«معركة بغداد»... أبرز ساحات الانتخابات العراقية المقبلة

السوداني والمالكي والحلبوسي يتنافسون على «الرقم واحد»

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
TT

«معركة بغداد»... أبرز ساحات الانتخابات العراقية المقبلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

خلال أول انتخابات برلمانية بعد انهيار نظام صدام حسين، التي أجريت عام 2005، لم تكن بغداد العاصمة التي تضم أكبر تجمع بشري في البلاد بنحو 10 ملايين نسمة، الهدف من التنافس بين الأحزاب، بقدر ما كان الصراع الطائفي عنوانها الأبرز. الآن، وبعد 5 انتخابات برلمانية متباينة النتائج والأوزان، يستعد العراقيون لإجراء الانتخابات السادسة نهاية العام الحالي عبر مجموعة عناوين مختلفة يختلط فيها التنافس بالصراع المذهبي مرة، والمناطقي مرة أخرى، في ظل معادلة تبدو الآن شديدة الاختلال بسبب غياب «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر.

وفي وقت لم يُظهر الصدر أي مرونة في إمكانية تغيير موقفه والعودة إلى الانتخابات، رغم ما يُقال عن وساطة بدأها معه، وبتكليف من «الإطار التنسيقي»، عمار الحكيم، زعيم «تيار الحكمة»، فإن الاستعداد لما يمكن تسميته «معركة بغداد» سيكون العنوان الأبرز هذه المرة، بعد أن بدا أن هناك إصراراً سنياً على ما يعدونه هوية بغداد.

وثمة سرديات تاريخية تتنازع طائفياً على هوية العاصمة، بلغت ذروتها مع سقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية الحديثة بعد ثورة قادها عبد الكريم قاسم، ويرجع خبراء ومؤرخون انتعاش هذه السرديات إلى غياب سردية وطنية للهوية ترعاها قوانين وحريات عامة.

ومع مرور السنوات، وبسبب تغييرات سكانية جراء الهجرة والهجرة المعاكسة، تغير الكثير على مستوى ديموغرافية العاصمة، تحت تأثيرات سياسية واقتصادية عاصفة.

وبعد عام 2003، بلغ الصراع الطائفي أشده، لا سيما بعد أن تحولت العديد من أحياء بغداد إلى ساحات حروب أهلية. ومع أن الدولة، وبمساعدة حاسمة من القوات الأميركية، تمكنت من هزيمة تنظيم القاعدة واغتيال أبرز قادته، بدءاً من أبي مصعب الزرقاوي، فإن النار بقيت تستعر تحت الرماد على صعيد التنافس والصراع المذهبي الطائفي حتى انتخابات عام 2010، التي تغيرت فيها المعادلة السياسية عبر تأويل مادة دستورية تتعلق بتفسير الكتلة الأكبر في البرلمان.

لكن الدستور العراقي، الذي كُتب بيد خبراء حزبيين تحت سلطة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، كان قد ساهم في تشريع أرضية لإذكاء الانقسام المذهبي والقومي. ويكشف سياسي بارز شارك في كتابة الدستور عن تفاصيل «الاستعجال في كتابة الدستور والإصرار على تمريره رغم الملاحظات». وقال لـ«الشرق الأوسط» رافضاً الكشف عن اسمه، إنه «حين وصلت لجنة كتابة الدستور إلى المراحل النهائية، ذهب وفد منها إلى النجف لمقابلة المرجع علي السيستاني وإطلاعه على النتائج».

وتابع السياسي العراقي: «بينما كنا فرحين بما نعتقد أنه إنجاز دستور، حثّنا السيستاني على التريث وعدم الاستعجال في كتابة دستور دائم». وزاد بالقول: «تبيّن أن رأي المرجع كان صائباً بعد ما رأيناه من خلافات بين المذاهب والقوميات».

