لماذا عاقب ترمب وكالة «أسوشييتد برس»؟

بين الخلاف على تسمية «خليج المكسيك» والترويج لثقافة إعلامية محافظة

ترمب ..وبجانبه خارطة تحمل مسماه البديل لخليج المكسيك ( سي إن إن)
ترمب ..وبجانبه خارطة تحمل مسماه البديل لخليج المكسيك ( سي إن إن)
TT

لماذا عاقب ترمب وكالة «أسوشييتد برس»؟

ترمب ..وبجانبه خارطة تحمل مسماه البديل لخليج المكسيك ( سي إن إن)
ترمب ..وبجانبه خارطة تحمل مسماه البديل لخليج المكسيك ( سي إن إن)

لم يمر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب منع مراسلي وكالة «أسوشييتد برس» من تغطية أخبار «المكتب البيضاوي» و«صعود» الطائرة الرئاسية، من دون ردود فعل من وسائل الإعلام الأميركية.

وعلى الرغم من أن الوسائل والمؤسسات الإعلامية المحسوبة على المحافظين الجمهوريين، تعاملت مع الخبر بـ«حذر»، فإن إجماعاً رأى القرار إجحافاً بحق الوكالة، يتنافى مع حرية التعبير، التي يضمنها الدستور الأميركي، والتي ألقى نائبه أخيراً جي دي فانس، دروساً على الأوروبيين في كيفية احترامها.

الوكالة، تعدّ واحدة من أهم وكالات الأنباء العالمية، ومصدراً «موثوقاً» لمئات، إن لم يكن آلاف الوسائل الإعلامية، داخل الولايات المتحدة وخارجها. ثم إنها وكالة الأنباء الوحيدة التي، من خلال شبكة مراسليها، باتت المصدر الأول والموثوق لإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والعامة الأميركية.

شعار وكالة "أسوشييتد برس" (آب)

ماذا وراء قرار ترمب؟

فما الذي دفع الرئيس ترمب إلى تقييد وصول مراسلي «أسوشييتد برس»، منذ الأيام الأولى لتسلّمه منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي؟ وما القيود التي فُرضت عليها فضلاً عن تبعاتها على عمل الوكالة؟

حسب قرار ترمب، فإن السبب يعود إلى إصرار الوكالة على استخدام اسم «خليج المكسيك»، الذي تعود تسميته إلى أكثر من 400 سنة، بدلاً من «خليج أميركا» وفق الأمر التنفيذي الذي وقَّعه في اليوم الأول من رئاسته.

لكن الوكالة ردّت قائلةً بلسان لورين إيستون، نائبة رئيس الاتصالات، إنها «منظمة إخبارية عالمية قائمة على الحقائق، وغير حزبية، ولديها آلاف العملاء في جميع أنحاء العالم الذين يمتدون عبر الطيف السياسي».

وفي 23 يناير، قالت «أسوشييتد برس» في «دليل الأسلوب»، الذي أصدرته بشكل استباقي لتوجيه العملاء، إن ترمب «وقّع على أمر تنفيذي لإعادة تسمية خليج المكسيك إلى خليج أميركا، وهو مسطح مائي يتقاسم حدوداً مشتركة بين الولايات المتحدة والمكسيك... وفي حين أن أمر ترمب لا يحمل سلطة إلا داخل الولايات المتحدة، فإن المكسيك، وكذلك البلدان الأخرى والهيئات الدولية، ليست مضطرة للاعتراف بتغيير الاسم». وأشارت إلى أن الوكالة ستشير إليه باسمه الأصلي مع الاعتراف بالاسم الجديد الذي اختاره ترمب. وقالت الوكالة في الإعلان نفسه إنها ستتبع الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب لإعادة اسم جبل ماكينلي في ألاسكا، الذي تم تغييره إلى دينالي عام 2015. فالجبل يقع فقط داخل الولايات المتحدة، و«ترمب لديه السلطة لتغيير الأسماء الجغرافية الفيدرالية».

