رئيس هيئة العدالة الانتقالية في سوريا لـ«الشرق الأوسط»: ملاحقة نظام الأسد تتطلب صبراً

العميد عبد الباسط عبد اللطيف قال إن الولاية الزمنية للهيئة 5 سنوات قابلة للتمديد

العميد عبد الباسط عبد اللطيف رئيس «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» في سوريا (أرشيفية)
العميد عبد الباسط عبد اللطيف رئيس «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» في سوريا (أرشيفية)
TT

رئيس هيئة العدالة الانتقالية في سوريا لـ«الشرق الأوسط»: ملاحقة نظام الأسد تتطلب صبراً

العميد عبد الباسط عبد اللطيف رئيس «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» في سوريا (أرشيفية)
العميد عبد الباسط عبد اللطيف رئيس «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» في سوريا (أرشيفية)

قبل انتهاء «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» من تشكيل مجلسها، بدأ القضاء السوري التحقيق مع أربعة من كبار رموز النظام السابق المدانين بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري، مما أثار التساؤلات عمّا إذا كانت سيُدرج في سياق مسار العدالة الانتقالية لا سيما في ظل غياب قانون سوري خاص بالعدالة الانتقالية.

غير أن رئيس الهيئة العميد عبد الباسط عبد اللطيف، أكد في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط» أن «إحالة رموز النظام الأربعة إلى القضاء يندرج ضمن مسار العدالة الانتقالية»، وأن إحالتهم إلى القضاء جرى بالتنسيق بين الهيئة ووزارة العدل»، رداً على أنباء تشكك في جدية الدولة في ملاحقة مجرمي النظام البائد ومحاسبتهم.

كان النائب العام للجمهورية العربية السورية، القاضي المستشار حسان التربة، قد أعلن في 30 يوليو (تموز) الماضي، تحريك دعوى الحق العام بحق عدد من المُدعى عليهم بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق الشعب السوري، انطلاقاً من تطبيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين، وضمان حقوق الضحايا وأسرهم. وجرى تحريك الدعوى بحق كل من المسؤولين السابقين في عهد نظام الأسد: عاطف نجيب، وأحمد بدر الدين حسون، ومحمد الشعار، وإبراهيم الحويجة.

وزير الداخلية السوري الأسبق محمد إبراهيم الشعار يسلّم نفسه فبراير الماضي (متداول)

إطلاق مسار العدالة

أصدر الرئيس السوري في السابع عشر من مايو (أيار)، مرسوماً بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية، تتولى الكشف عن الحقائق بشأن انتهاكات النظام البائد، ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا. وذكر المرسوم أن تشكيل هذه الهيئة، «يأتي إيماناً بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية بوصفه ركيزة أساسية لبناء دولة القانون، وضماناً لحقوق الضحايا، وتحقيقاً للمصالحة الوطنية الشاملة».

كما نص المرسوم على تعيين العميد عبد الباسط عبد اللطيف رئيساً للهيئة، وتكليفه بـ«تشكيل فريق العمل، ووضع النظام الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ هذا الإعلان». وبيّن أن الهيئة «تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية».

والعميد عبد الباسط عبد اللطيف من مواليد دير الزور، شرق سوريا، 1963، درس الحقوق في جامعة حلب، وحصل على شهادات عليا بالعلوم الشرطية والقانونية، كما شغل منصب مدير منطقة القامشلي قبل انشقاقه عن النظام عام 2012. ثم شغل منصب الأمين العام للائتلاف الوطني السوري المعارض حتى سقوط النظام.

ستحقق الهيئة في شكاوى ضحايا الانتهاكات، وتشمل قمع نظام الأسد الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في مارس (آذار) 2011، وطالبت بتداول سلمي للسلطة، بعشرات الهجمات بالأسلحة الكيميائية، والقصف الجوي الواسع ببراميل متفجرة على مناطق مأهولة، إلى جانب الاعتقالات التعسفية، والإخفاء قسري، والتعذيب الممنهج في مراكز الاحتجاز مما أدى إلى مقتل وفقدان مئات الآلاف من المدنيين، وفق تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.

