نشاط الجهاز العصبي الودّي الزائد مع وجود السمنة... من أسباب الإصابة بالسكري

دراسة أميركية جديدة ترجح دوره في حدوث «مقاومة الإنسولين»

نشاط الجهاز العصبي الزائد يلعب دوراً في حدوث الأمراض الأيضية
نشاط الجهاز العصبي الزائد يلعب دوراً في حدوث الأمراض الأيضية
TT

نشاط الجهاز العصبي الودّي الزائد مع وجود السمنة... من أسباب الإصابة بالسكري

نشاط الجهاز العصبي الزائد يلعب دوراً في حدوث الأمراض الأيضية
نشاط الجهاز العصبي الزائد يلعب دوراً في حدوث الأمراض الأيضية

تستكشف دراسة حديثة لباحثين أميركيين العلاقة بين الإفراط في التغذية ونشاط الجهاز العصبي اللاإرادي (الودّي، أو السمبثاوي)، وبين حدوث «مقاومة الإنسولين». وتشير إلى أن النشاط المفرط للجهاز العصبي الودي يلعب دوراً حاسماً في تطور الاضطرابات الأيضية مثل مرض السكري من النوع الثاني.

وقد تكون لهذا الاكتشاف آثار بعيدة المدى في الوقاية والعلاج من مرض السكري من النوع الثاني، مما يستدعي مزيداً من البحث لفهم الآليات المعقدة التي تلعب دوراً في هذه العمليات.

عامل آخر لـ«مقاومة الإنسولين»

وفي حين يُنظر، تقليدياً، إلى «ضعف إشارات الإنسولين» على أنه السبب الرئيسي في حالة «مقاومة الإنسولين»، فإن هذه الدراسة تشير إلى أن «زيادة نشاط الجهاز العصبي الودي» (وهو أحد أقسام الجهاز العصبي اللاإرادي) يمكن أن تكون عاملاً أكثر أهمية، خصوصاً مع وجود السمنة.

لذا؛ فإن ما يحدث، وفق الدراسة، هو أن النظام الغذائي عالي الدهون يطلق دفقات من النواقل العصبية في جميع أنحاء الجسم، مما يسفر عن الانحلال السريع للنسيج الدهني الموجود في الكبد. وهذا بدوره يقود إلى تحرير نسب عالية من الأحماض الدهنية التي يزداد تركيزها في الدم، ويتسبب في مجموعة من الحالات المرضية تتنوع بين الإصابة بداء السكري والفشل الكبدي.

ونشر الباحثون، برئاسة كريستوف بويتنر، من قسم الغدد الصماء والتمثيل الغذائي والتغذية في «كلية روبرت وود جونسون الطبية» بجامعة روتجرز في نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأميركية، دراستهم في مجلة «Cell Metabolism» يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بعد أن حققوا في التقارير المتضاربة حول نشاط الجهاز العصبي الودي (السمبثاوي) مع وجود السمنة.

وينظم هذا الجهاز العمليات اللاإرادية، فهو يعدّ الجسم للأنشطة المرتبطة بالتوتر وإبطاء العمليات الجسدية الأقل أهمية في حالات الطوارئ، مثل الهضم، ولا تخضع هذه العمليات لسيطرة واعية مباشرة؛ بل تحدث تلقائياً ودون تفكير واع.

فرط التغذية ونشاط الجهاز العصبي الودي

من المعروف أن الإفراط في التغذية يزيد بسرعة من مستويات الـ«نورإبينفرين (NE) norepinephrine» في البلازما، المعروف أيضاً باسم الـ«نورأدرينالين noradrenaline (NA)»، وهو ناقل عصبي وهرمون في الوقت نفسه. وبصفته ناقلاً عصبياً، فهو يساعد في نقل الإشارات العصبية عبر النهايات العصبية، ولأنه هرمون فإنه يطلَق بواسطة الغدد الكظرية التي تقع أعلى كل كلية. وذلك مما يشير إلى فرط نشاط الجهاز العصبي الودي، وغالباً ما تشير الأساليب التي تقيس نشاط الجهاز العصبي الودي بشكل مباشر إلى زيادة نشاطه في حالات السمنة.

وفي المقابل تشير الدراسات التي تركز على مسارات الإشارات الأدرينالية أحياناً إلى انخفاض استجابات الـ«كاتيكولامين (Catecholamines)»، الذي يفسَّر على أنه انخفاض في نشاط الجهاز العصبي الودي. والـ«كاتيكولامين» نواقل عصبية للجهاز العصبي الودي، وتتوسط في رد الفعل بين «المجابهة والهروب» بالمواقف العصيبة. ومن أمثلة الاستجابات الودية، تسارع ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وتوسع القصبات الهوائية، واتساع حدقة العين، والتعرق، والرعشة. كما تعدّ الـ«كاتيكولامينات» نواقل عصبية بارزة في مناطق معينة من الدماغ، وعادة ما ترتبط بالمتعة والإثارة والحركة. ومن أبرز الـ«كاتيكولامينات» الطبيعية الدوبامين والأدرينالين.

نتائج دراسات الفئران

واستخدم الباحثون، إضافة إلى الفئران البرية، مجموعة فئران معدّلة وراثياً؛ وذلك لعزل نشاط «الجهاز العصبي الودي المحيطي» عن تأثيرات «الجهاز العصبي المركزي». وسمح هذا النموذج بدراسة نشاط «الجهاز العصبي الودي المحيطي» المعزول دون التأثير على وظائف الـ«نورإبينفرين» المركزية. وغُذّيت الفئران المعدلة ورفاقها من النوع البري إما على نظام غذائي عادي، وإما على نظام غذائي عالي الدهون، لمدد زمنية مختلفة؛ لمحاكاة الإفراط في التغذية على المديين القصير والطويل.

