هل تتنبأ الحيوانات بالكوارث الطبيعية؟ قمر اصطناعي يراقب سلوكها لتقديم إنذار مبكر
الحمم البركانية المنصهرة في آيسلندا (أ.ب)
برلين:«الشرق الأوسط»
TT
برلين:«الشرق الأوسط»
TT
هل تتنبأ الحيوانات بالكوارث الطبيعية؟ قمر اصطناعي يراقب سلوكها لتقديم إنذار مبكر
الحمم البركانية المنصهرة في آيسلندا (أ.ب)
في خطوة قد تُحدث ثورة في التنبؤ بالكوارث الطبيعية، يعكف علماء على مراقبة سلوك الحيوانات باستخدام أجهزة تعقب متطورة تُثبّت على أجسادها، وترتبط بقمر اصطناعي جديد يُطلق العام المقبل.
الفكرة الأساسية هي استكشاف قدرة الحيوانات على التنبؤ بالأحداث الطبيعية، مثل الزلازل والانفجارات البركانية، بالإضافة إلى تقديم رؤى شاملة عن الهجرة وانتشار الأمراض وتأثيرات تغير المناخ، وفقاً لصحيفة «الغارديان».
مراقبة حيوانات المزرعة والبرية من الفضاء
يقود هذه المبادرة مشروع «إيكاروس» من معهد «ماكس بلانك» لسلوك الحيوانات في ألمانيا، تحت إشراف الدكتور مارتن فيكيلسكي. يهدف المشروع إلى إطلاق شبكة من الأقمار الاصطناعية الصغيرة التي تتابع بدقة تحركات آلاف الحيوانات البرية والمزرعة، مثل الكلاب، الماعز، وحتى الحشرات، عبر العالم.
ففي تجارب سابقة على منحدرات جبل إتنا بصقلية، اكتشف العلماء أن الماعز تُظهر علامات قلق وترفض التوجه إلى المراعي المرتفعة قبل حدوث انفجارات بركانية كبيرة.
كما أظهرت الكلاب وحيوانات أخرى في جبال أبروتسو بإيطاليا قدرة على التنبؤ بـ7 من أصل 8 زلازل كبيرة على مدى 12 عاماً.
العلم يفسر الظاهرة
لطالما حيرت هذه التصرفات الباحثين. ويُعتقد أن التغيرات الجيولوجية، مثل انبعاث أيونات من الصخور نتيجة الضغط قبل الزلازل، قد تكون عاملاً مشتركاً تستجيب له الحيوانات. ويؤكد فيكيلسكي أن الحيوانات تعرف مسبقاً ما سيحدث، رغم أننا لا نفهم تماماً كيف تفعل ذلك.
تطبيقات واسعة لتقنية التتبع
يتجاوز المشروع دراسة الظواهر الطبيعية إلى مراقبة صحة الحياة البرية وانتشار الأمراض. على سبيل المثال، تُستخدم أجهزة استشعار مثبتة على الخنازير البرية للكشف المبكر عن تفشي حمى الخنازير الأفريقية، مما يساعد على الحد من تأثيرها في المزارع.
كما تسهم التقنية في فهم هجرات الأنواع مثل فراشات «رأس الموت»، التي تقطع آلاف الكيلومترات سنوياً بين أوروبا وأفريقيا.
آفاق مستقبلية واعدة
بعد إنهاء التعاون مع روسيا بسبب غزو أوكرانيا، قرر الفريق الاعتماد على أقمار اصطناعية خاصة بهم، مثل «إيكاروس كيوبسات»، الذي من المتوقع إطلاقه قريباً.
ويطمح المشروع إلى إنشاء شبكة مراقبة عالمية تتكون من 6 أقمار اصطناعية قادرة على تحليل بيانات حركات الحيوانات، مما يعزز فهمنا للعالم الطبيعي ويسهم في حماية الكوكب.
ويختتم فيكيلسكي حديثه قائلاً: «قد تكون هذه المبادرة مفتاحاً لفهم أفضل للتغيرات البيئية والتعامل مع الكوارث الطبيعية قبل حدوثها».
قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، الثلاثاء، إن طبقة الأوزون «في طريقها إلى التعافي على المدى الطويل» رغم ثوران بركاني مدمر في منطقة جنوب المحيط الهادي.
