يعتقد خبراء عراقيون أن الحرج من النفوذ الإيراني ليس السبب الوحيد لحالة التردد التي تسيطر على موقف العراق من التغيير في سوريا؛ إذ تفضل مؤسسات سياسية في البلاد التأكد من أن النظام الجديد في دمشق قادر على «ردع التوجهات المتطرفة».
ومع أن الحكومة العراقية أرسلت، الشهر الماضي، رئيس المخابرات إلى سوريا في بادرة لاختبار النوايا، إلا أن رئيس الوزراء محمد السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد امتنعا حتى الآن عن تقديم التهنئة البروتوكولية للرئيس السوري أحمد الشرع بعد توليه المنصب الانتقالي.
ولا يميل خبراء إلى القناعة بأن المؤسسات العراقية ستواصل التعامل بهذا الموقف المتحفظ لفترة أطول، ويرجحون أن تكون القمة العربية المزمع انعقادها في بغداد في مايو (أيار) المقبل، الأساس الذي ستتشكل بموجبه شكل العلاقة بين بغداد ودمشق.
وتصب تصريحات وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الأربعاء، حول عزمه زيارة العراق خلال الأيام المقبلة في مسار رفع إزالة التردد العراقي، حسب مراقبين.
وسألت «الشرق الأوسط» باحثين ومحللين حول طبيعة الموقف العراقي من سوريا، وكانوا شبه متفقين على الطبيعة «الملتبسة» لهذا الموقف.

التوجس من دمشق
يتفق الباحث إبراهيم العبادي على أن العراق الرسمي ما زال «يراوح في موقفه من السلطة الجديدة في سوريا»، وحتى مع حالة التنسيق الأمني بين الجانبين وزيارة رئيس المخابرات حميد الغزي إلى سوريا، إلا أن «العراق لم يهنئ الشرع بعد تسلمه الرئاسة، كما لم تبدأ علاقات طبيعية بين الجانبين على خلفية التوجس من اتجاهات الحكم السوري».
ويرى العبادي أن «موقف بغداد طبيعي ومتوقع؛ لأنها لا تزال في نطاق الانتظار؛ إذ تريد أن تعرف المزيد بشأن نوايا دمشق وقدرتها على ردع اتجاهات متطرفة التي لا تخفي خطاباتها الطائفية»، على حد تعبيره.
وبخلاف التردد الرسمي والتمنع السياسي، يؤكد العبادي أن «مراكز أبحاث عراقية دعت إلى الانفتاح على الوضع السوري وطي صفحة الماضي حتى فيما يتعلق بما ارتبط منه بنشاط الشرع، أيام كان يعرف بـ(أبو محمد الجولاني)».
ويقول العبادي: «مصلحة العراق تقتضي تنسيقاً أمنياً وتفاهمات سياسية وتبادلاً اقتصادياً مع سوريا، التي لو ابتعدت عن العراق سيتفاقم الاستقطاب في المنطقة، ويزيد من التنافس بين المحاور، في لحظة شديدة التعقيد نتيجة تراجع المحور الإيراني، بينما يتقدم المشروع التركي».
ويحذر العبادي من «الاندفاعات العاطفية المؤدية إلى عزلة العراق وتأخره في التفاعل العقلاني مع التغيير في المنطقة، فلكل من هذه الحوادث المحطية انعكاس سلبي وإيجابي وفرص وتحديات يجب حسبانها وتكييفها لصالح العراق».

