«مدرسة أم سليم» يأخذ زوار البندقية لأحياء الرياض

الجناح السعودي في بينالي فينيسيا يبحث تحولات العمارة النجدية

صورة من الجناح السعودي في بينالي فينيسيا للعمارة (الشرق الاوسط)
صورة من الجناح السعودي في بينالي فينيسيا للعمارة (الشرق الاوسط)
TT

«مدرسة أم سليم» يأخذ زوار البندقية لأحياء الرياض

صورة من الجناح السعودي في بينالي فينيسيا للعمارة (الشرق الاوسط)
صورة من الجناح السعودي في بينالي فينيسيا للعمارة (الشرق الاوسط)

افتتح اليوم الجناح الوطني السعودي في بينالي البندقية للعمارة 2025 معرض «مدرسة أم سليم: نحو مفهوم معماري مترابط». ويمثِّل المملكة في هذه الدورة من البينالي «مكتب سين معماريون»، ممثلاً بالمعماريتين سارة العيسى ونجود السديري، بإشراف القيّم الفني بياتريس ليانزا، بالتعاون مع القيّم المساعِد سارة المطلق.

مدخل الجناح السعودي في بينالي فينيسيا للعمارة (الشرق الاوسط)

مدخل الجناح لا يفصح كثيراً عن المحتوى؛ فنحن أمام ما يشبه الستائر البيضاء في المقدمة منسقة على نحو جمالي جذاب، ولكن للوصول للعرض لا بد من رفع الستار عما خلفه. وهنا نُفاجأ ببساطة العرض وهدوئه. إنه عرض يحتاج من الزائر المشي بين المسارات الثلاثة المفصولة بسواتر قماشية بيضاء مغزولة عليها أشكال بالخيط الأسود. لا نعرف مبدئياً ما تريد المعماريتان إيصاله لنا، ولكن عبر الجولة تتكشف الأمور شيئاً فشيئاً.

يستعرض الجناح مبادرة «مختبر أم سليم» البحثية التي أنشأها «مكتب سين»، بإدارة سارة العيسى ونجود السديري، متخذاً من حي أم سليم في وسط الرياض مقراً له، ويقوم بالعمل مع متعاونين بإجراء البحوث الميدانية التي تعنى بدراسة أساليب العمارة المحلية والتحولات التي تشهدها العمارة النجدية.

يحمل الجناح صيغة الأرشيف، وتتنوع المعروضات ما بين الصور الفوتوغرافية التي توثق لمناطق من مدينة الرياض تظهر حياة المجمعات السكانية المختلفة إلى الخرائط التي تسجل الأماكن التراثية الباقية. هنا أيضاً طاولة طويلة تفصل بين المسارات تبدو كمساحة للحوارات. يؤكد بيان المعرض إحساسنا؛ إذ يصف المساحة بـ«الأرشيف التفاعلي» الذي يوفّر مِساحة مشتركة للزوار يتم فيها استعراض التجارب المختلفة على المواد المستخدَمة في العمارة.

نجود السديري وسارة العيسى، مكتب "سين معماريون". (الصورة بعدسة سارة العيسى)

في بداية جولتنا على الجناح، تقول المعمارية سارة العيسى إن الاسم لا يشير لمدرسة فعلية، وإنما نبع من الاهتمام بإنشاء مساحات للتعلم، وتضيف: «هو اقتراحٌ، وليس مساحة مادية. إنه دعوة إلى أشكالٍ بديلة من التعليم المعماري، متجذّرة في السياق والمجتمع».

جانب من جناح المملكة في بينالي العمارة في فينيسيا (بإذن من هيئة الهندسة المعمارية والتصميم، المفوضة للجناح الوطني للمملكة العربية السعودية)

تعليق العيسى يضع العنوان في سياق واضح. نحن أمام مساحة بحثية إذن، تشي بذلك الرسومات الهندسية والخرائط الرقيقة المرسومة بالخيط على الستائر الفاصلة.

الفشل مدخل للنجاح

كأمثلة على البحوث التي قام بها المختبر، نرى توثيقاً مصوراً معروضاً بطريقة جذابة لمحاولات العيسى والسديري ترميم أحد البيوت الطينية القديمة في الرياض، والعوائق التي حالت بينهما وبين ذلك. عبر الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو نرى القائمة الطويلة من اشتراطات بلدية الرياض لترميم المباني. نرى تلك الاشتراطات مكتوبة على الستارة البيضاء، وبعدها نرى شريط فيديو تعلِّق فيه العيسى والسديري قطعة من القماش تحمل تلك الطلبات على واجهة المبنى الطيني. لم تستطع المعماريتان تحقيق كل المتطلبات، ولكنهما حولتا تلك المحاولات إلى جزء من بحثهما المستمر ومحطة في مشوارهما المعماري. تقول العيسى خلال الجولة إن رحلتهما التي قادتهما لتمثيل السعودية في بينالي البندقية بدأت بالفشل، وتدافع عن اختيارها للوصف بالقول إنَّ الفشل لا بد منه للتعلم ولاستمرار البحث.

