دي إن إيه» (DNA)، ويشرح كيف تُستخدم هذه الجينات داخل الخلايا لإنتاج البروتينات، وهي الجزيئات المسؤولة عن معظم وظائف الجسم. لكن الجين الواحد لا يعمل دائماً بالطريقة نفسها، إذ يمكنه إنتاج أكثر من نسخة من التعليمات الجينية تُعرف بجزيئات الحمض النووي الريبي «RNA»، من خلال عملية تُسمى «التضفير» (splicing). وقد تؤدي هذه النسخ المختلفة إلى بروتينات متباينة، ومن ثم إلى اختلافات في وظائف الخلايا والاستجابة للأمراض.

ما التضفير الجيني؟

عند قراءة الخلية للتعليمات الوراثية لا تستخدم النص الخام كما هو، فبعد نسخ الجين إلى الحمض النووي الريبي «RNA» تقوم الخلية بعملية تُسمى التضفير؛ حيث تُزال الأجزاء غير الضرورية، وتُربط الأجزاء المفيدة فقط لتكوين رسالة جينية جاهزة لصنع البروتين.

الأهم من ذلك أن الخلية قد تُغيّر طريقة الربط أحياناً في عملية تُعرف بـالتضفير البديل، ما يسمح للجين الواحد بإنتاج عدة بروتينات مختلفة، وهذه الآلية تفسر التنوع الكبير في وظائف الخلايا، كما تُساعد العلماء على فهم سبب اختلاف الأمراض واستجابتها للعلاج بين الأفراد والشعوب.

أين تكمن المشكلة؟

المشكلة الأساسية، حسب الدراسة، أن معظم خرائط الجينات الحالية اعتمدت على عينات وراثية من أشخاص ذوي أصول أوروبية. ورغم أن البشر يتشابهون جينياً بنسبة تقارب 99.9 في المائة فإن النسبة المتبقية تعكس تاريخاً طويلاً من التطور والاختلافات التي نشأت بسبب العزلة الجغرافية والبيئية.

ويضيف المؤلف المشارك الرئيسي الدكتور روديريك غويغو من مركز «تنظيم الجينوم» بمعهد «برشلونة للعلوم والتكنولوجيا» بإسبانيا، أنه وبسبب هذا التركيز الأوروبي لم تُسجَّل الكثير من النسخ الجينية الموجودة لدى سكان أفريقيا وآسيا والأميركتين، ونتيجة ذلك ظلّت أجزاء مهمة من النشاط الجيني البشري غير مرئية للعلماء.

ماذا اكتشف الباحثون؟

واستخدم فريق البحث تقنية متطورة تُعرف باسم «تسلسل الحمض النووي الريبي طويل القراءة»، وهي تقنية تسمح بقراءة جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» كاملة، وليس على شكل أجزاء صغيرة كما في الطرق الأقدم.

وقام الباحثون بتحليل خلايا دم من 43 شخصاً ينتمون إلى مجموعات سكانية متنوعة حول العالم. وكانت النتيجة مفاجئة؛ حيث جرى اكتشاف نحو 41 ألف نسخة من جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» لم تكن مدرجة في خرائط الجينات الرسمية. والأهم من ذلك أن نسبة كبيرة من هذه النسخ يمكن أن تنتج أشكالاً جديدة أو مختلفة من البروتينات لم يكن العلماء على علم بوجودها من قبل.

وتبيّن أن هذه النسخ الجديدة تظهر بشكل أكبر لدى الأشخاص من أصول غير أوروبية، في حين كانت معظم النسخ لدى الأوروبيين معروفة مسبقاً، ما يؤكد وجود تحيّز علمي غير مقصود في قواعد البيانات الجينية.

لماذا يهمنا هذا الاكتشاف؟

وتكمن أهمية هذه النتائج في ارتباط بعض النسخ الجينية المكتشفة حديثاً بجينات معروفة لها علاقة بأمراض مثل الربو والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي واضطرابات الكولسترول. وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه النسخ تسبب الأمراض، لكنه يعني أن العلماء قد يكونون قد أغفلوا إشارات جينية مهمة تُساعد على فهم اختلاف المرض بين الشعوب.