العميد عبد الباسط عبد اللطيف رئيس «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» في سوريا (الشرق الأوسط)

مشروع قانون ينتظر الإقرار

في لقاء مع «الشرق الأوسط» بدمشق، قال العميد عبد اللطيف إنه يجري العمل على إنجاز مشروع قانون للعدالة الانتقالية وجرائم الانتهاكات الجسيمة، من المنتظر صدوره بعد انتخابات مجلس الشعب التي ستجري قريباً، وأشار إلى أن المحاكمات «ستشمل كل أنواع الجرائم المحددة في نص المرسوم، وهي الجرائم الجسيمة التي تسبب بها النظام البائد، والتي تُعرفها اتفاقيات جنيف الأربع؛ أي جرائم الإبادة وجرائم الحرب وجرائم التعذيب وجرائم الإخفاء القسري واستخدام الغازات السامة والكيماوي».

وعن إمكانية ملاحقة رأس النظام بشار الأسد وشقيقه ماهر، الفارين خارج البلاد، أوضح رئيس هيئة العدالة الانتقالية أن الملايين من السوريين ينتظرون إلقاء القبض على المجرم الذي تسبب بقتلهم وتشريدهم، «لكن ذلك يتطلب الكثير من العمل في جمع الأدلة والإثباتات وترتيبها بشكل قانوني، والى قليل من الصبر، فلا شيء يتحقق بسهولة».

دمار ناتج عن مجزرة حماة وسط سوريا التي نفذها نظام الأسد عام 1982 (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)

تجدر الإشارة إلى أن الهيئة الآن في مرحلة التحضير لبدء عمل اللجان، وإعداد ملفات الادعاء ورفعها إلى القضاء لاستصدار مذكرات توقيف قضائية، و«سيتم التعاون مع كل الجهات والهيئات الدولية في سبيل إقامة العدل، وإنصاف الضحايا، وإحالة المجرمين إلى القضاء». وستشمل المحاسبة، حسب العميد عبد اللطيف، مرحلتَي الأسد الأب والابن، على امتداد أربع وخمسين عاماً، لأنه «من غير الأخلاقي عدم تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبها نظام حافظ الأسد، والماثلة لغاية الآن أمام التاريخ»، مثل مجزرة حماة التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف ضحية، ومجازر جسر الشغور وحي المشارقة في حلب، وسجون تدمر وغيرها. «أهالي حماة يسألون إذا كان عملنا سيشمل مجازر الثمانينات، التي لم يتم التركيز عليها عالمياً لغياب الإعلام حينذاك»، غير أنه يطمئنهم مؤكداً أن «الهيئة ستستمع للجميع».

جرائم الماضي

يغطي مسار العدالة الانتقالية في سوريا، الفترة ما قبل 8 ديسمبر (كانون الأول)، وليس بعدها، وفق المرسوم الرئاسي، «وعموماً العدالة الانتقالية تبحث في جرائم الماضي»، يقول العميد عبد اللطيف في رده على سؤالنا، ويوضح: «صدر إعلان النصر وإعلان مؤتمر الحوار والإعلان الدستوري، وتشكلت الحكومة الانتقالية التي تضم وزارات الدفاع والداخلية والعدل، وهي الجهات المعنية بالتحقيق في قضايا الانتهاكات التي تحصل على الأراضي السورية، والقبض على الفاعلين ومحاكمتهم». أما هيئة العدالة الانتقالية فليست لها علاقة بتلك القضايا، دون استبعاد احتمال تكليف الهيئة بنظر بعض الجوانب التي قد تتصل بمسار عملها.

وفيما يخص الجرائم التي ارتُكبت قبل سقوط النظام من فصائل ومجموعات مسلحة غير سورية، جدَّد العميد عبد الباسط تأكيده أن المرسوم حدد الجرائم التي تسبب بها النظام البائد، لكن بما أنه هو من تسبب بدخول تنظيمات وقوات عديدة إلى الساحة السورية، يحق لكل سوري تعرض لاعتداء من أي فصيل أو جهة التقدم بشكوى ودعوى رسمية للهيئة وهي ستنظر فيها.

