«هدنة غزة» أمام «ساعات حاسمة» لاستئناف المفاوضات

مصر تتحدث عن سعي حثيث لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار

طفل يحمل لافتة مكتوباً عليها «أطفال فلسطين: بدنا نعيش» خلال مظاهرة تدعو لإنهاء الحرب في بيت لاهيا (أ.ف.ب)
طفل يحمل لافتة مكتوباً عليها «أطفال فلسطين: بدنا نعيش» خلال مظاهرة تدعو لإنهاء الحرب في بيت لاهيا (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة» أمام «ساعات حاسمة» لاستئناف المفاوضات

طفل يحمل لافتة مكتوباً عليها «أطفال فلسطين: بدنا نعيش» خلال مظاهرة تدعو لإنهاء الحرب في بيت لاهيا (أ.ف.ب)
طفل يحمل لافتة مكتوباً عليها «أطفال فلسطين: بدنا نعيش» خلال مظاهرة تدعو لإنهاء الحرب في بيت لاهيا (أ.ف.ب)

محاولات الوسطاء لاستئناف الهدنة في قطاع غزة التي انهارت قبل نحو أسبوع، تقف في مفترق طرق، قبيل أيام من حلول عيد الفطر، خاصة مع اجتماع أميركي إسرائيلي بواشنطن، وحديث مصري عن «سعي حثيث» لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع.

ذلك الترقب الحذر الذي تعززه احتجاجات بإسرائيل وقطاع غزة ضد حكومة بنيامين نتنياهو و«حماس» بشأن الحرب، يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يضيق من السيناريوهات المحتملة، فإما أن تقود الساعات الحاسمة المقبلة لحلحلة الخلافات بين طرفي الحرب وبدء إقرار المقترح المصري أو مقترح مبعوث واشنطن للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف مع تعديله، وإما الاستمرار في التصعيد والتوسع الإسرائيليين، في حال لم تضغط واشنطن على إسرائيل بشكل حقيقي.

مشيعون يحملون جثمان طفل فلسطيني قُتل في غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين وسط غزة (أ.ف.ب)

وكان ويتكوف قدّم في 13 مارس (آذار) الحالي، اقتراحاً «مُحدَّثاً» لتمديد وقف إطلاق النار في غزة حتى 20 أبريل (نيسان) المقبل، يتضمن إطلاق عدد من الرهائن، وقبلت «حماس» بإطلاق الرهينة الأميركي - الإسرائيلي، عيدان ألكسندر فقط. وعدَّ المبعوث الأميركي رد الحركة «غير مقبول»، قبل أن يتحدث، الجمعة، عن أن «هناك مفاوضات جارية» لوقف الغارات الإسرائيلية.

ونقلت وكالة «أسوشييتد برس»، الاثنين، عن مسؤول مصري قوله إن هناك مقترحاً مقدماً من القاهرة ينص على أن تفرج «حماس» عن 5 رهائن أحياء، من بينهم أميركي - إسرائيلي، مقابل سماح إسرائيل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتوقف القتال لمدة أسبوع، كما ستفرج إسرائيل عن مئات الأسرى الفلسطينيين، وقال مسؤول في الحركة الفلسطينية وقتها إنها «ردت بشكل إيجابي».

وسط هذا الترقب، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمة الأربعاء، «السعي الحثيث من القاهرة لتثبيت وقف إطلاق النار، والمضي في تنفيذ باقي مراحله»، داعياً «الشركاء والأصدقاء لحشد الجهود من أجل وقف نزيف الدم، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى المنطقة».

بالتزامن، بحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ورئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، هاتفياً «الجهود المصرية - القطرية الدؤوبة والصادقة للعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، والعودة لاتفاق 19 يناير (كانون الثاني)، وضمان تنفيذ مراحله الثلاث، واستمرار الجهود المشتركة للتنسيق مع الجانب الأميركي اتصالاً بجهود الوساطة»، وفق بيان للخارجية المصرية، الأربعاء.

كما استعرض عبد العاطي هاتفياً مع رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، «الجهود التي تبذلها مصر بالتعاون مع قطر من أجل التوصل لتهدئة وتثبيت وقف إطلاق النار»، وفق بيان ثانٍ للخارجية المصرية.