فإذا كانت الخرائط الجينية لا تتضمن كل النسخ الموجودة فعلياً فإن الأبحاث الطبية التي تعتمد عليها قد تكون ناقصة، وقد لا تُفسر بدقة لماذا يستجيب بعض المرضى للعلاج في حين لا يستجيب آخرون.

نحو طب أكثر عدالة

تُشير الدراسة إلى أن الاعتماد على «جينوم مرجعي واحد» لجميع البشر لم يعد كافياً، فعندما استخدم الباحثون خرائط جينية شخصية لكل فرد ظهرت نسخ إضافية لم تكن مرئية من قبل، خصوصاً لدى ذوي الأصول الأفريقية.

ولهذا يدعو العلماء إلى العمل على إنشاء ما يُعرف بـ«البانترانسكريبتوم البشري» (pantranscriptome) وهو مشروع طموح يهدف إلى جمع كل نسخ الحمض النووي الريبي «RNA» المستخدمة في مختلف أنسجة الجسم وعبر مراحل العمر ولدى جميع الشعوب.

الخطوة التالية

ويعترف الباحثون بأن دراستهم ما زالت محدودة، إذ شملت نوعاً واحداً من الخلايا وعدداً صغيراً نسبياً من الأشخاص. ومع ذلك فإن حجم الاكتشافات يُشير إلى أن ما نعرفه اليوم قد لا يكون سوى «قمة جبل الجليد».

ويؤكد العلماء أن بناء خرائط جينية أكثر شمولاً لن يكون مجرد إنجاز علمي بل خطوة أساسية نحو طب جينومي أكثر دقة وعدالة يراعي التنوع الحقيقي للبشرية، ويضمن أن يستفيد الجميع من التقدم العلمي، لا فئة واحدة فقط.


بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
TT

بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض

لم يعد الذكاء الاصطناعي في الطب ضيفاً تجريبياً، ولا فكرةً مستقبلية تُناقَش في مؤتمرات النخبة. لقد دخل العيادة بهدوء، وجلس إلى جوار الطبيب دون معطف أبيض، وبدأ يشارك في قراءة الأشعة، واقتراح خطط العلاج، وكتابة ملاحظات السجل الطبي، وأحياناً في ترتيب أولويات المرضى أنفسهم.

تساؤلات أخلاقية

ومع هذا الدخول الصامت، وُلد سؤال أكبر من التقنية ذاتها: ما الذي يجب أن يعرفه المريض؟ ومَن يضمن عدالة القرار؟ ومَن يتحمّل الخطأ إن وقع؟

هذه ليست أسئلة فلسفية مجردة، بل أسئلة أخلاقية يومية، يواجهها الطب الحديث في عام 2025، في غرف الطوارئ، وعيادات الأورام، ومراكز الأشعة، وحتى في التطبيقات الصحية التي يحملها المرضى في جيوبهم.

حين يُصبح القرار مشتركاً... مَن المسؤول؟

في الطب التقليدي، كانت المسؤولية واضحة نسبياً: الطبيب يشخّص، ويقرّر، ويتحمّل تبعات قراره. أما في الطب المدعوم بالذكاء الاصطناعي، فقد أصبح القرار مشتركاً، ولكنه غير متكافئ:

- خوارزمية تقترح.

- طبيب يراجع أو يثق.

- مريض لا يرى إلا النتيجة.

فإذا أخطأت الخوارزمية في قراءة صورة، أو بالغت في تقدير خطر، أو تجاهلت متغيراً نادراً... من يُسأل؟ هل هو الطبيب الذي اعتمد عليها؟ أم المستشفى الذي اشترى النظام؟ أم الشركة التي درّبت الخوارزمية على بيانات غير مكتملة؟

هنا، لا يكفي أن نقول إن الذكاء الاصطناعي «أداة مساعدة»، فالأداة التي تُغيّر مسار قرار علاجي قد تُغيّر مصير إنسان.

