«معركة بغداد»... أبرز ساحات الانتخابات العراقية المقبلة

السوداني والمالكي والحلبوسي يتنافسون على «الرقم واحد»

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
TT

«معركة بغداد»... أبرز ساحات الانتخابات العراقية المقبلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

خلال أول انتخابات برلمانية بعد انهيار نظام صدام حسين، التي أجريت عام 2005، لم تكن بغداد العاصمة التي تضم أكبر تجمع بشري في البلاد بنحو 10 ملايين نسمة، الهدف من التنافس بين الأحزاب، بقدر ما كان الصراع الطائفي عنوانها الأبرز. الآن، وبعد 5 انتخابات برلمانية متباينة النتائج والأوزان، يستعد العراقيون لإجراء الانتخابات السادسة نهاية العام الحالي عبر مجموعة عناوين مختلفة يختلط فيها التنافس بالصراع المذهبي مرة، والمناطقي مرة أخرى، في ظل معادلة تبدو الآن شديدة الاختلال بسبب غياب «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر.

وفي وقت لم يُظهر الصدر أي مرونة في إمكانية تغيير موقفه والعودة إلى الانتخابات، رغم ما يُقال عن وساطة بدأها معه، وبتكليف من «الإطار التنسيقي»، عمار الحكيم، زعيم «تيار الحكمة»، فإن الاستعداد لما يمكن تسميته «معركة بغداد» سيكون العنوان الأبرز هذه المرة، بعد أن بدا أن هناك إصراراً سنياً على ما يعدونه هوية بغداد.

وثمة سرديات تاريخية تتنازع طائفياً على هوية العاصمة، بلغت ذروتها مع سقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية الحديثة بعد ثورة قادها عبد الكريم قاسم، ويرجع خبراء ومؤرخون انتعاش هذه السرديات إلى غياب سردية وطنية للهوية ترعاها قوانين وحريات عامة.

ومع مرور السنوات، وبسبب تغييرات سكانية جراء الهجرة والهجرة المعاكسة، تغير الكثير على مستوى ديموغرافية العاصمة، تحت تأثيرات سياسية واقتصادية عاصفة.

وبعد عام 2003، بلغ الصراع الطائفي أشده، لا سيما بعد أن تحولت العديد من أحياء بغداد إلى ساحات حروب أهلية. ومع أن الدولة، وبمساعدة حاسمة من القوات الأميركية، تمكنت من هزيمة تنظيم القاعدة واغتيال أبرز قادته، بدءاً من أبي مصعب الزرقاوي، فإن النار بقيت تستعر تحت الرماد على صعيد التنافس والصراع المذهبي الطائفي حتى انتخابات عام 2010، التي تغيرت فيها المعادلة السياسية عبر تأويل مادة دستورية تتعلق بتفسير الكتلة الأكبر في البرلمان.

لكن الدستور العراقي، الذي كُتب بيد خبراء حزبيين تحت سلطة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، كان قد ساهم في تشريع أرضية لإذكاء الانقسام المذهبي والقومي. ويكشف سياسي بارز شارك في كتابة الدستور عن تفاصيل «الاستعجال في كتابة الدستور والإصرار على تمريره رغم الملاحظات». وقال لـ«الشرق الأوسط» رافضاً الكشف عن اسمه، إنه «حين وصلت لجنة كتابة الدستور إلى المراحل النهائية، ذهب وفد منها إلى النجف لمقابلة المرجع علي السيستاني وإطلاعه على النتائج».

وتابع السياسي العراقي: «بينما كنا فرحين بما نعتقد أنه إنجاز دستور، حثّنا السيستاني على التريث وعدم الاستعجال في كتابة دستور دائم». وزاد بالقول: «تبيّن أن رأي المرجع كان صائباً بعد ما رأيناه من خلافات بين المذاهب والقوميات».

