ارتياح روسي لنتائج المناقشات في دمشق... ولا حسم في ملف القواعد العسكرية

«محادثات صعبة» كسرت الجليد والتوافقات تحتاج إلى «جولات حوار»

لقاء القائد العام للإدارة السورية المؤقتة أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق (أ.ف.ب)
لقاء القائد العام للإدارة السورية المؤقتة أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق (أ.ف.ب)
TT
20

ارتياح روسي لنتائج المناقشات في دمشق... ولا حسم في ملف القواعد العسكرية

لقاء القائد العام للإدارة السورية المؤقتة أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق (أ.ف.ب)
لقاء القائد العام للإدارة السورية المؤقتة أحمد الشرع مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في دمشق (أ.ف.ب)

كما هو متوقع، لم تكن مهمة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف سهلة في دمشق. والدبلوماسي المخضرم صاحب الخبرة الطويلة في المنطقة العربية، وخصوصاً في سوريا، تذكر وهو يزورها للمرة الأولى بعد إطاحة نظام بشار الأسد، أنه كان هنا مطلع تسعينات القرن الماضي، ورفع فوق سفارة بلاده علم روسيا الاتحادية، مكان علم الدولة السوفياتية التي غابت عن الوجود للتو.

كانت تلك إشارة ذكية من الرجل الذي لا يتقن اللغة العربية فحسب، بل يدرك جيداً كيف يفكر العرب.

تغيير العلم السوري لن يؤثر على نظرة موسكو إلى وحدة وسلامة أراضي سوريا، ولن يعني تعاملاً مختلفاً مع أولويات العلاقة مع سوريا الجديدة، تماماً كما حدث في عام 1991 عندما تغير العلم السوفياتي وحافظ البلدان على علاقات وثيقة.

هذا هو المدخل الذي اختاره مبعوث الرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاستهلال مهمته الصعبة، في كسر الجليد المتراكم أمام علاقات موسكو مع دمشق ما بعد حكم عائلة الأسد.

خطوة نحو حوار شامل

والوفد الروسي الكبير الذي ضم ممثلين عن وزارتي الخارجية والدفاع ومسؤولين في القطاع الاقتصادي للحكومة، وممثلين عن شركات لديها مشروعات كبرى في سوريا، كان يدرك جيداً أن هذه الزيارة لن تخرج بنتائج فورية، وأن جوهرها إطلاق حوار شامل يتطرق إلى كل جوانب العلاقة المستقبلية، لذلك كان المطلوب منها تهيئة الظروف المناسبة لمناقشة القضايا الصعبة المطروحة ووضع أولويات الطرفين على طاولة البحث.

ثلاثة عناوين رئيسية شغلت بال الطرفين خلال الزيارة، وانعكست في بيانات موسكو ودمشق: مصير القواعد العسكرية في سوريا، وآليات ترتيب العلاقة المستقبلية، والوضع المتعلق بوجود الأسد وأفراد عائلته ومئات من رموز النظام السابق تحت رعاية موسكو، بما في ذلك على صعيد ملف الأموال المهربة من سوريا. ومستقبل العلاقات الاقتصادية والتجارية على ضوء مصالح الشركات الروسية التي عملت طويلاً في سوريا واستحوذ بعضها على عقود مجزية للغاية.

كان الحوار شاقاً وطويلاً، واستمر نحو ثلاث ساعات تخلله غداء عمل. لكن النتيجة كانت جيدة من وجهة النظر الروسية، ولم يخف بوغدانوف ارتياحه لـ«النقاش الموضوعي البنّاء» الذي تطرق كما قال لكل جوانب العلاقة.

أيضا برز الارتياح الروسي في تعليق الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الذي تحدث عن «رحلة مهمة للغاية واتصالات مهمة»، وأكد أنه «من الضروري الحفاظ على حوار دائم مع السلطات السورية (...) روسيا ستواصل القيام بذلك».

نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف (رويترز)
نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف (رويترز)

«امتنان روسي»

من وجهة النظر الروسية، تكمن أهمية الحوار في توضيح عدد من الأولويات التي تحدث عنها بوغدانوف. وعلى رأسها أنه لم تبرز مظاهر عدائية لروسيا بعد فرار الأسد وتسلم السلطات الجدية الحكم. وقال نائب الوزير إن وفده «عبر عن امتناننا؛ لأن مواطنينا ومنشآتنا لم يلحق بها أي أذى نتيجة أحداث الأسابيع الأخيرة، وأعربنا عن أملنا في الحفاظ على هذا الخط، وألا تتعرض مصالحنا في سوريا للأذى».

