الأتمتة الذكية في السعودية... كيف تُمكن المواهب وتُعيد تعريف الخدمات الحكومية؟

نحو تسريع التحول الرقمي دون استبعاد الإنسان

يؤكد باحثون أن الأتمتة الذكية في السعودية أصبحت أداة استراتيجية لتمكين الكفاءات الوطنية لا لإحلالها (غيتي)
يؤكد باحثون أن الأتمتة الذكية في السعودية أصبحت أداة استراتيجية لتمكين الكفاءات الوطنية لا لإحلالها (غيتي)
TT

الأتمتة الذكية في السعودية... كيف تُمكن المواهب وتُعيد تعريف الخدمات الحكومية؟

يؤكد باحثون أن الأتمتة الذكية في السعودية أصبحت أداة استراتيجية لتمكين الكفاءات الوطنية لا لإحلالها (غيتي)
يؤكد باحثون أن الأتمتة الذكية في السعودية أصبحت أداة استراتيجية لتمكين الكفاءات الوطنية لا لإحلالها (غيتي)

في الوقت الذي يستمر الخطاب العالمي حول الذكاء الاصطناعي والأتمتة في التركيز على المخاوف من الإحلال الوظيفي، تكتب المملكة العربية السعودية قصة مختلفة ترى في التقنية وسيلةً لتمكين الإنسان، لا استبعاده. فمن خلال مزيج فريد يجمع بين الرؤية الوطنية، والجاهزية المؤسسية، وتطوير رأس المال البشري، تستفيد المملكة من الأتمتة الذكية لتوليد وظائف ذات قيمة، وتحسين الخدمات العامة، وتسريع الابتكار على نطاق واسع.

في قلب هذا التحول، تتقاطع الأتمتة القائمة على «وكلاء الذكاء الاصطناعي»، (Agentic Automation)، وهي نموذج جديد تتعاون فيه وكلاء الذكاء الاصطناعي والروبوتات والبشر معاً، مع استراتيجية المملكة التي تهدف إلى توطين الأدوار الرقمية المتقدمة.

توضح سارة آل الشيخ، نائب الرئيس الإقليمي والمدير العام لشركة «UiPath» في السعودية والكويت والبحرين، خلال حديث خاص إلى «الشرق الأوسط» أن الأتمتة أصبحت مُمكّناً استراتيجياً، تُخفف من أعباء المهام المتكررة، وتفتح المجال أمام المهنيين لتولّي أدوار أكثر تأثيراً وقيمة.

سارة آل الشيخ نائب الرئيس الإقليمي والمدير العام لشركة «UiPath» في السعودية والكويت والبحرين

قوى عاملة متماشية مع «رؤية 2030»

لا تُعد «رؤية السعودية 2030» مجرد خطة لتنويع الاقتصاد؛ بل هي إعلان واضح لتبني الريادة الرقمية. في صميم هذه الرؤية تقف مهمة تحويل المؤسسات الحكومية إلى كيانات ذكية ومرنة ومتمحورة حول المواطن.

وترى آل الشيخ أن هذا التحول تجاوز بالفعل نطاق الأتمتة التقليدية للعمليات (RPA)، ليصل إلى نموذج أكثر تقدماً يسمى «الأتمتة القائمة على وكلاء الذكاء الاصطناعي». وتقول إن هذا النموذج يجمع بين قوة الأتمتة وسرعتها، وبين ذكاء ومرونة الذكاء الاصطناعي. كما يمكّن الأنظمة من العمل على مدار الساعة، والتنبؤ باحتياجات المواطنين، وتقديم الخدمات بشكل استباقي. وتضيف آل الشيخ: «هنا تصبح (رؤية 2030) ملموسة، المستقبل لا تكتفي فيه الأتمتة بدعم التحول، بل تُسرّعه بشكل مسؤول وعلى نطاق واسع». وما يميز ذلك الأسلوب من الأتمتة هو قدرتها على التكيّف مع البيئات الديناميكية والبيانات غير المنظمة، مما يسمح لها بالتعامل مع عمليات كانت تعد معقدة أو غير قابلة للأتمتة في الماضي.

نضج مؤسسي ووضوح استراتيجي

تُعد المؤسسات الحكومية السعودية من بين الأولى إقليمياً في تبني تقنيات الأتمتة. وقد تعاملت الجهات الرسمية مع الأتمتة على أنها استثمار استراتيجي وليس مجرد تحسين تقني.

