تراشق غير مسبوق بين واشنطن وبروكسل تزامناً مع زيارة ستارمر

الأوروبيون يرون أن أميركا لم تعد تراهم شريكاً

صورة تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ف.ب)
صورة تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ف.ب)
TT
20

تراشق غير مسبوق بين واشنطن وبروكسل تزامناً مع زيارة ستارمر

صورة تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ف.ب)
صورة تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ف.ب)

جددت الإدارة الأميركية هجومها على أوروبا، والذي تزامن مع وصول رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى واشنطن، وقبل يوم من وصول الرئيس الأوكراني إلى العاصمة الأميركية. الزيارتان سبقتهما زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لواشنطن في بداية الأسبوع.

خلال أول اجتماع تعقده الإدارة الأميركية الجديدة، كرر الرئيس دونالد ترمب اتهاماته التي أطلقها في بداية ولايته الأولى عام 2017 للاتحاد الأوروبي، والتي وصفه فيها بأنه «عدو» أنشئ «لإيذاء الولايات المتحدة في مجال التجارة». لكن هذه المرة استخدم عبارات أشد قسوة وأكثر دلالة، قائلاً: «أحب بلدان أوروبا. أنا أحب كل هذه البلدان، حقاً، كل منها مختلف. لكن لنكن صريحين، الاتحاد الأوروبي تمّ تأسيسه للإضرار بالولايات المتحدة، كان هذا هو الهدف وقد نجحوا في ذلك». وأضاف أنه يستعد لضرب أوروبا برسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السيارات والسلع الأخرى.

ترمب في حدث انتخابي 18 يونيو 2024 (أ.ب)
ترمب في حدث انتخابي 18 يونيو 2024 (أ.ب)

ورداً على تصريحاته، قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية، في بيان، إن «الاتحاد الأوروبي هو أكبر سوق للتجارة الحرة في العالم. وكان نعمة للولايات المتحدة». ودعت المفوضية إلى «العمل معاً للحفاظ على هذه الفرص لمواطنينا وشركاتنا، وليس بعضنا ضد بعض». وأكدت أن «الاتحاد الأوروبي، من خلال إنشاء سوق موحدة كبيرة ومتكاملة، عمل على تسهيل التجارة وخفض التكاليف بالنسبة للمصدرين الأميركيين وتوحيد المعايير واللوائح في 27 دولة».

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ب)
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (أ.ب)

كما حذّرت المفوضية من أن الاتحاد الأوروبي سيرد بشكل «حازم وفوري» على أي رسوم جمركية، في إشارة إلى التهديدات الجديدة من الرئيس الأميركي. وأضافت أن «الاتحاد الأوروبي سوف يحمي دائماً الشركات والعمال والمستهلكين الأوروبيين من الرسوم الجمركية غير المبررة».

وتأتي تصريحات ترمب الجديدة بعد «الصدمة» التي أحدثها اتصاله الهاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لوضع نهاية للحرب في أوكرانيا، عدّه الأوروبيون بمثابة تخل عنهم وانحياز كامل لوجهة نظر روسيا.

روبيو يلغي اجتماعه مع كالاس

وكان وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، قد ألغى اجتماعاً مع الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، رئيسة الوزراء الإستونية السابقة، كايا كالاس، الأربعاء، بعد وصولها بالفعل إلى واشنطن. ووفقاً لمعلومات «وكالة الأنباء الألمانية»، تم ذكر «مشكلات في جدولة المواعيد» على أنها التفسير الوحيد لإلغاء الاجتماع. ولم يتم تقديم أي معلومات رسمية، كما لم ترد وزارة الخارجية الأميركية على طلب للاستفسار.

الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس في بروكسل لحضور قمة غير رسمية لزعماء الاتحاد (رويترز)
الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس في بروكسل لحضور قمة غير رسمية لزعماء الاتحاد (رويترز)

ولعب الاتحاد الأوروبي دوراً أساسياً في منع الجمعية العامة للأمم المتحدة من تبني قرار لصالح موسكو بشأن الحرب في أوكرانيا، اقترحته الولايات المتحدة هذا الأسبوع. كما انتقدت كالاس مؤخراً خطط الرئيس ترمب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ووصفتها بأنها «صفقة قذرة»، منتقدة اقتراح واشنطن بأن تتخلى أوكرانيا عن طموحاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتقبل بقاء جزء من أراضيها تحت السيطرة الروسية بشكل دائم. وقال متحدث باسم الاتحاد الأوروبي إن كالاس ستبقى في واشنطن حتى الخميس على الرغم من إلغاء الاجتماع مع روبيو. ويشمل جدول أعمالها اجتماعات مع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، والمشاركة في فعالية ينظمها معهد هدسون وهو مركز أبحاث محافظ.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يجتمع مع نظرائه من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في ميونيخ (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يجتمع مع نظرائه من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في ميونيخ (أ.ب)

