مصير غامض لوزيري دفاع وداخلية الحوثيين

الجماعة وسَّعت حملة اعتقالات الموظفين الأمميين

الحوثيون شيَّعوا رئيس حكومتهم الرهوي و9 من وزرائه ويتكتمون على مصير بقية وزراء الانقلاب (أ.ف.ب)
الحوثيون شيَّعوا رئيس حكومتهم الرهوي و9 من وزرائه ويتكتمون على مصير بقية وزراء الانقلاب (أ.ف.ب)
TT

مصير غامض لوزيري دفاع وداخلية الحوثيين

الحوثيون شيَّعوا رئيس حكومتهم الرهوي و9 من وزرائه ويتكتمون على مصير بقية وزراء الانقلاب (أ.ف.ب)
الحوثيون شيَّعوا رئيس حكومتهم الرهوي و9 من وزرائه ويتكتمون على مصير بقية وزراء الانقلاب (أ.ف.ب)

تشهد العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، منذ الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت اجتماعاً لقيادات الحوثيين الخميس الماضي، حالة من الترقب والارتباك داخل الجماعة، في ظل أنباء متداولة عن وفاة وزيرين لها متأثرَين بجراحهما، وسط تكتم شديد على مصير وزير دفاعها محمد العاطفي، ووزير داخليتها عبد الكريم الحوثي.

كانت الجماعة المتحالفة مع إيران، قد شيَّعت الاثنين الماضي، رئيس حكومتها أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه ومدير مكتب مجلس الوزراء وسكرتير المجلس، وسط تعتيم على هوية بقية القتلى والمصابين. كما سارعت إلى إصدار بيانات منسوبة إلى وزير دفاعها العاطفي، ورئيس أركانها الغماري؛ للتدليل على أنهما على قيد الحياة.

مصادر خاصة في صنعاء قالت لـ«الشرق الأوسط» إن وزير الدفاع العاطفي، ووزير الداخلية الحوثي لم يظهرا علناً منذ يوم الاستهداف، وإن المعلومات المتسربة تشير إلى أنهما قد يكونان بين الجرحى الذين يخضعون للعلاج في المستشفى العسكري.

وذكرت المصادر أن الجماعة تدرس تأجيل إعلان القائمة الكاملة للضحايا بهدف تقليل الأثر المعنوي والسياسي للهجوم الذي وصفته بالأشد دقة وخطورة منذ سنوات.

وزير دفاع الحوثيين محمد ناصر العاطفي (إعلام محلي)

وأكدت تلك المصادر أن اثنين من الوزراء الذين أُصيبوا بجروح بالغة تُوفيا، دون الكشف عن اسميهما، فيما لا يزال آخرون يتلقون العلاج وسط إجراءات مشددة وتعتيم على حالتهم.

وأضافت المصادر أن قيادة الجماعة مارست ضغوطاً كبيرة على الأمم المتحدة لتسهيل نقل عدد من الوزراء وكبار العسكريين إلى الخارج للعلاج، مستندةً إلى إصابات وصفتها بالحرجة، غير أن المنظمة الأممية رفضت هذه الطلبات بشكل قاطع. وأشارت إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها الحوثيون للحصول على غطاء إنساني لنقل مسؤولين إلى الخارج، إذ سبق أن قوبلت طلبات مشابهة بالرفض.

في المقابل، أصدر مكتب الأمم المتحدة في اليمن بياناً نفى فيه بشكل قاطع أن تكون رحلاته الجوية قد استُخدمت لنقل أي شخصيات غير عاملة في المجال الإنساني أو لا تتبع المنظمة، مؤكداً أن هذه الأنباء «عارية عن الصحة».