تشير سارة آل الشيخ إلى أن نضج المؤسسات الحكومية في المملكة في تبني تقنيات الأتمتة لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة لتكامل ثلاثة عناصر أساسية. أول هذه العناصر هو إدراج الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ضمن جوهر خطط التحول الرقمي، بحيث لم تُعامل على أنها أداة مساندة بل على أنها مكوّن محوري في تحقيق الأهداف المؤسسية. أما العنصر الثاني، فهو تبني الأتمتة بوصفها أولوية واضحة على مستوى القيادات وصنّاع القرار، مما وفَّر لها الزخم والدعم اللازمين لتوسيع نطاقها وتنفيذها بفاعلية. ويكمل هذا التوجهَ عنصرٌ ثالث لا يقل أهمية، وهو التركيز المستمر على تدريب وتطوير مهارات موظفي القطاع الحكومي، لضمان أن تبقى الكفاءات الوطنية جزءاً فاعلاً في منظومة الابتكار والتحول، وقادرة على قيادة الأتمتة بدلاً من مجرد التكيّف معها.

يرى خبراء أن الأتمتة الذكية تُسهم في تقليل المهام الإدارية المتكررة وخلق فرص وظيفية ذات قيمة مضافة

التدريب وتطوير المهارات

تشير سارة آل الشيخ إلى ارتفاع درجة جاهزية المملكة للذكاء الاصطناعي من 60.35٪ في عام 2023 إلى 74.69٪ في عام 2025 نتيجة قدرات مؤسسية قوية. وقد ساهمت كيانات مثل «سدايا» في هذا التقدم، من خلال إطلاق أطر وطنية لتبني الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وشامل. وفي هذا السياق، لعبت «هيئة الحكومة الرقمية» دوراً حاسماً من خلال إطلاق مؤشر التحول الرقمي لعام 2024، الذي يُقيّم أكثر من 230 جهة حكومية وفق 96 معياراً. هذه الخطوة ساهمت في تعزيز الشفافية والمساءلة وتسريع وتيرة التحول.

المرحلة التالية من التطور

تُقدم سارة آل الشيخ مفهوماً بدأ يكتسب زخماً في الدول الخليجية، وهو «حكومة الوكلاء»، (Agentic Government)، من حيث تنسيق عمل وكلاء الذكاء الاصطناعي والروبوتات والبشر في مهام ذكية تعمل دون توقف، تستشرف احتياجات المواطنين.

وتذكر آل الشيخ أن «حكومة الوكلاء» تُقدم خدمات استباقية وذكية ومتمركزة حول المواطن تتفوق على نماذج الحكومة الرقمية التقليدية.

تعتمد هذه الرؤية على أنظمة تتمتع بحوكمة مدمجة، وأمن سيبراني قوي، وأطر فعّالة لإدارة التغيير. يستطيع «وكلاء الذكاء الاصطناعي» التنبؤ باحتياجات المواطن، واتخاذ قرارات سياقية، وتنفيذ سير عمل متكامل كل ذلك بالتكامل مع العنصر البشري.

وتُضيف آل الشيخ: «نحن لا نتحدث هنا عن تطور تقني فقط، بل عن تحول مجتمعي في كيفية تقديم الخدمات وإدارة الأعمال وطبيعة العمل نفسها».

تسهم مدرسة «الأتمتة السعودية» في سد فجوة المهارات الرقمية عبر تدريب عملي يؤهل الشباب لأدوار إشرافية في أنظمة ذكية (شاترستوك)

الإنسان في المركز

القيمة الحقيقية للأتمتة لا تكمن فقط في الإنتاجية، بل في تمكين الإنسان. وتلعب الأتمتة دوراً مزدوجاً من حيث تقليل المهام المتكررة، وفي الوقت نفسه خلق طلب متزايد على الكفاءات الوطنية المؤهَّلة.

في هذا السياق، تعاونت شركة «UiPath» مع «الأكاديمية السعودية الرقمية» لإطلاق مدرسة «الأتمتة السعودية»، وهي أول مؤسسة من نوعها تهدف إلى سد فجوة المهارات الرقمية من خلال برامج تدريب عملية وموجهة. وتردف آل الشيخ خلال حديثها مع «الشرق الأوسط» بأن «المدرسة لا تقدم تدريباً نظرياً عاماً، بل تركز على حالات استخدام واقعية وتفكير شامل في تصميم سير العمل وفهم عميق للمنصات التقنية».