وجاءت تلك التحركات المصرية بعد ساعات من حديث هيئة البث الإسرائيلية عن لقاء بين ويتكوف ورئيس وفد التفاوض الإسرائيلي رون ديرمر بواشنطن، فيما نقل موقع «i24NEWS» الإسرائيلي، الأربعاء، عن مسؤولين أن إسرائيل «لن توافق على صفقة تؤدي إلى إطلاق سراح خمسة مختطفين فقط، وفقاً لمخطط ويتكوف».

ويعتقد الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن استئناف الهدنة في غزة أمامه «ساعات حاسمة جداً»، موضحاً أن جهود مصر تتواصل لوقف إطلاق النار قبل أيام عيد الفطر، «وهناك تصميم مصري على أهمية تنفيذ ذلك، بخاصة أن المساعدات الإغاثية تتلاشى، وتريد القاهرة إدخال المزيد منها سريعاً، مقابل إطلاق سراح رهائن وأسرى فلسطينيين».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن القاهرة تبذل مع الدوحة جهوداً كبيرة نحو استئناف الهدنة، لكن لم تنضج الأمور بعد، خاصة أن الأميركيين والإسرائيليين لم يبدوا أي مرونة نحو الذهاب لصفقة قبل عيد الفطر، داعياً «لمزيد من الانتظار على أمل أن تقدم الساعات المقبلة تفاصيل أكثر عن الفرصة الأخيرة المحتملة بشأن الصفقة».

في المقابل، لا يزال التصعيد الإسرائيلي سيد الموقف منذ استئناف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة، في 18 مارس (آذار) الماضي.

وحذرت حركة «حماس» إسرائيل، في بيان، الأربعاء، أنه «كلما جرّب الاحتلال استعادة أَسراه بالقوة، عاد بهم قتلى في توابيت»، بالمقابل قال نتنياهو خلال جلسة مشحونة في الكنيست الإسرائيلي: «كلما طال رفض (حماس) إطلاق سراح رهائننا، ستتزايد الضغوط التي سنفرضها، وهذا يشمل السيطرة على أراض وإجراءات أخرى».

وجاء تحذير «حماس» وتهديد نتنياهو، مع خروج المئات من سكان بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، الثلاثاء، في مسيرات احتجاجية هاجمت الحركة، فيما تتواصل المظاهرات في إسرائيل ضد رئيس الحكومة.

ويرجح اللواء فرج أن «حماس» مستعدة لصفقة جزئية بشأن الرهائن، لكن إسرائيل تريدهم مرة واحدة دون أي ضمانات، مستدركاً: «لكن الجهود المصرية مكثفة لتحقيق وقف إطلاق النار بأي طريقة قبل يوم الجمعة على الأقل قبل عيد الفطر».

ويعتقد الرقب «أن إسرائيل تريد احتلال المزيد من أراضي غزة للضغط على (حماس)، وليس في أولوياتها صفقة مع قرب عيد الفطر، على خلاف الحركة الفلسطينية التي أظهرت مرونة مع موافقتها على مقترح مصر».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تؤكّد أن سلاح «حماس» سيُنزع بعد أن اقترحت الحركة «تجميده»

شؤون إقليمية جانب من الدمار جرّاء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تؤكّد أن سلاح «حماس» سيُنزع بعد أن اقترحت الحركة «تجميده»

أكّد مسؤول إسرائيلي، الخميس، أن سلاح حركة «حماس» سيُنزع وفق اتفاق الهدنة الذي أبرم بوساطة أميركية، وذلك غداة اقتراح الحركة «تجميده» مقابل هدنة طويلة الأمد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية معبر جسر الملك حسين الحدودي مع الأردن (أ.ف.ب)

إسرائيل تعيد فتح معبر مع الأردن أمام المساعدات المتّجهة إلى غزة

أعادت إسرائيل الأربعاء فتح معبر اللنبي (جسر الملك حسين) الحدودي بين الأردن والضفة الغربية المحتلة أمام دخول الشاحنات المحمّلة بمساعدات لغزة بعد نحو ثلاثة أشهر.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب) play-circle