وحول منع مراسلي الوكالة من تغطية كثير من الأحداث مع ترمب الأسبوع الماضي، قال البيت الأبيض يوم الجمعة، إنه نظراً لأن الوكالة «تستمر في تجاهل تغيير الاسم الجغرافي القانوني لخليج أميركا»، فإن أماكن مراسليها في المكتب البيضاوي وعلى متن طائرة الرئاسة «ستكون الآن مفتوحة» لمراسلين آخرين.

ويوم الجمعة الماضي، مُنع بالفعل مراسل ومصوّر الوكالة من ركوب طائرة الرئاسة في رحلة ترمب خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى فلوريدا. ومع ذلك، قال البيت الأبيض إن صحافيي الوكالة «سيحتفظون بأوراق اعتمادهم في مجمع البيت الأبيض».

ما الذي يعنيه هذا «التوضيح»؟

يقول مصدر في الوكالة، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار المنع لا يشمل تغطية نشاطات البيت الأبيض، بما في ذلك الإحاطات الصحافية اليومية للناطقة باسمه أو أي مسؤول كبير، بمن فيهم الرئيس ترمب نفسه من على المنصة الصحافية للبيت الأبيض. وأضاف أنه على الرغم من منع مراسلي الوكالة من تغطية نشاطات الرئيس في المكتب البيضاوي والطائرة الرئاسية، فإن تقليداً متبعاً بين وسائل الإعلام الكبرى، يتلقّى من خلاله أحد مندوبي هذه الوسائل دورياً، وبالتناوب كل أسبوعين أو شهر، الأسئلة وتجميعها من قبل ممثلي الوسائل الأخرى، وتقديمها معاً خلال إحاطات الرئيس، والسماح لها بنشرها.

لكن وسائل إعلام أميركية، قالت إن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت ترمب إلى تقييد وصول مراسلي «أسوشييتد برس» إلى البيت الأبيض، هو الاحتجاج على ما يراه كثير من مساعديه «سنوات من اختيارات الكلمات الليبرالية» التي نشرها «دليل أسلوب» الوكالة المؤثر عبر وسائل الإعلام الرئيسية. وهذا ما جعل الوكالة هدفاً له من خلال تسليط الضوء عليها وتضخيم الانتقادات الجمهورية والمحافظة لـ«دليل الأسلوب»، لأنه المرجع الأول لمعظم المؤسسات الإخبارية الأميركية، وتشكّل الكلمات والعبارات المتعلّقة بالجنس والهجرة والعِرق وإنفاذ القانون المستخدمة فيه، النقاش السياسي في البلاد.

ليس فقط خليج أميركا...

أيضاً، نقل موقع «أكسيوس» عن تايلور بودويتش، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، قوله: «لا يتعلق الأمر فقط بخليج أميركا، بل بتسليح وكالة (أسوشييتد برس) للغة من خلال دليل أسلوبها لدفع نظرة عالمية حزبية، على النقيض من المعتقدات التقليدية والراسخة لكثير من الأميركيين وكثير من الناس في جميع أنحاء العالم».

وحقاً، بعد خمسة أيام من إصدار الوكالة دليلها بشأن تغيير اسم الخليج، عقدت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أول إحاطة لها، متوقعةً المعركة التي سيخوضها البيت الأبيض مع وسائل الإعلام التقليدية. وقال أحد مستشاري ترمب: «إنها لن تكذب وستوبّخ المنظمات الإعلامية التي تكذب... كنا نعلم أن وكالة (أسوشييتد برس) ستستمر في تسمية خليج أميركا بخليج المكسيك، وهذا تضليل».

ولجذب أقصى قدر من الاهتمام لتغييره، وقّع ترمب أمراً أمام المراسلين على متن طائرة الرئاسة في أثناء تحليقه فوق الخليج في طريقه إلى حضور مباراة الـ«سوبر بول»، (كرة القدم الأميركية)، يوم 9 فبراير (شباط)، معلناً «أول يوم لخليج أميركا على الإطلاق».