موظف في مفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

اغتيال الدستور

خلال الاستفتاء على نصوص الدستور عام 2005، رفضه السكان من العرب السُّنة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، وأجزاء من العاصمة بغداد. وكان الدستور يقضي ببطلانه لو رفضته 3 محافظات، لكنه مرّ في النهاية بعد تدخلات سياسية قادت إلى حصول موافقة محافظة نينوى.

وفي انتخابات عام 2010، فازت «القائمة العراقية» التي يتزعمها إياد علاوي بالمرتبة الأولى بحصولها على 91 مقعداً، بينما حلّت القائمة التي تحمل اسم «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك، بالمرتبة الثانية بواقع 89 مقعداً. وحل المالكي وقتها في بغداد بالمرتبة الأولى بعد أن كان يحمل تسلسل 1 في قائمته على مستوى بغداد، بحصوله على نحو 700 ألف صوت، في حين حل إياد علاوي بالمرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات الشخصية، لكن قائمته حلّت بالمرتبة الأولى.

ويومذاك، حال تفسير قضائي أعطاه الرئيس الأسبق للمحكمة الاتحادية العليا، القاضي مدحت المحمود، لمفهوم الكتلة الأكبر، دون قدرة القائمة العراقية على تشكيل حكومة برئاسة إياد علاوي، الذي كان ترأس بعد 2003 أول حكومة انتقالية استمرت لنحو سنة.

وكان القاضي المحمود قد أكد أن المادة 76 من الدستور تنص على أن «الكتلة الأكبر هي التي يمكن أن تتشكل بعد الانتخابات»، وليس التي تفوز في النتائج المعلنة للانتخابات، ما منح المالكي، الذي شكل تحالفاً شيعياً، القدرة على تشكيل كتلة أكبر تتجاوز كتلة علاوي البالغة 91 مقعداً، بجلب مقاعد من كتل أخرى، ليصبح «ائتلاف دولة القانون»، التي حازت 89 مقعداً، هو «الكتلة الأكبر».

جانب من العاصمة العراقية بغداد (رويترز)

الرقم واحد

طوال الدورات الانتخابية الماضية، كانت بغداد معركة مؤجلة؛ إما لأن السيطرة الانتخابية تعود في النهاية لصالح طرف «مذهبي» في العادة على حساب طرف «مذهبي» آخر، أو لأن الجو السياسي لا يسمح بفتح المزيد من المعارك بين المتخاصمين من القوى السياسية.

وطبقاً لوثيقة أعلنتها مفوضية الانتخابات، فإن المشاركة السياسية تبدو مختلفة هذه المرة، سواء لجهة عدد الدوائر الانتخابية أو عدد المرشحين والتحالفات السياسية، مما يعني أن الاستعدادات الآن لمعركة بغداد تبدو في كامل الجاهزية وعلى كل المستويات.

وأشارت الوثيقة إلى أن إجمالي عدد المرشحين المسجلين لخوض انتخابات مجلس النواب العراقي بلغ 7926 مرشحاً، من بينهم 5701 من الذكور و2225 من الإناث. وبحسب الوثيقة، تصدرت العاصمة بغداد قائمة الدوائر الأكثر نشاطاً بـ2353 مرشحاً. وبينما كان نوري المالكي يحتل «رقم واحد» في بغداد، فإن هذا الرقم هو العنوان الأبرز للانتخابات المقبلة في العاصمة التي يتصدرها اسمان هذه المرة، وكلاهما ليسا من سكانها؛ رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وهو من محافظة ميسان (جنوب)، ومحمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، وهو من محافظة الأنبار، مع سريان أنباء عن دخول المالكي نفسه مرشحاً عن بغداد بتسلسل 1، وهو من محافظة كربلاء.