تتحدث عن البدايات: «عندما بدأنا أنا ونجود مجالنا العملي عام 2018، شعرنا بمسؤولية كبيرة بوصفنا مهندسين معماريين سعوديين شباب نعمل في هذه المدينة، لخلق، أو المساهمة في خلق، هذه اللغة المعمارية المعاصرة في البلاد. لذا شعرنا بالحاجة إلى استكشاف نسيجنا المعماري التاريخي بعمق، والقيم الكامنة فيه. ونحن ندعو إلى الترميم مادياً ومعنوياً؛ حيث نستعيد القيم الناجحة المرتبطة بالعمارة النجدية».

جانب من جناح المملكة في بينالي العمارة في فينيسيا (بإذن من هيئة الهندسة المعمارية والتصميم، المفوضة للجناح الوطني للمملكة العربية السعودية)

بعد الجولة، أجلس مع سارة العيسى للحديث عن مفهوم الجناح وما يقوم به مكتب «سين للمعماريين»، أشير إلى الإحساس الهادئ الذي ينتاب الزائر من مشاهدة تلك السواتر القماشية البيضاء الرقيقة والتأمل في كل رقعة منها والأشكال الموزعة عليها (هناك اسم لأحد أحياء الرياض على كل رقعة)، تقول: «فعلاً ذلك الإحساس بالهشاشة يشير إلى النسيج العمراني الفعلي للمباني الطينية، ولكن يجب أن نفكر أيضاً في أن أي ضرر يصيبها يمكن إصلاحه بسهولة. تستخدم تعبيراً بليغاً في وصفها: «إذا تشقق، يمكننا إعادة خياطة الشق». بشكل ما يفسر لنا التعبير سبب استخدام أسلوب خياطة أشكال المباني المختلفة بالخيط الأسود على كل رقعة بيضاء حولنا. أيضاً نلحظ أن الصور الفوتوغرافية المعروضة هنا ثبتت على القماش الأبيض عبر الخياطة. فالأمر يحمل الرقة والهشاشة، وأيضاً يشير إلى أن الإصلاح دائما ممكن.

تضيف بروح المعمارية والباحثة المؤمنة بإيجاد الحلول: «الشيء نفسه في بيت الطين؛ إذا تهدم يمكننا ترميمه، فيجب ألا نكون رومانسيين على نحو أكثر من اللازم». تتحدث عن المشروع الذي عملت عليه مع نجود السديري وكوَّنتا من خلاله «مختبر أم سليم» البحثي في الرياض: «عملنا في هذا المشروع لسنوات، ولم نكن نتوقع أن نجد أنفسنا في البينالي».

تصف وجودها في البندقية بأنه حلم تحقق، ولكنها أيضاً تفخر بأن الرحلة كانت تعليمية، وربما لهذا أطلق على الجناح اسم «مدرسة أم سليم»: «تعلمنا كثيراً خلال السنوات الماضية من البحث والتجارب، ونتمنى أن يكون في مقرنا هذا الفرصة للآخرين بالتعلم، وأن نصبح (حركة) معمارية تثري الآخرين».

قصص النجاح

يبدأ العرض بأرشفة الفشل الذي واجهته العيسى والسديري، ولكنه أيضاً يروي قصة نجاح متمثلة في المركز الفني المسمى «شمالات» بمنطقة الدرعية حيث رممت المعماريتان مبنى طينياً، وأعادتا تأهيله ليصبح مركزاً ثقافياً تملكه والدتها الفنانة مها الملوح. اليوم أصبح «شمالات» مركزاً فنياً ومكاناً للقاء والاجتماع. توضح العيسى نقطة مهمة عند الحديث عن ترميم المباني التراثية «هي مهمة لهويتنا، ولكن من المهم أيضاً أن نخلق هوية معمارية معاصرة، فنستفيد من القيم المعمارية القديمة وجوانبها الاجتماعية والبيئية مثل احترام الطبيعة واحترام الجار».

مجسمات معمارية تروي قصص الترميم (بإذن من هيئة الهندسة المعمارية والتصميم، المفوضة للجناح الوطني للمملكة العربية السعودية.