المجموعات المناوئة لـ«حماس» تعتزم مواصلة قتالها... والحركة تتوعد

أكدت جماعات تعمل في مناطق تسيطر عليها إسرائيل في قطاع غزة أنها رغم مقتل أبرز قادتها، فستواصل القتال ضد «حماس»، كما كشفت معلومات عن تجنيدها لعناصر جديدة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي طفل فلسطيني يقف خلفه مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» أثناء بحثهم عن جثث رهائن إسرائيليين في مخيم جباليا شمال غزة الاثنين (إ.ب.أ) play-circle 02:35

تغريدة اعتذار لقيادي في «حماس» تثير غضباً بين مؤيديها

أثار اعتذار علني قدمه باحث فلسطيني مؤيد لـ«حماس» لأحد أعضاء مكتبها السياسي، غضباً في أوساط مؤيدي الحركة؛ خصوصاً وأنه جاء على خلفية انتقاد لموقف سياسي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا وزير الدولة الفرنسي لشؤون أوروبا بنجامان حداد (أ.ف.ب) play-circle

فرنسا تدعو للتحقيق في احتمال استفادة «حماس» من تمويلات أوروبية

طلب وزير الدولة الفرنسي لشؤون أوروبا من المفوضية الأوروبية التحقيق في احتمال تحويل وجهة تمويلات أوروبية مخصصة لمنظمات غير حكومية لصالح حركة «حماس» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (باريس )

تخوفات للوسطاء من «تغييرات ديموغرافية» تهدد «اتفاق غزة»

أطفال يجرون عربة أمام جدارية على مبنى مدمر في مخيم المغازي للاجئين خارج دير البلح (أ.ف.ب)
أطفال يجرون عربة أمام جدارية على مبنى مدمر في مخيم المغازي للاجئين خارج دير البلح (أ.ف.ب)
TT

تخوفات للوسطاء من «تغييرات ديموغرافية» تهدد «اتفاق غزة»

أطفال يجرون عربة أمام جدارية على مبنى مدمر في مخيم المغازي للاجئين خارج دير البلح (أ.ف.ب)
أطفال يجرون عربة أمام جدارية على مبنى مدمر في مخيم المغازي للاجئين خارج دير البلح (أ.ف.ب)

أثارت تحركات إسرائيل في مناطق سيطرتها في قطاع غزة، تحذيرات متكررة من الوسطاء، لا سيما المصريين، من رفض تقسيم القطاع أو تغيير جغرافيته أو ديموغرافيته.

تلك التحذيرات المتكررة، تشي بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بوجود تخوفات جادة وحقيقية لدى الوسطاء من تحركات إسرائيل على الأرض ترسخ لعدم انسحابها وتعطيل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وصولاً لانهيارها.

وأبلغ وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، وفداً أوروبياً برئاسة المبعوث الأوروبي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، كريستوف بيجو، «رفض مصر القاطع لأي دعوات تستهدف تهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضعية الجغرافية والديموغرافية للقطاع».

ذلك الرفض الذي نقلته وزارة «الخارجية المصرية»، مساء الثلاثاء، سبقه تشديد عبد العاطي، في كلمة بـ«منتدى الدوحة»، السبت الماضي، على أنه «لا يمكن القبول بتقسيم قطاع غزة».

وبالمنتدى ذاته، قال رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: «نحن الآن في اللحظة الحاسمة... لا يمكننا أن نعدّ أن هناك وقفاً لإطلاق النار، وقف إطلاق النار لا يكتمل إلا بانسحاب إسرائيلي كامل وعودة الاستقرار إلى غزة».

ووسط تلك المخاوف، جرى اتصال هاتفي بين عبد العاطي، ووزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مساء الثلاثاء، وبحث الجانبان «الجهود الجارية لتنفيذ خطة الرئيس دونالد ترمب وتثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، وأهمية الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن هناك تخوفات واضحة ومتكررة وجدية من الوسطاء إزاء هندسة إسرائيل ديموغرافيا جديدة على الأرض - خاصة مع تجريف مساحات واسعة تتم على الأرض - ابتلعت كثيراً من الأراضي، بخلاف تصريحات إسرائيلية تعزز ذلك، مشيراً إلى أن هذا يهدد الاتفاق برمته.