مقالات ذات صلة

«الإطار التنسيقي» العراقي على مشارف حسم مرشح رئاسة الوزراء

المشرق العربي جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

«الإطار التنسيقي» العراقي على مشارف حسم مرشح رئاسة الوزراء

يستعد «الإطار التنسيقي» الشيعي لحسم اسم مرشحه لمنصب رئيس الوزراء، بالتزامن مع انتهاء حالة الترقب التي رافقت مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بغداد (إعلام حكومي)

بغداد تطوي صفحة «يونامي»... وتتطلع إلى «شراكات» دولية

مع انتهاء مهام بعثة «يونامي»، عدّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن العراق بات «دولة طبيعية»، داعياً «العالم إلى فهم ذلك».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يتوسط رئيسَي «الحشد الشعبي» فالح الفياض (يمين) ومجلس القضاء فائق زيدان (أرشيفية - أ.ف.ب)

القضاء العراقي يدعو الأحزاب إلى حسم الرئاسات الثلاث

دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، السبت، القوى والأحزاب السياسية إلى حسم الاستحقاقات الدستورية المتعلقة باختيار رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان.

فاضل النشمي (بغداد)
رياضة عربية عدنان درجال (الاتحاد العراقي)

كأس العرب: رئيس الاتحاد العراقي يعتذر للجمهور بعد الخروج

قدّم رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم عدنان درجال اعتذاره للجماهير العراقية بعد الخُروجِ من منافسات كأس العرب المقامة بقطر، واعداً بتحضيرات مميزة للملحق العالمي.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
العالم العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يصل إلى بغداد... ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في مقدمة مستقبليه (مكتب رئيس وزراء العراق)

غوتيريش: نقف مع العراق لبناء بلد مزدهر ومستقر

وصل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى بغداد للمشاركة في الاحتفالية الكبرى التي ستنظمها الحكومة العراقية بمناسبة انتهاء مهام بعثة «يونامي».

«الشرق الأوسط» (بغداد)

«الإطار التنسيقي» العراقي على مشارف حسم مرشح رئاسة الوزراء

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
TT

«الإطار التنسيقي» العراقي على مشارف حسم مرشح رئاسة الوزراء

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

يستعد «الإطار التنسيقي» الشيعي في العراق لحسم اسم مرشحه لمنصب رئيس الوزراء خلال الساعات المقبلة، بالتزامن مع انتهاء حالة الترقب التي رافقت مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وأعلنت الدائرة الإعلامية للإطار التنسيقي أنه سيعقد، مساء الأحد، اجتماعاً يعتقد أنه سيتضمن التصويت على المرشح المتفق عليه لرئاسة الوزراء من بين عدد من الأسماء لم يعد يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

وفيما لم تعلن القوى السنية مرشحها لرئاسة البرلمان، ولا القوى الكردية مرشحها لرئاسة الجمهورية، فإن المصادقة المتوقعة للمحكمة الاتحادية على النتائج دون تغييرات كبيرة، ستضع الجميع أمام الأمر الواقع، والمتمثل ببدء التوقيتات الدستورية الحاكمة، التي سيؤدي خرقها إلى تأخير تشكيل الحكومة لشهور مقبلة، بما يتجاوز المدد الدستورية التي قدرها رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بنحو 4 أشهر.

وفي هذا السياق، تعقد القوى السنية الأحد، اجتماعاً لحسم مرشحها لرئاسة البرلمان، وهو المنصب الذي يتنافس عليه عدد من الأسماء، يتقدمهم رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، ووزير الدفاع وزعيم كتلة «الحسم الوطني» ثابت العباسي، إضافة إلى زعيم تحالف «عزم» مثنى السامرائي، والقيادي في كتلة «السيادة» سالم العيساوي. وفي حال التوصل إلى اتفاق على اسم محدد، يتوجب طرحه على ما يُسمى «الفضاء الوطني» الممثل بالشيعة والكرد لنيل موافقتهم.

