اتفق الأصدقاء الثلاثة إبراهيم وعرفة ويوسف على تناول الإفطار سوياً في أحد المطاعم القريبة من جامع عمرو بن العاص قبل الذهاب إلى الجامع التاريخي لأداء صلاتي العشاء والتراويح به، لاستعادة ذكرياتهم المفعمة بالروحانيات والزحام خلال شهر رمضان المبارك.
خلا الجامع من زحامه المعهود والذي كان يمتد إلى ساحاته الخارجية خلال شهر رمضان في وجود الشيخ محمد جبريل، لكنه لم يخل من الأصوات العذبة التي تكرس المدرسة المصرية في الترتيل والقراءة كواحدة من أعرق المدارس في تلاوة القرآن الكريم بالعالم العربي.
يرفع إمام الجامع أكف الضراعة لله تعالى في آخر ركعات صلاة التراويح الـ23 ويدعو بصوت خاشع وشجي خلال القنوت «اللهم احفظ مصر وأهلها وأدِم عليها نعمة الأمان... وانصر المستضعفين في غزة» فيؤمن المصلون على دعائه بصوت عالٍ ومهيب كبقية فقرات الدعاء.

يفاجأ المصلون عقب انتهاء صلاة القيام أن القارئ محمد الجزار الذي كان يؤمهم ويمتعهم بصوته العذب والمحكم لا يزيد عمره عن 22 عاماً، فيبدون إعجاباً مسموعاً ويعقبون: «سبحان الله ما شاء الله». وهو ما يتكرر في أيام أخرى عند تقدم الشيخ عبد الرازق الشهاوي صاحب الـ27 ربيعاً لإمامة المصلين، وهو ما يعتبره الأصدقاء الثلاثة «أمراً إيجابياً للغاية ويؤكد أن مصر ولاَّدة للمواهب والأصوات العذبة»
ويقول إبراهيم مصطفى (40 عاماً)، موظف بالقطاع الحكومي في مصر ويقيم في مدينة السادس من أكتوبر، لـ«الشرق الأوسط»: «جئت رفقة أصدقائي من مكان يبعد نحو 30 كيلو متراً عن المسجد للاستمتاع بأصوات المقرئين والأجواء الروحانية المميزة التي يتسم بها المسجد، ورغم أن الزحام الذي كان يعرف به الجامع قبل 10 سنوات لم يعد موجوداً مع افتتاح مساجد أخرى كبيرة للصلاة، فإن جامع عمرو بن العاص لم يفقد بريقه ولا أجواءه المميزة خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك».

بينما حرص يوسف الموظف بالقطاع الخاص والمقيم في حي فيصل بالجيزة كغيره على التقاط صور تذكارية لصحن المسجد وقبته الدائرية ومحرابه، وأعجبه حضور طلاب وافدين من دول جنوب شرق آسيا وأفريقيا للصلاة فيه رغم بعد الجامع عن مدينة البعوث الإسلامية بالدّراسة.
وبني هذا الجامع الذي يقع بالفسطاط بحي مصر القديمة (جنوب القاهرة) سنة 21 هجرياً الموافق 641 ميلادياً وكان عند إنشائه مركزاً للحكم ونواة للدعوة للدين الإسلامي بمصر، ومن ثم بنيت حوله مدينة الفسطاط التي هي أول عواصم مصر الإسلامية، ولقد كان الموقع الذي اختاره عمرو بن العاص لبناء هذا الجامع في ذلك الوقت يطل على النيل، كما كان يشرف على حصن بابليون الذي يقع بجواره.

وكان التخطيط المعماري الأصلي للجامع المُلقب بـ«الجامع العتيق» و«تاج الجوامع» يتكون من مساحة مستطيلة طولها نحو 45 متراً وعرضها نحو 27 متراً، وقد أحيط من جهاته الأربع بطريق، ولم يكن له صحن ولا محراب مجوف ولا مئذنة وكان به منبر، وقد بنيت جدرانه الخارجية من الطوب اللبن وكانت خالية من الزخارف، قبل أن يتم توسعته وتطويره خلال عصور إسلامية مختلفة. وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
ويتكون الجامع حالياً من مدخل رئيسي بارز وصحن كبير مكشوف تحيط به أربعة أروقة ذات سقوف خشبية بسيطة، أكبرها رواق القبلة، الذي يضم محرابين مجوفين يجاور كل منهما منبر خشبي، كما توجد بجدار القبلة لوحتان ترجعان إلى عصر المماليك.

وتوجد بالركن الشمالي الشرقي لرواق القبلة قبة يرجع تاريخها إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، أما صحن الجامع فإنه تتوسطه قبة مقامة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل، وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية لا زالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبي.
ووفق حمدي محمد، المسؤول الإعلامي لصفحة إمام جامع عمرو بن العاص، الشيخ يسري عزام على «فيسبوك»، فإن هناك الكثير من المعجبين بأصوات مقرئي الجامع يأتون من أماكن بعيدة للاستمتاع بالأجواء الروحانية بالجامع خلال شهر الصيام.

وتستعين وزارة الأوقاف المصرية بأصغر قارئ معتمد بإذاعة القرآن الكريم الشيخ محمد الجزار لإمامة صلاة التراويح جنباً إلى جنب مع الشيخ عبد الرازق الشهاوي بالجامع خلال شهر رمضان فقط.
وفي منتصف صلاة التراويح يفسر الشيخ يسري عزام إمام الجامع بعض الآيات التي يقرأها الإمام في الصلاة أو يتحدث عن المناسبات الدينية التاريخية على غرار غزوة بدر.
ويتسع المسجد، وفق حمدي، لآلاف المصلين، فالصف الواحد برواق القبلة يتسع لـ300 مصلٍ، وهو ما يعني أن هذا الرواق وحده قد يستوعب 5 آلاف مصلٍ. ويضم 350 عموداً و99 شباكاً كأسماء الله الحسنى، و12 باباً كعدد شهور السنة.