نشتكي من تغير الطقس، أحيانا من انخفاض درجات الحرارة وأحيانا من ارتفاعها، لكن لو تخيلنا طقسا لا يتغير أبدا فإننا حتما سنصاب بحالة من الملل، مثلما لو تخيلنا الحياة بالأبيض والأسود فقط. فمهما تُقنا إلى الماضي الجميل، وإلى طقس منعش طوال الوقت، فإن أجمل ما في فصول السنة تغيراتها، لأنها تفتح المجال لتجربة أشياء ومشاعر جديدة. فكم من واحد في الغرب يتوق للتخفيف من سمك وأثقال أزياء الشتاء؟ وكم من واحد في الشرق يتوق للاستمتاع بمعطف من الكشمير أو الفرو أو بدلة من التويد، ولو لفترة قصيرة؟
غني عن القول أن الموضة أكثر من يرحب بهذه التغيرات ويُلبيها، آخذة بعين الاعتبار أن وسائل السفر تطورت بشكل يتيح للأغلبية التنقل إلى أماكن جغرافية مختلفة وبعيدة، وهو ما يتطلب خزانة متكاملة تشمل قطعا تغطي كل الفصول والمناسبات.
وإذا كانت المرأة أكثر مرونة في التعامل مع تغيرات الفصول، وأكثر من يرحب بها، فإن الرجل لا يزال في بعض الأحيان يعاني من شد وجذب بين ما تعود عليه، وما يطمح إليه أو يراه على صفحات المجلات وعروض الأزياء. والحقيقة أن العملية أصعب بالنسبة له، لأن بعض القطع يصعب تنسيقها أو تقبلها لأنها ارتبطت في ذهنه بإيحاءات سلبية ما. وتصبح العملية أصعب عندما تفلت منه الخيوط، ولا يفرق بين الأناقة بمعنى الذوق الشخصي وأسلوب تنسيقه الخاص، والموضة، بمعنى ما تمليه اتجاهات الموضة والمصممين. الجانب الإيجابي دائما أن الكثير من القطع، التي يمكن أن تجعله يتردد في البداية، كلاسيكية بإمكانه تطويعها بسهولة لتناسب بيئته وتضفي عليه الأناقة في الوقت ذاته، مثل الكنزة ذات الياقة العالية، التي اجتاحت عروض الموضة لهذا الموسم، وبرهنت على أنها تخدم الرجل عندما تأتي بخامات ناعمة ودافئة وتصاميم خفيفة على العين.
ورغم أن كتب تاريخ الموضة تشير إلى أن جذور هذه القطعة تعود إلى القرن الخامس عشر، فإن ما نتذكره جيدا أنها أخذت مجدها في السبعينات، وتحديدا في 1968، حين ظهر بها الممثل ستيف ماكوين في المسلسل البوليسي «بوليت». وبين ليلة وضحاها انتعشت واكتسبت مظهرا رجوليا جذابا، راق للرجل آنذاك. وهكذا تبناها جيل السبعينات، البعض من باب التشبه بنجمه المفضل، والبعض الآخر من منطلق عملي ووظيفي محض، ألا وهو الحماية من البرد. فمن جهة، حافظت على وظيفتها العملية، ومن جهة أخرى تراجعت لصالح قطع أخرى وفقدت جاذبيتها، إلى حد أنه لا الراحل ستيف جوبس ولا مثقفون أكاديميون وشعراء وفلاسفة نجحوا في تلميع صورتها وتسويقها. ويعود السبب إلى أن بعض الرجال لم يعرفوا كيف يوظفونها لصالحهم وحسب مقاساتهم، كما لم يعرفوا أنها، رغم ما توحيه من بساطة، تحتاج إلى دراية واختيار دقيق لطريقة غزلها وألوانها وعلو ياقتها وما شابه لكي تتناغم مع باقي الأزياء. جهلهم بهذه الأبجديات جعلها تبدو منافية للموضة.
الآن، ومع دخول جيل الشباب لعبة الموضة وإتقانهم لها، أخذت الكنزة بعدا جديدا وأنيقا. نعم لا تزال تستحضر صورة ستيف ماكوين القوية والجذابة، لكن مع لمسات عصرية جديدة تجمع الرقي بالديناميكية. وهذا هو المطلوب في زمن تعيش فيه ساحة الموضة الرجالية على عدة تناقضات، كونها لا تزال حقل تجارب لجس النبض في الكثير من الأحيان، والدليل أنك لو سألت أي رجل عايش موضتها، أي الكنزة العالية الياقة، في السبعينات والثمانينات، لشعر ببعض الريبة منها واعتبرها «دقة قديمة» في الوقت الحالي، لكن لو سألت شابا في مقتبل العمر لأجاب من دون تردد بأنها لا تعترف بزمن، وبأنها يمكن أن تكون إضافة رائعة لمظهر كلاسيكي أو «سبور»، حسب طريقة تنسيقه لها وكذلك طريقة غزلها وصوفها.