لا ضمانات أمنية أميركية

ومع وصول رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى واشنطن، الخميس، بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، لمحاولة إقناع ترمب بضرورة منح ضمانات أمنية لأي اتفاق لوقف إطلاق النار مع روسيا في أوكرانيا، كرر الرئيس الأميركي رفضه تقديم تلك الضمانات. وقال إن على أوروبا، وليس الولايات المتحدة، تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، مستبعداً ضم كييف لحلف شمال الأطلسي عشية زيارة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وقال ترمب: «لن أقدّم ضمانات أمنية أبعد من ذلك بكثير». وأضاف: «سنطلب من أوروبا أن تفعل ذلك لأنها جارتهم، لكننا سنحرص على أن تسير الأمور على ما يرام».

وزراء خارجية 6 دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماعهم في باريس (رويترز)
وزراء خارجية 6 دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماعهم في باريس (رويترز)

وواصل الرئيس الأميركي التهرب من التطرق إلى الضمانات الأمنية التي يطالب بها الأوروبيون بإصرار لتحقيق «سلام عادل ودائم» في أوكرانيا. وعند سؤاله عن عضوية كييف في «الناتو»، أجاب: «(الناتو)، يمكنكم نسيان أمره... أعتقد أن هذا على الأرجح هو السبب وراء بدء الأمر برمّته»، في إشارة إلى اجتياح روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وتابع: «سنبذل قصارى جهدنا للتوصل إلى أفضل اتفاق ممكن لكلا الجانبين، ولكن بالنسبة لأوكرانيا، سنحاول جاهدين التوصل إلى اتفاق جيد حتى تتمكن من استرداد أكبر قدر ممكن (من الأراضي)».

وتقول الإدارة الأميركية التي لم تعد تتحدث عن الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، بأن هذه القضية يجب أن تكون جزءاً من أي مفاوضات مستقبلية، في حين تحتل روسيا 20 في المائة من أراضي أوكرانيا.

وأكد ترمب زيارة نظيره الأوكراني زيلينسكي إلى واشنطن، الجمعة، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق إطاري بشأن استغلال المعادن الأوكرانية. ويصر الرئيس الأميركي على أن هذا الاتفاق هو بمثابة تعويض عن المساعدات العسكرية والمالية التي قدمتها بلاده لكييف خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

أميركا لم تعد صديقة للأوروبيين

ونتيجة لهذه المواقف الأميركية، التي عدها البعض «تغييراً جذرياً» تجاه النظرة إلى الأوروبيين، تزايد تشكك الأوروبيين بأن ترمب وفريقه من الموالين، يعتبرون حلفاء أميركا التقليديين في أوروبا أعداء ليس فقط في التجارة، بل في كل شيء تقريباً.

ويرى بعض المسؤولين والمحللين أن إدارة ترمب ليست غير مبالية بأوروبا فحسب، بل يرى آخرون عداء صريحاً. غير أن وجهة نظر مشتركة تفيد بأن العلاقة الأساسية تغيرت، وأن أميركا أصبحت حليفاً أقل موثوقية وقابلية للتنبؤ.

ماكرون متوسطاً رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مساء الاثنين في قصر الإليزيه (رويترز)
ماكرون متوسطاً رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مساء الاثنين في قصر الإليزيه (رويترز)

وكان العديد من الزعماء الأوروبيين قد انتقد خطاب نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في منتصف فبراير في ميونيخ، حيث ندد في هجوم شرس بموقف العديد من الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي. وبالنسبة للعديد من المراقبين، فقد شكل خطاب فانس، وعدَاء مساعد ترمب، الملياردير إيلون ماسك، وازدراؤه لقادة أوروبا الذي أيد مع فانس علناً حزباً متطرفاً في ألمانيا، نقطة تحول في العلاقات عبر الأطلسي.

أوروبا لأخذ زمام الأمور بنفسها

وأعرب فريدريش ميرتس، الذي من المرجح أن يصبح المستشار القادم لألمانيا، عن شكوك قوية بشأن العلاقة عبر الأطلسي التي التزم بها هو وبلاده لعقود من الزمان. ومساء الأحد، بعد فوز حزبه بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات الألمانية، قال ميرتس إنه بعد الاستماع إلى ترمب «من الواضح أن الأميركيين، على الأقل هذا الجزء من الأميركيين، هذه الإدارة، غير مبالين إلى حد كبير بمصير أوروبا». وتساءل هل ستظل المظلة النووية الأميركية فوق حلف شمال الأطلسي قائمة، وحتى ما إذا كان التحالف نفسه سيستمر في الوجود. وقال: «ستكون أولويتي المطلقة تعزيز أوروبا في أسرع وقت ممكن؛ حتى نتمكن خطوة بخطوة من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة حقاً».