ويقول المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن الخلاف مع الوكالة، قديم ولا يقتصر على الرئيس ترمب، بل على كثير من القيادات المحافظة. كما جاء في تقرير الموقع الإخباري، الذي أشار إلى أنه جزء من جهد أوسع نطاقاً يبذله ترمب لتشويه سمعة وسائل الإعلام التقليدية وثقة الجمهور في الصحافة، «التي وصلت بالفعل إلى أدنى مستوى لها».

وفي حين التزم معظم وسائل الإعلام الأميركية بالتسمية التي أطلقها ترمب على الخليج، فإنها حرصت على الإشارة إلى أن «الولايات المتحدة أعادت تسميته من خليج المكسيك»، ودافعت عن وكالة «أسوشييتد برس» بالقول إن الحكومة ينبغي ألّا تملي كيف تتخذ المؤسسات الإخبارية قراراتها التحريرية، لأن ذلك هو الأساس للصحافة الحرة والديمقراطية.


مقالات ذات صلة

«انسجام عالمي2» تُطلق «أيام الثقافة الإندونيسية» في الرياض

يوميات الشرق شهدت «أيام الثقافة الباكستانية» مشاركة نخبة من المطربين الباكستانيين بحضور آلاف الزوار (واس)

«انسجام عالمي2» تُطلق «أيام الثقافة الإندونيسية» في الرياض

تواصل العاصمة السعودية احتضان ثقافات العالم، حيث تنطلق، الثلاثاء، فعاليات «أيام الثقافة الإندونيسية» ضمن مبادرة «انسجام عالمي2»، في حديقة السويدي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مشروع «syriaSAT» تستعد الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لإطلاقه على نظام «DVB-T2» المتطور (الإخبارية)

قانون جديد للإعلام في سوريا وإعادة الصحف الورقية و«مدونة سلوكيات» مهنية

تنخرط وزارة الإعلام السورية بعدة مشاريع لإعادة تنظيم العمل الإعلامي الرسمي والخاص، بدءاً من وضع قانون جديد للإعلام، مروراً بإعادة إصدار الصحف الورقية.

سعاد جرَوس (دمشق)
رياضة سعودية الأمير عبد العزيز الفيصل والوزير سلمان الدوسري خلال لقائهما بالإعلاميين (الشرق الأوسط)

لقاء «جزيرة شورى» يطلق «نادي الإعلاميين الرياضيين» بتزكية «وزارية»

جدّد القطاع الرياضي في السعودية شراكته الضاربة في عمق التاريخ مع الإعلام المحلي، في مشهد يعكس أهمية الطرفين لبعضهما.

«الشرق الأوسط» (البحر الأحمر )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث إلى الصحافيين في فلوريدا (أ.ب) play-circle

ابنة شقيق ترمب تفسر سبب هجومه على الصحافيات... والبيت الأبيض يعلّق

تحدثت ابنة شقيق الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن سبب اعتقادها بأن هجماته على الصحافيات قد تصاعدت في الأسابيع الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الأميرة البريطانية ديانا تقف إلى جانب زوجها تشارلز (رويترز)

على ماذا ندمت الأميرة ديانا قبل 10 أيام من وفاتها؟

كشفت الأميرة البريطانية ديانا عن ندم كان يرافقها، وذلك قبل 10 أيام من وفاتها، حيث ارتبط الأمر بولديها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».


اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
TT

اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)

أثار اتجاه المفوضية الأوروبية لتخفيف «القيود الرقمية»، تساؤلات بشأن تأثير ذلك على حماية بيانات المستخدمين. وبينما عدّ خبراء هذا الاتجاه «محاولة لزيادة تنافسية السوق»، أكدوا أنه «تحوّل خطير قد يهدد الخصوصية».

وفي ظل ضغوط من شركات التكنولوجيا الكبرى، أعلنت المفوضية الأوروبية، أخيراً، أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»، الذي من شأنه تبسيط بعض لوائح الاتحاد الأوروبي الرقمية. وجاء الإعلان بعد دعوة المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة «السيادة الرقمية الأوروبية» الأسبوع الماضي، إلى «تخفيف صرامة اللوائح الرقمية الأوروبية».

