«المتحف الزراعي» يروي ذاكرة الأرض والفلاحين في مصر

استعدادات لافتتاحه بعد تطويره بمشاركة «اليونيسكو»

جدران تعرض لتاريخ سلالات الغزال في مصر (الشرق الأوسط)
جدران تعرض لتاريخ سلالات الغزال في مصر (الشرق الأوسط)
TT

«المتحف الزراعي» يروي ذاكرة الأرض والفلاحين في مصر

جدران تعرض لتاريخ سلالات الغزال في مصر (الشرق الأوسط)
جدران تعرض لتاريخ سلالات الغزال في مصر (الشرق الأوسط)

لا تكفي زيارة عابرة لاكتشاف «المتحف الزراعي» في مصر، فالمتحف الذي افتُتح أمام الجمهور أخيراً بعد سنوات من تطويره، يحتاج لساعات من التجوّل بين مقتنياته التي تتوزع بين 8 مبانٍ فارهة على امتداد نحو 30 فدان، تضم جوانب متعددة من تاريخ الزراعة المصرية وتراثها الحي.

صناعة الزجاج من بين الحرف التقليدية التي يبرزها المتحف (الشرق الأوسط)

وكانت وزارة الزراعة في مصر قد أعلنت عن بدء التشغيل التجريبي للمتحف الزراعي، بعد الانتهاء من أعمال التطوير والتجديد التي استمرت لسنوات، ويعدّ هذا الافتتاح «جزءاً من استراتيجية الوزارة لإحياء التراث الزراعي المصري وتعزيز الثقافة الزراعية لدى الأجيال الجديدة»، حسب تصريحات علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي. شاركت في أعمال تطوير المتحف جهات محلية ودولية، بما في ذلك منظمة «اليونسكو»، وشملت ترميم القاعات، وتحديث أساليب العرض.

جانب من المتحف الزراعي في مصر (الشرق الأوسط)

المقتنيات التراثية

يبدأ الزُوار وجهتهم من «متحف المقتنيات التراثية» الذي يعدّ أول محطات زيارة «المتحف الزراعي»، ويتزيّن بعشرات من الأعمال والتماثيل التي تحمل ملامح من الحياة الزراعية في مصر ببصمة كبار الفنانين في مصر. منها تمثال في بهو القصر لطفلتين قرويتين، مصنوع من الطين المحروق للنحّات الراحل حسن حشمت، وتمثالان آخران لفلاح يحمل فأساً، وفلاحة تحمل جرة مصنوعين من خامة الجص، في استقبال مشهدي ينقل الزائر إلى عالم يمزج يوميات الحرث بمعالم نحتية بارعة.

المتحف يفتح أبوابه للجمهور بعد إغلاقه للتطوير (الشرق الأوسط)

وحسب المُرشدة المتحفية سلمى أشرف، فإن متحف المقتنيات التراثية «هو أول ما يستقبل زائر المتحف من بوابته الرئيسية، وهو في الأصل قصر أثري وبيت الضيافة المُخصص للأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل، ومقتنيات القصر من سجاد وأثاث عريق ينتمي للقصر يعود للقرن التاسع عشر، فيما التماثيل والأعمال الفنية المعروضة به هي إهداء عبر سنوات من فنانين للمتحف منذ بدايات تأسيسه عام 1930»، كما تقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط».

جانب من حدائق المتحف الزراعي في مصر (الشرق الأوسط)

وتضيف: «كل قطعة في المتحف تحمل رؤية فنية مغايرة لعالم الزراعة والأرض»، ويمكن مشاهدة تمثال يعود للنحّات العالمي محمود مختار بعنوان «حاملة الماء» الذي يُصوّر فلاحة تحمل جرّة من الماء فوق رأسها، وتمثال من الجص يُصوّر نوبيّاً يحمل سلة من البلح، وهي تماثيل تُجاور مقتنيات أثرية لقصر الأميرة فاطمة إسماعيل، منها سجاد نادر لخريطة قديمة للمملكة العربية السعودية، من إنتاج «معهد السجاد بالمدينة المنورة».