قرار واحد... ووجوه مختلفة: سؤال العدالة الخوارزمية

عدالة الخوارزمية... هل هي محايدة حقّاً؟

يُروَّج للذكاء الاصطناعي بوصفه أكثر عدالة من البشر، لأنه لا يتعب ولا يتحيّز عاطفياً، لكن الحقيقة العلمية تقول شيئاً أكثر تعقيداً: الخوارزمية ترث تحيّزات البيانات التي دُرِّبت عليها. فإذا كانت البيانات تمثّل فئات عمرية أو عرقية أو جغرافية دون غيرها، فإن القرار الناتج قد يكون دقيقاً لفئة... وخاطئاً لأخرى.

وإذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تُدرَّب في بيئات صحية غربية متقدمة، فهل تكون قراراتها عادلة حين تُستخدم في سياقات صحية مختلفة في العالم العربي أو الدول النامية؟

العدالة هنا ليست شعاراً أخلاقياً، بل شرط علمي وسريري. خوارزمية غير عادلة قد تكون أخطر من طبيب متعب.

حق المريض في المعرفة... إلى أي حدّ؟

أحد أكثر الأسئلة حساسية اليوم هو: هل يحق للمريض أن يعرف أن قرار علاجه أسهم فيه ذكاء اصطناعي؟ أخلاقياً، يميل الجواب إلى «نعم»، فالمريض ليس مجرد متلقٍّ للعلاج، بل شريك في القرار، ومن حقه أن يعرف كيف صُنِع هذا القرار، وبأي أدوات، وعلى أي افتراضات.

لكن الواقع السريري أكثر تعقيداً. لا أحد يريد أن يُربك المريض بتفاصيل تقنية لا يفهمها، أو أن يُضعف ثقته بالعلاج، أو أن يحوّل العيادة إلى قاعة شرح خوارزميات. هنا يظهر التحدي الحقيقي: كيف نُفصح دون أن نُرهق؟ وكيف نُصارح دون أن نُقلق؟

الطريق الأخلاقي ليس في الصمت، ولا في الإغراق بالمصطلحات، بل في الإفصاح الذكي: أن يُقال للمريض، بلغة إنسانية بسيطة، إن النظام ساعد الطبيب في التحليل، لكن القرار النهائي بقي بيد الإنسان، وتحت مسؤوليته.

الطبيب بين الثقة والكسل المعرفي

مع ازدياد دقة الأنظمة الذكية، يواجه الأطباء خطراً صامتاً لا يُناقَش كثيراً: الكسل المعرفي. إذ حين يعتاد الطبيب على أن «الخوارزمية لا تخطئ»، قد يتراجع دوره من ناقد علمي إلى مُصدِّق تقني. وهنا لا يصبح الذكاء الاصطناعي مساعداً، بل سلطة خفية.

الطب، في جوهره، ليس قراءة أرقام فقط، بل فهم سياق: مريض قلق، تاريخ اجتماعي، عوامل نفسية، تفاصيل لا تظهر في البيانات. والخطر الحقيقي ليس أن تُخطئ الخوارزمية، بل أن يتوقف الطبيب عن مساءلتها.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لا تُطالب الأطباء برفض التقنية، بل تطالبهم بشيء أبسط وأعمق: أن يبقى الضمير يقظاً، والعقل ناقداً، وألا يُسلِّم القرار الطبي النهائي إلا بعد فهمه، لا بعد نسخه.

حين يتقدّم القرار الآلي... مَن يقود الضمير؟

الشفافية... حين لا نفهم كيف وصل القرار

واحدة من أعقد المعضلات الأخلاقية اليوم هي ما يُعرف بـ«الصندوق الأسود»، فكثير من أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تصل إلى قرارات دقيقة إحصائياً، لكنها تعجز عن شرح كيف ولماذا وصلت إلى هذه النتيجة.

فكيف يُحاسَب قرار لا يمكن تفسيره؟ وكيف يُناقَش تشخيص لا نعرف مساره المنطقي؟ وهل يجوز أخلاقياً أن نُخضع مريضاً لعلاج، لأن «الخوارزمية قالت ذلك»، دون تفسير قابل للفهم البشري؟

الطب لا يعيش على الدقة وحدها، بل على الشرح والثقة. والمريض لا يطلب دائماً نسبة مئوية، بل يريد أن يفهم. ولهذا، فإن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الطب تدفع اليوم بقوة نحو ما يُسمّى «الذكاء القابل للتفسير»، لا لأنه أجمل علمياً، بل لأنه أكثر إنسانية.