موظف في مفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

اغتيال الدستور

خلال الاستفتاء على نصوص الدستور عام 2005، رفضه السكان من العرب السُّنة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، وأجزاء من العاصمة بغداد. وكان الدستور يقضي ببطلانه لو رفضته 3 محافظات، لكنه مرّ في النهاية بعد تدخلات سياسية قادت إلى حصول موافقة محافظة نينوى.

وفي انتخابات عام 2010، فازت «القائمة العراقية» التي يتزعمها إياد علاوي بالمرتبة الأولى بحصولها على 91 مقعداً، بينما حلّت القائمة التي تحمل اسم «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك، بالمرتبة الثانية بواقع 89 مقعداً. وحل المالكي وقتها في بغداد بالمرتبة الأولى بعد أن كان يحمل تسلسل 1 في قائمته على مستوى بغداد، بحصوله على نحو 700 ألف صوت، في حين حل إياد علاوي بالمرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات الشخصية، لكن قائمته حلّت بالمرتبة الأولى.

ويومذاك، حال تفسير قضائي أعطاه الرئيس الأسبق للمحكمة الاتحادية العليا، القاضي مدحت المحمود، لمفهوم الكتلة الأكبر، دون قدرة القائمة العراقية على تشكيل حكومة برئاسة إياد علاوي، الذي كان ترأس بعد 2003 أول حكومة انتقالية استمرت لنحو سنة.

وكان القاضي المحمود قد أكد أن المادة 76 من الدستور تنص على أن «الكتلة الأكبر هي التي يمكن أن تتشكل بعد الانتخابات»، وليس التي تفوز في النتائج المعلنة للانتخابات، ما منح المالكي، الذي شكل تحالفاً شيعياً، القدرة على تشكيل كتلة أكبر تتجاوز كتلة علاوي البالغة 91 مقعداً، بجلب مقاعد من كتل أخرى، ليصبح «ائتلاف دولة القانون»، التي حازت 89 مقعداً، هو «الكتلة الأكبر».

جانب من العاصمة العراقية بغداد (رويترز)

الرقم واحد

طوال الدورات الانتخابية الماضية، كانت بغداد معركة مؤجلة؛ إما لأن السيطرة الانتخابية تعود في النهاية لصالح طرف «مذهبي» في العادة على حساب طرف «مذهبي» آخر، أو لأن الجو السياسي لا يسمح بفتح المزيد من المعارك بين المتخاصمين من القوى السياسية.

وطبقاً لوثيقة أعلنتها مفوضية الانتخابات، فإن المشاركة السياسية تبدو مختلفة هذه المرة، سواء لجهة عدد الدوائر الانتخابية أو عدد المرشحين والتحالفات السياسية، مما يعني أن الاستعدادات الآن لمعركة بغداد تبدو في كامل الجاهزية وعلى كل المستويات.

وأشارت الوثيقة إلى أن إجمالي عدد المرشحين المسجلين لخوض انتخابات مجلس النواب العراقي بلغ 7926 مرشحاً، من بينهم 5701 من الذكور و2225 من الإناث. وبحسب الوثيقة، تصدرت العاصمة بغداد قائمة الدوائر الأكثر نشاطاً بـ2353 مرشحاً. وبينما كان نوري المالكي يحتل «رقم واحد» في بغداد، فإن هذا الرقم هو العنوان الأبرز للانتخابات المقبلة في العاصمة التي يتصدرها اسمان هذه المرة، وكلاهما ليسا من سكانها؛ رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وهو من محافظة ميسان (جنوب)، ومحمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، وهو من محافظة الأنبار، مع سريان أنباء عن دخول المالكي نفسه مرشحاً عن بغداد بتسلسل 1، وهو من محافظة كربلاء.