أنواع القمح وتوزيع زراعته في المحافظات المصرية (الشرق الأوسط)

«متحف المجموعات العلمية»

وتُعد معروضات مبنى «متحف المجموعات العلمية» من أكثر الوجهات جذباً للزوار الراغبين في التقاط الصور التذكارية، إذ يضم عشرات المُجسمات التي تحاكي تفاصيل الحياة الزراعية والريفية، فتبدو كأنها مشاهد تمثيلية صامتة للحرف التقليدية. تبدأ الجولة بمشاهد لصانعي السلال والزجاج والفخار، وصولاً إلى المقاهي القديمة في القرية، حيث تستقبل هذه اللوحات الزائرين في بهو المتحف، قبل أن ينتقلوا إلى أركان أخرى، يحمل كل منها عنواناً خاصاً بمعروضاته.

جانب من تماثيل الفلاحين في المتحف (الشرق الأوسط)

وتتوزع هذه الأركان بين أقسام متخصصة في علوم الأحياء الدقيقة، تعرض تاريخ الأوبئة التي تصيب الإنسان والحيوان والنبات، وتوضح المرشدة المتحفية سلمى أشرف أن ما يميز هذا المبنى هو «التنوع الواسع في العرض الذي يمثل مجتمع الحيوانات والطيور والزواحف على اختلاف سلالاتها عبر التاريخ، بما في ذلك الأنواع المنقرضة، إلى جانب مجتمع النباتات والامتداد التاريخي للزراعة المصرية منذ بداياتها في العصور الفرعونية حتى نهاية عصر الأسرات».

مجسمات تحاكي سلالات مختلفة من الدجاج (الشرق الأوسط)

وتضيف: «هناك أيضاً عرض بصري لافت لسلالات الزراعة كالقمح والشعير والقطن في عصورها الذهبية، من العصر اليوناني والعصر الإسلامي، مع خرائط كبيرة توضح كثافتها الجغرافية، وربطها بمحطات تاريخية، منها فرمانات محمد علي وقوانين الإصلاح الزراعي في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكذلك نماذج لآلات زراعية تاريخية مثل المجرش أو آلة طحن الحبوب، التي يعود تاريخها لآلاف السنوات».

محاكاة لحرفة صناعة السلال في أحد أركان المتحف (الشرق الأوسط)

ويتيح التجوّل بين مباني المتحف الزراعي المختلفة، الذي كان يطلق عليه في البداية متحف فؤاد الأول الزراعي، لزواره التجوّل بين حدائق واسعة على الطراز الفرعوني، تضم أشجاراً ونباتات نادرة تتوسطها تماثيل متفرقة تحاكي عالم الأرض والمزارعين.


مقالات ذات صلة

بعد تعليق إضراب العاملين... «اللوفر» يعيد فتح أبوابه مجدداً

أوروبا زوار يصطفون قرب الهرم الزجاجي لمتحف اللوفر للدخول (رويترز)

بعد تعليق إضراب العاملين... «اللوفر» يعيد فتح أبوابه مجدداً

أعلنت إدارة متحف اللوفر في باريس، والنقابات المعنية، فتح أبواب المتحف بالكامل أمام الزوار.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا أشخاص يصطفّون لدخول متحف اللوفر (رويترز) play-circle

«اللوفر» يفتح أبوابه جزئياً رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب

أعلن متحف اللوفر بباريس إعادة فتح أبوابه جزئياً، الأربعاء، رغم استمرار الإضراب، الذي صوّت عليه الموظفون في اجتماع الجمعية العامة خلال وقت سابق من اليوم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا لوحة إعلانية تُشير إلى تأجيل فتح أبواب متحف اللوفر الأكثر زيارة في العالم (أ.ب)

بسبب إضراب... متحف اللوفر في باريس يغلق أبوابه

أغلق متحف اللوفر الشهير بباريس، صباح الاثنين، بسبب إضراب، وفق ما أفاد عناصر أمن، في وقتٍ تواجه المؤسسة العريقة صعوبات منذ عملية السرقة الصادمة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)

مصر تنفي وجود عيوب في تصميم «المتحف الكبير»

نفت الحكومة المصرية، السبت، وجود عيوب في تصميم المتحف المصري الكبير، بعد تسرب مياه الأمطار إلى بهو المتحف خلال الأيام الماضية.