وعدت تعليقاته مقياساً ملحوظاً للانزعاج الذي شعر به الزعماء الأوروبيون إزاء التراجع الأميركي عن سياسته تجاه أوكرانيا، وربما أكثر من ذلك، إزاء دعمها الصريح للأحزاب اليمينية المتطرفة التي تناصب العداء للحكومات الأوروبية وتدعم روسيا.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قبل قمة غير رسمية للقادة الأوروبيين لمناقشة الوضع في أوكرانيا (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قبل قمة غير رسمية للقادة الأوروبيين لمناقشة الوضع في أوكرانيا (أ.ف.ب)

ورغم أن تصريحات ميرتس عُدّت تكراراً لتصريحات أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية عام 2017، التي قالت: «لقد انتهى إلى حد ما الأوقات التي كان بوسعنا فيها الاعتماد بشكل كامل على الآخرين». وشجعت الأوروبيين على «أخذ مصيرهم بأيديهم». لكن إعادة توجيه حقيقية لسياسة الأمن الأوروبية لم تتحقق أبداً.

ويرى البعض أن موقف ترمب من أوروبا يعود لكونها ليس فقط منافساً، بل أيضاً تهديداً اقتصادياً وحتى آيديولوجياً. كما أن تأثير الاتحاد الأوروبي نابع من كونه قوة اقتصادية قادرة على إرساء القواعد والمعايير العالمية، وهو مهم بشكل خاص في مجالات تنظيم المناخ والمنافسة الرقمية ومساءلة منصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي.

الرئيسان الفرنسي والأوكراني في بروكسل يوم 18 ديسمبر 2024 (رويترز)
الرئيسان الفرنسي والأوكراني في بروكسل يوم 18 ديسمبر 2024 (رويترز)

الأفضل ابتلاع تهديدات ترمب

ورغم أن الصدامات بين ضفتي الأطلسي ليست جديدة، ودائماً ما حصل تعارض بينهما في الموقف من الحروب في العراق وأفغانستان وفيتنام، فإنها الآن أصبحت آيديولوجية واستراتيجية واقتصادية في الوقت نفسه، بحسب بعض المحللين.

ورغم ذلك، يحث بعض الأوروبيين على ضرورة الهدوء، وعدم حرق كل الجسور مع ترمب. ونقلت «نيويورك تايمز» عن ليناس كوغالا، مدير مركز الدراسات الجيوسياسية والأمنية في فيلنيوس بليتوانيا، قوله إن «الضمانات الأمنية الأميركية لا يوجد لها بديل حقيقي» لفترة طويلة مقبلة. وأضاف: «إن إعلان انهيار العلاقات عبر الأطلسي سيكون أشبه بالنزول من سفينة في منتصف المحيط دون وجود أي سفينة أخرى في الأفق». لذلك، قال: «على أوروبا الآن أن تبتلع» انتقادات ترمب، و«تفعل كل ما هو ممكن للحفاظ على العلاقة سليمة».


مقالات ذات صلة

ترمب: علينا إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية بسرعة

العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب: علينا إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية بسرعة

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم الاثنين، أنه يبذل جهداً كبيراً لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قائلاً: «علينا إيقاف هذه الحرب وبسرعة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا مصافحة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في بطرسبرغ في 11 أبريل 2025 (أ.ب)

الكرملين مرتاح للمفاوضات مع واشنطن... ولا يبالغ في التوقعات

رأى الكرملين أن الاتصالات المباشرة عبر المبعوث الرئاسي الأميركي، ستيف ويتكوف، «فعالة ومفيدة»؛ لأنها توفّر قناة «مباشرة للتواصل» بين الرئيسَيْن الروسي والأميركي.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا صاروخ «تاوروس» من إنتاج شركة «إم بي دي إيه» الأوروبية متعددة الجنسيات لتطوير وتصنيع الصواريخ في مقرها الرئيسي في شروبنهاوزن بالقرب من ميونيخ بألمانيا... 5 مارس 2024 (رويترز)

روسيا تحذر من «التصعيد» إذا زودت ألمانيا أوكرانيا بصواريخ «تاوروس»

