الأميركيون يترقبون مناظرة ترمب - هاريس ونقاط القوة والضعف لديهما

الرئيس السابق يحظى بميزة كبيرة في الهجرة… ونائبة الرئيس يتعبها الاقتصاد

صورة مركبة فيها المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال مناظرة لها في سولت لايك سيتي يوتاه والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب خلال مناظرة في أتلانتا بجورجيا (أ.ب)
صورة مركبة فيها المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال مناظرة لها في سولت لايك سيتي يوتاه والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب خلال مناظرة في أتلانتا بجورجيا (أ.ب)
TT

الأميركيون يترقبون مناظرة ترمب - هاريس ونقاط القوة والضعف لديهما

صورة مركبة فيها المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال مناظرة لها في سولت لايك سيتي يوتاه والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب خلال مناظرة في أتلانتا بجورجيا (أ.ب)
صورة مركبة فيها المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال مناظرة لها في سولت لايك سيتي يوتاه والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب خلال مناظرة في أتلانتا بجورجيا (أ.ب)

يتسمر ملايين الأميركيين مساء الثلاثاء، أمام شاشات التلفزيون لمشاهدة مناظرة يمكن أن تكون وحيدة وحاسمة بين نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، والرئيس السابق دونالد ترمب، قبل أن يتوجهوا بعد 55 يوماً لاختيار أحدهما رئيساً مقبلاً للولايات المتحدة، في لحظة مصيرية تدعو فيها المرشحة الديمقراطية إلى طي صفحة سياسات العقد الماضي، وما فيها من انقسامات وعداء اجتماعي، وسط تحذيرات غريمها الجمهوري منها باعتبارها مرشحة الوضع الراهن.

ومع توالي استطلاعات الرأي التي تفيد بأن السباق الرئاسي متقارب إلى درجة يمكن لأي منها أن يصل إلى البيت الأبيض في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، استعد ترمب للمواجهة التي تستضيفها شبكة «إيه بي سي» الأميركية للتلفزيون في مدينة فيلادلفيا، ببنسلفانيا، من خلال إظهار «تطرف» و«يسارية» هاريس، التي تتهمه في المقابل بأنه «غير جاد» ويشكل تهديداً «خطيراً للغاية».

واتبع كل من ترمب وهاريس نهجين مختلفين بشكل كبير في التحضير للمناظرة، فأمضت نائبة الرئيس معظم الأيام الأربعة الماضية في أحد فنادق مدينة بيتسبرغ، فيما سماه البعض «معسكر مناظرة» تضمن إعداداً متخيلاً لمحاكاة تصميم الاستوديو وبديلاً مخضرماً لترمب لإطلاق هجمات قاسية وتعليقات مسيئة، بالإضافة إلى وضع هاريس في ساعات من الأسئلة المدروسة.

وعلى مسافة نحو 330 ميلاً شرقاً، أمضى ترمب معظم عطلة نهاية الأسبوع بناديه للغولف في بيدمينستر، نيوجيرسي، واختار عقد «جلسات سياسة» مع معاونيه وحلفاء بدلاً من الجولات التدريبية التقليدية، علماً بأنه شارك في حفنة من الجلسات لعرض سجل هاريس السياسي من حملتها الرئاسية لعام 2020. وتدرب على كيفية الرد على وابل متوقع من الهجمات على شخصيته.

المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب في تجمع انتخابي في بنسلفانيا (أ.ب)

سجن «الغشاشين»

وكذلك استبق ترمب هذه المناظرة بتصعيد حملته ضد هاريس، مرفقاً ذلك بتحذير من أنه سيسجن مسؤولي الانتخابات الذين يعدّهم «غشاشين»، وبتعهد العفو عن مثيري الشغب في هجوم الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، عندما حاول قبل نتيجة انتخابات 2020 التي فاز فيها الرئيس جو بايدن. وأفاد ترمب من نتائج الاستطلاعات الجديدة التي تظهر أن السباق محصور على المستوى الوطني، مما يشير إلى أن زخم هاريس بعد تخلي بايدن عن ترشيحه الرئاسي عن الحزب الديمقراطي في 21 يوليو (تموز) الماضي، لم يؤدِّ إلى أفضلية ساحقة لها رغم تحسن نتائجها في الاستطلاعات.

