رغم مرور الزمن وتوالي الأحداث السياسية، فإن الليبيين لم ينسوا بعد عمليات نفي قرابة 5 آلاف منهم إلى جزر إيطالية مهجورة قبل 113 عاماً من الآن.
ويُحيي الليبيون هذه الأيام ذكرى إبعاد الآلاف من أجدادهم خلال فترة الاحتلال الإيطالي للبلاد عام 1911، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية في جزر غير مأهولة نسبياً من السكان من بينها وبونزا وأوستيكا وتريميتي.
وبدأت القصة، حسب «المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية»، عندما اشتدت ضربات المقاومة الليبية للقوات الإيطالية الغازية، منذ معركة شارع «الشط - الهاني» في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1911، بقصد تهدئة الرأي العام في روما آنذاك.
ووفق المركز الليبي، فإن «تنفيذ عمليات النفي الجماعـي إلى الجزر الإيطالية بدأ مع نهاية هذه المعركة التي وقعت في مدينة طرابلس»، لافتاً إلى أن أول مرحلة من النفي كانت إلى جزيرة تراميتي، في 26 أكتوبر 1911، وبلغ عدد المرحَّلين حينها 595 منفياً يتألفون من رجال ونساء من مختلف الأعمار؛ وقد تلتها دفعات أخرى إلى جزر مختلفة حتى اقترب العدد من 5 آلاف مواطن.
وقالت وكالة الأنباء الليبية (وال) إنه «حسب المصادر التاريخية، وباعتراف المستعمرين الإيطاليين، كان المنفيون الليبيون يُحشَرون في السفن المتجهة إلى إيطاليا، مما تسبب في موت عدد كبير منهم في الطريق أُلقيت جثثهم في البحر؛ ومَن عاش منهم نُقل إلى الجزر الإيطالية النائية».
كما نقلت عن تلك المصادر التاريخية أن معيشة الليبيين المنفيين اتسمت بـ«القسوة وَخَلَت من البعد الإنساني، ولم تراعَ فيها القواعد الصحية، أو القانونية، فتعرض جُلهم لأمراض خطيرة أدت أيضاً إلى موت كثير منهم».
ويقتصر إحياء قضية المنفيين على تذكرها من نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الأوساط الاجتماعية.
ويرصد المركز الليبي أن المرحلة الثانية من النفي بدأت بعد أحداث «معركة القرضابية» مباشرةً في أبريل (نيسان) 1915، واستمرت حتى وصول الحزب «الفاشستي» للحكم في إيطاليا، خلال أكتوبر 1922.
ونجح الليبيون قبل 109 أعوام، في واحدة من المعارك الفاصلة ضد المحتل الإيطالي؛ في مدينة سرت (450 كيلومتراً شرق طرابلس)، التي يُحيون ذكراها أيضاً كل عام.
وشهدت سرت معركة فاصلة في 29 من أبريل (نيسان) عام 1915، بين المجاهدين الليبيين من جهة، والغزاة الإيطاليين الذين استقدموا قوات مساعدة من إريتريا والحبشة، بالإضافة إلى مقاتلين محليين من مدن ساحلية، لتنتهي الحرب بهزيمة الإيطاليين أمام اصطفاف الليبيين.
أما المرحلة الثالثة لنفي الليبيين إلى الجزر الإيطالية فبدأت، حسب المركز الليبي، مع انتهاء حركة المقاومة عام 1931 حتى نهاية الاحتلال الإيطالي في ليبيا خلال يناير (كانون الثاني) 1943.
ويشير المركز الليبي إلى أن عمليات النفي بدأت عقب برقية أرسلها رئيس الوزراء الإيطالي جيوليتي، إلى الجنرال كانيفا، القائد العام للجيش الإيطالي في طرابلس، في 24 أكتوبر 1911، وتقول: «بالنسبة إلى المتمردين المعتقلين -يقصد المقاومين- سأرسلهم إلى جزر تراميتى في البحر الأدرياتيكى، مع أولئك الموجودين تحت الإقامة الجبرية، يمكنك ترحيلهم إلى هناك مباشرةً مع إعلامي بمغادرتهم، وإن جـزر تراميتى تستطيع استقبـال 400 سجين، سأرسل إلى هناك مفتشاً من الأمن العام لإعداد إقامتهم».
وأرجع «المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية» نفي الليبيين إلى إيطاليا لأسباب عدة من بينها «اشتداد ضربات المقاومة الليبية آنذاك، ومحاولة القضاء عليهم وإخضاعهم بهدف السيطرة على هذه البلاد، بالإضافة إلى التخلص من المعارضين للسلطات الإيطالية».
ولفت إلى أن عمليات النفي استهدفت أيضاً «إفراغ ليبيا من أبنائها، وكذلك تمزيق وحدة المجتمع، هذا الإجراء اعتقد الإيطاليون أنه سيكون له رد فعل سلبي على حركة المقاومة الوطنية ضدهم».