المساءلة القانونية... فراغ يتّسع

إذا حدث الخطأ، يبدأ السؤال الأصعب: مَن يُحاسَب؟ القوانين الصحية في معظم دول العالم لم تُصمَّم لعصر تشارُك القرار بين الإنسان والآلة. فلا هي تُدين الخوارزمية، ولا تُعفي الطبيب، ولا تُحدِّد بوضوح مسؤولية الشركات المطوِّرة.

هذا الفراغ القانوني ليس تفصيلاً إدارياً، بل خطر أخلاقي حقيقي.

فمن دون مساءلة واضحة، قد يُغري الذكاء الاصطناعي بعض الأنظمة الصحية بتوسيع استخدامه بلا ضوابط، أو تحميل الطبيب وحده مسؤولية قرار لم يصنعه منفرداً، ولهذا، فإن النقاش الأخلاقي اليوم لم يعد ترفاً أكاديمياً، بل ضرورة تشريعية: قوانين تُحدِّد المسؤولية، وتحمي المريض، وتُعيد رسم حدود الثقة بين الإنسان والتقنية.

الخلاصة: حين تسبق الخوارزمية... يجب أن يتقدّم الضمير

الذكاء الاصطناعي في الطب ليس شراً ولا خلاصاً. إنه مرآة لما نضعه فيه: بياناتنا، وقيمنا، وانحيازاتنا.

فإن قُدِّم بلا أخلاق، تحوّل إلى أداة باردة، وإن وُضع في يد طبيب بلا مساءلة، أصبح سلطة صامتة. وإن أُدير بحكمة، أعاد للطب جوهره الأصيل: أن يُنقذ الإنسان دون أن يُلغيه.

وكما قال ابن سينا قبل ألف عام: «العلم بلا ضمير خطر على النفس». وفي عصر الخوارزميات، لعل أخطر ما نخسره ليس الخطأ التقني... بل أن ننسى أن الطب، في النهاية، فعل رحمة قبل أن يكون قراراً ذكياً.


دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
TT

دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة

لطالما كان توقيت وصول الإنسان الحديث إلى أستراليا وكيفية حدوث ذلك واحداً من الأسئلة المثيرة في تاريخ البشرية. وتشير دراسة جينية جديدة إلى أن البشر وصلوا إلى القارة القديمة المعروفة باسم «ساهول» قبل نحو 60 ألف عام، وقد سلكوا في ذلك مسارَيْن مختلفَيْن عبر البحر، في واحدة من أقدم الأدلة المعروفة على الملاحة البحرية المتعمدة.

وقد نُشرت نتائج الدراسة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 بمجلة «Science Advances»، إذ دعّمت ما يُعرف بفرضية «التسلسل الزمني الطويل» التي تفترض أن أولى موجات الاستيطان البشري في أستراليا حدثت قبل ما بين 60 و65 ألف سنة، وليس في فترة لاحقة، كما افترضت بعض النظريات السابقة.

قارة قديمة ونقاش طويل

كانت «ساهول» (Sahul) قارة واحدة تضم ما يُعرف اليوم بأستراليا وغينيا الجديدة وتسمانيا. ومع ارتفاع مستويات البحار بعد العصر الجليدي الأخير قبل نحو 9 آلاف عام انفصلت هذه اليابسة إلى القارات والجزر الحالية.

وعلى مدى عقود اختلف العلماء حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى هذه المنطقة، ففي حين افترضت بعض الدراسات وصولاً متأخراً نسبياً قبل نحو 47 إلى 51 ألف عام، قدمت الدراسة الجديدة أدلة قوية على استيطان أقدم بكثير.

ويقول عالم الآثار كريستوفر كلاركسون، من جامعة غريفيث في أستراليا الذي لم يشارك في الدراسة، إن هذه أول دراسة شاملة تربط بين علم الآثار والوراثة والمناخ والملاحة البحرية، وتقدم حجة قوية للغاية حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى أستراليا.