وتظهر المنافسة الشديدة جاذبية ترمب الدائمة لدى عشرات الملايين من الأميركيين، بينما يسعى إلى العودة إلى البيت الأبيض، مقابل المهمة الضخمة التي تواجه هاريس في محاولتها الفوز، بالقول إنها تريد شق طريق جديدة إلى الأمام من دون نكران حقيقة كونها نائبة الرئيس في عهد بايدن. وستشكل المناظرة تحدياً خاصاً لها، إذ سيتعين عليها أن تقرر إلى أي مدى ستحتضن، أو تنأى بنفسها عن بايدن وسياساته في وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي أن كثيراً من الأميركيين توّاقون للتغيير.

مكامن ضعف هاريس

المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال حفل تخرج للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت بنيويورك (رويترز)

ويبدو الاقتصاد أحد أكثر مكامن الضعف لهاريس، بينما أظهر استطلاع أخير أن ترمب يتمتع بميزة 13 نقطة مئوية بالنسبة إلى الاقتصاد، الذي يعد القضية التي يستشهد بأنها «الأكثر أهمية» للناخبين.

ولطالما دافع بايدن عن سياساته لتحديث البنية التحتية للبلاد وانتشال الاقتصاد من دوامة جائحة «كوفيد - 19». ولكن السنوات الأخيرة شهدت تضخماً كبيراً أدى إلى شعور الناخبين بالضيق، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. وأشار مستشارو هاريس إلى أنها قدمت بالفعل بعض السياسات التي يأملون في أن تجعلها جذابة للناخبين ولأعضاء مجتمع الأعمال، وتشكل تناقضاً دقيقاً مع بايدن. لكنهم يؤكدون أيضاً أن التناقض الذي تهتم هاريس بإحداثه هو مع ترمب. وهي تستخدم ماضيها كمدعية عامة، قوة في قدرتها على مواجهة الرئيس السابق. وركز كثير من رسالة حملتها على الحفاظ على الحريات الشخصية بدلاً من الديمقراطية، وهي المبدأ الذي دافع عنه بايدن.

وخلال الأسبوع الماضي، قالت هاريس إنها ستزيد الضريبة على مكاسب رأس المال بمعدل أقل بكثير مما اقترحه بايدن. وقوبلت هذه الدعوة بتوقيع العشرات من قادة الأعمال، وبينهم الملياردير مارك كوبان ورئيس شركة «سينشيري فوكس» السابق جيمس مردوخ، على بيان داعم لها. كما اقترحت إعانة قدرها 25 ألف دولار لمساعدة مشتري البيوت للمرة الأولى على اقتحام سوق الإسكان. وكان بايدن أول من اقترح هذه الميزة، لكن هاريس تبنتها وجعلتها سمة رئيسية لخطتها لمكافحة ارتفاع تكاليف الإسكان وجذب الناخبين الشباب الذين يشعرون بأنهم محرومون من السوق.

مصدر قوة ترمب

وفي المقابل، كانت هاريس حريصة عند كل منعطف على عدم انتقاد إدارة بايدن التي تعمل لديها أو الرئيس بايدن الذي تخدمه. وأظهرت أن لديهما علاقة شخصية وثيقة مع بايدن.

أرشيفية للرئيس الأميركي جو بايدن أثناء مشاركته في المناظرة مع الرئيس السابق المرشح الجمهوري دونالد ترمب في استوديوهات شبكة «سي إن إن» الأميركية للتلفزيون في أتلانتا بجورجيا (أ.ف.ب)

وفي الوقت ذاته، استعدت هاريس ومستشاروها لمجموعة متنوعة من الهجمات في المناظرة مع ترمب، بما في ذلك حول علاقاتها ببايدن، الذي جهد لمعالجة مخاوف الناخبين في شأن القضايا المحلية، بما في ذلك الاقتصاد والهجرة، والأزمات في السياسة الخارجية، ومنها الحرب في غزة.