يتعلم الطلاب كيفية التعاون مع الروبوتات و«وكلاء الذكاء الاصطناعي» وفِرق العمل البشرية، مما يؤهلهم لتولّي أدوار إشرافية وليست تنفيذية فقط.

ومنذ انطلاقتها في أوائل عام 2024، سجّلت «مدرسة الأتمتة» إقبالاً لافتاً من الشباب السعودي. وتشير آل الشيخ إلى أن الكثير من الخريجين تم ترشيحهم لوظائف فعلية في القطاعين العام والخاص، سواء في مجال الإشراف على الأنظمة المؤتمتة أو تطويرها.

نماذج واقعية ناجحة

تُثبت بعض التجارب الحكومية في السعودية أن هذا التوجه ليس نظرياً، بل يُحقق نتائج ملموسة. من أبرز الأمثلة وزارة السياحة، التي واجهت تحدياً يتمثل في دعم هدف وطني بجذب 150 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030. وتوضح آل الشيخ أن «الوزارة لم تُضف الأتمتة بشكل سطحي، بل قامت بتنسيق الأنظمة لتحقيق نتائج قابلة للقياس». ومن خلال الأتمتة القائمة على «وكلاء الذكاء الاصطناعي»، تم تسريع عمليات إصدار التراخيص وتسجيل الشركاء وتقديم الخدمات للمواطنين بشكل أكثر مرونة.

كما تبنّت وزارة الثقافة حلول الأتمتة لتعزيز الكفاءة الإدارية والتشغيلية، مما أسهم في تحسين الأداء الداخلي وتوفير الموارد. هذه النماذج تُظهر أن النجاح لا يعتمد على التكنولوجيا فقط، بل على التنسيق بين القيادة المؤسسية، والموهبة المحلية والرؤية الوطنية.

فمع استمرار تقدم المملكة نحو تحقيق مستهدفات «رؤية 2030»، تُقدم نموذجاً فريداً يقول للعالم إن التقنية تنجح حين تُمكّن الإنسان. من الأطر الوطنية، إلى مؤشرات الأداء، إلى برامج التدريب الموجهة... تؤسس السعودية لمستقبل تُصبح فيه الأتمتة موثوقة ومحلية ومرتكزة أكثر على الإنسان.


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا أطلقت «يوتيوب» أول ملخص سنوي يمنح المستخدمين مراجعة شخصية لعادات المشاهدة خلال عام 2025

«ملخص يوتيوب»: خدمة تعيد سرد عامك الرقمي في 2025

يقدم الملخص ما يصل إلى 12 بطاقة تفاعلية تُبرز القنوات المفضلة لدى المستخدم، وأكثر الموضوعات التي تابعها، وكيفية تغيّر اهتماماته على مدار العام.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا الأوتار الاصطناعية قد تصبح وحدات قابلة للتبديل لتسهيل تصميم روبوتات هجينة ذات استخدامات طبية واستكشافية (شاترستوك)

أوتار اصطناعية تضاعف قوة الروبوتات بثلاثين مرة

الأوتار الاصطناعية تربط العضلات المزروعة بالهياكل الروبوتية، مما يرفع الكفاءة ويفتح الباب لروبوتات بيولوجية أقوى وأكثر مرونة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يعدّ «بلاك هات - الشرق الأوسط وأفريقيا» أكبر حدث من نوعه حضوراً في العالم (الاتحاد السعودي للأمن السيبراني)

بمشاركة دولية واسعة وازدياد في المحتوى... «بلاك هات 25» ينطلق بأرقام قياسية جديدة

أكد متعب القني، الرئيس التنفيذي لـ«الاتحاد السعودي للأمن السيبراني»، أن مؤتمر «بلاك هات - الشرق الأوسط وأفريقيا» يحقق هذا العام أرقاماً قياسية جديدة.

غازي الحارثي (الرياض)

بـ40 ألف زائر و25 صفقة استثمارية... «بلاك هات» يُسدل ستار نسخته الرابعة

شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
TT

بـ40 ألف زائر و25 صفقة استثمارية... «بلاك هات» يُسدل ستار نسخته الرابعة

شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)

اختُتمت في ملهم شمال الرياض، الخميس، فعاليات «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا 2025»، الذي نظمه الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وشركة «تحالف»، عقب 3 أيام شهدت حضوراً واسعاً، عزّز مكانة السعودية مركزاً عالمياً لصناعة الأمن السيبراني.

