غزة: 30 قتيلاً نصفهم من منتظري المساعدات بقصف إسرائيلي

«الصليب الأحمر» دعا إلى التحرك لوقف المعاناة

فلسطينيون نازحون في مخيم النصيرات للاجئين يحملون طرودًا غذائية ومواد أخرى تمكنوا من الحصول عليها من نقطة توزيع مساعدات من مؤسسة غزة الإنسانية في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون في مخيم النصيرات للاجئين يحملون طرودًا غذائية ومواد أخرى تمكنوا من الحصول عليها من نقطة توزيع مساعدات من مؤسسة غزة الإنسانية في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

غزة: 30 قتيلاً نصفهم من منتظري المساعدات بقصف إسرائيلي

فلسطينيون نازحون في مخيم النصيرات للاجئين يحملون طرودًا غذائية ومواد أخرى تمكنوا من الحصول عليها من نقطة توزيع مساعدات من مؤسسة غزة الإنسانية في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون نازحون في مخيم النصيرات للاجئين يحملون طرودًا غذائية ومواد أخرى تمكنوا من الحصول عليها من نقطة توزيع مساعدات من مؤسسة غزة الإنسانية في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

قتل 30 مواطنا فلسطينيا وأصيب آخرون، منذ فجر يوم السبت، في غارات إسرائيلية متواصلة على قطاع غزة.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) بأن من بين القتلى 14 من منتظري المساعدات. وأشارت إلى «استشهاد ثلاثة مواطنين وإصابة آخرين بجروح بينهم حالات خطيرة في قصف طائرات الاحتلال الحربية حي تل الهوا جنوب مدينة غز». وذكرت الوكالة أن طائرات إسرائيلية شنت سلسلة غارات جوية استهدفت مناطق متفرقة في مدينة غزة.

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أشخاص قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على مدرسة في غزة والتي تم استخدامها ملجأ (أ.ب)

وفي وقت سابق اليوم، أفادت «وفا»، بمقتل 6 أشخاص قصف إسرائيلي غرب مدينة غزة. ونقلت الوكالة عن مصادر طبية قولها إن عدداً من المصابين من منتظري المساعدات وصلوا إلى مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، عقب تعرضهم للرصاص بشكل مباشر في منطقة الواحة.

كما لفتت الوكالة إلى أن الطائرات الإسرائيلية شنت سلسلة غارات جوية استهدفت مناطق متفرقة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

وفي تحديثها اليومي، ذكرت وزارة الصحة في قطاع غزة بأن 57 قتيلا و512 مصابا وصلوا إلى مستشفيات القطاع خلال الساعات الـ24 الماضية.

الصليب الأحمر

إلى ذلك، دعت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش في بيان المجتمع الدولي إلى التحرّك الجماعي والعاجل لوضع حد للمعاناة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة.

وقالت سبولياريتش إنه «لا توجد أي مبررات لما يجري في غزة، فقد تجاوز حجم المعاناة الإنسانية ومستوى المساس بالكرامة البشرية كل الحدود المقبولة قانونياً، وأخلاقياً».

وأكدت أن استمرار غياب وقف إطلاق النار يعني المزيد من الخسائر في الأرواح بين المدنيين، مشيرة إلى أن المدنيين يرزحون تحت معاناة شديدة جراء حرب تُشنّ بلا تمييز، وما تسببه من حرمان من أبسط مقومات الحياة.

وأضافت أن «الأعمال العدائية المستمرة تحصد أرواح الناس بلا رحمة، فيما يلقى الأطفال حتفهم نتيجة نقص الغذاء، وتجبر العائلات على النزوح المتكرر بحثاً عن أمان غير موجود».

وأشارت إلى أن 350 موظفاً من طواقم اللجنة الدولية في غزة يواجهون الظروف القاسية ذاتها للحصول على الغذاء، والمياه النظيفة.

فلسطينيون نازحون في مخيم النصيرات للاجئين يحملون طرودًا غذائية تمكنوا من الحصول عليها من نقطة توزيع مساعدات من مؤسسة غزة الإنسانية في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وشددت سبولياريتش على ضرورة إنهاء هذه المأساة بشكل فوري وحاسم، مؤكدة أن أي تردد سياسي أو تبرير للانتهاكات الجارية سيُسجَّل في التاريخ على أنه فشل جماعي في الحفاظ على الحد الأدنى من الإنسانية في زمن الحرب.

وطالبت الدول بالوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقيات جنيف، وضمان احترام القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الامتناع عن نقل الأسلحة التي قد تُستخدم في ارتكاب انتهاكات جسيمة، والعمل على إلزام أطراف النزاع بالتقيد الكامل بالقانون الدولي الإنساني.

كما دعت إلى استئناف وصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف أنحاء قطاع غزة بشكل عاجل، ودون عوائق أو تمييز، والإفراج عن جميع الرهائن المتبقين، والسماح للجنة الدولية باستئناف زياراتها إلى المعتقلين الفلسطينيين في أماكن الاحتجاز الإسرائيلية.

وأكدت أن إنقاذ الأرواح في غزة أمر ممكن إذا توفرت الشجاعة السياسية لاحترام قواعد الحرب، وضمان الحماية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني للمدنيين.

ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنت إسرائيل عدواناً على قطاع غزة، أسفر عن مقتل 59676 فلسطينياً، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 143965 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام، وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

فلسطينيون نازحون في مخيم النصيرات للاجئين يحملون طرودًا غذائية ومواد أخرى تمكنوا من الحصول عليها من نقطة توزيع مساعدات من مؤسسة غزة الإنسانية في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

كما ترتكب إسرائيل مجازر بشعة بحق منتظري المساعدات، إذ يتعرضون يومياً لخطر الموت، بسبب الرصاص العشوائي، والاستهداف المباشر لهم، حيث تجاوز عدد القتلى منذ بدء العمل بآلية نقاط توزيع المساعدات في مايو (أيار) أكثر من 1000 قتيل، ومئات المصابين.

ويعيش أهالي غزة في مجاعة مع توقف دخول المساعدات إلى القطاع، وأمس (الجمعة)، أفادت وزارة الصحة في غزة بأن مستشفيات القطاع سجلت 9 حالات وفاة جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال 24 ساعة.

وأشارت الوزارة، في بيان، إلى أن العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية ارتفع إلى 122 حالة وفاة، من بينهم 83 طفلاً.

فلسطينيون نازحون في مخيم النصيرات للاجئين يحملون طرودًا غذائية ومواد أخرى تمكنوا من الحصول عليها من نقطة توزيع مساعدات في ما يسمى "ممر نتساريم" في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قد أعلن في بيان أمس أن نحو ثلث سكان قطاع غزة لا يأكلون لأيام، محذراً من أن سوء التغذية في ازدياد حاد.

وأفاد البرنامج بأن «الأزمة الغذائية في غزة بلغت مستويات من اليأس غير مسبوقة. شخص من أصل ثلاثة لا يأكل لأيام. سوء التغذية في ازدياد حاد؛ إذ إن 90 ألف امرأة وطفل بحاجة عاجلة إلى العلاج».


مقالات ذات صلة

خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

المشرق العربي ياسر أبو شباب في صورة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (أرشيفية)

خليفة «أبو شباب» يتعهد بمواصلة مقاومة «حماس»

أكدت «القوات الشعبية» التي كان يتزعمها ياسر أبو شباب، مقتله خلال محاولته فض نزاع عائلي، مشددةً على أنه لم يكن لحركة «حماس» أي علاقة بظروف مقتله.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية 144 مليار شيقل وحصلت على 112 بما يزيد بنحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

إسرائيل ترسل وفداً إلى القاهرة لبحث إعادة رفات آخر رهينة في غزة

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، أن وفداً يضم ممثلين للجيش وأجهزة أمنية، زار مصر للبحث في إعادة رفات آخر الرهائن المحتجزين بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه السياسي، مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية السابقة»، التي كانت تشترط، حسب تعبيره، وقف الأعمال العدائية من قبل إسرائيل قبل إشراك أي مدني في آلية التنفيذ.

وفيما أعرب عن تأييده «خيار الدبلوماسية» الذي تتبعه السلطات اللبنانية، رأى أن تعيين السفير سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني، هو «تنازل مجاني لن يغيّر من موقف إسرائيل ولا من عدوانها ولا من احتلالها»، مشيراً إلى أنّ «المندوب المدني ذهب واجتمع فازداد الضغط، وأن إسرائيل ومعها أميركا تريدان إبقاء لبنان تحت النار».

وتأتي مواقف قاسم في وقتٍ لم يعلن فيه رئيس البرلمان نبيه بري اعتراضاً على تعيين السفير سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني، إنما أكد على ضرورة حصر دوره بالإطار التقني وعدم توسيعه إلى مستويات تفاوضية أو سياسية، وهو ما يعكس تمايزاً واضحاً حول هذا القرار بين الحليفين.

تقديم تنازلات في لحظة حساسة

ووصف قاسم في كلمة له خطوة تعيين مدني بـ«سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة 5 أغسطس (قرار الحكومة لحصرية السلاح)» معتبراً أنّه «بدلاً من اتخاذ خطوات إلى الأمام تُقدَّم تنازلات لن تنفع مع إسرائيل»، داعياً الحكومة للتراجع عن القرار، وأن «يجري تفاهم داخلي على قاعدة عدم السماح بأي تنازل حتى تطبق إسرائيل ما عليها».

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (أرشيفية - رويترز)

«السفينة الغارقة»

واعتبر قاسم أنّ الحزب «قام بما عليه ومكّن الدولة من فرض سيادتها في إطار الاتفاق»، قبل أن ينتقل إلى تشبيه لبنان بـ«السفينة»، معتبراً أنّ «التماهي مع إسرائيل يعني ثقب السفينة، وعندها يغرق الجميع».

وقال إنه يجب مواجهة العدوان الإسرائيلي التوسعي بكل الوسائل والسبل، مضيفاً: «هناك اتفاق لم يتم الالتزام به رغم التزام لبنان، الاعتداءات ليست من أجل السلاح، بل من أجل التأسيس لاحتلال لبنان ورسم إسرائيل الكبرى من بوابة لبنان».

وفي المقابل، أكد قاسم أنّ «الدولة اختارت طريق الدبلوماسية لإنهاء العدوان، ونحن معها أن تستمر في هذا الاتجاه». لكنه شدد على أنّه «لا علاقة لأميركا وإسرائيل بكيفية تنظيم شؤوننا الداخلية، ولا علاقة لهما بما نختلف عليه أو نقرره في لبنان».

وشدّد على أنّ «الحدّ الذي يجب الوقوف عنده هو حدود الاتفاق الذي يتحدث حصراً عن جنوب نهر الليطاني، ولا وجود لما يسمى ما بعد جنوب نهر الليطاني».

وتابع قاسم: «هم يريدون إلغاء وجودنا»، لكن «سندافع عن أنفسنا وأهلنا وبلدنا، ونحن مستعدون للتضحية إلى الأقصى، ولن نستسلم».


الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.