الخشية من «العدوى» السورية
يعدد أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، إحسان الشمري، مجموعة أسباب حيال ما يصفها بـ«الدبلوماسية العراقية المترددة» حيال سوريا، من بينها «الخشية من انتقال التجربة السورية إلى الداخل العراقي، والهاجس الأمني من تمدد جماعات سورية نحو العراق، فضلاً عن أن المعادلة الجديدة في سوريا ليست حليفة بالقياس إلى المعادلة التي كان يمثلها نظام الأسد».
ويعتقد الشمري أن حالة التردد لها «ما يبررها» خلال الأسابيع الأولى من التحول السوري، لكن «ثمة محاولات من الانتقال واختبار الوضع الجديد. ثمة تقدم. أجد أنها غير مبررة راهناً وربما لا تدل على رغبة بالتعاطي».
وثمة «نظرة سلبية إزاء التحول في سوريا تشترك فيها هواجس سياسية وأمنية، وحتى دينية وطائفية»، وفقاً للشمري. ويقول إن «العراق يسعى في عملية تعاطيه مع الحكومة السورية للحصول على ضمانات متعلقة بالأمن القومي، وألا يكون نظام دمشق معادياً للعملية السياسية في العراق».
ولا يشك الشمري في أن النفوذ الإيراني في العراق «عامل مهم جداً في تحديد الموقف من سوريا»، لدرجة أن «مبدأ الانتظار الذي يعتمده العراق كان بتأثير إيراني»، ويرى أن «إيران أثرت سلباً في تأخير عودة العلاقات الطبيعية بين بلدين لديهما مصالح مشتركة، مثل العراق وسوريا».
لكن الشمري يقول إن «زيارة وزيرة الخارجية السوري المرتقبة إلى بغداد قد تشكل فارقاً، وتنهي حالة التباس وفقدان رؤية وطنية للتعامل مع البلد الجار».

موقف عراقي ملتبس
يتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إياد العنبر مع أن «موقف العراق ملتبس وغير واضح، كما هو حال بغداد مع كثير من الملفات الخارجية».
ويضيف العنبر: «الموقف العراقي يتأرجح بين تيار يرفض الاعتراف بسوريا الجديدة ليتفادى أي إحراج مع إيران، وتيار آخر يحاول التعاطي بإيجابية مع دمشق ما بعد الأسد».
ويعتقد العنبر أن زيارة رئيس جهاز المخابرات وزيارة وزير الخارجية السوري المتوقعة «ربما تمنحان اعترافاً بالوضع الجديد في سوريا، بمعنى أن هناك اعترافاً رسمياً عراقياً، لكن يبدو أنه توقف عند لحظة مباركة أحمد الشرع حين عين رئيساً لسوريا».
ويشير العنبر إلى أن «بغداد قد تنفتح أكثر مع دمشق، وتظهر رغبة أكبر في التكيف مع النظام الجديد، لكن المشكلة تكمن في صعوبة الإعلان عن هذه المواقف، لهذا تلجأ إلى المراوغة لرفع الحرج مع إيران، وقوى شيعية لا تتقبل حتى الآن التغيير في سوريا».
ويرى العنبر أن «هناك محاولة للهروب من الاعتراف بسوريا ما بعد الأسد نحو الشعارات التي باتت سائدة في العراق من دون مراعاة مصالح الدولة العليا، لكن حضور أحمد الشرع إلى قمة بغداد قد يضع حداً لحالة التردد العراقية».

من جهته، يقول الدبلوماسي السابق الدكتور غازي فيصل، إن التحول في سوريا «شكل صدمة لقيادات متشددة في الإطار التنسيقي ومنهم حلفاء لطهران، وانعكس ذلك بشكل عام على العلاقة بين بغداد ودمشق».
ويعتقد فيصل أن موقف رئيس الوزراء محمد السوداني «معتدل نسبياً؛ إذ يسعى لتفهم الوضع الجديد في سوريا، بينما عادت البعثة الدبلوماسية للعمل في دمشق».
ويقول فيصل إن «التهديدات التي تصدر عن أحزاب عراقية ضد سوريا غير مناسبة ولا تصب في صالح العراق»، وما إن تستقر «المرحلة الانتقالية السورية وتتوج بنظام ديمقراطي يحقق تحولات اجتماعية، فإن العلاقات الدبلوماسية ستحقق نقلة نوعية بين النظامين في بغداد ودمشق».