مصير المعتقلين والمفقودين من أكثر الأثار المروّعة للصراع في سوريا (أ.ف.ب)

تشكيل مجلس الهيئة

منذ صدور مرسوم تشكيلها منتصف مايو الماضي، تلقَّت الهيئة نحو 120 طلباً تقدم بها راغبون في العمل ضمن الهيئة، وجار اختيار خمسة عشر اسماً منها أعضاء في مجلس الهيئة، بالإضافة إلى الرئيس، ليكون عدد أعضاء المجلس ستة عشر عضواً. ويشرح القاضي العميد عبد اللطيف أن باقي المتقدمين سيتم توزيعهم إلى مجموعات حسب الاختصاص، للاستفادة منهم في عمل اللجان كلٌّ حسب اختصاصه. مع التأكيد على «الركيزة الأساسية لعمل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، أي الضحايا».

ملصق بمدينة عفرين شمال سوريا أغسطس 2023 في الذكرى العاشرة للهجمات الكيماوية على دوما قرب دمشق (أ.ف.ب)

وكشف رئيس الهيئة عن لقائه مع ممثلين لأكثر من عشرين دولة، خلال الشهرين الماضيين، ونحو ثلاثين منظمة مجتمع مدني محلية ودولية، تُعنى بالشأن السوري وشؤون العدالة. وقال: «كان رجاؤنا مع الجهات الدولية الاتجاه نحو إنشاء صندوق جبر الضرر، بسيادة وطنية سورية ومساهمة دولية، لأن القضية السورية لها خصوصية كبيرة، فالنظام البائد دمَّر البلد بشكل كامل وخلَّف عبئاً ثقيلاً، والدولة غير قادرة على تحمل هذا العبء وإعادة الإعمار». معبراً عن أمله بإدراج إعادة الإعمار ضمن جبر الضرر، على الأقل من جهة ترميم البيوت التي تحتاج إلى ترميم جزئي، على سبيل مواساة المتضررين ومساعدتهم.

وعن التعاون مع المنظمات السورية، قال إنها «راكمت خلال السنوات الماضية خبرات ممتازة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية والمفقودين والمختفين قسرياً»، ويعد «التعاون معها هو الجزء الثاني من تشكيل الهيئة، أما الجزء الثالث فسيتشكل من الأكاديميين الحقوقيين والمؤرخين، الذي سيعملون في لجنة الذاكرة الوطنية وتخليد الذكرى من أجل التوثيق للأجيال القادمة ومنع تكرار الجرائم».

وبعد صدور مرسوم منتظَر لتشكيل أعضاء مجلس الهيئة وعقد الاجتماع الأول، سيتم التوجه بشكل تدريجي إلى المحافظات، بدءاً من الأكثر تضرراً، لكن في الوقت الراهن، يقول العميد عبد اللطيف، إنه لا إمكانات لفتح أربعة عشر فرعاً في المحافظات.

آلية تلقي الدعاوى

حول آلية العمل وتلقي الدعاوى، جارٍ العمل على إطلاق منصة إلكترونية و تخصيص أرقام هواتف لتلقي الطلبات، مع وجود برنامج لحماية الشهود. وستفرَز الطلبات وفق عمل اللجان؛ مثلاً، تذهب الادعاءات إلى لجنة الكشف عن الحقيقة التي تتولى جمع الدلائل والبراهين واستكمال ملفات الدعاوى.

وحول مدى الاستفادة من تجارب العدالة الانتقالية في العالم، قال عبد الباسط عبد اللطيف، إن العديد من الدول ذهبت في اتجاه المصالحة، ودول أخرى اتجهت نحو العدالة والمحاسبة، «نحن سنسعى لتجنب الأخطاء التي وقعت فيها تلك التجارب، ونحاول قدر الإمكان الاستفادة من إيجابياتها». وحسب رؤيته «لا بد من توازي المسارين في سوريا؛ الأول إطلاق مسار العدالة والإنصاف و المحاسبة حتى يطمئنّ المجتمع السوري بشكل كامل إلى أن العدالة أخذت مجراها، حينها يمكن الذهاب نحو مسار المصالحة الوطنية والسلم الأهلي».