«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربيةhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/5098075-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%91%D8%AF-%D8%A3%D8%B2%D9%86%D8%A7%D9%81%D9%88%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D9%85%D9%88%D9%81%D9%91%D9%82%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%BA%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A3%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%8D-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9
«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية
الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)
كان كلّما سُئل عن أقصى أحلامه، يجيب شارل أزنافور: «أن أغنّي على المسرح حتى عمر الـ100». رحل قبل 6 سنوات من تحقيق الحلم، لكنّه أبى إلا أن يطلّ على الجمهور في مئويّته من خلال فيلم «Monsieur Aznavour» (السيّد أزنافور) الذي بدأ عرضُه في الصالات العربية في ديسمبر (كانون الأول)، بعد أن كانت الانطلاقة في فرنسا في أكتوبر (تشرين الأول) 2024.
ليس من الممكن اختصار عملاق الأغنية الفرنسية بساعتَين سينمائيتَين، غير أنّ الفيلم الذي يتّخذ شكل سيرة ذاتية، على قدرٍ عالٍ من الطموح والإتقان. يسرد بسلاسةٍ وبساطة، ومن دون تبجيل، المراحل الأساسية من حياة الفنان الفرنسي الذي لم يتخلّ يوماً عن أصوله الأرمنية.
هو شارل أزنافوريان، الطفل الدائم الابتسامة، الذي نراه في بداية الفيلم وسط عائلته المهاجرة إلى باريس. أبٌ وأمٌ وولدان يحترفون الغناء والرقص والفرح، رغم الفقر وضيق العيش والاحتلال النازيّ إبّان الحرب العالمية الثانية. كبر شارل في غرفةٍ صغيرة لم تتّسع سوى للأحلام والموسيقى، فكان لا بدّ للطريق من أن يرتسم واضحاً أمامه: الفن وخشبة المسرح.
يسلك الفيلم خطاً تاريخياً تصاعدياً، فلا يتضمّن فقرات استرجاع زمني، ولا يخلط مراحل السيرة. أما الإخراج فليس مدّعياً ولا فضفاضاً، رغم ميزانيةٍ تخطّت الـ25 مليون يورو. هذه المعالجة الزمنية الكلاسيكية اعتمدها الكاتبان والمخرجان مهدي إيدير وفابيان مارسو المعروف بـ(Grand Corps Malade)، في مسعىً منهما إلى الإخلاص قدر المستطاع لتاريخ أزنافور الحافل.
اللافت أن أزنافور، ولدى استشارته قبل وفاته في إمكانية تصوير فيلم عن حياته، كان قد منحَ بركتَه لإيدير ومارسو، معبّراً عن إعجابه بأعمالٍ سابقة لهما. ثم أتى الإنتاج ليغلّف الفيلم بمعطفٍ عائليّ، إذ تولّى العملية الإنتاجية صهر أزنافور جان رشيد قالوش. وحتى تكتمل البصمة العربية، بما أنّ قالوش وإيدير من أصول جزائرية، جرى اختيار الممثل طاهر رحيم لأداء دور البطولة، وهو أيضاً جزائريّ الأصل.
لا بدّ من الاعتراف لرحيم بمجهوده الهائل في تجسيد الشخصية الاستثنائية. الممثل البالغ 43 عاماً أدّى مراحل حياة أزنافور كلّها، مع العلم بأنّ التركيز انصبّ على الفترة الممتدّة ما بين البدايات الفنية في سنّ الـ20، وأولى سنوات المجد وما بعدها، أي حتى سنّ الـ50.
وفق حوارات صحافية أجريت معه، فقد تدرّب رحيم 6 أشهر على تقمّص شخصية أزنافور. خلال نصف سنة، اقتصرت مشاهداتُه على أرشيف الفنان الخاص والعام، كما التقى مطوّلاً أفراد عائلته للتعرّف أكثر إلى وجهه الآخر. لم يقف الممثل عند هذا الحدّ من أجل تركيب الشخصية، بل أصرّ على أداء أغاني الفيلم بصوته بعد أن خضع لتدريبٍ طويلٍ وقاسٍ. بدا التشابه صادماً في أغنيات مثل «Emmenez-Moi»، و«La Boheme»، و«Les Comediens»، مما دفع ببعض النقّاد إلى القول إنّه جرى دمج صوتَي أزنافور ورحيم بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وهو أمرٌ غير مستبعَد.