الإفراط في التغذية على المدى القصير

- الفئران البرية: في الدراسة التي تناولت الإفراط في التغذية على المدى القصير، أظهرت الفئران البرية التي تغذت بنظام غذائي عالي الدهون لمدة تراوحت بين 3 و10 أيام، زيادة في دهون الجسم، وضعفاً في تحمل الغلوكوز، وفي حساسية الإنسولين، مقارنة بالفئران التي تغذت على العلف العادي. ورغم مستويات الإنسولين المرتفعة، فإن مستويات الغلوكوز في الدم كانت أعلى خلال الصيام والتغذية، مما يشير إلى حدوث «مقاومة الإنسولين» رغم سلامة «مسارات إشارات الإنسولين».

كذلك أظهرت تلك الفئران مستويات مرتفعة من الـ«نورإبينفرين» في البلازما، مما يدل على زيادة نشاط الجهاز العصبي الودي. كما كان هناك ضعف في قدرة الإنسولين على قمع تنشيط الـ«ليباز lipase (الإنزيمات التي تحفز تحلل الدهون)» الحساس للهرمون في الأنسجة الدهنية البيضاء، مما أدى إلى زيادة تحلل الدهون وارتفاع مستويات الجلسرين في البلازما.

- الفئران المعدلة وراثياً: في المقابل، كانت الفئران المعدلة التي تغذت بنظام غذائي عالي الدهون لمدة تصل إلى 14 يوماً محمية من حالات عدم تحمل الغلوكوز و«مقاومة الإنسولين» التي لوحظت لدى الفئران البرية، فقد حافظت على مستويات الغلوكوز الطبيعية خلال الصيام، وأظهرت تحسناً في اختبارات تحمل الغلوكوز. وهذا يشير إلى أن تقليل نشاط الجهاز العصبي الودي قد يسهم في تحسين الحساسية للإنسولين والوقاية من الآثار السلبية للإفراط في التغذية.

الإفراط في التغذية على المدى الطويل

- الفئران البرية: أظهرت الفئران البرية التي تغذت بنظام غذائي عالي الدهون لمدة 12 أسبوعاً مقاومة للـ«كاتيكولامين»، وكان نشاط الجهاز العصبي الودي مرتفعاً بعد 16 أسبوعاً من التغذية بهذا النظام. وبعد ما بين 10 أسابيع و12 أسبوعاً أظهرت الفئران عدم تحمل الغلوكوز ومستويات مرتفعة من الـ«نورإبينفرين» و«الأدرينالين» والـ«غلوكاجون (glucagon)»، مما يشير إلى زيادة تنشيط الآليات التي تعارض عمل الإنسولين. والـ«غلوكاجون» هرمون ينتَج في البنكرياس.

واتسمت الفئران البرية التي أُطعمت بنظام غذائي عالي الدهون بانخفاض التعبير عن الإنزيمات الدهنية في الأنسجة الدهنية البيضاء، وزيادة حجم الخلايا الدهنية، وارتفاع علامات الالتهاب والتليف والشيخوخة.

- الفئران المعدلة وراثياً: حُميت من تطوير «مقاومة الـ(كاتيكولامين)»، فقد كانت لديها مستويات أقل من الـ«نورإبينفرين» في البلازما بعد التغذية بنظام غذائي عالي الدهون. ورغم زيادة الوزن، فإنها حافظت على حساسية الإنسولين، وأظهرت مستويات أقل من الـ«نورإبينفرين» والـ«أدرينالين» والـ«غلوكاجون»، مما يشير إلى نشاط منخفض للجهاز العصبي الودي. وبذلك تكون الفئران المعدلة قد حافظت على تعبير أعلى عن الإنزيمات الدهنية في الأنسجة الدهنية البيضاء، وبقي حجم الخلايا الدهنية أصغر، مع علامات أقل على الالتهاب والتليف.

وهكذا يبدو من هذه الدراسة أن «فرط نشاط الجهاز العصبي الودي» هو المحرك الأساسي لـ«مقاومة الإنسولين» الناجمة عن السمنة، وليس «ضعف إشارات الإنسولين الخلوية» كما كان يُعتقد.


مقالات ذات صلة

صحتك حبات من التفاح (أرشيفية - أ.ب)

بدائل طبيعية ورخيصة الثمن لعقار «أوزمبيك» السحري لكبح الشهية

ترشح خبيرة تغذية أطعمة طبيعية ورخيصة الثمن لها تأثير مقارب من عقار «أوزمبيك» السحري لإنقاص الوزن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك قياس مستوى السكري لدى مريضة أثناء تلقيها العلاج الطبي في باكستان (إ.ب.أ)

دراسة: هرمونات التوتر هي المحرك الأساسي لمرض السكري المرتبط بالسمنة

أشارت دراسة حديثة إلى أن هرمونات التوتر قد تكون المحرك الأساسي لمرض السكري المرتبط بالسمنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)

أكثر من 800 مليون مريض سكري بين البالغين حول العالم

كشفت دراسة جديدة أن أكثر من 800 مليون بالغ حول العالم مصابون بمرض السكري، وهو ما يعادل ضعف ما توقعته تقييمات سابقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 9 نقاط حول تناول التمر ومريض السكري

9 نقاط حول تناول التمر ومريض السكري

التمور مصدر جيد للكربوهيدرات، وتحتوي على كميات عالية من الألياف الصحية، وعديد من الفيتامينات والمعادن

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.