تتبع الأصول عبر خط الأم

وقد اعتمد الباحثون على نوع خاص من الحمض النووي (دي إن إيه) DNA يُعرف بالحمض النووي للميتوكوندريا، الذي يُورث غالباً من الأم فقط. وتُعد هذه المادة الوراثية أداة مهمة لتتبع السلالات البشرية عبر آلاف الأجيال.

وحلل الفريق الجينومات الميتوكوندرية لنحو ألف شخص معظمهم من السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة إلى جانب نحو 1500 جينوم منشور سابقاً. ومن خلال تتبع الطفرات الوراثية الصغيرة تمكّن الباحثون من إعادة بناء سلالات بشرية قديمة تعود إلى نحو 60 ألف عام.

مساران للهجرة نحو «ساهول»

ومن أبرز نتائج الدراسة أن البشر الأوائل لم يصلوا إلى «ساهول» عبر طريق واحد فقط بل عبر مسارَين مختلفين في الفترة الزمنية نفسها تقريباً.

كما يرجّح الباحثون أن إحدى المجموعتَين سلكت مساراً شمالياً عبر ما يُعرف اليوم بالفلبين وشرق إندونيسيا، في حين جاءت مجموعة أخرى عبر مسار جنوبي انطلقت فيه من جنوب شرق آسيا القارية مع عبور مساحات من البحر المفتوح.

وتشير النتائج إلى أن معظم السلالات الحية اليوم بين السكان الأصليين لأستراليا وغينيا الجديدة تعود إلى أسلاف اتبعوا المسار الشمالي.

ويقول عالم الآثار، آدم بروم، من جامعة غريفيث الأسترالية الذي لم يشارك أيضاً في الدراسة، إن هذه النتائج تقدم دعماً قوياً لفكرة أن المسار الشمالي كان المفتاح في الاستيطان الأول لأستراليا، مشيراً إلى اكتشافات حديثة لفنون كهوف قديمة جداً في إندونيسيا تدعم هذا الطرح.

أصل أفريقي واحد

وعلى الرغم من اختلاف المسارات تشير الدراسة إلى أن المجموعتَين تنحدران من سلالة بشرية واحدة خرجت من أفريقيا قبل نحو 70 إلى 80 ألف عام. ويُعتقد أن هذا الانقسام حدث في جنوب أو جنوب شرق آسيا قبل 10 إلى 20 ألف عام من الوصول إلى «ساهول».

ويؤكد الباحث المشارك في كلية العلوم التطبيقية بجامعة هدرسفيلد في المملكة المتحدة، مارتن ريتشاردز، أن السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة يمتلكون أقدم سلالة بشرية متصلة خارج أفريقيا دون انقطاع.

دليل مبكر على الملاحة البحرية

ولا تقتصر أهمية الدراسة على الجانب الجيني فحسب، بل تسلط الضوء أيضاً على القدرات التقنية للإنسان القديم، فالوصول إلى «ساهول» تطلّب عبور مسافات طويلة من البحر المفتوح حتى في فترات انخفاض مستوى سطح البحر.

وتقول الباحثة المشاركة هيلين فار، من مركز علم الآثار البحرية بقسم الآثار في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، إن هذه الرحلات لم تكن نتيجة انجراف عشوائي بل دليل على استخدام القوارب والقيام برحلات بحرية محددة ومقصودة قبل نحو 60 ألف عام.

إعادة رسم تاريخ الهجرة البشرية

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن الإنسان الحديث كان أكثر قدرة على التخطيط والتنقل والاستكشاف عما كان يُعتقد سابقاً، وأن استيطان أستراليا لم يكن حدثاً واحداً بسيطاً بل عملية معقدة شاركت فيها مجموعات متعددة ومسارات مختلفة.

ومع استمرار تطور تقنيات تحليل الحمض النووي واكتشاف مواقع أثرية جديدة يتوقع العلماء أن تتضح صورة أكثر دقة عن بدايات انتشار الإنسان الحديث حول العالم، لتؤكد أن أستراليا كانت من أوائل محطات هذه الرحلة البشرية الكبرى.