رحاب عليوة (القاهرة )
أوروبا ناشدت شرطة آيفون وسوميرست الجمهور تقديم معلومات حول أربعة رجال رصدتهم كاميرات مراقبة أمام مبنى بمدينة بريستول (أ.ف.ب)

سرقة أكثر من 600 قطعة تعود لحقبة الإمبراطورية البريطانية من متحف

سُرق أكثر من 600 قطعة من مجموعة تُوثق الروابط بين بريطانيا ودول الإمبراطورية البريطانية السابقة، من بينها ميداليات ومجوهرات، من متحف بريطاني في سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
TT

كيف صنعت الجبال والبرد تنوّع النباتات عبر ملايين السنين؟

جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)
جبال تحتضن تنوعاً نباتياً ناشئاً بفعل الارتفاع ودرجات الحرارة المنخفضة (غيتي)

تلعب الجبال ودرجة الحرارة المنخفضة دوراً أساسياً في نشوء النباتات وتنوّعها على الأرض، إذ تشكل الارتفاعات العالية بيئات جديدة وتربط التغيرات المناخية بين سلاسل جبلية منفصلة، مما يسمح للنباتات بالانتشار والتكيف على مدى ملايين السنين.

أظهرت دراسة حديثة أجراها شينغ ياو وو وزملاؤه، في حديقة شيشوانغباننا النباتية الاستوائية بالأكاديمية الصينية للعلوم، ونُشرت في مجلة «ساينس أدفانس (Science Advances)» أن ارتفاع الجبال وانخفاض درجات الحرارة العالمية لعبا دوراً محورياً في نشوء وتنوّع النباتات الجبلية في نصف الكرة الشمالي. إذ أسهمت الجبال في خلق بيئات جديدة على ارتفاعات شاهقة، في حين سمح التبريد العالمي بربط سلاسل جبلية منفصلة، مما مكّن النباتات من الانتشار والاختلاط عبر مساحات واسعة على مدى ملايين السنين.

ركزت الدراسة على 5 أنظمة جبلية رئيسية وحلَّلت 34 مجموعة من النباتات الزهرية تضم 8456 نوعاً، لإعادة بناء تاريخ انتشار هذه النباتات وتنوعها زمنياً ومكانياً. أظهرت النتائج أن تشكّل الجبال وفّر بيئات جديدة على ارتفاعات عالية، مما أتاح فرصاً للتكيّف والتنوع المحلي، في حين ساعد انخفاض درجات الحرارة على توسيع نطاق البيئات الباردة وربط سلاسل جبلية كانت معزولة سابقاً، مما سهّل امتزاج النباتات عبر مسافات شاسعة.

كما كشفت الدراسة عن اختلافات واضحة في الآليات التطورية بين الأنظمة الجبلية. فقد تبين أن منطقة «التبت - الهيمالايا - هنغدوان» مثّلت مركزاً رئيسياً لنشوء التنوع البيولوجي، حيث نشأ أكثر من نصف الأنواع الجديدة من تطور محلي. في المقابل، أظهرت الأنظمة الجبلية الأوروبية والإيرانية - التورانية نمطاً مختلفاً، إذ تشكّلت نباتاتها الجبلية أساساً من سلالات محلية متوسطة إلى منخفضة الارتفاع، ومن ثَمَّ تكيفت لاحقاً مع البيئات العالية.

تؤكد هذه النتائج أن تنوع النباتات الجبلية لا يعود إلى عامل منفرد، بل إلى تفاعل طويل الأمد بين العمليات الجيولوجية والتغيرات المناخية العالمية. كما توفر الدراسة إطاراً لفهم كيفية استجابة النظم البيئية الجبلية للتغيرات المناخية المستقبلية، وتُسهم في توضيح الأنماط العامة لتشكّل التنوع البيولوجي على سطح الأرض.


وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
TT

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)

شدد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، على عدم التسامح مع من يحاولون استخدام «حرية التعبير» لخلق فوضى في الفضاء الإعلامي، أو استخدام خطاب شعبوي زائف الهدف منه زيادة أعداد المتابعين، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الحكومي بالعاصمة الرياض.