نجلس خلال الحديث إلى الطاولة التي تتوسط الجناح، وأسألها عن الخريطة المحفورة عليها، وعن مجسمات المباني المتناثرة عليها، تقول إنَّ الخريطة تمثل جزءاً من وسط مدينة الرياض: «هنا نرى قصر المصمك، وهو تحت الترميم حالياً، ولهذا أضفنا سقالة البناء الصغيرة، وهناك بيت السبهان في الوسط (البيت الوحيد الطيني الموجود بحي الظهيرة)، لذلك أردنا إبرازه، إلى جانب المجهودات الجبارة على ترميم مبانٍ أكبر، مثل قصر المربع، ونرى مجسماً له هنا أيضاً».

زائرة للجناح السعودي (الشرق الاوسط)

الطاولة التي تحولت إلى جزء من العرض وستتحول إلى مكان يحتضن اللقاءات الحوارية والنقاشات التي يضمها البرنامج التعليمي للجناح لاحقاً، لها جانب آخر؛ فهي تماثل طاولة أخرى موجودة في مختبر أم سليم، حيث كانت العيسى والسديري يجريان الأبحاث والمحادثات ومجهودات الأرشفة: «كنا نريد شيئاً مماثلا هنا للإشارة إلى طريقة البحث والعمل التي حدثت في الرياض».

في حديثها، تُبرِز العيسى أهمية النقاشات والعمل الجماعي والتعاون، وهنا في الجناح أكثر من مثال لذلك؛ فهنا مجموعة من الصور الفوتوغرافية بعنوان «الزمن الحاضر» (2023 - 2025) للمصوِّر الفوتوغرافي لوريان غينيتويو التي توثِّق مظاهر الحياة الحضرية في وسط الرياض، تقول: «عملنا معاً في كثير من المشاريع، ولهذا أردنا أن يكون أحد المساهمين، لأن صوره رائعة لكنه لا يصور المعمار فقط، بل يأخذ صوراً للنواحي الاجتماعية، نرى من خلالها كيف يستخدم الناس المكان والحي الذي يعيشون فيه». يتردد شريط صوتي يحمل نغمات وأصواتاً ونعرف أنه عمل تركيبي صوتي لمحمد الحمدان بعنوان «ترددات معمارية» (2025)، وهو بمكانة توليفة صوتية للمعرض تجمع بين صخب مواقع الإنشاءات وأهازيج البناء التقليدية.

عمل الفنانة مها الملوح (الشرق الاوسط)

مها الملوح وتموينات الديرة

في أحد الممرات يتفرد تركيب فني للفنانة مها الملوح بعنوان «تموينات الديرة» (2025) الذي يشبه النافذة على مجتمع حي أم سليم بالرياض، فهو مثل واجهة محل للبقالة في هذا الحي مليء بالبضائع التقليدية التي تعكس نسيجاً مجتمعي متعدداً، من خلال حلويات ولعب أطفال ومساحيق غسيل وعبوات شاي وغيرها، نقف أمام التكوين البديع الزاهي بألوان مختلفة، وكأننا نسمع أصوات المشترين من رجال ونساء وأطفال. أضاف عمل الملوح لمحة حياة صاخبة وثرية إلى الجناح أكسبته بعداً فنياً.



«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.


«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».


معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)
رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا. فتبرز خصوصيته في قطعٍ مشغولة بتأنٍ، تشبه بتركيبتها لوحاتٍ تشكيلية مطرّزة بزجاج المورانو وأحجار الـ«سواروفسكي» البلّورية، فتصنع لغةَ أناقةٍ راقية بابتكاراتها، تبدأ منذ خمسينات القرن الماضي وصولاً حتى يومنا هذا.

بعض المجوهرات الطريفة التي تلوّن معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

يحطّ هذا المعرض رحاله في بيروت بعد جولات ناجحة في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يقدم رحلة ثقافية فريدة من نوعها، تجمع بين روعة التصميم الإيطالي وإبداعه في عالم المجوهرات عبر التاريخ الحديث. ويقام المعرض برعاية السفارة الإيطالية، بتنظيم من المعهد الثقافي الإيطالي ونادي اليخوت في بيروت.

ومع عرض نحو 200 قطعة مصنوعة يدوياً، يستعرض الزائر سبعين عاماً من المهارة الحرفية الإيطالية. وتشرف على تنسيق المعرض ألبا كابيلييري، أستاذة تصميم المجوهرات في معهد البوليتكنيكو في ميلانو، ومديرة متحف «فيتشنزا» للمجوهرات في إيطاليا.

صُمّم المشروع على شكل معرض متنقّل يزور السفارات والمعاهد الثقافية الإيطالية حول العالم. ويسلّط الضوء على أبرز نماذج هذه الحرفة اليدوية. وتأتي القطع من توقيع أبرز مصممي دور الأزياء الكبرى، الذين يختبرون مواد وتقنيات جديدة، ما يجعل المعرض تجربة تجمع بين الإبداع والتقنية والابتكار.