الخلافات قائمة

وفي المقابل، تشير آخر تحديثات الكتل الشيعية إلى أن القائمة الطويلة للمرشحين لمنصب رئيس الوزراء، التي كانت تضم نحو 40 اسماً، تقلصت إلى نحو 9 أسماء، يتقدمهم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ومدير جهاز المخابرات الوطني حميد الشطري، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، فيما يطرح رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مرشحَ ظل.

وأفاد مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»، بأن «الخلافات لا تزال قائمة داخل قوى الإطار التنسيقي بشأن المرشح المحتمل لرئاسة الوزراء، بصرف النظر عن الشروط والمواصفات التي سبق أن ناقشتها اللجنة المكلفة داخل الإطار».

وأكد المصدر أن «تداول الأسماء المرشحة للمنصب ينطوي على كثير من المبالغة، سواء طالت القائمة أم قصرت، إذ لا يوجد عملياً سوى اسمين يتنافسان فعلياً على المنصب؛ وهما رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بينما تطرح بقية الأسماء من قبل أطراف معينة، أو باعتبارها أسماء ظل، في حال تعذر التوافق على أحد الاسمين الرئيسيين».

وكشف المصدر أن «قوى الإطار التنسيقي بدأت تأخذ في الحسبان طبيعة الضغوط الخارجية، لا سيما الأميركية، التي لا ترغب في أن يكون رئيس الوزراء المقبل قريباً من قوى السلاح»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الإطار يواجه تحديات داخلية تتمثل في الفصائل المسلحة التي لا تزال ترفض التخلي عن سلاحها، فضلاً عن نجاح بعض أجنحتها السياسية في فرض حضور تمثيلي داخل البرلمان الجديد».

بين سافايا والكتائب

وبينما يواصل المبعوث الرئاسي الأميركي مارك سافايا، مهاجمة الفصائل المسلحة، واضعاً شروطاً محددة لمن يتولى منصب رئيس الوزراء المقبل، هاجم المتحدث باسم كتائب «حزب الله» العراقية، أبو علي العسكري، سافايا، واصفاً تعيينه بأنه خطوة تأتي سعياً وراء «مكاسب ضيقة» في ظل ظرف إقليمي «بالغ التعقيد» تمر به المنطقة.

وقال العسكري، في بيان، إن «الشاب المغمور مارك سافايا الغارق في السلوكيات المنحرفة، عيّنه ترمب مبعوثاً له في العراق، سعياً وراء مكاسب ضيقة في ظرف إقليمي بالغ التعقيد تمر به المنطقة». وأشار إلى أن «كتائب (حزب الله) لن تتصدى لك، ففتية من هذا الشعب الغيارى يكفون، وهم كفيلون بأن يعيدوك صاغراً إلى حيث الانحطاط وتجارة الخمور والمخدرات».

واعتبر العسكري أن «الأجدر بالسياسيين والشخصيات العراقية، لا سيما من ارتدى منهم العمامة (...)، أن يتجنبوا التواصل مع هذا الخائن للعراق»، مهدداً بأن «الشعب سيعاملهم بوصفهم خونة وأدوات بيد المجرم ترمب»، على حد قوله.


لماذا يرفع لبنان سقف المواجهة السياسية مع إيران؟

الرئيس اللبناني جوزيف عون يتوسط رجي وعراقجي خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون يتوسط رجي وعراقجي خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)
TT

لماذا يرفع لبنان سقف المواجهة السياسية مع إيران؟

الرئيس اللبناني جوزيف عون يتوسط رجي وعراقجي خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون يتوسط رجي وعراقجي خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

تشهد العلاقات بين بيروت وطهران مرحلة غير مسبوقة من التوتر، تعكس تحوّلاً واضحاً في مقاربة الدولة اللبنانية لملف العلاقة مع إيران، خصوصاً ما يتصل بسلاح «حزب الله» وحدود التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية اللبنانية.

ولم يعد الأمر محصوراً في مواقف إعلامية أو تسريبات سياسية، بل برز عبر قرارات رسمية ومواقف صدرت عن أعلى المستويات في لبنان.