العنصر الثاني أن الزيارة وضعت مقدمات لمناقشات مستقبلية حول آليات التعاون الممكنة، وهنا برز التذكير الروسي بأن موسكو ساعدت دمشق سابقاً في تطوير بنى تحتية مهمة بينها محطات الكهرباء والطاقة والسدود وغيرها. وهنا إشارة إلى استعداد روسيا للعب دور مهم في المستقبل إذا اتفق الجانبان على المساهمة في عمليات إعادة أعمار وتطوير البنى التحتية.

الأولوية الثالثة برزت عند الإشارة إلى الملف الأصعب، المتعلق بالوجود العسكري. هنا انعكس كلام رئيس الإدارة السورية أحمد الشرع، بأن دمشق ليست متعجلة لحسم هذا الملف. وبدا أن هذه العبارة ترجمت على الأرض خلال المحادثات، وبرز ذلك في تأكيد بوغدانوف أنه لا تغيير حالياً على الوضع القائم، ومسألة مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا تتطلب مشاورات إضافية، وقد اتفق الطرفان على مواصلة الاتصالات بهذا الشأن.

«تلميح» بتسليم الأسد

أما من الجانب السوري، فقد بدت الأولويات مختلفة بعض الشيء. وقد برز ذلك مباشرة في تأخير صدور بيان رسمي حول المحادثات لساعات عدة، ما عكس أن الإدارة احتاجت بعض الوقت لبلورة موقفها من مسار المحادثات.

في المحصلة، برزت معطيات رفضت موسكو رسمياً التعليق عليها، بأن السلطات السورية الجديدة طلبت من روسيا تعويضات «لاستعادة الثقة»، فضلاً عن معلومات من مصادر تفيد بأن السلطات السورية طلبت على ما يبدو تسليم الأسد.

جنود روس يقدمون عرضاً عسكرياً في قاعدة «حميميم» في سوريا (أرشيفية - د.ب.أ)
جنود روس يقدمون عرضاً عسكرياً في قاعدة «حميميم» في سوريا (أرشيفية - د.ب.أ)

توقف البيان السوري عند ملف احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها. وفي الفهم السوري لهذه العبارة، فإن المغزى الإقرار بالتغيرات وترتيب ملامح جديدة لعلاقة مستقبلية بما يشمل كل الملفات المطروحة، وبينها الوجود العسكري ربما. لكن اللافت أكثر في البيان السوري ليس الحديث عن تأكيد الجانب الروسي «دعمه للتغييرات الإيجابية الجارية حالياً في سوريا، ودور روسيا في إعادة بناء الثقة مع الشعب السوري من خلال تدابير ملموسة مثل التعويضات وإعادة الإعمار والتعافي»؛ لأن هذه العبارة مع أهميتها تلتها عبارة أكثر وضوحاً تحدثت عن «مناقشات حول آليات العدالة الانتقالية التي تهدف إلى ضمان المساءلة وتحقيق العدالة لضحايا الحرب الوحشية التي شنها نظام الأسد». هذه الإشارة مع فقرة لاحقة مفادها أن الإدارة السورية شددت كذلك على أن استعادة العلاقات يجب أن تعالج أخطاء الماضي، وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه، فسرت بأنها مطالبة مباشرة بالأسد وأعوانه، وربما بتعويضات أو مساعدات مستقبلية.

تظهر هذه الفروقات بين الأولويات التي ركز عليها الجانبان أن المحادثات كانت صعبة للغاية، وتطرقت إلى ملفات شائكة لا يمكن الحديث عن تقريب سريع لوجهات النظر حولها، وأنها تحتاج بالفعل إلى عمل واسع وجولات حوار عدة.

أهداف تحققت

بهذا المعنى يمكن القول إن الزيارة حققت أهدافها بالفعل؛ إذ تم كسر الجليد وفتح المجال لحوار مقبل. وتبدو موسكو مستعدة لاستقبال وفود حكومية سورية؛ لمواصلة العمل على الأجندة المطروحة من وجهة نظر الجانبين.

لكن المهم قبل ذلك، أن لدى موسكو ودمشق تصوراً أوضح حالياً، عن مطالب كل طرف وتطلعاته، وأيضاً عن الصعوبات التي تعترض تنفيذ بعض المطالب لدى كل منهما. وهي صعوبات لا تقف عند الجانب الروسي الذي يواجه استحقاق التعامل مع وجود بشار الأسد ومئات من ضباطه ورموز حكمه، ومصير أموال الشعب السوري المهربة ومجالات استردادها.