شكوك في الإجراءات الأمنية

إلى جانب ذلك، تتصاعد التساؤلات في صنعاء حول الإجراءات الأمنية التي سبقت الضربة الإسرائيلية، فحسب مصادر وثيقة الاطلاع، فإن الاجتماعات التي كانت تعقدها حكومة الحوثيين لم تكن تتجاوز عادةً نصف ساعة، ولم يكن مسموحاً بتجمع جميع الوزراء في مكان واحد لتقليل المخاطر. غير أن الاجتماع الأخير امتد لعدة ساعات، وأعقبته دعوة للحاضرين إلى البقاء في القاعة لسماع خطاب أسبوعي لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، وهو ما جعلهم هدفاً سهلاً للغارة المفاجئة.

المصادر نفسها أشارت إلى أن المبنى الذي استُهدف استأجره الحوثيون من أحد الموالين لهم، وتجاوره في الحي مكاتب لمنظمات وقاعة مناسبات، في محاولة لتمويه طبيعة الأنشطة داخله. لكن الاستهداف الدقيق للمكان أثار تساؤلات حول كيفية تسرب المعلومات، خصوصاً أن المبنى يقع خلف مصنع للمياه بعيد عن الأنظار.

دخان يتصاعد إثر ضربة إسرائيلية في صنعاء الخاضعة للحوثيين (إعلام محلي)

وأبدت الأسر التي فقدت أبناءها في الهجوم استغرابها من اختفاء المتعلقات الشخصية للقتلى، بما في ذلك الخناجر التقليدية (الجنابي) والساعات الثمينة، وهو ما زاد من الشكوك بشأن طبيعة ما جرى في الساعات التي أعقبت الغارة.

وفي موازاة ذلك، أصدر ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» التابع للجماعة بياناً حذّر فيه من أي تواصل أو تعاون مع ما وصفها بـ«العناصر المشبوهة»، معتبراً ذلك «خيانة صريحة». وهدد البيان المخالفين بالملاحقة والمساءلة الصارمة، داعياً السكان إلى الإبلاغ عن أي أنشطة مثيرة للريبة عبر خط ساخن خُصص لهذا الغرض.

اعتقالات واسعة

في سياق متصل، وسّعت الجماعة الحوثية من حملة اعتقالاتها في صنعاء والحديدة، مستهدفةً موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المنظمات الإنسانية. وقالت الحكومة اليمنية إن هذه الحملة تمثل «تطوراً خطيراً» يهدد مستقبل العمل الإغاثي في البلاد.

وأكدت أن الحوثيين اختطفوا أربعة موظفين جدد من برنامج الأغذية العالمي هم: إياد شمسان، وصالح الأرباني، وأيمن المتوكل، ويحيى الحبشي. وبذلك يرتفع العدد الكلي للمختطفين من البرنامج إلى 13 موظفاً، بينهم خبراء في تكنولوجيا المعلومات والأمن.

الحوثيون شنوا موجة اعتقالات جديدة في صفوف الموظفين الأمميين (إعلام محلي)

ووفقاً لوزير الإعلام معمر الإرياني، فإن هذه الخطوة جاءت امتداداً لعملية الاقتحام التي نفذتها الجماعة ضد مقر برنامج الأغذية العالمي في صنعاء قبل أيام، حين اختطفت ستة من موظفيه بينهم مدير البرامج عمار ناصر، وكبير خبراء النظم وسيم سلطان، ومسؤول الأمن أكرم المغربي، إلى جانب ثلاثة من موظفي البرنامج في الحديدة هم: كمال المغربي وأنس حميد وعبد الله القاضي.

ولم تَسْلم منظمة «يونيسف» من هذه الإجراءات، إذ طالت الاعتقالات أربعة من موظفيها بينهم نائبة المدير في صنعاء، لونا شكري، وهي أردنية الجنسية.

وزير الإعلام اليمني تحدث عن «انتهاكات جسيمة» ارتكبتها الجماعة بحق الموظفين الأمميين، مؤكداً أنهم أُجبروا على التقاط صور شخصية، والتوقيع على تعهدات بعدم السفر إلا بإذن مسبق، كما تمت مصادرة هواتفهم وأجهزتهم. ووصف الوزير هذه الممارسات بأنها «نهج خطير» يهدف إلى تحويل العاملين الإنسانيين إلى رهائن وأدوات ابتزاز سياسي وأمني، في تحدٍّ سافر للقانون الدولي الإنساني والأعراف الدولية.