وقال وزير الإعلام السعودي إن القوانين والأنظمة في السعودية تكفل حرية التعبير كحق أصيل، لكن في الوقت نفسه تميز بوضوح بين الرأي المسؤول والنقد البناء، وبين التحريض الذي يهدف إلى التضليل أو تأجيج الرأي العام.

وبيّن أن إجراءات هيئة تنظيم الإعلام لا تستهدف الآراء أو النقد البناء، بقدر ما تأتي في إطار تطبيق الأنظمة تجاه أي ممارسات تتجاوز المسؤولية الإعلامية وتمس السلم المجتمعي.

وكشف الوزير الدوسري خلال المؤتمر، الذي عقد للحديث عن تطورات مشروع مدينة القدية، أن العمل جارٍ لإطلاق مشروع «مدرسة الموهوبين الإعلاميين»، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم، لاكتشاف ورعاية الموهوبين من مراحل مبكرة.

وأوضح أن مدينة القدية ستستضيف الملتقى الثاني لصناع التأثير إمباك 2026، لافتاً إلى أن العمل قائم مع الشركاء في القدية لإطلاق مشروع «بيت إمباك».

واستعرض وزير الإعلام السعودي مجموعة من الإنجازات التي حققتها السعودية خلال الفترة الماضية، ومن ذلك زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث بلغت 55.4 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بـ45.9 في المائة في الربع الثالث من عام 2016. فيما ⁠«بلغت نسبة تملُّك الأسر السعودية للمنازل في نهاية العام الماضي 65.4 في المائة».

وتابع: ⁠«احتلّت المملكة المركز الأول عالمياً في عدد الجوائز التي نالتها في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب بـ26 جائزة، كأكبر دولة في العالم تنال هذا العدد من الجوائز في تاريخ المسابقة».

وأضاف الوزير الدوسري أن قطار الرياض استقبل 120 مليون راكب منذ بدء انطلاق المشروع وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2025، وسجّل أعلى درجات الانضباط في التشغيل، بنسبة التزام بلغت 99.8 في المائة لعام 2025. مشيراً إلى أن السعودية تستهدف تنفيذ المرحلة السابعة من مشروع قطار الرياض خلال العام المقبل.

من جهته، قال العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، عبد الله الداود، أن القدية مدينة فريدة من نوعها تجمع أكثر من 70 أصلاً في مكانٍ واحد، من بينها استاد الأمير محمد بن سلمان، ومجمع التنس الوطني، ومركز الفنون الأدائية، والعديد من الأصول النوعية الأخرى. ‏وأكد الداود أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يؤمن بالمشاريع النوعية التي تضيف لحياة الناس ولها القدرة على خلق اقتصادات وقطاعات جديدة، ولذلك كان كل العمل منصباً على تنفيذ أفكار الأمير محمد وتطلعاته، مشيراً إلى أن مشروع القدية يأتي من قلب «رؤية 2030»، وأن القدية تتبنى مفهوماً متكاملاً يندمج فيه الترفيه والرياضة والثقافة والسياحة بشكل متجانس.

وأعلن العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، خلال المؤتمر، أن تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، هو موعد افتتاح مدينة القدية لأول أصولها، منتزه «سيكس فلاغز»، مؤكداً أن الافتتاح سيشكل نقلة نوعية تحولية في مسيرة المدينة.

وأضاف الدواد أن منتزه «Six Flags» نجح في كسر عدد من الأرقام القياسية، وذلك من خلال 5 ألعاب في مكان واحد، من أبرزها لعبة أفعوانية الصقر التي تحطم 3 أرقام قياسية كأطول أفعوانية في العالم، وأسرع أفعوانية في العالم، وأعلى أفعوانية في العالم.

وكشف الداود أنه تم الانتهاء الكامل من منتزه «Six Flags» الذي صمم لاستقبال نحو 10 آلاف زائر يومياً، ومن المتوقع أن يتجاوز أعداد زوار المنتزه مليوني زائر خلال 2026، فيما تم الانتهاء من أكثر من 95 في المائة من منتزه أكواريبيا المائي وسيفتتح خلال العام المقبل، إضافة إلى المرحلة الأولى للبنية التحتية في الطرق والكهرباء والاتصالات وخدمات الطوارئ.


«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.