وأظهرت تحركات ميدانية إسرائيلية متواصلة، سعياً لفرض منطقة عازلة جديدة في قطاع غزة بعمق يقارب 3 كيلومترات غرب الخط الأصفر الذي يفصل بين مناطق سيطرة الاحتلال (شرق الخط الأصفر)، والمواقع التي تعمل فيها حركة «حماس» (غرب الخط).

ووفق مصادر ميدانية في الفصائل الفلسطينية في غزة، تحدثت لـ«الشرق الأوسط» فإن «إسرائيل تسابق الزمن قبل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، عبر تثبيت حقائق ميدانية جديدة على الأرض عبر نسف المنازل وتسوية الأراضي بما يسمح لها بكشف المنطقة التي تريد أن تصبح منطقة عازلة جديدة في القطاع».

نقل معدات ثقيلة تابعة للجنة مصرية برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر للبحث عن رفات الرهينة الإسرائيلي الأخير بحي الزيتون (أ.ف.ب)

وتتوافق تلك التطورات الميدانية، مع تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الأحد الماضي، من داخل قطاع غزة خلال تفقده قواته، إذ قال إن «الخط الأصفر يشكل خط حدود جديداً، وخط دفاع متقدماً للمستوطنات، وخط هجوم».

ورفض عضو المكتب السياسي في حركة «حماس»، حسام بدران، حينها، تصريحات زامير، وقال إنها «تكشف بوضوح عن تنصّل الاحتلال من بنود الاتفاق، ومحاولته فرض وقائع جديدة على الأرض»، مشدداً على أن «أي بحث في ترتيبات المرحلة الثانية مرهون أولاً بضغط واضح من الوسطاء والولايات المتحدة وكل الأطراف المعنية لإلزام الاحتلال بتنفيذ بنود المرحلة الأولى كاملة».

استغلال للثغرات

وتلك التحركات الإسرائيلية يراها الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، محاولة فرض أمر واقع بعدم الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، واستغلال لثغرات في خطة ترمب، مؤكداً أن خطة ترمب للسلام في خطر كبير في ضوء ما تفعله إسرائيل على أرض الواقع. وبحسب تقارير أميركية سابقة يُفترض أن يُعلن ترمب انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية قبل عيد الميلاد.

وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من المواقع التي ما زال يوجد بها في قطاع غزة، والتي تشكل نحو 53 في المائة من مساحة القطاع، ونشر قوة دولية للاستقرار، وبدء العمل بهيكل الحكم الجديد الذي يتضمن «مجلس السلام» بقيادة ترمب.

ووسط تلك المخاوف، يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفق ما ذكرته المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بيدروسيان في مؤتمر صحافي، الاثنين.

ويتوقع عكاشة أن يتحرك ترمب في تقييد بعض خطوات نتنياهو، من دون أن يكون هناك تقييد كامل وهو ما سيجعل الاتفاق أمام تهديدات عديدة، كما رجح أن تزداد تحركات الوسطاء، لا سيما المصري والقطري، لتعزيز فرص صموده والمضي في المرحلة الثانية.

فيما أكد نزال أن إسرائيل تحاول «هندسة المرحلة الثانية ونحن على أبوابها وفق ما تريد، وفرض الأمر الواقع»، مشيراً إلى أن الدور الأميركي عليه أن يتحرك لإنهاء عدم الثقة المتصاعدة في صمود الاتفاق، ويضع حداً لذلك خلال زيارة نتنياهو للبيت الأبيض أواخر الشهر الحالي.


خسارة هجليج النفطية... هل تعيد رسم أسس الدولة السودانية؟

أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)
أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)
TT

خسارة هجليج النفطية... هل تعيد رسم أسس الدولة السودانية؟

أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)
أرشيفية لحقل «هجليج» النفطي الاستراتيجي لدولتي السودان وجنوب السودان (رويترز)

مع سقوط هجليج وبابنوسة، وكامل ولاية غرب كردفان بيد «قوات الدعم السريع»، فإن خريطة الحرب في السودان تتجه لرسم الأوضاع الميدانية العسكرية والجيوسياسية من جديد، لا سيما أن ما حدث بهجليج قد قطع شريان النفط، وأدى لانهيار خطوط دفاع الجيش هناك. ما يدفع بالتوقعات لاعتبار ما حدث إعادة لترتيب مناطق النفوذ، ويفتح الباب أمام تموضع جديد للقوى، يميل لصالح «الدعم السريع»، في حال لم تعد الحكومة في بورتسودان حساباتها العسكرية والسياسية، وتفلح في تحويل الوضع إلى تطور مؤقت.