وفي المقابل، جعل ترمب ومستشاروه تدفق المهاجرين محوراً مركزياً لهجماتهم ضد الديمقراطيين. ورغم أن المعابر الحدودية على طول الطرف الجنوبي الغربي للولايات المتحدة وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات، فإنها وصلت إلى مستويات قياسية في وقت سابق من رئاسة بايدن. وكرر بايدن وهاريس أن ترمب يجب أن يتحمل بعض اللوم عن أزمة المهاجرين، لأنه ساعد في نسف التشريعات الحزبية التي كانت لترقى إلى أشد القيود على الهجرة منذ سنوات.

وفي وقت مبكر من عهده، أوكل بايدن إلى هاريس مهمة تقييم الأسباب الجذرية للهجرة من غواتيمالا وهندوراس والسلفادور، وهو بند في المحفظة اعتقد حلفاؤها منذ فترة طويلة أنه مهمة خاسرة، ويستخدمه خصومها الآن لمهاجمتها.

ونصح كبير موظفي البيت الأبيض السابق، رون كلاين، بأن تقوم هاريس بهجوم على بعض القضايا التي تتمتع فيها بموقف أقوى من ترمب، خصوصاً حقوق الإجهاض، علماً بأن استطلاع صحيفة «نيويورك تايمز» مع كلية سيينا أظهر أن هاريس تتمتع بميزة بنسبة 15 نقطة مئوية في هذه القضية، وأن تُظهر للمشاهدين الذين لا يعرفون الكثير عنها أنها ستكون مستعدة للقيادة إذا فازت في الانتخابات.

وسيكون التحدي، والفرصة، التي أبرزها الاستطلاع، أن أكثر من ربع الناخبين يشعرون بأنهم بحاجة إلى معرفة المزيد عن هاريس، بينما قال 9 في المائة فقط الشيء نفسه عن ترمب.


مقالات ذات صلة

هاريس وترمب يستعدان للمناظرة باستراتيجيتين مختلفتين تماماً

الولايات المتحدة​ صورة مدمجة تظهر المرشحين للرئاسة الأميركية دونالد ترمب وكامالا هاريس (أ.ب)

هاريس وترمب يستعدان للمناظرة باستراتيجيتين مختلفتين تماماً

تختلف بشكل واضح استراتيجية المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترمب وكامالا هاريس في كيفية استعدادهما للمناظرة الرئاسية الثلاثاء.

شادي عبد الساتر (بيروت)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وكامالا هاريس (رويترز)

كلينتون تنصح هاريس بـ«استفزاز ترمب»

يترقّب الأميركيون المناظرة الرئاسية الأولى التي تقام مساء غدٍ (الثلاثاء)، بين المرشح الجمهوري دونالد ترمب، والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، اللذين يتواجهان.

الولايات المتحدة​ صورة مركَّبة للمرشحَين الرئاسيين كامالا هاريس ودونالد ترمب (أ.ب)

هاريس تستمع لنصائح هيلاري كلينتون حول استفزاز ترمب

تتوجه الأنظار إلى المناظرة الرئاسية الأولى التي تقام مساء الثلاثاء، بين المرشح الجمهوري دونالد ترمب، والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ب)

استطلاع: هاريس وترمب متعادلان تقريباً قبل نهاية الحملات الانتخابية

أظهر استطلاع للرأي أن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب ومُنافسته مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس متعادلان تقريباً في آخِر أسابيع الحملات الانتخابية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وكامالا هاريس (رويترز)

ترمب أم هاريس؟ مؤرخ تنبأ بنتائج 9 من آخر 10 انتخابات أميركية يكشف عن توقعاته

قال مؤرخ سبق أن تنبأ بشكل صحيح بنتائج 9 من آخر 10 انتخابات رئاسية أميركية، إن الديمقراطيين «أصبحوا أذكياء أخيراً» من خلال التجمع حول كامالا هاريس مرشحةً لهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