حذّرت روسيا من خطر «التصعيد» في النزاع في أوكرانيا إذا ما قرّرت ألمانيا تزويد كييف بصواريخ «تاوروس».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع السويدي كارل أوسكار بوهلين يحمل كتيب الإرشادات في حالة نشوب حرب (أرشيفية- أ.ف.ب)

«إرشادات الحرب»... دول أوروبية تُصدر كتيبات لمواطنيها استعداداً لمواجهة مع روسيا

تستعد دول أوروبية لنشوب حرب محتملة مع روسيا بكتيبات إرشادية. فهل يأخذها السكان على محمل الجد؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا جانب من الدمار جراء الغارة الروسية على مدينة سومي الأوكرانية (رويترز) play-circle

روسيا: قصفنا «اجتماعاً لقادة عسكريين أوكرانيين» في سومي

قالت وزارة الدفاع الروسية الاثنين، إنها قصفت «اجتماعاً لقادة عسكريين أوكرانيين» في مدينة سومي الأوكرانية بصاروخين من طراز إسكندر.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الكرملين مرتاح للمفاوضات مع واشنطن... ولا يبالغ في التوقعات

مصافحة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في بطرسبرغ في 11 أبريل 2025 (أ.ب)
مصافحة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في بطرسبرغ في 11 أبريل 2025 (أ.ب)
TT
20

الكرملين مرتاح للمفاوضات مع واشنطن... ولا يبالغ في التوقعات

مصافحة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في بطرسبرغ في 11 أبريل 2025 (أ.ب)
مصافحة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في بطرسبرغ في 11 أبريل 2025 (أ.ب)

أعرب الكرملين، الاثنين، عن ارتياحه لمسار دفع المفاوضات بين موسكو وواشنطن، ورأى أن الاتصالات المباشرة عبر المبعوث الرئاسي الأميركي، ستيف ويتكوف، «فعّالة ومفيدة»؛ لأنها توفّر قناة «مباشرة للتواصل» بين الرئيسَيْن الروسي والأميركي.

وكان ويتكوف قد زار روسيا، الجمعة، وعقد في المكتبة الرئاسية في سان بطرسبرغ لقاءً مطوّلاً مع الرئيس فلاديمير بوتين، استمر نحو أربع ساعات ونصف الساعة. ورأى مقربون من الكرملين أن دلالات النقاش المطول بين الطرفَيْن مهمة، لأنها تعكس إجراء «حوار تفصيلي يناقش كل جوانب التسوية المأمولة في أوكرانيا»، وفقاً لمصدر روسي. وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف بعد اللقاء، إن بوتين نقل عبر ويتكوف إلى نظيره الأميركي دونالد ترمب «رؤية موسكو ومخاوفها» حيال الملفات المتعلقة بالتسوية.

وأعلن بيسكوف، الاثنين، أن «الاتصالات على هذا المستوى مع المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف مفيدة وفعّالة، وتسمح لقادة الاتحاد الروسي والولايات المتحدة بتلقي المعلومات بشكل مباشر».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في بطرسبرغ في 11 أبريل 2025 (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف في بطرسبرغ في 11 أبريل 2025 (د.ب.أ)

وسُئل بيسكوف، خلال إفادته الصحافية اليومية، عما إذا كانت مواقف روسيا والولايات المتحدة قد أصبحت أكثر تقارباً بعد المحادثات، وما إذا كان قد تمت مناقشة إمكانية عقد لقاء بين الرئيسَيْن الروسي والأميركي خلال وجود ويتكوف في روسيا، فقال: «هذه الاتصالات مفيدة للغاية وفعّالة للغاية. لأنها تُنشئ قناة مهمة جداً لتبادل المعلومات بين الطرفَيْن؛ قناة يمكن من خلالها نقل مختلف جوانب الموقف من قضايا معينة من رئيس الدولة مباشرة إلى نظيره، مما يُساعد بالطبع على حصول الطرفَيْن على المعلومات من مصادرها المباشرة».

وخلافاً لمعطيات إعلامية تردّدت الجمعة، بعد اللقاء، قال بيسكوف إن موضوع اللقاء بين زعيمي روسيا الاتحادية والولايات المتحدة «لم يُناقش في اجتماع بوتين مع ويتكوف».

وأوضح: «لم تتم مناقشة موضوع الاجتماع من حيث الجوهر؛ لأن أي اجتماع، بطبيعة الحال، يجب أن يتم الإعداد له بشكل جيد».

لكن الناطق أعرب في الوقت ذاته عن ارتياح الكرملين لمسار النقاشات، ورأى أن روسيا والولايات المتحدة «في بداية الطريق لتطبيع العلاقات وبنائها»، رغم أنه أعرب عن قناعة بضرورة عدم توقع حدوث اختراقات كبرى سريعة، مركّزاً على أهمية أن عملية التطبيع قد بدأت بالفعل.