مقالات ذات صلة

الحكومة العراقية الجديدة مفتوحة على المفاجآت

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

الحكومة العراقية الجديدة مفتوحة على المفاجآت

توتر سياسي واسع داخل المعسكر الشيعي الحاكم في العراق بعد التراجع عن إدراج «حزب الله» اللبناني وجماعة «الحوثي» اليمنية على قوائم الإرهاب.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مقاتلون حوثيون خلال استعراض في صنعاء باليمن 21 سبتمبر 2024 (رويترز)

الرئاسة العراقية تنفي علمها بقرار اعتبار «حزب الله» والحوثيين «جماعتَين إرهابيتَين»

نفت رئاسة الجمهورية العراقية علمها أو مصادقتها على قرار اعتبار جماعتَي «أنصار الله (الحوثيين)»، و«حزب الله» اللبناني إرهابيَّتين، وتجميد أصولهما وأموالهما.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

العراق يصنف «سهواً» حلفاء إيران «إرهابيين»... وارتباك داخل «التنسيقي»

في غضون ساعات، تراجع العراق عن وضع «حزب الله» وجماعة «الحوثي» على قائمة إرهاب، بعد ارتباك وذهول بين أوساط حكومية وسياسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (رويترز)

السوداني يوجه بالتحقيق في خطأ يتعلق بقائمة لتجميد أموال شملت «حزب الله» و«الحوثيين»

وجَّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، بتحقيق عاجل ومحاسبة المقصرين بشأن الخطأ بقرار لجنة تجميد الأموال.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري ولدان يجلسان على خط الأنابيب العراقي - التركي في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق (روترز)

تحليل إخباري صراع خطوط الأنابيب... ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وتراجع الهيمنة الإيرانية

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً خفياً وفعالاً للضغط الدبلوماسي الأميركي على الحكومة العراقية، نتج عنه إعادة فتح خط أنابيب كركوك-جيهان.

«الشرق الأوسط» (بغداد، واشنطن)

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
TT

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب». وأضاف، في بيان، اليوم (الثلاثاء): «نثمن دعم كندا لسوريا في مسيرتها الحالية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار».

وتابع البيان: «إن هذا القرار يشكل لحظة مهمة لتعزيز العلاقات السورية – الكندية، ويمهِّد لمرحلة جديدة من الشراكات المتعددة... إن سوريا تشدد على استعدادها للعمل مع الشركاء الدوليين كافة والتواصل الإيجابي بما يسهم في دعم جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، ويصبّ في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».


توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
TT

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

أكّدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلةً جديدةً بإدخال مدني إليها، هو سفير لبنان السابق لدى واشنطن، المحامي سيمون كرم، لترؤس الوفد اللبناني للجنة الـ«ميكانيزم»، بغية تفعيل اجتماعاتها للتوصل إلى اتفاق أمني، قاعدته الأساسية تطبيق وقف الأعمال العدائية، بخلاف اجتماعاتها السابقة التي غلبت عليها المراوحة، وتشاركت وقيادة القوات الدولية «اليونيفيل» في تعداد الخروق والغارات الإسرائيلية.

ولفتت إلى أن توافق الرؤساء على إخراج الـ«ميكانيزم» من الدوران في حلقة مفرغة، تلازم مع رسم حدود سياسية للتفاوض، محصورة بوقف الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، والانسحاب من الجنوب، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وإعادة ترسيم الحدود وتصحيحها، انطلاقاً من التجاوب مع تحفّظ لبنان على النقاط المتداخلة الواقعة على الخط الأزرق والعائدة لسيادته.