فعندما تكون مغزولة بطريقة بدقة متناهية، فالنتيجة تكون خفيفة ومشدودة على الجسم، وبالتالي يسهل تنسيقها مع بدلة رسمية من الصوف أو التويد أو غيرهما. وهي هنا للتدفئة، لكنها أيضًا بديل رائع للقميص وربطة العنق. يمكن أيضًا تنسيقها مع جاكيت من الجلد لمظهر «سبور». المشكلة في هذا التصميم أنه يفضح كل تضاريس الجسم، لهذا إذا لم تكن عضوا نشطا وملتزما في ناد رياضي، فمن الأفضل أن تتجنبها.
عندما تكون سميكة، فهي أرحم على الجسم ويمكن أن تُموه عن الكثير من عيوبه. ليس هذا فقط، بل إن هذا النوع من الكنزات يفتح المجال للعب بالخامات المتنوعة. أي يمكن تنسيقها مع قطع مختلفة من الحرير أو من التويد أو الجينز.
ويبقى الكشمير أضمن الأنواع وأكثرها شعبية، إضافة إلى صوف الميرينو، لا سيما أن هذا الأخير يأتي حاليا بتقنيات تجعله يوازن حرارة الجسم، أي أنه يناسب المناطق الباردة والمناطق الدافئة في الوقت ذاته، مما يجعله رفيقا مخلصا بالنسبة لرجال الأعمال الذين يتنقلون من مكان إلى آخر.
طريقة تنسيقها
السبب في تخوف الجيل السابق منها أنها ارتبطت بأدوار الشر في الأفلام، ورجال لم يتقنوا توظيفها لصالحهم حسب مقاييس أجسامهم. ولحسن الحظ أن ظهور دانييل كريغ بها في سلسلة أفلام «جيمس بوند» الأخيرة أخرجها من هذا الإطار وأبرزت جمالياتها. فعندما ارتداها هذا الأخير تحت سترة «بلايزر» مفصلة جعلته يبدو أصغر من سنه بعشر سنوات. إذا لم تكن متأكدا من الفكرة من الأساس فلا بأس أن تبدأ باختيار نوع الإطلالة التي تريد الحصول عليها: هل تريدها أنيقة أم عملية؟ فالكنزات السميكة أكثر عملية وتناسب الإجازات والأنشطة التي تجري في الهواء الطلق. أما الكنزات المغزولة بطريقة ناعمة وخفيفة فهي أكثر رسمية وأناقة في الوقت ذاته، بمعنى أنها يمكن أن تستعمل في المناسبات الخاصة مع بدلة رسمية أو عصرية. في هذه الحالة ليس من الضروري أن تتقيد بالياقة العالية التي تحيط بالعنق، بل يمكنك الاختيار من بين الياقة المستديرة أو التي تأتي على شكل حرف V، لأنك هنا يمكنك تنسيقها مع قميص وربطة عنق. لكن تذكر أنه على الرغم من أن لكل تصميم جمالياته ووظيفته، فإن الياقة العالية تبقى الأكثر بساطة وتأثيرا. بساطتها تكمن في قدرتك على الاستغناء عن ربطة العنق والقميص وقدرتها على أن تحملك من النهار إلى المساء بسهولة، وتأثيرها في أنها تبدو عصرية وحيوية في أماكن العمل كما في سهرة حميمة، على شرط أن تكون على مقاسك.
للمناسبات العادية، وإجازات نهاية الأسبوع، يمكن تنسيقها مع بنطلون من الصوف أو الجينز وحذاء رياضي التصميم، أيا كانت طريقة غزلها، أي سواء كانت خفيفة وناعمة تعانق الجسم أو سميكة. في الحالتين يمكن ارتداؤها مع معطف يصل إلى الركبة.
تنسيقها مع بدلة رسمية أو شبابية من أكثر الإطلالات أناقة وعصرية حاليا، خصوصا إذا كان البنطلون مستقيما من أسفل وغير طويل، والحذاء بتصميم رياضي أو بلون جريء يكسر رسمية البدلة. أما إذا كانت الفكرة البقاء في إطار رسمي أنيق، فيمكن اختيار الكنزة من الكشمير، بلون قوي مثل الأزرق أو الأحمر التوتي، مع بدلة مزدوجة بصفي أزرار وحذاء «أكسفورد».
تجدر الإشارة إلى أن هذه القطعة لا تبدو نشازا في مناسبات السهرة والمساء، بل العكس تماما إذا جاءت مع سترة «بلايزر» مخملية أيا كان لونها، وبنطلون مفصل، وحذاء من الجلد اللامع. صحيح أن هذه الإطلالة لا تناسب الكل، إلا أنها لا تخلو من أناقة فضلا عما تمنحه من دفء وراحة.