ويرجح الخبراء احتمالات تطور المواجهات بين الطرفين، ويرون أنها قد تعكس واقعاً عسكرياً جديداً، من أقصى دارفور إلى كردفان الكبرى التي تضم ثلاث ولايات استراتيجية، ويتوقعون أن تكون الخطوة التالية لـ«الدعم السريع» هي التقدم تجاه مدن جنوب كردفان «العاصمة كادوقلي، ومدن الدلنج، وأبو جبيهة»، وربما استهداف مدينة «الأُبيِّض» حاضرة ولاية شمال كردفان، وأم روابة والرهد، لتتم سيطرة «قوات الدعم السريع» الكاملة على إقليمي كردفان ودارفور، ويشكلان أكثر من 46 في المائة من مساحة السودان.

خسارة النفط... هل تغير المشهد؟

وتفتح سيطرة «قوات الدعم السريع» على بابنوسة وحقل هجليج، وكامل غرب كردفان، شهيتها، ليس فقط لتقدمها، بل لإعادة رسم أسس الدولة وحدودها ومستقبل مركزها وأطرافها، فالنفط الذي كان يمثل آخر ركيزة مالية متبقية لحكومة بورتسودان، يتقاطع اليوم مع خطوط النار في كردفان ودارفور.

يختصر الخبير العسكري اللواء (متقاعد) كمال إسماعيل المشهد العسكري الراهن بوصف قاس لوضع الجيش، وانعكاس الحرب على المجتمع السوداني بقوله لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الحرب لا منتصر فيها، ولن يستطيع طرف حسمها، والمهزوم هو الشعب السوداني وحده».

ويصف انسحابات الجيش من «الفاشر، وبابنوسة، وهلجيج» بأنها ليست الانسحاب الذي تعرفه الجيوش، بقوله: «الذي يحدث ليس انسحاباً، بل هروب واضح، أو انسحاب غير منظم على أفضل الأحوال... أن يضع كل جندي بندقيته ويهرب، هذا ليس انسحاباً».

سقوط الحاميات كارثة

اللواء إسماعيل يرى فيما حدث إضعافاً للروح المعنوية للجيش، ويقول: «ليست هناك قيادة أو سيطرة، لأن الموجودين هم مستنفرون أو كتائب البراء، وجزء من الجيش»، لا يوجد بينهم تنسيق عملياتي، و«لذلك تضعف الروح المعنوية للضباط وضباط الصف والجنود، وتنهار تماماً»، ويتابع: «أظن أن الوضع يسير نحو الانهيار، فكل يوم تسقط حاميات، وهذه كارثة كبيرة جداً».

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان (أ.ف.ب)

إفادة إسماعيل لا تتوقف عند ما وصفه بالانهيار العسكري، بل تربط بينه وبين خطر التقسيم ومناطق النفوذ، وتضع على المدنيين المسؤولية في محاولة كبح جماح مسار التقسيم.

لكن السفير معاوية التوم، لا يرى في تصريحات تداولتها منصات موالية للجيش، أن انسحابات الجيش من الحاميات والمدن، تعني الهزيمة. ويقول: «في سياق الحرب يمكن أن تفقد موقعاً، لكنك لا تخسر المعركة، خاصة لدى الجيوش النظامية المحترفة». ويضيف: «الانسحاب الذي رصدته تقارير رسمية وتحليلية ينسجم مع نمط إعادة التموضع التكتيكي، لتفادي خسائر كبيرة أو للاستعداد لهجوم مضاد في زمان ومكان آخرين».

واقع سياسي جديد

على المستوى السياسي، يرى المحلل السياسي حاتم إلياس، أن الأوضاع تتجاوز كونها مجرد تغير في موازين القوى داخل الدولة الواحدة، بقوله: «في الواقع هذا ليس تغيراً في موازين القوى، فنحن أمام عتبة انفصال للدولة السودانية، أو على الأقل أمام ما يمكن أن نسميه واقعاً سياسياً جديداً، أو شبه دولة».