أبرز مؤشرات هذا التصعيد تمثل في موقف وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي، الذي رفض دعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي لزيارة طهران، كما رفض عقد لقاء معه في دولة محايدة، وفق ما أعلن قبل أيام.

وكشف مصدر رسمي لبناني بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الرفض «لا ينطلق من اعتبارات بروتوكولية أو شخصية، بل من موقف سياسي واضح، مفاده أن العلاقات اللبنانية - الإيرانية لا يمكن أن تستقيم إلا إذا كانت ندّية، وحصرت إيران تعاطيها مع الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعيّة دون أي فريق آخر».

أرشيفية لوزير الخارجية اللبناني يوسف رجي وهو يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي ببيروت في يونيو 2025 (إرنا)

جوهر الأزمة بين البلدين يتمثّل في الدعم الإيراني المطلق لـ«حزب الله»، وتعامل طهران معه كفصيل عسكري يتبع سلطة «الحرس الثوري»، وكقوة موازية للدولة اللبنانية تتجاوز مؤسساتها الشرعية في قرارات الحرب والسلم.

ويرى المصدر الرسمي، الذي يرفض ذكر اسمه، أن استمرار السياسة الإيرانية الحالية في التعاطي مع الملف اللبناني «يزيد من تعقيدات المشهد الداخلي، ويعرض لبنان لخطر حربٍ إسرائيلية جديدة، في ظل واقع إقليمي هشّ وعجز لبناني اقتصادي وعسكري لا يحتمل مغامرات إضافية».

لا يقتصر التشنّج القائم بين البلدين على موقف وزارة الخارجية اللبنانية، بل ظهر في تصريحات نُسبت إلى رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون قال فيها إنه رفض استقبال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت.

وهذا الرفض، وفق المصدر الرسمي، يُعد «رسالة سياسية مباشرة، مفادها أن الدولة اللبنانية لم تعد تقبل بقنوات موازية أو علاقات خارج الأطر الرسمية والدستورية». ويشير إلى أن «هذا الموقف يمثّل الثابت للدولة اللبنانية، وعندما تغيّر طهران من مقاربتها للواقع اللبناني، نحن نرحّب بها، شرط أن تكون العلاقات بين المؤسسات الدستورية والرسمية نديّة وليست علاقات تبعيّة».

وذكّر المصدر الرسمي بأن الرئيس عون سبق له أن أبلغ رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، خلال زيارة الأخير للبنان ومشاركته في تشييع أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، أن لبنان «تعب من حروب الآخرين على أرضه، وآن للشعب اللبناني أن يرتاح من الحروب والمآسي»، في إشارة إلى أن «حرب الإسناد» التي فتحها «حزب الله» لمساندة غزّة هي قرار إيراني.

وفي آخر موقف إيراني حول العلاقة بين طهران وبيروت، قال إسماعيل بقائي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الأحد، إن «إيران تفضّل تجنب أي تصريحات من شأنها صرف لبنان عن التركيز على سيادته ووحدة أراضيه». وجدّد الدعوة «إلى أصدقائنا اللبنانيين للحوار»، قائلاً إن «الخطر الحقيقي الذي يهدد سيادة لبنان وكرامته يتمثّل في أطماع وهيمنة إسرائيل».

وأشار إلى أن إجراءات تعيين السفير الإيراني الجديد قد أُنجزت، معرباً عن الأمل في استكمال المسار المعتمد ومباشرته مهامه قريباً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً في شهر فبراير الماضي وفداً إيرانياً يضم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف ووزير الخارجية عباس عراقجي والسفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني (الرئاسة اللبنانية)

مع العلم أن اتساع مساحة التباعد ما بين بيروت وطهران مبنيّ على تراكمات من التدخلات الإيرانية في الشأن اللبناني، ومواقف مسؤولين إيرانيين تعكس رؤية إيرانية تعتبر سلاح الحزب جزءاً من منظومة الأمن الإقليمي لطهران، وليس ملفاً سيادياً لبنانياً خالصاً.