وسجّلت نسخة هذا العام مشاركة مكثفة جعلت «بلاك هات 2025» من أبرز الفعاليات السيبرانية عالمياً؛ حيث استقطب نحو 40 ألف زائر من 160 دولة، داخل مساحة بلغت 60 ألف متر مربع، بمشاركة أكثر من 500 جهة عارضة، إلى جانب 300 متحدث دولي، وأكثر من 200 ساعة محتوى تقني، ونحو 270 ورشة عمل، فضلاً عن مشاركة 500 متسابق في منافسات «التقط العلم».

كما سجّل المؤتمر حضوراً لافتاً للمستثمرين هذا العام؛ حيث بلغت قيمة الأصول المُدارة للمستثمرين المشاركين نحو 13.9 مليار ريال، الأمر الذي يعكس جاذبية المملكة بوصفها بيئة محفّزة للاستثمار في تقنيات الأمن السيبراني، ويؤكد تنامي الثقة الدولية بالسوق الرقمية السعودية.

وأظهرت النسخ السابقة للمؤتمر في الرياض تنامي المشاركة الدولية؛ حيث بلغ إجمالي المشاركين 4100 متسابق، و1300 شركة عالمية، و1300 متخصص في الأمن السيبراني، في مؤشر يعكس اتساع التعاون الدولي في هذا القطاع داخل المملكة.

إلى جانب ذلك، تم الإعلان عن أكثر من 25 صفقة استثمارية، بمشاركة 200 مستثمر و500 استوديو ومطور، بما يُسهم في دعم بيئة الاقتصاد الرقمي، وتعزيز منظومة الشركات التقنية الناشئة.

وقال خالد السليم، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز لـ«الشرق الأوسط»: «إن (بلاك هات) يُحقق تطوّراً في كل نسخة عن النسخ السابقة، من ناحية عدد الحضور وعدد الشركات».

أظهرت النسخ السابقة للمؤتمر في الرياض تنامي المشاركة الدولية (بلاك هات)

وأضاف السليم: «اليوم لدينا أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم، وعدد الشركات العالمية هذا العام زاد بنحو 27 في المائة على العام الماضي».

وسجّل «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا» بنهاية نسخته الرابعة، دوره بوصفه منصة دولية تجمع الخبراء والمهتمين بالأمن السيبراني، وتتيح تبادل المعرفة وتطوير الأدوات الحديثة، في إطار ينسجم مع مسار السعودية نحو تعزيز كفاءة القطاع التقني، وتحقيق مستهدفات «رؤية 2030».


دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)
نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)
TT

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)
نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة «كاسبرسكي» في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، ونُشرت نتائجها خلال معرض «بلاك هات 2025» في الرياض، واقعاً جديداً في بيئات العمل السعودية.

فقد كشف الاستطلاع، الذي حمل عنوان «الأمن السيبراني في أماكن العمل: سلوكيات الموظفين ومعارفهم»، أن نصف الموظفين فقط في المملكة تلقّوا أي نوع من التدريب المتعلق بالتهديدات الرقمية، على الرغم من أن الأخطاء البشرية ما زالت تمثل المدخل الأبرز لمعظم الحوادث السيبرانية.

وتشير هذه النتائج بوضوح إلى اتساع فجوة الوعي الأمني، وحاجة المؤسسات إلى بناء منظومة تدريبية أكثر صرامة وشمولاً لمختلف مستويات الموظفين.

تكتيكات تتجاوز الدفاعات التقنية

تُظهر البيانات أن المهاجمين باتوا يعتمدون بشكل متزايد على الأساليب المستهدفة التي تستغل الجانب النفسي للأفراد، وعلى رأسها «الهندسة الاجتماعية».

فعمليات التصيّد الاحتيالي ورسائل الانتحال المصممة بعناية قادرة على خداع الموظفين ودفعهم للإفصاح عن معلومات حساسة أو تنفيذ إجراءات مالية مشبوهة.

وقد أفاد 45.5 في المائة من المشاركين بأنهم تلقوا رسائل احتيالية من جهات تنتحل صفة مؤسساتهم أو شركائهم خلال العام الماضي، فيما تعرّض 16 في المائة منهم لتبعات مباشرة جراء هذه الرسائل.

وتشمل صور المخاطر الأخرى المرتبطة بالعنصر البشري كلمات المرور المخترقة، وتسريب البيانات الحساسة، وعدم تحديث الأنظمة والتطبيقات، واستخدام أجهزة غير مؤمنة أو غير مُشفّرة.