ولم يستبعد إلياس أن يضطر المحيط الإقليمي والدولي للتعامل مع «حكومة تأسيس»، وتنشأ بذلك حكومتان متوازيتان، بقوله: «العالم يخاف الفراغ، لأنه لا يستطيع التنبؤ بمن يملأه، في ظل استمرار تأثير الحركات الجهادية المتطرفة، الأقرب لملء هذا الفراغ». ورأى إلياس في إفادته لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش وحلفاءه، يعيشون إنهاكاً وضعفاً هو «أقرب للانهيار»، ويضيف: «سيطرة الحركة الشعبية والدعم السريع على جنوب كردفان ومدنها، مسألة وقت ليس طويلاً». ويستطرد: «العالم يتحدث عن وحدة السودان تحت سلطة مركزية، لكن الواقع والتحولات قد يجبرانه على الاعتراف بواقع سياسي وعسكري جديد في طور التشكل».

مخاوف من الاجتياح

في قلب هذه التحولات، تتحول جنوب كردفان إلى مسرح مركزي، فالجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، الحليف لـ«قوات الدعم السريع» ضمن تحالف «السودان التأسيسي»، يعلن صراحة أن «تحرير كادوقلي والدلنج مسألة وقت».

ويقول في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»: «تحرير كادوقلي والدلنج، مسألة وقت، ومن الأفضل تسليم المدينتين، حقناً لدماء المواطنين العزل، وحفاظاً على المدينتين من الخراب».

ودعا بيان الحركة المدعومة من «الدعم السريع»، من أطلق عليهم «الشرفاء والعقلاء» من منسوبي القوات المسلحة السودانية وحلفائها، للانسحاب العاجل والتسليم دون خسائر، وفتح ممرات آمنة لخروج المواطنين، لحفظ أرواحهم. وبهذا يضع بيان الجيش الشعبي التابع للحركة، مدينتي كادوقلي والدلنج عملياً تحت التهديد المباشر، ويطالب بخروج القوات النظامية وفتح ممرات آمنة للمدنيين، في مشهد يعيد إلى الأذهان تجارب مدن سودانية أخرى سبقت إلى هذا المصير.

المسرح بعد هجليج

ضمن قراءة ميدانية لمسار العمليات المتوقع بعد السيطرة على هجليج وبابنوسة، يقدم الناشط السياسي محمد خليفة تصوراً تفصيلياً للخطوة المقبلة، ويقول في تسجيل صوتي يتابعه مئات الآلاف، إن خطوة «الدعم السريع» الثانية ستكون تجاه جنوب كردفان، ومدنها «كادوقلي، الدلنج، أبو جبيهة».

ويستبعد أن تكون الخطوة التالية هي مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، بحسب ما هو متوقع، يقول: «حسب متابعاتي، فإن خطوة الدعم السريع بعد هجليج، الاتجاه نحو جنوب كردفان، لدعم حليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تسيطر على بلدة كاودا».

ووفقاً لخليفة فإن استراتيجية «الدعم السريع» الحربية، تقوم على وضع مناطق سيطرة الجيش في «جزر معزولة»، ويقول: «هي تحاصر كادوقلي، الدلنج، الأبيض، وبحسب ما أرى فإن خطوتها المقبلة، لن تبدأ بالأبيض كما يتصور الناس».

صورة متداولة تبيّن جانباً من الدمار الذي ألحقته مسيَّرات «الدعم السريع» بمدينة الأُبيّض في إقليم كردفان

قطع خليفة بأن «قوات الدعم السريع» نفذت الجزء الأول من استراتيجيتها العسكرية، وأعدت المسرح العسكري لإتمام الجزء الثاني منها، بالاستيلاء على بابنوسة وهجليج وحصار كادوقلي والدلنج.

ورأى أن «الدعم السريع» تستخدم «هجليج» منطقة ثقل لوجيستي وتجميع وإمداد، خاصة أن الطريق مفتوحة بينها وبين مواقع سيطرتها الأخرى، ويتابع: «ستكثف حصارها على مدن كادوقلي والدلنج، التي تعاني أصلاً من تدهور الأوضاع الإنسانية».

وأشار خليفة إلى تخوفات بين مواطني مدينة كادوقلي، دفعت بعضهم لمحاولة الخروج من المدينة، بيد أن السلطات العسكرية تمنعهم الخروج، ويقول: «هذه جريمة كبيرة، وتمهيد لاستخدام المواطنين دروعاً بشرية في أي معركة في كادوقلي المرتقبة».