إذا كان في الغناء بعض الاستنساخ، فإنّ أداء السيناريو هو بصوت رحيم الأصليّ، وهنا يبرز المجهود الحقيقي؛ فعندما يتكلّم الممثل يظنّ السامع أنها نبرة أزنافور نفسه. كما تلعب الحركة الجسمانية والإيماءات الخاصة دوراً إضافياً في الإقناع.
على الرغم من الماكياج والمؤثرات التي كان يستغرق تنفيذها 4 ساعات خلال كل يوم تصوير، لم يتحقّق هدف التشابه في الملامح. لكن ليس بالشبَه وحدَه تحيا أفلام السيرة، فرحيم يملأ موقعه ولا يُفقد الشخصية بريقَها، وذلك من دون أن يقع في فخّ التقليد.
يسير «Monsieur Aznavour» على إيقاع أبرز أغنيات الفنان وهي زينةُ الفيلم. يُقسم العمل إلى 5 فصول؛ على خلفيّة «Les Deux Guitares» (القيثارتان) ذات النغمات الأرمنية، ينطلق مسترجعاً طفولة المغنّي المحفوفة بذكريات الإبادة الأرمنية والهجرة الصعبة إلى فرنسا. أما الفصل الثاني فمخصّص لأولى سنوات شبابه «Sa Jeunesse»، وبداياته في عالم الكتابة والغناء. قد تُوقِعُ هذه السرديّة الكلاسيكية العمل في الرتابة، لكن سرعان ما يحلّ الفصل الثالث بعنوان «La Boheme» ليبثّ الحياة في الفيلم، لا سيّما مع دخول شخصية المغنية إديث بياف والتي تؤدّيها ببراعة الممثلة ماري جولي باوب.
شكّلت بياف نقطة تحوّل في مسيرة أزنافور، فهي التي وضعته في واجهة حفلاتها ليفتتحها بصوته، وهي التي شجّعته على الخضوع لجراحة تجميلية للأنف. وضمن إطار صداقتهما الاستثنائية، حثّته على سلوك طريقٍ فني منفرد بعد أن استمرت شراكته الغنائية مع بيار روش (تمثيل باستيان بويون) لسنوات.
لم تلعب بياف دوراً محورياً في حياة أزنافور فحسب، بل هي أحد القلوب النابضة للفيلم، كما أنها تستحق كل مشهدٍ خُصِص لها فيه، حتى وإن بدا طويلاً؛ كل ذلك بفَضل موهبة الممثلة الآسرة.
لعلّ أجمل ما يصوّره الفيلم هو صعود أزنافور، القصير القامة والعاديّ الملامح وصاحب الصوت المجروح، من مغنٍ منبوذٍ من الصحافة والجمهور إلى أيقونة الأغنية الفرنسية وسفيرها إلى العالم. لم يؤمن بالحظّ بل بالعمل 17 ساعة يومياً. لم ينم على الحرير بل حاك ثوبه بخيوط المثابرة. حتى الرمق الأخير، ألّف شارل أزنافور الأغاني وجال بها العواصم. لكنّ البداية لم تكن مفروشةً بالورد، فهو غنّى أمام قاعاتٍ شبه خالية، وأصدرَ أسطوانات لم تحقق أي مبيعات، وتعرّض للشتيمة من النقّاد. وسط ذلك كله، تسلّح بصبره وبعشقٍ للنجاح أفرطَ الفيلم في تجسيده، إلى درجة أنه كاد يصوّره رجلاً مهووساً بالشهرة والمال.
من بين الهفوات التي قد يُلام عليها الفيلم كذلك، أنه غيّب بعض الوقائع مثل زواج أزنافور الثاني، وتفاصيل سنوات الفقر الطويلة، إضافةً إلى شراكته مع مدير أعماله ليفون سايان والتي امتدّت 40 عاماً.
في المقابل، أضاء «Monsieur Aznavour» على نواحٍ أخرى من حياته مثل زواجه الثالث من حبيبته السويدية أوللا، وعلاقته العميقة بشقيقته عايدة، ليبقى الجزء الأكثر تأثيراً وفاة ابنه باتريك في سن الـ25، الأمر الذي حمّل أزنافور أحزاناً ثقيلة وأسئلةً وجوديّة رافقته إلى آخر العمر، وإلى آخر سطر من أغانيه الـ1300.