عناصر حوثيون في صنعاء خلال تشييع رئيس حكومتهم ووزرائه (إ.ب.أ)

الإرياني حمّل الحوثيين المسؤولية الكاملة عن سلامة المختطفين، ودعا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة، معتبراً أن الصمت الدولي يشجع الجماعة على المضي في هذه الانتهاكات.

وأشار الوزير إلى أن هذه التطورات تؤكد صحة تحذيرات الحكومة المتكررة بشأن مخاطر استمرار عمل المنظمات الدولية من داخل مناطق سيطرة الحوثيين. وطالب بضرورة إعادة النظر في وجود مكاتب الأمم المتحدة هناك، ونقلها إلى العاصمة المؤقتة عدن حيث تتوفر بيئة آمنة ومستقرة لعملها. كما دعا إلى تحرك عاجل لتأمين الإفراج عن جميع المختطفين وضمان سلامتهم.

ويرى مراقبون أن ما تقوم به الجماعة الحوثية لا يقتصر على انتهاك حقوق الأفراد، بل يشكل تهديداً مباشراً لمستقبل العمل الإنساني في اليمن، حيث يعتمد أكثر من 17 مليون شخص على المساعدات الدولية.


مقالات ذات صلة

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

العالم العربي المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الثلاثاء إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات مع إلزام قواتها بالانسحاب من اليمن خلال 24 ساعة

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ) play-circle

خاص مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

قال مستشار الرئيس اليمني إن المشهد اليمني يمر بمحاولة جادة لـ«هندسة عسكية» تستعيد فيه الدولة زمام المبادرة بدعم إقليمي وثيق وفرض منطق القانون.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج الإمارات تعلن سحب ما تبقى من قواتها من اليمن

الإمارات تعلن سحب ما تبقى من قواتها من اليمن

أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية سحب ما تبقى من فرقها المختصة بمكافحة الإرهاب في اليمن.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
العالم العربي تحالف دعم الشرعية استهدف شحنة عسكرية لـ«الانتقالي» في المكلا (أ.ف.ب)

حزم سعودي لفرض الاستقرار الأمني شرق اليمن

ضربة وقائية من تحالف دعم الشرعية في المكلا ضد شحنة أسلحة غير قانونية، مع تشديد على خروج قوات الإمارات ودعم الحل السياسي لقضية الجنوب في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي الرئيس رشاد العليمي خلال ترؤسه اجتماع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

مسؤول يمني: الرئاسة تحركت لمواجهة تهديد مباشر لأمن البلاد

أكد مسؤول يمني أن القرارات التي أصدرها الرئيس رشاد العليمي جاءت للحفاظ على المركز القانوني للدولة اليمنية، ومواجهة خطر داهم لأمن واستقرار ووحدة اليمن.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
TT

اليمن يعلن حالة الطوارئ ويطلب خروج القوات الإماراتية خلال 24 ساعة

المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)
المجلس الانتقالي الجنوبي حاول إخضاع شرق اليمن بالقوة المسلحة (رويترز)

أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، مع إلزام قواتها بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية خلال 24 ساعة، في إطار جهود الحكومة اليمنية للحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها إزاء تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي وتصعيده في حضرموت والمهرة، ومواجهة انقلاب الحوثيين المستمر منذ عام 2014.

وجاء في نص القرار الذي صدر عن العليمي، أن إلغاء الاتفاقية يستند إلى الصلاحيات الدستورية الممنوحة لرئيس المجلس الرئاسي، وبمقتضى القرار رقم (9) لسنة 2022، مؤكداً على أهمية حماية المواطنين وسلامة الأراضي اليمنية. كما نص القرار على تسليم المعسكرات كافة في محافظتي حضرموت والمهرة إلى قوات «درع الوطن».