وبالنظر إلى وجود أكثر من خمسين تجربة للعدالة الانتقالية في العالم، بعض الدول استغرقت خمس سنوات، وأخرى ثماني سنوات، أما النظام الداخلي للمرسوم السوري، فحدد مدة الولاية الزمنية بخمس سنوات، رغم التحديات الصعبة والكثيرة، «نأمل في إنجاز المهام خلال خمس سنوات، وإذا لم تكن كافية يمكن طلب تمديد لسنة وسنتين».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

المشرق العربي انتهى حكم بشار الأسد الطويل والوحشي سريعاً لكنه وحاشيته المقربة وجدوا ملاذاً آمناً في روسيا (نيويورك تايمز)

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

تمكّن تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» من تحديد أماكن وجود عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وتفاصيل جديدة عن أوضاعهم الحالية وأنشطتهم الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - لندن)
شمال افريقيا وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بأحد نصين سيناقشان في البرلمان الجزائري، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
العالم امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

كشف تحقيق جديد عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)

قوى سودانية توقِّع على إعلان مبادئ لإنهاء الحرب

وقَّعت قوى سياسية وحركات مسلحة في نيروبي على إعلان مبادئ لوقف الحرب في السودان، وتصنيف حزب «المؤتمر الوطني» المعزول «منظمة إرهابية».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أحمد بن بلة ومحمد خيدر غداة الاستقلال (مؤسسة الأرشيف الجزائري)

«كنز الثورة الجزائرية» لا يزال يثير جدلاً حاداً رغم مرور 60 سنة على اندلاعها

مثل اليوم الخميس الصحافي الجزائري المعروف، سعيد بوعقبة، أمام قاضي التحقيق بمحكمة العاصمة، للاستماع إليه بشأن شكوى رفعتها ضده عائلة الرئيس السابق أحمد بن بلة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)
فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ)

بدأت الحكومة الإسرائيلية سحب تصاريح منظمات إنسانية دولية تعمل في مناطق قطاع غزة والضفة الغربية، بذريعة عدم استكمال إجراءات التسجيل المطلوبة، لممارسة أي أنشطة لها داخل تلك المناطق.

وقالت الحكومة الإسرائيلية إنها ستسحب تراخيص 37 منظمة إنسانية منها «أطباء بلا حدود» و«أكشن إيد»، بدعوى «صلتها بالإرهاب»، زاعمة أن تلك المنظمات الإنسانية توظف فلسطينيين ضالعين فيما تصفها بـ«الأنشطة الإرهابية».

وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الثلاثاء، بأن السلطات الإسرائيلية أرسلت بالفعل إخطارات إلى أكثر من 12 منظمة إنسانية دولية، بأن التصاريح الممنوحة لها للعمل داخل قطاع غزة والضفة الغربية، سيتم إلغاؤها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، وأنه يجب إنهاء أنشطتها بالكامل في الأول من مارس (آذار) المقبل.

جنود إسرائيليون أمام مقر رئاسة «الأونروا» في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وادعت السلطات الإسرائيلية أن قسماً من تلك المنظمات رفض تقديم قوائم كاملة بأسماء الموظفين الفلسطينيين العاملين فيها لإجراء فحص أمني بشأنهم، مدعيةً أن فحصاً أمنياً لموظفين يعملون في منظمة «أطباء بلا حدود» أظهر تورط بعضهم في «نشاطات إرهابية»، حيث تم في يونيو (حزيران) 2024، تصفية ناشط في «الجهاد الإسلامي» كان يعمل لدى المنظمة، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، تم الكشف عن موظف آخر يعمل قناصاً لصالح حركة «حماس»، وفقاً لذات الصحيفة.

ويقود هذه الخطوة فريق وزاري مشترك برئاسة وزراء شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، الذي أرسل الخطابات الرسمية لتلك المنظمات، ومن بينها منظمة «أطباء بلا حدود».

وكانت الحكومة الإسرائيلية أمهلت المنظمات لاستيفاء المتطلبات حتى 9 سبتمبر الماضي، وتم تمديد القرار حتى 31 ديسمبر (كانون الثاني) الحالي.

وتزعم مصادر سياسية وأمنية إسرائيلية أنه «لا توجد نية لعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين في قطاع غزة». ووفقاً للمصادر التي نقلت عنها وسائل إعلام عبرية، فإن «المنظمات التي سُحبت تراخيصها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي المساعدات، وأن الغالبية العظمى منها لا تزال تقدم عبر جهات أخرى وبوسائل خاضعة للرقابة».

