عكست بيانات إدانة مصرية متكررة لتصرفات إسرائيل «توتراً مكتوماً متصاعداً» بين البلدين، بحسب خبراء ودبلوماسيين سابقين، أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التوتر بين القاهرة وتل أبيب لن يتجاوز الأطر السياسية، في ضوء التزام مصر بالمسارات والخيارات الدبلوماسية لخفض التصعيد في المنطقة».
وخلال أقل من 24 ساعة، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانَيْ إدانة لممارسات إسرائيل في الضفة الغربية وغزة وسوريا، مطالبة المجتمع الدولي بـ«تحمل مسؤوليته في هذا الإطار».
وأدانت «الخارجية المصرية»، في إفادة رسمية، الخميس، بأشدّ العبارات «الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع عدة في الأراضي السورية، في انتهاك صارخ جديد للقانون الدولي، وتعدٍ سافر على سيادة الدولة السورية واستقلالها ووحدة أراضيها؛ استغلالاً للأوضاع الداخلية في سوريا الشقيقة». وطالبت «الأطراف الدولية الفاعلة بالاضطلاع بمسؤولياتها تجاه التجاوزات الإسرائيلية المتكررة، وإلزام إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي السورية، واحترام اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974».
كما أدانت مصر، في الإفادة ذاتها، «استهداف إسرائيل عيادة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات الفلسطينيين، في خرق فاضح للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني». واستنكرت «الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للمنشآت والطواقم التابعة للوكالات والمنظمات الأممية، والمنشآت الطبية، وما يعكسه هذا السلوك الشائن من عدم اكتراث كامل بالقانون الدولي، وإصرار إسرائيل على مواصلة ارتكاب الجرائم من دون رادع، وسط صمت دولي مخزٍ». وأكدت مصر على «ضرورة نأي الأطراف الدولية الفاعلة عن سياسة ازدواج المعايير، ووضع حدّ للسلوك الإسرائيلي».
وفي إفادة أخرى، مساء الأربعاء، أعربت «الخارجية المصرية» عن استنكارها وإدانتها الكاملة لاقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى، محذرة من «مغبة الاستمرار في هذا النهج شديد الاستفزاز والتهور».
وشدّدت على أن «استمرار العجز عن وقف الانتهاكات والاستفزازات الإسرائيلية، وعدم اتخاذ إجراءات رادعة من قبل المجتمع الدولي لوضع حدّ لتلك التصرفات المستهترة والمستخفة بالقانون الدولي، من شأنهما أن يشكّلا أساساً لموجة غضب واسعة قد تتسبب في تفجر الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط، وتؤدي إلى تداعيات خطيرة على السلم والأمن الدوليين».

جاء البيانان في ظل حالة من التوتر بين مصر وإسرائيل منذ بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ، ما وصفه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، بـ«التوتر المكتوم الشديد والمتصاعد»، وأرجع أسبابه إلى «السياسات الإسرائيلية الأخيرة المتكررة التي تشكل تهديداً للأمن القومي المصري والعربي أيضاً».
وقال هريدي: «برغم أن التطورات الأخيرة في الموقف الإسرائيلي بشأن التصعيد العسكري في غزة لا تمثل مفاجأة، فإنها تزيد من حدة التوتر في العلاقات مع مصر، نظراً لما يشكله التصعيد في المنطقة من مخاطر على الأمن القومي المصري».
ويتفق معه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، مؤكداً «تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل»، وقال إن «هناك توتراً صامتاً تظهر دلالاته في أمور عدة، من بينها تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة القائم بالأعمال بدلاً من السفير، وذلك رداً على انتهاكات تل أبيب المستمرة لكل القواعد والاتفاقيات القانونية».
فيما أرجع مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، «توتر وبرودة» العلاقات بين مصر وإسرائيل إلى «عدم احترام تل أبيب لدور الوسطاء، وعلى رأسهم مصر، وانتهاكها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وخرقها اتفاقية السلام بالوجود في محور فيلادلفيا». وقال إن «مسلسل الانتهاكات الإسرائيلية مستمر، وهو يشكل تهديداً للأمن القومي المصري نظراً للجوار الجغرافي، ما يزيد من حدة التوتر بين البلدين».
في سياق ذلك، أكّد مدير «المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، العميد خالد عكاشة، أن «مصر تحاول طوال الوقت محاصرة كل أشكال الانتهاك الإسرائيلي بأنماط وطرق مختلفة»، مشيراً إلى أن «القاهرة لديها تحفظ كبير على التصعيد العسكري الأخير في غزة، بعد ما بذلته من جهد كبير في الوساطة لوقف إطلاق النار في القطاع، وكادت تؤدي إلى انتهاء الحرب، لولا عدم التزام إسرائيل».
وأضاف عكاشة أن «مصر ترى في انتهاكات إسرائيل المستمرة داخل الضفة الغربية وفي غزة محاولة للدفع نحو مزيد من التصعيد والتضييق على الشعب الفلسطيني ودفعه للتهجير»، مشيراً إلى أن «القاهرة تضع ضمن أولوياتها في المرحلة الحالية كشف المخططات الإسرائيلية»، مؤكداً أن «الانتهاكات الإسرائيلية في المنطقة تخلق توتراً في العلاقات مع القاهرة».

وتشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل توتراً منذ بدء الحرب في غزة، بدأت ملامحه في البداية، باتهامات متبادلة بالمسؤولية عن إغلاق معبر رفح، وتصاعدت حدّته تباعاً، خصوصاً مع «حديث عن انتهاك تل أبيب لمعاهدة السلام بالوجود في محور فيلادلفيا، واتهامات من جانب تل أبيب للقاهرة بخرق المعاهدة، عبر تحديث البنية العسكرية في سيناء».
كل ذلك تزامن مع انتهاكات إسرائيلية متكررة، وإخلال بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي لعبت مصر دوراً مهماً في إقراره، ما أثّر على تنفيذ المراحل اللاحقة، وفي مقدمتها «إعادة الإعمار» التي أعدّت القاهرة خطة متكاملة بشأنه لمواجهة مخطط التهجير و«تصفية القضية».
هنا، أكّد حسن أن «مصر لن تنساق للاستفزازات الإسرائيلية، وهي ملتزمة بالمسار الدبلوماسي»، موضحاً أن «القاهرة حريصة على الموازنة بين دفع الخطر عن أمنها القومي برفض تصفية القضية الفلسطينية، والحفاظ على السلام، وألا تتسبب الاستفزازات الإسرائيلية في هدمه». واتفق معه هريدي في أن «مصر دولة مؤسسات كبيرة، لن تنساق لأي محاولات إسرائيلية للاحتكاك بها وجرّها للمواجهة».
وأكد الشوبكي أن «هذا التوتر سيظل في إطار الرفض والضغوط السياسية والإعلامية والتحركات الدبلوماسية الدولية، ولن يأخذ أبعاداً أكبر من ذلك».
وتراهن مصر على الولايات المتحدة كوسيط في «هدنة غزة»، وكونها «الطرف الوحيد القادر على عقلنة التصرفات الإسرائيلية والضغط على تل أبيب»، بحسب عكاشة، الذي قال إن «القاهرة تحاول محاصرة إسرائيل ببيانات متكررة ولهجة قوية، وتدلل أمام المجتمع الدولي والمنظمات المعنية على ما تمارسه من انتهاكات، وتطالب بإرساء القانون الدولي والإنساني».