وفي خطوة متزامنة، أصدر الرئيس اليمني قراراً بإعلان حالة الطوارئ في أنحاء اليمن كافة لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد. القرار يستند إلى الصلاحيات الدستورية نفسها، ويستهدف مواجهة الانقلاب على الشرعية والفوضى الداخلية التي قادتها عناصر عسكرية، قالت الحكومة اليمنية إنها تلقت أوامر من الإمارات بالتحرك ضد المحافظات الشرقية بهدف تقسيم البلاد.

الدخان يتصاعد في أعقاب غارة جوية شنها التحالف بقيادة السعودية استهدفت شحنة عسكرية غير قانونية (رويترز)

وتضمنت إجراءات حالة الطوارئ، وفقاً للقرار الرسمي، فرض حظر شامل على الحركة الجوية والبحرية والبرية في جميع المواني والمنافذ لمدة 72 ساعة، باستثناء الحالات المصرح بها رسمياً من قيادة تحالف دعم الشرعية، الذي تمثله المملكة العربية السعودية. كما منح القرار محافظي حضرموت والمهرة صلاحيات كاملة لإدارة شؤون محافظتيهما، والتعاون مع قوات «درع الوطن» حتى تسلُّم المعسكرات.

أشار القرار إلى أن جميع القوات العسكرية في حضرموت والمهرة مطالبة بالعودة فوراً إلى مواقعها ومعسكراتها الأساسية، والتنسيق التام مع قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، دون أي اشتباك، لضمان استقرار الوضعين العسكري والمدني في المحافظتين.

توضيح الموقف

في سياق بيان الموقف، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي الالتزام بحماية المدنيين، وصون المركز القانوني للدولة، ووحدة قرارها العسكري والأمني، محذّراً من خطورة التصعيد الذي يقوده «المجلس الانتقالي الجنوبي» في محافظتَي حضرموت والمهرة، ومندداً بما وصفه بتورط دولة الإمارات في دعم هذا التمرد، وتقويض مؤسسات الدولة الشرعية.

وقال العليمي، في بيان وجّهه إلى الشعب اليمني، إن التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية، وما رافقها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين «تأتي في توقيت بالغ الحساسية، بينما يخوض اليمن معركته المصيرية ضد الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ويكابد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وشدد على أن أي انزلاق إلى صدامات داخلية أو فتح جبهات استنزاف جديدة لن يخدم سوى أعداء اليمن، ويقوّض فرص السلام.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال عن اليمن (إ.ب.أ)

وخاطب رئيس مجلس القيادة أبناء المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن قضيتهم العادلة كانت ولا تزال في صلب مشروع الدولة الوطنية، وأن حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية محل التزام كامل ضمن مرجعيات المرحلة الانتقالية، وبما يضمن شراكة مسؤولة تحفظ الكرامة، وتؤسس لاستقرار دائم. وفي الوقت نفسه حذّر من احتكار تمثيل القضية الجنوبية أو توظيفها لتحقيق أهداف سياسية غير مشروعة على حساب وحدة الدولة وسيادتها.

وأوضح العليمي أنه، ومن موقعه الدستوري بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، أصدر توجيهات واضحة بمنع أي تحركات عسكرية أو أمنية خارج إطار الدولة أو دون أوامر صريحة من القيادة العليا «حرصاً على حقن الدماء ومنع الانزلاق إلى مواجهات داخلية». غير أن هذه التوجيهات، وفق البيان، قوبلت بالتجاهل، حيث مضت التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي» في تنفيذ تحركات أحادية، تعدّ تمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

تأييد مجلس الدفاع الوطني

أعلنت مؤسسات الدولة اليمنية، وفي مقدمها مجلس الدفاع الوطني، والحكومة الشرعية، والسلطة المحلية في محافظة حضرموت ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، اصطفافها الكامل خلف قرارات العليمي، الهادفة إلى مواجهة تمرد المجلس الانتقالي الجنوبي، وإنهاء الوجود الإماراتي ضمن تحالف دعم الشرعية، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

في ضوء هذا الاصطفاف، ترأس العليمي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، ضم أعضاء مجلس القيادة، ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت؛ لمناقشة التطورات الخطيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، وانعكاساتها على الأمن والاستقرار ووحدة القرار السيادي للدولة.