موظفو منظمة «أطباء بلا حدود» في أثناء تنظيمهم مظاهرة يونيو الماضي في جنيف ضد عسكرة إمدادات المساعدات الإنسانية في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال مكتب تنسيق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية إنه يتوقع أن تقود تلك المنظمات حملات «تضليلية تهدف لتشويه سمعة إسرائيل»، تدعي من خلالها أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، زاعماً أنه «لن يُلحق أي ضرر بنطاق المساعدات الإنسانية بعد تطبيق القانون».

وقال وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، عميحاي شيكلي: «أنا فخور بأن الحكومة قد فوضت وزارتي بقيادة الفريق المكلف بوضع حد للأنشطة المعادية لدولة إسرائيل تحت ستار المساعدات الإنسانية. الرسالة واضحة: المساعدات الإنسانية نعم، لكن استغلالها لأغراض إرهابية لا».

وفي الثاني والعشرين من الشهر الحالي، حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، وهي إحدى أكبر المنظمات الطبية العاملة في غزة، من أن القواعد الإسرائيلية الجديدة لتسجيل المنظمات الدولية غير الحكومية قد تترك مئات آلاف الأشخاص في غزة من دون القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية المنقِذة للحياة بحلول عام 2026.

وقالت: «هذه المتطلبات الجديدة تهدّد بسحب تسجيل هذه المنظمات، ومن شأن عدم التسجيل هذا أن يحول دون تمكن منظمات، من بينها (أطباء بلا حدود)، من تقديم الخدمات الأساسية للناس في غزة والضفة الغربية».

ودعت المنظمة السلطات الإسرائيلية إلى ضمان تمكين المنظمات الدولية غير الحكومية من الحفاظ على استجابتها المستقلة وغير المتحيّزة في غزة والاستمرار فيها. فالاستجابة الإنسانية المقيّدة أساساً لا تحتمل مزيداً من التفكيك. كما قالت.


سوريا: توقيف 21 شخصاً على صلة بالأسد في اللاذقية بعد أعمال عنف

عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
TT

سوريا: توقيف 21 شخصاً على صلة بالأسد في اللاذقية بعد أعمال عنف

عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)
عناصر من القوات السورية يقفون فوق مركبة عسكرية عقب اندلاع اشتباكات في مدينة اللاذقية (إ.ب.أ)

أوقفت السلطات السورية 21 شخصاً متهمين بالارتباط بحكم بشار الأسد في غرب البلاد، وفقاً للتلفزيون الرسمي، بعيد فرض حظر تجوّل في مدينة اللاذقية، غداة أعمال عنف شهدتها هذه المنطقة ذات الغالبية العلوية.

وشهدت أحياء ذات غالبية علوية أعمال عنف، الاثنين، غداة مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل جراء إطلاق نار أثناء مظاهرات شارك فيها الآلاف في محافظة اللاذقية دعت إليها مرجعية علوية؛ احتجاجاً على انفجار استهدف مسجداً في حي للطائفة بمدينة حمص، وقُتل اثنان منهم برصاص قوات الأمن.

وأورد التلفزيون السوري الرسمي أن «قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية» ألقت القبض «على 21 شخصاً من فلول النظام البائد متورطين بأعمال إجرامية، وتحريض طائفي، واستهداف قوات الأمن الداخلي».

وجاء الإعلان عن التوقيفات بعدما أفاد التلفزيون الرسمي بدخول حظر تجوّل أعلنته السلطات بدءاً من الساعة الخامسة عصراً وحتى السادسة صباح الأربعاء، حيّز التنفيذ في مدينة اللاذقية، وسط انتشار أمني كثيف.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الداخلية في بيان «فرض حظر تجوال» في المدينة «لا يشمل الحالات الطارئة، ولا الكوادر الطبية، ولا فرق الإسعاف والإطفاء»، بينما دعت السكان إلى «الالتزام التام بمضمون القرار والتعاون مع الوحدات المختصة».

وأفاد سكان في أحياء ذات غالبية علوية في مدينة اللاذقية بهجمات وأعمال نهب تخللها تخريب سيارات وممتلكات ليل الاثنين، قبل أن يعود الهدوء وتنتشر القوات الأمنية، حسب الإعلام الرسمي.

وأعرب من جهته المتحدّث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، الثلاثاء، عن رفض السلطات «المطلق لأي أعمال تخريبية أو اعتداءات تمس كرامة المواطنين أو ممتلكاتهم»، مضيفاً أن السلطات سوف تتخذ «الإجراءات القانونية اللازمة» بحقّ مرتكبيها.