الأخطاء البشرية مثل كلمات المرور الضعيفة وتسريب البيانات وعدم تحديث الأنظمة تشكل أبرز أسباب الاختراقات (شاترستوك)

التدريب... خط الدفاع الأول

ورغم خطورة هذه السلوكيات، يؤكد الاستطلاع أن الحد منها ممكن بدرجة كبيرة عبر برامج تدريب موجهة ومستمرة.

فقد اعترف 14 في المائة من المشاركين بأنهم ارتكبوا أخطاء تقنية نتيجة نقص الوعي الأمني، بينما أشار 62 في المائة من الموظفين غير المتخصصين إلى أن التدريب يعدّ الوسيلة الأكثر فاعلية لتعزيز وعيهم، مقارنة بوسائل أخرى مثل القصص الإرشادية أو التذكير بالمسؤولية القانونية.

ويبرز هذا التوجه أهمية بناء برامج تدريبية متكاملة تشكل جزءاً أساسياً من الدفاع المؤسسي ضد الهجمات.

وعند سؤال الموظفين عن المجالات التدريبية الأكثر أهمية لهم، جاءت حماية البيانات السرية في صدارة الاهتمامات بنسبة 43.5 في المائة، تلتها إدارة الحسابات وكلمات المرور (38 في المائة)، وأمن المواقع الإلكترونية (36.5 في المائة).

كما برزت موضوعات أخرى مثل أمن استخدام الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة، وأمن الأجهزة المحمولة، والبريد الإلكتروني، والعمل عن بُعد، وحتى أمن استخدام خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

واللافت أن ربع المشاركين تقريباً أبدوا رغبتهم في تلقي جميع أنواع التدريب المتاحة، ما يعكس حاجة ملحة إلى تعليم شامل في الأمن السيبراني.

«كاسبرسكي»: المؤسسات بحاجة لنهج متكامل يجمع بين حلول الحماية التقنية وبناء ثقافة أمنية تُحوّل الموظفين إلى خط دفاع فعّال (شاترستوك)

تدريب عملي ومتجدد

توضح النتائج أن الموظفين مستعدون لاكتساب المهارات الأمنية، لكن يُشترط أن تكون البرامج التدريبية ذات طابع عملي وتفاعلي، وأن تُصمَّم بما يتناسب مع أدوار الموظفين ومستوى خبراتهم الرقمية. كما ينبغي تحديث المحتوى بانتظام ليتوافق مع تطور التهديدات.

ويؤدي تبني هذا النهج إلى ترسيخ ممارسات يومية مسؤولة لدى الموظفين، وتحويلهم من نقطة ضعف محتملة إلى عنصر دفاعي فاعل داخل المؤسسة، قادر على اتخاذ قرارات أمنية واعية وصد محاولات الاحتيال قبل تصعيدها.

وفي هذا السياق، يؤكد محمد هاشم، المدير العام لـ«كاسبرسكي» في السعودية والبحرين، أن الأمن السيبراني «مسؤولية مشتركة تتجاوز حدود أقسام تقنية المعلومات».

ويشير إلى أن بناء مؤسسة قوية يتطلب تمكين جميع الموظفين من الإدارة العليا إلى المتدربين من فهم المخاطر الرقمية والتصرف بوعي عند مواجهتها، وتحويلهم إلى شركاء حقيقيين في حماية البيانات.

تقوية دفاعات المؤسسات

ولتقوية دفاعاتها، تنصح «كاسبرسكي» أن تعتمد المؤسسات نهجاً متكاملاً يجمع بين التكنولوجيا والمهارات البشرية واستخدام حلول مراقبة وحماية متقدمة مثل سلسلة «Kaspersky Next» وتوفير برامج تدريبية مستمرة مثل منصة «كاسبرسكي» للتوعية الأمنية الآلية، إضافة إلى وضع سياسات واضحة تغطي كلمات المرور وتثبيت البرمجيات وتجزئة الشبكات.

وفي الوقت نفسه، يساعد تعزيز ثقافة الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة ومكافأة السلوكيات الأمنية الجيدة في خلق بيئة عمل أكثر يقظة واستعداداً.

يذكر أن هذا الاستطلاع أُجري في عام 2025 بواسطة وكالة «Toluna»، وشمل 2,800 موظف وصاحب عمل في سبع دول، بينها السعودية والإمارات ومصر، ما يقدم صورة إقليمية شاملة حول مستوى الوعي والتحديات المرتبطة بالأمن السيبراني في أماكن العمل.


تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
TT

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)
سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك، مؤسس «سبيس إكس»، في سباق الفضاء.

وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الخميس، بأن ألتمان يدرس شراء أو الشراكة مع مزود خدمات إطلاق صواريخ قائم بتمويل.

وأشار التقرير إلى أن هدف ألتمان هو دعم مراكز البيانات الفضائية لتشغيل الجيل القادم من أنظمة الذكاء الاصطناعي.

كما أفادت الصحيفة بأن ألتمان قد تواصل بالفعل مع شركة «ستوك سبيس»، وهي شركة صواريخ واحدة على الأقل، ومقرها واشنطن، خلال الصيف، واكتسبت المحادثات زخماً في الخريف.

ومن بين المقترحات سلسلة استثمارات بمليارات الدولارات من «أوبن إيه آي»، كان من الممكن أن تمنح الشركة في نهاية المطاف حصة مسيطرة في شركة الصواريخ.

وأشار التقرير إلى أن هذه المحادثات هدأت منذ ذلك الحين، وفقاً لمصادر مقربة من «أوبن إيه آي».

ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، جاء تواصل ألتمان مع شركة الصواريخ في الوقت الذي تواجه فيه شركته تدقيقاً بشأن خططها التوسعية الطموحة.

ودخلت «أوبن إيه آي» بالتزامات جديدة بمليارات الدولارات، على الرغم من عدم توضيحها لكيفية تمويلها عملية التوسعة الكبيرة.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن ألتمان حالة من القلق الشديد على مستوى الشركة بعد أن بدأ برنامج «شات جي بي تي» يتراجع أمام روبوت الدردشة «جيميني» من «غوغل»؛ ما دفع «أوبن إيه آي» إلى تأجيل عمليات الإطلاق الأخرى، وطلب من الموظفين تحويل فرقهم للتركيز على تحسين منتجها الرائد.

يرى ألتمان أن اهتمامه بالصواريخ يتماشى مع فكرة أن طلب الذكاء الاصطناعي على الطاقة سيدفع البنية التحتية للحوسبة إلى خارج الأرض.

لطالما كان من دعاة إنشاء مراكز بيانات فضائية لتسخير الطاقة الشمسية في الفضاء مع تجنب الصعوبات البيئية على الأرض.

تشارك كل من ماسك وجيف بيزوس وسوندار بيتشاي، رئيس «غوغل»، الأفكار نفسها.

تُطوّر شركة «ستوك سبيس»، التي أسسها مهندسون سابقون في «بلو أوريجين»، صاروخاً قابلاً لإعادة الاستخدام بالكامل يُسمى «نوفا»، والذي تُشير التقارير إلى أنه يُطابق ما تسعى «سبيس إكس» إلى تحقيقه.

الملياردير الأميركي إيلون ماسك (أ.ف.ب)

وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن الشراكة المقترحة كانت ستُتيح لألتمان فرصةً مُختصرةً لدخول قطاع الإطلاق الفضائي.

تُسلّط محادثات ألتمان الضوء على التنافس المستمر بينه وبين ماسك. فقد شارك الاثنان في تأسيس شركة «أوبن إيه آي» عام 2015، ثم اختلفا حول توجه الشركة، ليغادر ماسك بعد ثلاث سنوات.

ومنذ ذلك الحين، أطلق ماسك شركته الخاصة للذكاء الاصطناعي، xAI، بينما وسّع ألتمان طموحات «أوبن إيه آي»، ودعم مؤخراً مشاريع تُنافس مشاريع ماسك مباشرةً، بما في ذلك شركة ناشئة تُعنى بالدماغ والحاسوب.

ألمح ألتمان إلى طموحاته في مجال الفضاء في وقت سابق من هذا العام، وقال: «أعتقد أن الكثير من العالم يُغطى بمراكز البيانات بمرور الوقت. ربما نبني كرة دايسون كبيرة حول النظام الشمسي ونقول: مهلاً، ليس من المنطقي وضع هذه على الأرض».

ثم في يونيو (حزيران)، تساءل: «هل ينبغي لي أن أؤسس شركة صواريخ؟»، قبل أن يضيف: «آمل أن تتمكن البشرية في نهاية المطاف من استهلاك قدر أكبر بكثير من الطاقة مما يمكننا توليده على الأرض».