اجتماع لمجلس الدفاع الوطني اليمني برئاسة العليمي (سبأ)

وجدَّد مجلس الدفاع الوطني توصيفه لهذه التحركات بَعدّها «تمرداً صريحاً» على مؤسسات الدولة الشرعية، وتقويضاً لوحدة القرار العسكري والأمني، وتهديداً مباشراً للسلم الأهلي، محذراً من أن تداعيات هذا التصعيد تصبّ في مصلحة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، عبر تفجير الجبهة الداخلية، وتشتيت الجهد الوطني في مرحلة بالغة الحساسية.

وحسب الإعلام الرسمي، بارك المجلس قرارات العليمي المتضمنة إعلان حالة الطوارئ، وإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في اليمن، عادَّاً أنها تجسد المسؤوليات الدستورية لقيادة الدولة في حماية المدنيين، وصون مؤسساتها الوطنية ومركزها القانوني، مؤكداً الرفض المطلق لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة أو استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية.

ترحيب حكومي

أعلنت الحكومة اليمنية تأييدها المطلق لقرارات العليمي، عادّة إعلان حالة الطوارئ إجراءً دستورياً مشروعاً تفرضه الضرورة الوطنية لمواجهة التمرد المسلح، وحماية السلم الأهلي، ومنع الانزلاق نحو الفوضى وتقويض مؤسسات الدولة.

ورحَّبت الحكومة اليمنية في بيان بالإجراءات التي اتخذتها قيادة القوات المشتركة، بما في ذلك تنفيذ ضربة جوية محدودة ودقيقة استهدفت دعماً عسكرياً خارجياً غير مشروع في ميناء المكلا؛ بهدف حماية المدنيين ومنع عسكرة المواني والسواحل.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وفي امتداد لاصطفاف مؤسسات الدولة اليمنية خلف قرارات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أعلنت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة تأييدهما الكامل ومباركتهما للقرارات، عادَّتين أنها جاءت في «لحظة مفصلية» من تاريخ البلاد، واستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وإنفاذاً للواجبات الدستورية والصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وأكد بيان صادر عن قيادة وزارة الدفاع وهيئة الأركان أن القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها تتمتع بروح معنوية عالية وجاهزية قتالية كاملة، تخولها تنفيذ مهامها الدستورية والوطنية في جميع الظروف، مشدداً على الالتزام التام بتنفيذ القرارات والإجراءات الصادرة عن القيادة العليا، بوصفها التعبير الشرعي عن وحدة القرار السيادي للدولة.

بدورها، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت تأييدها الكامل لقرارات القيادة السياسية، واستعدادها للتنسيق مع قوات «درع الوطن» لتسلم المعسكرات والمواقع الحيوية، وضمان انتقال سلس وآمن للمسؤوليات العسكرية، داعيةً أبناء المحافظة والقوات المسلحة والأمن إلى الالتفاف حول القيادة الشرعية؛ حفاظاً على أمن حضرموت واليمن.


أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
TT

أهالي تاورغاء يشكون تجاهل «الوحدة» الليبية لأحكام القضاء

الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)
الدبيبة خلال زيارة إلى تاورغاء قبل 4 أعوام (مكتب الدبيبة)

أعرب سياسيون ونشطاء في مدينة تاورغاء الليبية عن استيائهم وشكواهم من تجاهل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لحكمين قضائيين صادرين عن محكمتي استئناف طرابلس وبنغازي، يقضيان بوقف قرار الحكومة ضم المدينة إلى بلدية مصراتة.