رئيس الحكومة نواف سلام مجتمعاً مع السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان يصر على حصر جدول أعمال المفاوضات ببنود أمنية لا يمكن تجاوزها للبحث في تطبيع العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقية سلام بين البلدين، وهذا ما أجمع عليه رؤساء «الجمهورية»، العماد جوزيف عون، و«الحكومة»، نواف سلام، و«المجلس النيابي»، نبيه بري، الذي كان أول من اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، ومن ثم أصروا على تكرار موقفهم في هذا الخصوص استباقاً لانعقاد الجولة الأولى من المفاوضات، بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومشاركة كرم فيها، بما يتعارض مع جدول أعمالها الذي حدده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقالت إن نتنياهو يريد تكبير الحجر لتحريض «حزب الله» على الدولة وإرباكها، فيما يواصل جيشه خروقه واعتداءاته لتأليب بيئته عليه، وهذا ما تبين باستهدافه عدداً من المنازل الواقعة بين جنوب نهر الليطاني وشماله، رغم خلوها من مخازن لسلاح الحزب. ورأت بأنه يواصل ضغطه بالنار لإلزام لبنان بالتسليم لشروطه، وإن كان يدرك سلفاً أنه لا مجال أمام المفاوضات لخروجها عن جدول أعمالها التقني - الأمني، بالتلازم مع إصرار الحكومة اللبنانية على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، ولا عودة عنه.

وتوقفت المصادر أمام تأكيد بري أنه كان أول مَن اقترح إدخال مدنيين للـ«ميكانيزم»، وسألت، أين يقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من اقتراحه؟ وهل سبق أن اعترض على اقتراح «أخيه الأكبر» في هذا الخصوص؟ رغم أنه في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة أكّد رفضه للمفاوضات مع إسرائيل، ليعود لاحقاً إلى تصويب ما حمله كتابه هذا، بتكليفه قيادياً في الحزب بأن ينقل رسالة إليه مفادها أنه لم يكن هو المقصود به، لقطع الطريق على افتعال مشكلة داخل البيت الشيعي.

كما سألت قاسم، ألم يوافق الحزب على اجتماعات الـ«ميكانيزم»، ما دام «أخوه الأكبر» هو مَن يفاوض باسمه وكان وراء التوصل لاتفاق وقف النار مع الوسيط الأميركي آنذاك أموس هوكستين؟ وقالت إنه ليس لدى الحزب من أوراق سوى رفع سقف اعتراضه على المفاوضات، ولم يعد يملك ما يسمح له بأن يعيد خلطها في ضوء اختلال ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، بعد أن أفقده إسناده غزة منفرداً توازن الردع وقواعد الاشتباك.

الدخان يتصاعد في بلدة المجادل في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي يوم الخميس (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن الحزب يفتقد إلى أي بدائل لقلب موازين القوى، ويكتفي بتسجيل اعتراض من العيار الثقيل على المفاوضات، من دون أن يكون في وسعه ترجمته عسكرياً، رغم إصراره على تمسكه بسلاحه واتهامه حكومة سلّام بارتكاب خطيئة بموافقتها على حصرية السلاح التي يُفترض أن تتقدم بدءاً من شمال الليطاني حتى حدود لبنان الدولية مع سوريا، بالتلازم مع تسجيل تقدم في المفاوضات.

ورأت أن الحزب مضطر لوزن موقفه، لأنه ليس وارداً كسر علاقته بعون وتهديد تحالفه ببري، ما يُسبّب انكشافه فيما هو بأمس الحاجة لحماية الداخل، إضافة لما يترتب على «خدش» علاقته بهما من تداعيات سلبية على الطائفة الشيعية، لا يريدها ويتفداها، وما هو المانع من أن يضع ما لديه من أوراق بعهدة بري، كونه الأقدر منه على مراعاته للمزاج الشيعي الذي ينشد تحرير الجنوب، وإفساحاً في المجال أمام عودة أهله إلى قراهم، ولا يرى من منقذ غيره، ويتطلع إليه خصومه على أنه الممر الإلزامي للتوصل إلى تسوية تُعيد إدراج لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، وتفتح كوّة لإعادة إعمار البلدات المدمرة، خصوصاً أنه يحظى بعلاقات دولية وعربية، بخلاف الحزب الذي لم يعد له سوى إيران.