وفي رأي مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، فإن «تبسيط القواعد وخفض الأعباء الإدارية وتقديم قواعد أكثر مرونةً وتناسباً، سيمنح الشركات الأوروبية مساحة أكبر للابتكار والنمو، ويسد فجوة الابتكار».

وعدّت الباحثة الجزائرية في علوم الإعلام والاتصال، ليلى دومة، ما أعلنته المفوضية الأوروبية «نقطة تحوّل مهمة في الاستراتيجية الرقمية للاتحاد الأوروبي». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تخفيف بعض الالتزامات المفروضة على شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يرسل رسالة واضحة مفادها إعطاء الأولوية لتعزيز التنافسية والابتكار على حساب التشدد في حماية البيانات الذي يميز النموذج الأوروبي منذ سنوات».

وبشأن تأثير ذلك على «الخصوصية»، أشارت ليلى دومة إلى أن «التأثير لن يكون فورياً، لكنه مقلق على المدى المتوسط والبعيد». وقالت إن «الإعفاءات المؤقتة وتأجيل الالتزام الكامل بالقواعد الصارمة يعني ببساطة وجود مناطق أقل رقابة ومفتوحة، حيث يمكن للشركات جمع أو معالجة بيانات شخصية بطريقة أقل تقييداً، مما قد يؤدي تدريجياً إلى إضعاف أحد أهم إنجازات أوروبا خلال العقد الماضي، وهو تمكين المواطن من السيطرة على بياناته».

وأضافت أن «أي تفكيك تدريجي لقواعد (اللائحة العامة لحماية البيانات)، سيقلل من قوتها وتأثيرها، ويخلق ثغرات قد تستغلها الشركات الكبرى بسهولة»، مشيرةً إلى أن «أوروبا تحاول تحقيق توازن صعب بين تسريع الابتكار وحماية الحقوق الرقمية».

وتُلزم «اللائحة العامة لحماية البيانات» مشغلي المتاجر الإلكترونية، أو المنصات الرقمية، بالحصول على موافقة المستخدمين قبل معالجة بياناتهم الشخصية، مما يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط، لكنَّ المقترح الجديد من شأنه أن يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط بشكل أقل.

الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد فتحي، قال إن «الاتحاد الأوروبي يشهد تحولاً استراتيجياً عبر مقترح الحزمة الرقمية الشاملة (Digital Omnibus)، الذي تبرره المفوضية الأوروبية بالرغبة في تبسيط القوانين ودعم الشركات الأوروبية للمنافسة عالمياً».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المقترح قد يمثل تفكيكاً لمسألة الحماية وتراجعاً عن معايير الخصوصية الصارمة، وذلك لعدة مخاطر؛ أهمها استغلال البيانات للذكاء الاصطناعي حيث يسمح التعديل للشركات باستخدام البيانات الشخصية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي استناداً إلى مبدأ (المصلحة المشروعة) بدلاً من (الموافقة الصريحة) مما يخدم شركات التكنولوجيا الكبرى ويُضعف سيطرة المستخدم».

وأشار إلى «إضعاف الخصوصية الإلكترونية عبر دمج قواعد الخصوصية، مما يُسهِّل الوصول إلى بيانات أجهزة المستخدمين تحت غطاء تقليل إشعارات الكوكيز دون إذن واضح». وقال إن «المقترح يعكس تغيراً في الأولويات من حماية (المواطن الرقمي) إلى التركيز على التنافسية الاقتصادية، حيث يهدد إقرار هذا القانون بالتضحية بخصوصية المستخدمين كضريبة لدعم الابتكار التجاري».

وتسببت محاولات تنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي في أزمة متصاعدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وفرضت المفوّضية الأوروبية غرامة مقدارها 500 مليون يورو على شركة «أبل» على خلفية «بنود تعسّفية في متجر التطبيقات الخاص بها، على حساب مقدّمي التطبيقات وعملائهم». كما غرمت «ميتا» مبلغ 200 مليون يورور. وهي غرامات عدّها البيت الأبيض في وقت سابق «ابتزازاً اقتصادياً».


الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
TT

الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)

أُعلن في مدينة الشارقة إطلاق حزمة مشروعات إعلامية كبرى في «مدينة الشارقة للإعلام (شمس)»، التي وُصفت بأنها أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الإمارات والمنطقة، وتُشكِّل نقلةً نوعيةً في تطوير البنية التحتية للقطاع الإعلامي، وترسيخ نموذج متقدم لتكامل الجهات الحكومية العاملة تحت مظلة مجلس الشارقة للإعلام.

وتأتي هذه المشروعات التي أطلقها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ضمن مساعي تعزيز القطاع في الإمارة الخليجية.

وأكد الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس «الشارقة للإعلام» أن اعتماد حزمة مشروعات «شمس» يجسِّد رؤية الإمارة في بناء قطاع إعلامي متقدم يقوم على الابتكار والشراكات الدولية والتقنيات المعاصرة، مشيراً إلى أن إطلاق «استوديوهات شمس» سيعزز قدرة الشارقة على استقطاب أبرز شركات الإنتاج وصنّاع المحتوى، كما سيوفر منصة احترافية للكفاءات الوطنية لتطوير مهاراتها وتوسيع حضورها في صناعة الإعلام.

وشدَّد على أن الاستثمار في الإعلام هو استثمار في الإنسان والهوية، موضحاً أن الشارقة ماضية بثقة نحو تعزيز حضورها الثقافي والمعرفي عالمياً عبر إعلام مهني مسؤول، وشراكات استراتيجية، ومنظومة متطورة تدعم استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.

وسيضم المشروع أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الدولة والمنطقة، حيث يجمع تحت سقف واحد الجهات الإعلامية التابعة لحكومة الشارقة، وهي مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، إلى جانب مدينة الشارقة للإعلام (شمس)، التي ستكون المقر الجديد لهذا التجمع.

«استوديوهات شمس» في الشارقة (الشرق الأوسط)

وبحسب المعلومات الصادرة فإن مشروع «استوديوهات شمس» جاء ليؤسِّس لبيئة إنتاجية متطورة، من خلال مجمّع يضم 5 استوديوهات كبرى بمساحات تتراوح بين 1500 و3400 متر مربع، تستجيب لاحتياجات صناع الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والمحتوى الرقمي، إضافة إلى مرافق متخصصة لما بعد الإنتاج تشمل وحدات المونتاج والمؤثرات البصرية والتصميم الصوتي، بما يتيح تنفيذ أعمال تلفزيونية وسينمائية وفق معايير عالمية.

كما تتضمَّن المشروعات تطوير مجمّع أعمال إعلامي حكومي متكامل يجمع ضمن بيئة عمل تفاعلية مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، والشركات الإعلامية العاملة في «شمس»، بما يسهم في تسهيل عمليات الإنتاج والبث، وتعزيز كفاءة التواصل الحكومي، ودعم الابتكار في صناعة المحتوى.

وسيضم المجمّع 4 مبانٍ متخصصة، يتألف كل منها من طابق أرضي و4 طوابق، تشمل مبنى لمجلس الشارقة للإعلام، ومبنى للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، ومبنيين مخصَّصين للجهات الإعلامية والشركات العاملة ضمن «شمس».

ويشمل التطوير أيضاً إنشاء مبنى جديد لهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون ببنية تقنية حديثة تعزز جاهزيتها لمواكبة التطورات في تقنيات البث والإنتاج، وترفع قدرتها على تقديم محتوى متنوع وذي جودة عالية يعكس هوية الإمارة ورسالتها. وتشمل المرحلة الأولى المبنى الإداري، ومبنى الأخبار، ومبنى قناة الشارقة الرياضية.

وفي إطار دعم المشهد الثقافي والإبداعي، تتضمَّن المشروعات إنشاء «واحة شمس للإبداع»، وهو مركز متطور للفعاليات الفنية والتعليمية يضم مسرحاً حديثاً يتسع لنحو 700 شخص، إلى جانب مرافق مخصصة لاستضافة الفعاليات المجتمعية والعروض الفنية والبرامج التدريبية، بما يسهم في تنمية المواهب الشابة وتوفير منصة ملهمة للإبداع في الإمارة.