ويأتي هذا الجدل بعد سبعة أعوام من توقيع اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى سنوات من الصراع والتهجير القسري، الذي تعرض له سكان تاورغاء عقب أحداث عام 2011.

وتضع هذه الشكاوى، حسب مراقبين، مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء الليبي محل تساؤلات، في بلد لا يزال يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مستمراً منذ أكثر من عقد. فقد شهدت ساحات القضاء في طرابلس وبنغازي على مدى شهرين صدور حكمين؛ أولهما عن محكمة استئناف طرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضى بوقف تنفيذ قرار حكومة «الوحدة» في الشق المستعجل من الدعوى، أعقبه حكم ثانٍ صادر مطلع الأسبوع الحالي عن محكمة استئناف بنغازي، قضى بإلغاء القرار نهائياً وقبول الطعن المقدم ضده.

في المقابل، التزمت حكومة الدبيبة الصمت إزاء هذه الأحكام، وباشرت عملياً إجراءات تُفسَّر على أنها تمهيد لتنفيذ قرار الضم، كان آخرها توجيه وزارة الصحة التابعة لحكومة الوحدة في 18 ديسمبر (كانون الأول) طلباً إلى إدارة الصحة في تاورغاء لتسليم مهامها إلى نظيرتها في مصراتة.

هذا السلوك، حسب رؤية عضو مجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، مثّل «تجاهلاً صريحاً لأحكام القضاء وتقويضاً لمبدأ الفصل بين السلطات»، محذراً من أنه يقود إلى ما وصفه بأنه «تعزيز للشعور بانزلاق الدولة نحو الفوضى». ورأى الشيباني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «أي إجراء لاحق لصدور هذين الحكمين يُعد مخالفة قانونية واضحة لأحكام القضاء».

وأوضح النائب الليبي أن بلدية تاورغاء «كيان إداري قائم بذاته منذ عقود»، ومعترف بها منذ عهد النظام السابق، قبل أن تُلغى بقرار إداري في المرحلة الانتقالية، التي أعقبت فبراير (شباط) 2011، ثم أعيد الاعتراف بها عام 2015 عبر مجلس تسييري، رغم ظروف التهجير القاسية التي عاشها سكانها، وفق تعبيره.

مبنى مهجور في مدينة تاورغاء غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان اتفاق المصالحة التاريخي بين مصراتة وتاورغاء، الذي أُبرم برعاية دولية منتصف عام 2018، ونجح في طي عداء استمر قرابة ثماني سنوات، ومهّد لعودة النازحين إلى مدينتهم الواقعة على بُعد نحو 240 كيلومتراً شرق طرابلس.

غير أن قرار ضم تاورغاء إلى مصراتة، الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أعاد إشعال التوتر، بعدما نص على تحويل تاورغاء إلى فرع بلدي تابع لمصراتة، وهو ما قوبل برفض واسع من الأهالي، الذين عدوا الخطوة انتقاصاً من استقلاليتهم الإدارية، وتهديداً لحقوقهم القانونية المكتسبة، ودفعهم للجوء للقضاء.

ويستند الطاعنون في قرار حكومة «الوحدة» إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات كانت قد اعتمدت تاورغاء بلديةً مستقلة، بموجب قرارات تنظيم الانتخابات البلدية التي انطلقت عام 2014، في حين صدر قرار ضمها إلى بلدية مصراتة في يوم إجراء الانتخابات نفسها، وفق ما يوضحه لـ«الشرق الأوسط» المحامي زياد أبو بكر هيركة، أحد مقدمي الطعن أمام محكمة استئناف طرابلس، الذي عبّر عن استغرابه من عدم امتثال السلطة التنفيذية للأحكام القضائية.

كما أوضح الشيباني أن إدراج تاورغاء ضمن البلديات المشمولة بانتخابات المجالس البلدية يمثل «اعترافاً رسمياً بتوافر مقومات البلدية من حيث السكان والجغرافيا والبنية الاجتماعية والاقتصادية»، لافتاً إلى أن عدد سكانها يتجاوز 50 ألف نسمة.