وأكدت المصادر أن دخول المفاوضات في مرحلة جديدة كان وراء الضغط الأميركي على إسرائيل لمنعها من توسعتها للحرب، بعد أن استجاب لبنان لطلبها بتطعيم الـ«ميكانيزم» بمدني كُلّف برئاسة وفده، وتمنت على «حزب الله» الوقوف خلف الدولة في خيارها الدبلوماسي، وأن مخاوفه من أن تؤدي إلى ما يخشاه بالتوصل مع إسرائيل إلى اتفاقية سلام ليست في محلها، ما دام أن حليفه بري هو أول من أيد تطعيمها بمدنيين، وبالتالي ما المانع لديه من أن يعطيها فرصة ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه لاحقاً، بدلاً من أن يُبادر من حين لآخر إلى «فش خلقه» بسلام، رغم أنه ليس فاتحاً على حسابه، وينسق باستمرار مع عون، ويتعاونان لتطبيق حصرية السلاح التي نص عليها البيان الوزاري للحكومة.

وكشفت أن التواصل بين عون وبري لم ينقطع، وهما قوّما قبل انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الأجواء التي سادت اجتماع الـ«ميكانيزم» في الناقورة، وقالت إن بري كان أوصى النواب المنتمين لكتلته النيابية، والمسؤولين في حركة «أمل»، بعدم التعليق لا سلباً ولا إيجاباً على كل ما يختص بالمفاوضات، وأن توصيته جاءت بناءً على رغبته في حصر الموقف به شخصياً لتفادي إقحام محازبي الطرفين في سجال، سرعان ما يتحول إلى مناوشات في الشارع، فيما الحزب يحرص، كما تقول قيادته، على تحصين علاقته بحليفه الأوحد في الساحة اللبنانية، بعد أن تفرّق عنه شركاؤه السابقون في محور الممانعة بتأييدهم حصرية السلاح.

وقالت المصادر إن الحزب يدرك جيداً أن الأبواب ما زالت مقفلة أمام تصويب علاقاته العربية والدولية، بخلاف بري. وسألت على ماذا يراهن، بعد أن رفضت قيادته المبادرة المصرية إصراراً منها، حسب مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، بأن ترهن موقفها بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، ليكون بمقدورها أن تضعه في سلة إيران، لعلها تتمكن من الحفاظ على نفوذها في لبنان بعد تراجع محور الممانعة في الإقليم؟

لذلك، سيأخذ الحكم والحكومة علماً باعتراض «حزب الله»، من دون أن يكون له مفاعيل تصعيدية بتحريك الشارع لتفادي الاحتكاك مع محازبي «أمل»، ما دام أن انطلاقة المفاوضات لا تلقى اعتراضاً من بري، وتبقى تحت سقف تحرير الجنوب تطبيقاً للـ«1701»، إلا إذا ارتأى الدخول في مزايدة شعبوية مع حليفه لا طائل منها، وستؤثر سلباً على حمايته، على الأقل داخل طائفته.


قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
TT

قاسم: ضم مدني لبناني إلى لجنة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة

نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)
نعيم قاسم خلال خطابه عبر الشاشة اليوم (الوكالة الوطنية)

رأى الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، الجمعة، أن تسمية السلطات اللبنانية مدنياً في اللجنة المكلفة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، هي بمثابة «سقطة» تضاف إلى «خطيئة» الحكومة بقرارها نزع سلاح الحزب.

وخلال حفل حزبي، قال قاسم في خطاب عبر الشاشة: «نرى أن هذا الإجراء هو سقطة إضافية تُضاف إلى خطيئة قرار الخامس» من أغسطس (آب)، في إشارة إلى القرار الحكومي بنزع سلاح الحزب، لكنه أكد في الوقت نفسه تأييده خيار الدبلوماسية الذي تتبعه السلطات لوقف الهجمات الإسرائيلية.

وانضم، الأربعاء، مندوبان مدنيان لبناني وإسرائيلي إلى اجتماعات اللجنة المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، في أول لقاء مباشر منذ عقود، قالت الرئاسة اللبنانية إن هدفه «إبعاد شبح حرب ثانية» عن لبنان.