خليفة ناشد السلطات بالسماح للمواطنين بالخروج من المدينة، وحذر من استخدامهم كدروع بشرية لتوظيف ما قد يحدث من انتهاكات في حربهم الإعلامية الموجهة للخارج.

وتربط إفادة خليفة بين هجليج بوصفها ثقلاً لوجيستياً، يسمح بتشديد الحصار على كادوقلي والدلنج، والإشارة إلى بوادر كارثة إنسانية يعيشها الناس في المدينتين، ومنع المدنيين من الخروج، وجعل المدينة ساحة قتال مغلقة، يقع الناس فيها بين تقاطعات البنادق.

ماذا بعد؟

بين تحذيرات اللواء كمال إسماعيل من «انهيار كامل للجيش»، وخطر تقسيم السودان، ورؤية حاتم إلياس لـ«شبه دولة»، ترتسم ملامح وضع عسكري معتم، ومسار جديد لعمليات عسكرية تتجه جنوباً، لتبدو الحرب أبعد ما تكون عن مجرد حرب على السلطة أو تغيير حكومة.

التطور الحادث، أعاد رسم الخرائط الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ووضع المدن المأهولة في خط النار، ومع ذلك يبقى السؤال معلقاً: «هل ينجح الصوت المدني المطالب بوقف الحرب، ويفرض نفسه على هدير السلاح وحسابات القوى المتصارعة، أو يمضي السودان نحو التفكك إلى جزر متناحرة، تحكمها الحرب واقتصادها، أو يفلح منطق الدولة والقانون؟».


مصر: ترحيب واسع بإحالة أوراق المتهم في قضية «تحرش الإسكندرية» إلى المفتي

وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)
وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)
TT

مصر: ترحيب واسع بإحالة أوراق المتهم في قضية «تحرش الإسكندرية» إلى المفتي

وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)
وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)

سادت حالة من الارتياح في مصر، الأربعاء، بعد إحالة أوراق المتهم في «واقعة تحرش مدرسة الإسكندرية» إلى مفتي الديار المصرية لإبداء الرأي الشرعي في إعدامه، وسط ترحيب واسع لتحقيق «العدالة الناجزة»، بما يردع مرتكبي مثل هذه الجرائم التي تكررت بحق عدد من أطفال المدارس الخاصة والدولية أخيراً.

وأصدرت محكمة جنايات الإسكندرية (شمالاً) حكمها، الثلاثاء، بإحالة أوراق عامل بمدرسة دولية في الإسكندرية إلى المفتي «لمعاقبته عن جرائم الخطف المقترن بجنايات هتك العرض»، بعد بلاغات جرى تقديمها في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وتستمر التحقيقات في قضية «التحرش»، المتهم فيها سبعة أشخاص بحق عدد من طلاب إحدى المدارس الدولية بالقاهرة، بعد بلاغات قدمها الضحايا في 20 نوفمبر الماضي، وتدخلت «النيابة العسكرية» أخيراً على خط القضية.

وقال بيان النيابة العامة، الثلاثاء، إنها باشرت التحقيقات في «بلاغ ورد من أولياء أمور عدد من الأطفال بإحدى المدارس الخاصة بمحافظة الإسكندرية، تضرروا فيه من اعتداء عامل بالمدرسة جنسياً على الأطفال داخل غرف منفصلة». وأضافت النيابة أنها استمعت إلى أقوال الأطفال وذويهم وشهود الواقعة، وعاينت الغرف المُشار إليها، ثم عرضت الأطفال على مصلحة الطب الشرعي، «فثبت ما لحق بهم من إصابات تتفق مع مضمون أقوالهم في التحقيقات».

وأحالت النيابة المتهم إلى محكمة الجنايات «لمعاقبته على جرائم الخطف المقترن بجنايات هتك العرض»، وطلبت توقيع أقصى عقوبة مقررة قانوناً. وقالت بهذا الخصوص: «تحقيقاً للردع العام فإن مباشرة التحقيقات في تلك القضية، وصدور الحكم فيها بالإعدام، لم يستغرقا سوى عشرة أيام، في رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثل تلك الفعلة الشنعاء».