من جهته، يرى الناشط الليبي عياد عبد الجليل أن الإشكال «ليس مع مدينة مصراتة، التي تم تجاوز الخلاف معها عبر المصالحة، بل مع الحكومة التي تتجاهل المطالب المشروعة لأهالي تاورغاء، بالحفاظ على بلديتهم المستقلة»، عاداً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تجاهل الأحكام القضائية «يعكس استمرار ممارسات تُقوّض استقلالية المؤسسات القضائية».

وفي انتظار ما ستسفر عنه التطورات القضائية، يترقب أهالي تاورغاء حكماً جديداً من محكمة في طرابلس بشأن موضوع الطعن، للفصل النهائي في مصير قرار الضم.

ويقول النائب الشيباني إنهم «ينتظرون صدور الحكم لإحالته إلى رئاسة مجلس النواب، من أجل مخاطبة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء الاقتراع البلدي في تاورغاء»، محذراً من أن «أي تدخل أمني لمنع هذا الاستحقاق سيقابل بمواقف واضحة».

في المقابل، يلوّح المحامي هيركة بما وصفه أنه «مسار قانوني مواز»، مشيراً إلى أن «إصرار الحكومة على عدم تنفيذ الأحكام القضائية قد يدفع إلى تحريك دعوى جنحة مباشرة ضد رئيس الحكومة بشخصه، لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ».

ورغم هذا المشهد المتوتر، ترى نادية الراشد، العضوة السابقة في المؤتمر الوطني العام، بارقة أمل في صدور الحكمين المتطابقين من بنغازي وطرابلس، عادّةً أن ذلك «يعكس وحدة الموقف القانوني، ويؤكد اختصاص القضاء بعيداً عن العبث السياسي»، مضيفة أن هذه الأحكام «تثبت أن القانون، متى أُتيح له المجال، قادر على تصحيح المسار وحماية استقلالية القضاء».


مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

مستشار الرئيس اليمني: تحرك جاد لفرض منطق القانون والمؤسسات

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

قال المهندس بدر باسلمة، مستشار الرئيس اليمني، إن المشهد اليمني يمرّ بمحاولة جادة لـ«هندسة عكسية» تستعيد من خلالها الدولة زمام المبادرة، بدعم إقليمي وثيق، وبما يرسّخ منطق القانون والمؤسسات.

ووصف باسلمة القرارات الرئاسية الأخيرة، المتعلقة بالأوضاع في المحافظات الشرقية، بأنها «خطوة مفصلية» تنطوي على دلالات سياسية عميقة تمسّ جوهر بقاء الدولة، على حدّ تعبيره.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأوضح بدر باسلمة، في تصريح خاص، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه القرارات تمثل انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة الرئاسي من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل» والمبادرة، بما يفضي إلى تحصين مركزية القرار السيادي ومنع تفتت الدولة.

وشدّد على أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يشكّل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، مشيراً إلى أن هذا الدعم لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى «ضبط إيقاع» المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول.

ويرى باسلمة أن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، تمرّ بمخاض سياسي دقيق قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة، ويؤسس لنموذج «الدولة الاتحادية» المقبلة.

من «إدارة التوازنات» إلى «سيادة المؤسسات»

ووفقاً للمهندس بدر باسلمة، فإنه «لا يمكن قراءة القرارات الأخيرة الصادرة عن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في سياقها الإداري الروتيني فحسب، بل تمثل خطوة مفصلية تنطوي على دلالات سياسية عميقة تتصل بجوهر بقاء الدولة».