مناصرون يحملون أعلام «حزب الله» اللبناني في بيروت (رويترز)

وسبق لعلي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أن أعلن صراحة أن «محاولات نزع سلاح (حزب الله) ستفشل»، معتبراً أن هذا السلاح هو «سلاح الشعب اللبناني للدفاع عن أرضه ضد إسرائيل»، ورافضاً أي نقاش حول تسليمه للدولة اللبنانية.

وأكد المصدر الرسمي اللبناني أن «المواقف الإيرانية تتناقض مع منطق الدولة اللبنانية التي تسعى إلى حصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية، وتطبيق الدستور والقرارات الدولية». وشدد على أن «قرار حصر السلاح اتُّخذ ولا رجعة عنه، وهو يطبّق بدءاً من جنوب الليطاني. وكلّ الأصوات المعترضة في الداخل والخارج لن تغيّر شيئاً في سياسة الدولة التي اتخذت قراراً بفرض سلطتها وسيادتها على كلّ الأراضي اللبنانية».

ويعكس التوتر الحالي صراعاً عالي السقف ما بين مشروع الدولة اللبنانية الساعية إلى استعادة سيادتها وقرارها الحر، وبين المشروع الإيراني الذي يرى في لبنان ساحة متقدمة ضمن صراع أوسع مع إسرائيل والغرب.


الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف ثلاثة عناصر من «حزب الله» بجنوب لبنان

بلدة العديسة بجنوب لبنان كما تظهر من الجانب الإسرائيلي من الحدود (إ.ب.أ)
بلدة العديسة بجنوب لبنان كما تظهر من الجانب الإسرائيلي من الحدود (إ.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف ثلاثة عناصر من «حزب الله» بجنوب لبنان

بلدة العديسة بجنوب لبنان كما تظهر من الجانب الإسرائيلي من الحدود (إ.ب.أ)
بلدة العديسة بجنوب لبنان كما تظهر من الجانب الإسرائيلي من الحدود (إ.ب.أ)

أعلن الجيش الإسرائيلي الأحد، أنه استهدف ثلاثة عناصر من «حزب الله» في مناطق متفرقة في جنوب لبنان، وذلك غداة إعلانه تعليقه بشكل مؤقت ضربة على مبنى قال إنه منشأة عسكرية تابعة للحزب.

وذكر الجيش في بيان أنه «استهدف ثلاثة عناصر من (حزب الله) في مناطق عدة في جنوب لبنان».

وبحسب البيان فإن المستهدفين «شاركوا في محاولات لإعادة بناء البنية التحتية» للحزب، وكانت أنشطتهم تشكل انتهاكاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان» المبرمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية في وقت سابق اليوم، سقوط قتيل ومصاب في غارة إسرائيلية، استهدفت دراجة نارية في بلد ياطر بقضاء بنت جبيل في جنوب لبنان.

على الصعيد نفسه، ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن «طائرة مُسيَّرة إسرائيلية أغارت على سيارة بين بلدة صفد البطيخ وبلدة برعشيت».

واتفقت إسرائيل ولبنان على وقف إطلاق النار بوساطة أميركية في 2024، لينهيا بذلك قتالاً استمر لما يزيد على عام بين إسرائيل و«حزب الله»، وبلغ ذروته في هجمات إسرائيلية أضعفت بشدة الجماعة المتحالفة مع إيران. ويتبادل الطرفان منذ ذلك الحين الاتهامات بشأن الانتهاكات.

وأرسل لبنان وإسرائيل مبعوثين مدنيين إلى لجنة عسكرية تراقب وقف إطلاق النار بينهما، في تلبية لمطلب أميركي منذ شهور بتوسيع نطاق المحادثات، بما يتماشى مع أجندة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام في الشرق الأوسط.