رجال إطفاء أوكرانيون يعملون على إخماد النار بعد هجوم بمسيّرة في خاركيف الاثنين (أ.ف.ب)
رجال إطفاء أوكرانيون يعملون على إخماد النار بعد هجوم بمسيّرة في خاركيف الاثنين (أ.ف.ب)

وأصبح معلوم أن ترمب مدّد إجراءات ضد روسيا لمدة عام واحد، بحجة تصرفات موسكو «الضارة» في السياسة الخارجية. وكانت واشنطن قد أطلقت تدابير عقابية تضمّنها قرار الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بموجب أمر تنفيذي في 15 أبريل (نيسان) 2021، هدفت إلى فرض قيود على الممتلكات الروسية وإطلاق رزمة عقوبات ضد موسكو.

وقلّل بيسكوف، في حديث مع الصحافيين، من أهمية صدور القرار الأميركي الجديد بتمديد العقوبات السابقة، وقال: «لا طائل من هذه القرارات، خصوصاً أن هذه إجراءات تلقائية إلى حد ما. ربما نكون في بداية طريقنا نحو تطبيع العلاقات، وبناء علاقات جديدة تقريباً». وجدد تأكيد أن «موسكو ليست لديها توقعات مبالغ فيها في هذا الصدد».

على صعيد متصل، تجنّب الكرملين التعليق على تقارير وسائل الإعلام التركية حول جولة مفاوضات جديدة بين روسيا وأوكرانيا يتم الترتيب لعقدها في أنقرة خلال اليومَيْن المقبلَيْن، لمناقشة ملف «صفقة الحبوب» وحرية الملاحة في البحر الأسود.

هجوم سومي

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الاثنين، أنها استهدفت اجتماعاً لقادة الجيش الأوكراني بصاروخَيْن باليستييْن في سومي، واتهمت أوكرانيا باستخدام المدنيين «دروعاً بشرية»، بعد إعلان كييف الأحد مقتل 34 شخصاً على الأقل.

رجل إنقاذ أوكراني يرتاح في موقع الضربة الصاروخية الروسية بمدينة سومي الأحد (أ.ف.ب)
رجل إنقاذ أوكراني يرتاح في موقع الضربة الصاروخية الروسية بمدينة سومي الأحد (أ.ف.ب)

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها أطلقت صاروخَيْن من طراز «إسكندر»، «على مكان اجتماع هيئة القيادة»، مضيفة: «يواصل نظام كييف استخدام السكان الأوكرانيين دروعاً بشرية، حيث يقيم منشآت عسكرية وينظّم فعاليات بمشاركة جنود في قلب مدينة مكتظة بالسكان».

وكان هجوم سومي قد أثار انتقادات أميركية وأوروبية وأممية.

ووصف ترمب، الأحد، الهجوم بأنه «مروّع». وقال الرئيس الأميركي للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية «إير فورس وان»: «أعتقد أنه أمر فظيع. وقد قيل لي إنهم ارتكبوا خطأ. لكنني أعتقد أنه أمر مروّع». ورداً على سؤال حول هذا «الخطأ»، أجاب ترمب: «لقد ارتكبوا خطأ (...) عليكم أن تسألوهم عن ذلك»، من دون أن يحدد إلى من كان يشير. وفي وقت سابق أعلن البيت الأبيض أن الضربة في مدينة سومي تشكّل «تذكيراً صارخاً» بالحاجة إلى التفاوض من أجل إنهاء «هذه الحرب الرهيبة». وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، بريان هيوز، في بيان، إن «الهجوم الصاروخي على سومي اليوم هو تذكير واضح وصارخ بأن جهود الرئيس دونالد ترمب، لمحاولة إنهاء هذه الحرب الرهيبة تأتي في وقت حاسم». ولم يُلقِ ترمب ولا مجلس الأمن القومي الأميركي اللوم على روسيا بعد هذه الضربة الصاروخية التي أثارت رد فعل دولياً غاضباً.

ودعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إلى ممارسة «أقصى الضغوط» على روسيا لإنهاء حربها في أوكرانيا، بعد الهجوم على مدينة سومي الأوكرانية. وقالت كالاس للصحافيين، لدى وصولها إلى مقر اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ: «أعتقد أنه يتعيّن علينا ممارسة أقصى الضغوط على روسيا لإنهاء هذه الحرب حقاً؛ لأن الأمر يتطلّب أن يرغب الطرفان في السلام... يجب على كل من يريد أن يتوقف القتل أن يمارس أقصى قدر من الضغوط».