وشدّد على أن وزارة الداخلية «لن تسمح بأي تصرفات عبثية أو خارجة عن القانون، مهما كانت المبررات»، مؤكداً «التزامها الكامل بحماية جميع المواطنين السوريين دون استثناء».

ويعدّ الهجوم على المسجد الذي أودى بحياة 8 أشخاص وتبنّته جماعة باسم «سرايا أنصار السنة»، الأحدث ضد الأقلية الدينية التي تعرضت لحوادث عنف عدة منذ سقوط حكم الرئيس السابق بشار الأسد، المنتمي لهذه الطائفة، في ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وشهدت سوريا موجات دموية من العنف الطائفي، أبرزها في منطقة الساحل بحق مدنيين علويين في مارس (آذار)، بعدما اتهمت السلطات الجديدة في دمشق أنصاراً مسلحين للأسد بإشعال العنف من خلال مهاجمة قوات الأمن.


استياء رسمي لبناني من «حماس» لرفضها تسليم سلاحها

أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
TT

استياء رسمي لبناني من «حماس» لرفضها تسليم سلاحها

أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
أفراد أمن فلسطينيون ينتشرون في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت خلال تسليم السلاح للجيش اللبناني في شهر أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

في وقت يستكمل فيه الجيش اللبناني عملية تسلُّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية، تطرح الأسئلة حول مصير سلاح حركة «حماس» في لبنان، وهي التي لا تزال ترفض تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية والاتفاق اللبناني - الفلسطيني في هذا الإطار.

وبلغ الاستياء الرسمي اللبناني من حركة «حماس» والفصائل الحليفة لها مستويات غير مسبوقة نتيجة رفضها تسليم سلاحها المتوسط والثقيل الموجود جنوب نهر الليطاني، وبالتحديد في مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، علماً بأن المهلة التي حددها الجيش اللبناني لإنجاز المرحلة الأولى من قرار الحكومة «حصرية السلاح»، والتي تلحظ المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود الإسرائيلية، تنتهي نهاية عام 2025.

ويفترض أن تعلن الحكومة في جلسة تعقدها مطلع عام 2026 إنجاز المرحلة الأولى وانتقالها لتطبيق المرحلة الثانية بمسعى منها لتجاوز التهديدات الإسرائيلية بشن جولة جديدة من الحرب «لمواجهة محاولات (حزب الله) إعادة بناء قدراته العسكرية».

وتشدُّد «حماس» وفصائل أخرى، يطرح علامات استفهام، لا سيما أن «حزب الله» رضخ وسلّم سلاحه جنوب الليطاني، ما يهدد سلامة واستقرار مخيم الرشيدية إذا قررت إسرائيل استهداف السلاح الموجود داخله، والذي يُعتقد أن بعضه متوسط وثقيل.

وساطات خارجية لمعالجة الملف

وكشف مصدر رسمي لـ«الشرق الأوسط» عن «طلب لبنان وساطات خارجية لمعالجة ملف سلاح (حماس)، وعن ممارسة هذه الدول ضغوطاً على الحركة لم تؤدِ غرضها حتى الساعة». واعتبرت مصادر مواكبة لهذا الملف أن تسليم «فتح» دفعة جديدة من السلاح من مخيم عين الحلوة، الثلاثاء، «هو بمثابة محاولة جديدة للضغط على (حماس) لتسليم سلاحها».

عنصر في الجيش اللبناني على مدخل مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت (إ.ب.أ)

ويعبّر رئيس لجنة الحوار اللّبناني - الفلسطيني السّفير رامز دمشقية بوضوح عن الاستياء الرسمي اللبناني من موقف حركة «حماس» والفصائل الحليفة لها، وطريقة تعاطيها مع هذا الملف.

وقال دمشقية، لـ«الشرق الأوسط»: «طالما هذه الفصائل تعلن أنها تحت سقف الدولة اللبنانية، فالمفروض بها أن تلتزم بقرارات الدولة، لا أن تلجأ للمراوغة من خلال ربط التسليم بملف الحقوق»، مضيفاً: «نعلم أن هناك حقوقاً ومطالب، ونحن نعمل على هذا الملف بجدية... لكننا نرفض أي مقايضة بين ملف وآخر».