ويرى رئيس المعهد الثقافي الإيطالي في بيروت، الدكتور أنجلو جووي، أن العاصمة اللبنانية تشكّل محطة بالغة الأهمية لهذا الحدث، إذ يلتقي بإرثها الحرفي المتأثر بتبادل الثقافات. وبذلك، يصبح حضور المعرض في بيروت خاتمة رمزية لمسيرته، ما يمنحه سياقاً غنياً للاحتفاء بالإبداع والمهارة والتصميم.

أطواق مصنوعة من البلاستيك والجلد في أحد أركان معرض «ديفا» (الشرق الأوسط)

ويشير جووي إلى أن المعرض يقدّم تصاميم المجوهرات بعيداً عن قيمة المعادن والأحجار الكريمة. مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» «أنه ينقل تطور صناعة المجوهرات منذ الخمسينات حتى اليوم. ويعرّفنا على أناقة مختلفة برموزها وأبعادها. فمعظم التصاميم تواكب المرأة العملية. وهناك قسم خاص في أحد أركان المعرض يحمل عنوان (الألفية الجديدة). وتتضمن المجوهرات البديلة المعاصرة. وهي منفذة بأدوات تفاجئ مشاهدها، فترتكز على مواد بلاستيكية ومعدنية وأخرى تدخلها مادة الجلد».

المعرض يقوم برحلته الأخيرة في لبنان قبل أن يعود إلى موطنه الأم إيطاليا. «هناك سيتم إعادة هذه المجوهرات لأصحابها من دور أزياء». ويتابع أنجلو جووي: «إن منسقة المعرض ألبا كابيلييري رغبت في أن تلفت نظر هواة المجوهرات إلى أسلوب فني متقدّم، لا يرتكز على الماس والذهب والأحجار الكريمة والمعادن المشهورة، ولكن على حرفية متوارثة تقوم على أسماء عائلات اشتهرت في هذا المجال، فتم ارتداؤها من قبل الناس على اختلافهم، وفي عروض أزياء كبيرة. ففي هذه الأخيرة عادة ما يبتعد منظموها عن استخدام المعادن الثمينة».

تكمل جولتك في المعرض لتطالعك قطع مجوهرات برّاقة، أساور، وأقراط، وعقود وغيرها. ومن بينها موقّع من قبل دور الأزياء الإيطالية المعروفة عالمياً. فتحضر دار «فيرساتشي» كما «غوتشي» و«فالنتينو» وغيرها.

بدأت جولات هذا المعرض في العالم منذ نحو 5 سنوات. وتكمن أهميته في إبرازه تطور هذه الحرفة من خلال مجوهرات معاصرة. وتعدّ ثمينة بفضل إرثها التاريخي الغني.

مائتا قطعةِ مجوهرات تتوزّع على المعرض في نادي اليخوت وسط بيروت. وتمثّل المرآة الجمالية للمجتمع، من «دولتشي فيتا» في خمسينات القرن الماضي إلى أزياء الـ«بريت-آ-بورتيه» في ثمانيناته، وصولاً إلى البساطة في تسعيناته ضمن تكنولوجيا الموضة في الألفية الجديدة. وتُظهر تحوّل الأنماط والعادات، وطموحات النساء وإنجازاتهن، وتطوّر الأشكال والمواد، وتقنيات الإنتاج الجديدة. ويحتضن المعرض الأطواق المؤلّفة من طبقات عدّة، والأساور المنحوتة، وقطعاً مرحةً تترك البسمة عند ناظرها.

يتناول «ديفا» تاريخ حرفة صناعة المجوهرات الايطالية الحديثة (الشرق الأوسط)

وتحمل بعضها اللمحة الشرقية من خلال تقنية الـ«فيلي غرانا»، القائمة تصاميمُها على تجديلاتٍ دقيقة أو على تطعيم القطعة بالزجاج المنفوخ. وهو ما يجسّده تاجٌ ذهبي من توقيع «دولتشي أند غابانا» نلحظه في المعرض. ويذكر رئيس المعهد الثقافي الإيطالي جووي أن نقاط التشابه هذه ولّدت مساحة التقاء بين المعرض ومنطقة الشرق الأوسط.

وعن سبب تسمية الحدث بـ«الديفا» يشرح لـ«الشرق الأوسط»: «إنها إشارة إلى إمكانية أن تتحوّل كلّ امرأة إلى نجمة من خلال أسلوبها في انتقاء المجوهرات والأزياء. فليس من الضروري أن تشعر بذلك من خلال ارتداء الجواهر الثمينة فقط. فيحضر عندها الإحساس بهذا البريق ما دامت منسجمةً مع ما ترتديه، سواء أكان ثميناً أم بسيطاً».