وأشاد «مرصد الأزهر لمكافحة التطرف» بالحكم القضائي، وثمن سرعة موقف النيابة العامة، مؤكداً أنه يعزز الثقة في فاعلية المنظومة القضائية في صون وحماية الأطفال.

واعتبر محامي هيئة الدفاع عن المجني عليهم، طارق العوضي، في تصريحات إعلامية أن «قرار المحكمة بمثابة رسالة طمأنينة لكل أطفالنا، وكل الأمهات والآباء، وما دام لدينا هذا القضاء الذي يستشعر هذا النوع من الخطورة من القضايا، ويصدر الأحكام لردع كل من تسول له نفسه أن يمس براءة أطفالنا، فالمجتمع سيظل آمناً».

وأضاف العوضي موضحاً أن «النيابة العامة قدمت نموذجاً احترافياً يجب أن يدرس لأنها تعاملت بشكل إنساني وقانوني، وحققت للمتهم كل الضمانات العادلة أثناء المحاكمة أمام قاضيه».

من جهته، أكد رئيس «شبكة الدفاع عن الأطفال» (حقوقي)، أحمد مصيلحي، أن تعديلات القانون المصري في عام 2018، التي شددت عقوبات «الخطف» بحيث تصل إلى الإعدام في حال اقترنت «بهتك العرض»، قادت لاتخاذ الحكم القضائي الصادر أخيراً بعد توافر أدلة الاتهام، مشيراً إلى أن الحكم يحقق «العدالة الناجزة» المطلوبة لحماية حقوق الأطفال، ورسالة ردع لعدم الاقتراب منهم وتوفير الحماية لهم. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «من المهم أن تأخذ كافة القضايا المرتبطة بالاعتداءات على الأطفال هذه المسارات للتعامل مع بعض حالات العنف المنتشرة».

ورحب متابعون على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، الأربعاء، بإحالة أوراق المتهم إلى مفتي مصر، وأشار بعضهم إلى أن «سرعة الحكم مهمة ورادعة لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة»، وأنه يمكن الحد من هذه الجرائم في غضون عام.

وقال أستاذ علم الاجتماع، سعيد صادق، إن أحكام الإعدام دائماً ما يتم الطعن عليها وتبقى أحكاماً أولية، لكنها في الوقت ذاته مهمة كونها تأتي سريعة، ويمكن أن تحقق الردع المجتمعي بتطبيق أقصى عقوبة، خاصة أن جرائم التحرش أثارت حالة من القلق المجتمعي، وأثارت الشكوك حول حماية الطلاب داخل المدارس.

وأوضح صادق لـ«الشرق الأوسط» أن ارتكاب جرائم التحرش بحق أطفال في مدارس حكومية ودولية يجعل هناك غموضاً حول إمكانية وجود أطراف أخرى متورطة، ما يتطلب ردعاً قضائياً، مبرزاً أن «ظهور مثل هذه القضايا على السطح بشكل كبير يرجع لفداحة الجريمة والتغطية الإعلامية، والتفاعل مع الوقائع عبر مواقع التواصل الاجتماعي».

وأثارت قضايا «التحرش» التي وقعت أخيراً جدلاً مجتمعياً واسعاً في مصر، وسط مطالبات باتخاذ أقصى عقوبة لردع المتهمين. وقبل نحو 6 أشهر شهدت إحدى المدارس الخاصة حادثة مشابهة، وأصدر القضاء المصري حكماً بالإعدام بحق مدير مالي بالمدرسة، بعد إدانته بالاعتداء على طفل يبلغ من العمر 9 سنوات، قبل أن يخفف الحكم إلى السجن 10 سنوات.

وأشارت النيابة المصرية، في أعقاب حكم الإعدام الأخير، إلى أنها تباشر حالياً تحقيقاً موازياً لتحديد المسؤول عن التقصير في الرقابة داخل إدارة المدرسة.

وتعود تفاصيل الواقعة إلى بلاغات تقدّم بها أولياء أمور أربعة أطفال، تتراوح أعمارهم بين 6 و8 سنوات، ذكروا فيها أن أبناءهم تعرّضوا لانتهاكات متكررة على يد المتهم داخل مبنى المدرسة، وفي أوقات متفرقة خلال اليوم الدراسي.