ويرى دمشقية أنه «لا نفع أو جدوى من اجتماعات موسعة مع الفصائل»، معتبراً أن «المطلوب من (حماس) والفصائل الحليفة التواصل مع الجيش اللبناني لتحديد مواعيد لتسليم السلاح، تماماً كما فعلت فصائل منظمة التحرير».

وترفض حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وفصائل أخرى حليفة لها مقررات القمة اللبنانية - الفلسطينية، وترى أنه يفترض بالدولة اللبنانية حل الملف الفلسطيني في لبنان سلة واحدة؛ أي عدم إعطاء الأولوية للسلاح على الحقوق والمطالب الفلسطينية.

وتقول مصادر «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إنها «لا تزال تنتظر دعوة السفير دمشقية كل الفصائل للحوار بشأن ملف السلاح والملفات العالقة المرتبطة بالحقوق الفلسطينية والتفاهم على ورقة تشكل أرضية للحل»، لافتة إلى أنه «وفي اللقاء الأخير مع السفير دمشقية وعد بالدعوة لحوار مماثل، لكن ذلك لم يحصل ولم يتم توجيه أي دعوة».

جنود قرب مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان خلال عملية تسليم مجموعات فلسطينية سلاحها للجيش اللبناني 13 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

ويبدو محسوماً ألا خطة سياسية - عسكرية لبنانية لجمع السلاح الفلسطيني بالقوة؛ إذ تقول مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن «مهام الجيش في التعامل راهناً مع ما تبقى من سلاح داخل المخيمات الفلسطينية، تقتصر على منع دخول أو خروج السلاح منها، بحيث تم تشديد الإجراءات الأمنية المتخذة على المداخل والمخارج الأساسية والفرعية للمخيمات المنتشرة في كل المناطق اللبنانية».

تسليم الدفعة الخامسة من سلاح «فتح»

وأعلن الجيش اللبناني، الثلاثاء، أنه «واستكمالاً لعملية تسلُّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية، تسلَّمَ الجيش كمية من السلاح الفلسطيني من مخيم عين الحلوة (في جنوب لبنان)، بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية المعنية»، مشيراً إلى أنها شملت أنواعاً مختلفة من الأسلحة والذخائر الحربية، وقد تسلمتها الوحدات العسكرية المختصة للكشف عليها وإجراء اللازم بشأنها».

من جهته، أعلنت دائرة الإعلام في الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان (الجناح العسكري لحركة «فتح»)، في بيان، أن «قواتها استكملت، الثلاثاء، تسليم الدفعة الخامسة من السلاح الثقيل التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك في مخيم عين الحلوة - صيدا».

وأكد الأسدي أن «هذه الخطوة تأتي تنفيذاً للبيان الرئاسي المشترك الصادر عن الرئيسين الفلسطيني محمود عباس واللبناني جوزيف عون في شهر مايو (أيار) الماضي، وما نتج عنه من عمل اللجنة اللبنانية - الفلسطينية المشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات وتحسين الظروف المعيشية فيها».

12 مخيماً فلسطينياً في لبنان

ويبلغ العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى «الأونروا» في لبنان 489.292 شخصاً. ويقيم أكثر من نصفهم في 12 مخيماً منظماً ومعترفاً بها من قبل «الأونروا» هي: الرشيدية، برج الشمالي، البص، عين الحلوة، المية ومية، برج البراجنة، شاتيلا، مار إلياس، ضبية، ويفل (الجليل)، البداوي، ونهر البارد.

وسُجل في الفترة الماضية، وبالتوازي مع انطلاق عملية تسليم السلاح الفلسطيني الموجود داخل المخيمات، حراك رسمي لافت باتجاه تحسين ظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين الذين يرزح نحو 80 في المائة منهم تحت خط الفقر، ويعيشون في أوضاع صعبة جداً داخل مخيماتهم.

وقام السفير دمشقية رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني مع مديرة شؤون «الأونروا» في لبنان، دوروثي كلاوس، بمساعٍ حثيثة مع المسؤولين اللبنانيين المعنيين بمعالجة هذا الملف، من خلال العمل على تخفيف بعض القيود المرتبطة بترميم وإصلاح المنازل، وإصدار بطاقات هوية بيومترية للفلسطينيين.