أظهر مسح للقطاع الخاص، نُشر يوم الخميس، أن نشاط الخدمات في الصين ارتفع إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر في مارس (آذار) الماضي، مع انتعاش كل من نشاط الأعمال والطلبات الجديدة، مقارنةً بشهر فبراير (شباط) السابق عليه.
وارتفع مؤشر «كايكسين/ ستاندرد آند بورز» العالمي لمديري المشتريات في قطاع الخدمات إلى 51.9 نقطة من 51.4 نقطة في فبراير، وهو أعلى مستوى له منذ ديسمبر (كانون الأول). وتتوافق هذه النتيجة تقريباً مع المسح الرسمي، الذي أظهر ارتفاع مؤشر مديري المشتريات في قطاع الخدمات إلى 50.3 نقطة من 50.0 نقطة.
وأرسلت مسوحات النشاط إشارة مُشجعة على النمو الاقتصادي للصين في مارس، مما دفع بنك الاستثمار «ستاندرد تشارترد»، يوم الأربعاء، إلى رفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 5.2 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول، من 4.8 في المائة في توقعات سابقة. وأضاف البنك أن النشاط الأقوى من المتوقع في يناير (كانون الثاني) وفبراير كان سبباً آخر.
وبحلول عام 2023، عمل نحو 48 في المائة من الموظفين في قطاع الخدمات في الصين، وساهم القطاع بنسبة 56.7 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي. لكنَّ إجراءات ترمب التجارية قد تضر بقطاع التصنيع بشدة، وتعوق خطط التوظيف للشركات، وتُضعف ثقة المستهلك وسط حالة من عدم اليقين بشأن الوظائف والدخل.
وقال وانغ تشي، الخبير الاقتصادي في مجموعة «كايكسين إنسايت»: «في عام 2025، ومع ازدياد حدة البيئة الخارجية وتعقيدها، يجب أن تكون سياسات الاقتصاد الكلي الصينية أكثر استباقية وحسماً، مع تطبيق تدابير في أسرع وقت ممكن لدعم انتعاش اقتصادي مستدام».
وأظهر مسح «كايكسين» للخدمات أن نمو الأعمال الجديدة ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ ديسمبر، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى ارتفاع الطلب المحلي، بينما ظل حجم أعمال التصدير الجديدة دون تغيير في مارس. وحافظت ثقة قطاع الأعمال في قطاع الخدمات على تفاؤلها في مارس، حيث أعرب المشاركون عن أملهم في أن تؤدي السياسات المحلية الداعمة وجهود تطوير الأعمال إلى تعزيز المبيعات والإنتاج خلال الاثني عشر شهراً المقبلة.
وارتفع متوسط أسعار مستلزمات الإنتاج في مارس بعد انخفاض طفيف في الشهر السابق، لكن متوسط أسعار الإنتاج انخفض بأسرع وتيرة في ستة أشهر. وفضلت شركات الخدمات استيعاب أي زيادات في التكاليف.
لكن التوظيف دق ناقوس الخطر، حيث انخفضت مستويات التوظيف بأسرع وتيرة في 11 شهراً. ووفقاً للمشاركين، أدت كل من الاستقالات والتسريحات إلى أحدث انخفاض في التوظيف، ويعزى هذا الانخفاض جزئياً إلى مخاوف بشأن التكلفة... ودعا أساتذة الاقتصاد من جامعة بكين إلى تكثيف الدعم لقطاع الخدمات لتعزيز الاستهلاك، نظراً لمحدودية برنامج دعم مقايضة السلع الاستهلاكية الحالي.
وفي الأسواق، انخفض اليوان الصيني إلى أدنى مستوى له في سبعة أسابيع، وتراجعت أسواق الأسهم يوم الخميس بعد أن كشف الرئيس الأميركي عن مجموعة شاملة من الرسوم الجمركية المتبادلة، التي كانت شديدة التأثير على الصين وشركائها التجاريين الرئيسيين.
وفي حين كان المستثمرون يستعدون لهذه الرسوم الجمركية خلال الأسبوع الماضي، تبيّن أن الإجراءات العقابية الأخيرة التي اتخذتها واشنطن كانت أكثر صرامة من المتوقع.
وستُفرض رسوم جمركية على الواردات الصينية بنسبة 34 في المائة، بالإضافة إلى رسوم 20 في المائة كان ترمب قد فرضها سابقاً، ليصل إجمالي الرسوم الجديدة إلى 54 في المائة. وكانت دول سلسلة التوريد الصينية الأكثر تضرراً، حيث فُرضت رسوم جمركية على فيتنام وكمبوديا ولاوس بنسبة تراوحت بين 46 و49 في المائة.
وانخفض مؤشر «سي إس آي 300» الصيني للأسهم القيادية بنسبة 0.6 في المائة، إلى أدنى مستوى له في شهرين، بينما انخفض مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 1.5 في المائة.
وقالت لين سونغ، كبيرة الاقتصاديين لشؤون الصين الكبرى في بنك «آي إن جي»: «كانت زيادة الرسوم الجمركية أكبر مما توقعه معظم المشاركين في السوق، لذا من المرجح أن يكون رد الفعل الأولي للسوق استمراراً لحالة العزوف عن المخاطرة».
ورغم أن ضغوط انخفاض قيمة اليوان الفورية مرجحة، فإن سونغ لم تتوقع خفضاً متعمداً لقيمته، لأن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الرسوم الجمركية ويقوّض فوائد استقرار العملة.
وقال المحللون إنهم يدققون في نية الصين الدفاع عن اليوان، للإشارة إلى مدى حرصها على احتواء عدوى الأزمة في الأسواق الناشئة والتفاوض مع ترمب.
وأنهى اليوان الصيني في السوق المحلية الجلسة المحلية عند 7.3043 للدولار، وهو أضعف إغلاق له منذ 12 فبراير. وسجّل اليوان في السوق الخارجية أدنى مستوى له في شهر خلال الليل.
وشهدت البنوك الصينية الرئيسية المملوكة للدولة إقبالاً على شراء اليوان، وحدد بنك الشعب الصيني سعر المتوسط، الذي يسمح لليوان بالتداول حوله، متجاوزاً تقديرات السوق، في إشارة إلى سعيه لاحتواء انخفاض قيمته.
وفقد اليوان بالفعل معظم مكاسبه التي حققها منذ بداية العام خلال الشهر الماضي، على الرغم من جهود بنك الشعب الصيني للحفاظ على استقراره من خلال تغييرات في مؤشراته المرجعية اليومية.
كما وقّع ترمب أمراً بإغلاق ثغرة تجارية تُستخدم لشحن الطرود منخفضة القيمة -التي تبلغ قيمتها 800 دولار أو أقل- معفاة من الرسوم الجمركية من الصين، والمعروفة باسم «الشحنات الصغيرة». ويشمل الأمر البضائع من الصين وهونغ كونغ، وسيدخل حيز التنفيذ في 2 مايو (أيار)، وفقاً للبيت الأبيض.
ودفعت التوقعات بتيسير نقدي لاحقاً عوائد السندات الصينية إلى الانخفاض يوم الخميس. وقال محللون إن ترمب والصين قد يكونان الآن أقرب إلى بدء مفاوضات تجارية، لكنَّ المستثمرين الأجانب سيتجنبون في الوقت الحالي سوقاً استثمروا فيها مليارات الدولارات، سعياً وراء انتعاش حفَّزته شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة «ديب سيك».