فالجانب السوري أيضاً، من وجهة النظر الروسية، يواجه تحديات جدية مرتبطة بالضغوط الخارجية لقطع العلاقات نهائياً مع موسكو، ما يضعه أمام استحقاق الفشل في إقامة علاقات متوازنة لا تحشر سوريا الخارجة من حرب منهكة في محاور وتكتلات لا تلبي مصالح الشعب السوري في هذه المرحلة الصعبة.

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

اتصال السوداني ــ الشرع يكسر الجمود

المشرق العربي 
رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مستقبلاً وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في بغداد، 14 مارس 2025 (إعلام حكومي)

اتصال السوداني ــ الشرع يكسر الجمود

كسر اتصال بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والرئيس السوري أحمد الشرع، جمود العلاقات بين البلدين.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مجموعة من الأشخاص يسيرون في شارع من دون كهرباء في دوما شمال شرقي العاصمة السورية دمشق 10 نوفمبر 2014 (أ.ف.ب - أرشيفية)

انقطاع عام للكهرباء في كل أنحاء سوريا

أفادت وزارة الطاقة السورية بأن أعطالاً عدة تسببت في انقطاع الكهرباء عن أنحاء سوريا، وأنه يتم العمل على معالجة المشكلات.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي نص الاتفاق بين الدولة السورية و«قسد» في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب

اتفاق الدولة السورية مع «قسد» على الانسحاب العسكري من حلب

أعلن في محافظة حلب، شمال سوريا، مساء الثلاثاء، عن اتفاق بين مجلس حيي الأشرفية والشيخ مقصود، وممثلي لجنة الرئاسة السورية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي غراف يشرح عدد الضحايا في أحداث الساحل مارس الماضي (المركز السوري للإعلام وحرية التعبير)

الأمن العام في طرطوس يتعهد بمحاسبة قتلة عائلة بريف بانياس

تعهد الأمن العام في محافظة طرطوس السورية بمحاسبة كل «من يخل بالسلم»، معتبراً الجريمة التي وقعت في قرية (حرف بنمرة) في ريف بانياس، جريمة «تخل بالسلم الأهلي».

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع وعقيلته لطيفة الدروبي يستقبلان مجموعة من الأطفال السوريين في قصر الشعب بدمشق أول أيام عيد الفطر (أ.ف.ب)

الإليزيه ينشر تفاصيل «خريطة طريق» لسوريا بعد قمة «خماسية شرق المتوسط»

«خريطة طريق» أوروبية جديدة لسوريا تربط مجدداً المساعدات بشروط أمنية وسياسية، وتتطرق إلى 5 أبواب، وتدعو لمعالجة ملف النازحين في «إطار إقليمي».

ميشال أبونجم (باريس)

إسرائيل تستأنف الاغتيالات في ضاحية بيروت

جانب من الأضرار الناجمة عن الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت أمس (إ.ب.أ)
جانب من الأضرار الناجمة عن الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت أمس (إ.ب.أ)
TT
20

إسرائيل تستأنف الاغتيالات في ضاحية بيروت

جانب من الأضرار الناجمة عن الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت أمس (إ.ب.أ)
جانب من الأضرار الناجمة عن الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت أمس (إ.ب.أ)

استأنفت إسرائيل، أمس، ملاحقة عناصر «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد 4 أشهر من حصر الملاحقات في جنوب لبنان وشرقه.

ونفذت إسرائيل فجراً غارة استهدفت معاون مسؤول الملف الفلسطيني في «حزب الله»، حسن بدير، داخل منزله في حي ماضي، ما أدى إلى مقتله ونجله، ومدنيَين اثنين يقطنان في المبنى، وإصابة 7 أشخاص بجروح. وأفادت «وكالة الصحافة الفرنسية» بأن بدير هو شقيق مسؤول الإعلام الحربي في الحزب.

بدوره، ذكر الجيش الإسرائيلي أن بدير «عنصر في (الوحدة 3900) في (حزب الله)، و(فيلق القدس)». وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان مشترك مع «جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)»، إن «بدير تعامل مؤخراً مع حركة (حماس)، وقاد إرهابيين وساعدهم على التخطيط والتحضير لهجوم إرهابي ضخم وآنِيّ على مدنيين إسرائيليين»، مشيراً إلى أنه «ضُرب على الفور لإزالة الخطر»، من دون مزيد من التفاصيل.

في الأثناء، قال المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى «يونيفيل»، العميد المتقاعد منير شحادة: «هناك مشروع أميركي - إسرائيلي لإخضاع لبنان للتطبيع ودفعه للجلوس إلى طاولة مفاوضات تضم سياسيين ودبلوماسيين لا عسكريين. كما أن هناك ضغوطاً أخرى لإجبار المقاومة على دفع أثمان في الداخل اللبناني لجهة تجريدها من سلاحها حتى شمال الليطاني».