وأضاف أن أهمية هذه القرارات تكمن في كونها تُجسّد انتقالاً نوعياً لمجلس القيادة من مربع «امتصاص ردود الأفعال» إلى مربع «صناعة الفعل والمبادرة»، وعَدَّ ذلك «رسالة سياسية بليغة إلى الداخل والخارج مفادها أن الدولة، بمفهومها الدستوري والشرعي، هي صاحبة الكلمة الفصل في إدارة مؤسساتها السيادية، وأنها يجب أن تظل مظلة وطنية جامعة، لا ساحة لتقاسمها أو توظيفها خارج إطار المشروع الوطني الجامع».

ولفت باسلمة إلى أن هذه الخطوة تمثل «بمعناها الأعمق، عملية تحصين لمركزية القرار السيادي، ومنع انزلاق الدولة نحو التفكك أو تحولها إلى جُزر إدارية وأمنية معزولة».

الدور السعودي حجر الزاوية

وأكد بدر باسلمة أن الموقف السعودي الداعم للشرعية وقراراتها يمثل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار الراهنة، موضحاً أن هذا الدعم «لا يُقرأ بوصفه تدخلاً لصالح طرف على حساب آخر، بقدر ما يعكس استراتيجية تهدف إلى ضبط إيقاع المشهد ومنع الانزلاق نحو المجهول».

وأضاف أن أهمية هذا الدور تتجلى في ترسيخ «قاعدة ذهبية مفادها أن الشراكة لا تعني الاستحواذ»، مشيراً إلى أن الدعم الموجَّه لمجلس القيادة الرئاسي يستهدف خفض التصعيد ومنع فرض سياسات «الأمر الواقع» بقوة السلاح، ولا سيما في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية مثل حضرموت والمهرة.

وتابع أن المملكة، من خلال هذا النهج، «تعيد رسم الخطوط الحمراء التي تضمن بقاء جميع الأطراف تحت مظلة الدولة»، وتدفع القوى السياسية نحو طاولة الحوار بوصفه الخيار الوحيد، بدلاً من «مغامرات غير محسوبة قد تُهدد الأمن الإقليمي والنسيج الاجتماعي اليمني».

المحافظات الشرقية... ملامح الدولة المقبلة

ويقول بدر باسلمة إن المحافظات الشرقية، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، باتت، اليوم، تمثّل «الرقم الصعب» في المعادلة اليمنية، وتعيش مخاضاً سياسياً قد يرسم ملامح مستقبل شكل الدولة.

وأضاف باسلمة أن «القراءة المتفحصة للمشهد تشير إلى تنامي الوعي المجتمعي والسياسي في هذه المحافظات، باتجاه رفض التبعية المطلقة أو الاستقطاب الحاد»، موضحاً أن ما يجري في حضرموت «لا يندرج في إطار حراك مناطقي عابر، بل يندرج في سياق تأسيس لنموذج الدولة الاتحادية المقبلة».

وأشار إلى أن هذه المحافظات تسعى لانتزاع حقوقها في إدارة شؤونها وتأمين أراضيها، «من خلال تشكيلات وطنية، مثل قوات درع الوطن، وذلك تحت مظلة الشرعية الدستورية»، لافتاً إلى أن المؤشرات الراهنة توحي بأن خيار «الضم والإلحاق القسري» تراجع لصالح مسار يتجه نحو صيغة توافقية تضمن للأقاليم خصوصيتها الإدارية والأمنية ضمن يمن موحد واتحادي.

مسلَّح من أنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» (أ.ف.ب)

وختم باسلمة حديثه بالقول إن «اليمن يشهد، اليوم، محاولة جادة لـ(هندسة عكسية) للمشهد، فبدلاً من أن تفرض الفصائل واقعها على الدولة، تسعى الدولة، بدعم إقليمي وثيق، إلى استعادة زمام المبادرة وفرض منطق القانون والمؤسسات».

وأضاف أن هذه العملية «تمثل معركة نفَس طويل تتطلب قدراً عالياً من الحكمة السياسية»، مؤكداً أن «الرابح فيها هو مَن ينحاز لمنطق الدولة ومصالح المواطنين»، مستنداً في ذلك إلى «الشرعية الدولية والغطاء العربي الداعم».