واشنطن: سنواصل مساعينا للتوصل إلى هدنة بغزة رغم تغيير «حماس» لبعض شروطها

الرئيس الأميركي جو بايدن كان يأمل في إبرام اتفاق يحقق له نصراً سياسياً قبل خروجه من السلطة ويدفع بحظوظ نائبة الرئيس كامالا هاريس ضد منافسها الجمهوري دونالد ترمب (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن كان يأمل في إبرام اتفاق يحقق له نصراً سياسياً قبل خروجه من السلطة ويدفع بحظوظ نائبة الرئيس كامالا هاريس ضد منافسها الجمهوري دونالد ترمب (أ.ف.ب)
TT

واشنطن: سنواصل مساعينا للتوصل إلى هدنة بغزة رغم تغيير «حماس» لبعض شروطها

الرئيس الأميركي جو بايدن كان يأمل في إبرام اتفاق يحقق له نصراً سياسياً قبل خروجه من السلطة ويدفع بحظوظ نائبة الرئيس كامالا هاريس ضد منافسها الجمهوري دونالد ترمب (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن كان يأمل في إبرام اتفاق يحقق له نصراً سياسياً قبل خروجه من السلطة ويدفع بحظوظ نائبة الرئيس كامالا هاريس ضد منافسها الجمهوري دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ألقى جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض، باللوم على حركة «حماس» في عرقلة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق يُفضِي إلى هدنة لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن.

وقال كيربي، خلال المؤتمر الصحافي للبيت الأبيض: «إن إدارة الرئيس بايدن تعمل ليل نهار لمعرفة ما إذا كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق، و(حماس) هي العقبة الرئيسية أمام هذا الآن».

وأضاف كيربي «غيرت (حماس) بعض شروط صفقة التبادل، وهو ما جعل من الصعب علينا الوصول إلى اتفاق. لا نزال نعتقد أنه حتى مع التعديلات الجديدة التي طرحتها (حماس)، فإن الأمر يستحق المحاولة».

وفي إجابته عن سؤال حول ما إذا كان البيت الأبيض مستعد للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والقيام بوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة كما فعلت المملكة المتحدة، قال كيربي: «لا أستطيع التفكير في أي شيء لم نمارس فيها الضغط أكثر من محاولة الحصول على هذه الصفقة»، وأوضح أن زيارة رئيس الوزراء البريطاني للبيت الأبيض، يوم الجمعة، ستتطرق إلى مناقشة مجموعة من قضايا السياسة الخارجية، مؤكداً أن «وقف إمدادات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل هو شأن يتعلّق بهم».

وأشار كيربي إلى توقف المفاوضات حول وقف إطلاق النار، موضحاً أن اجتماع الرئيس بايدن مع مسؤولي مجلس الأمن القومي يأتي في إطار الإحاطة اليومية التي يحصل عليها الرئيس.

تضاءلت الفرص

وقد تضاءلت فرص خروج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمقترح جديد للتوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، حيث يسود نوع من الجدل والانقسام بين مساعدي الرئيس بايدن؛ بين تيار يريد المُضي قُدماً في تقديم أفكار جديدة لعرضها على كلٍّ من إسرائيل و«حماس»، وتيار آخر يرى أنه لا جدوى من تقديم اقتراح جديد في ظل المواقف المتصلّبة من الطرفين، وأجّلت الإدارة تقديم اقتراح جديد إلى أجَل غير مسمى.

وكانت إدارة بايدن التي لم يتبقّ لها سوى 4 أشهر في السلطة، تعمل بجهد مكثّف للتوصل إلى اتفاق يحقّق لبايدن نصراً سياسياً قبل خروجه من البيت الأبيض، ويحقّق لنائبته كامالا هاريس دَفعة قوية في السباق الانتخابي ضد منافسها الجمهوري دونالد ترمب.

وقد ظلت الإدارة الأميركية على مدى شهرين، تبشّر بقرب التوصل إلى اتفاق، وأن المفاوضين الأميركيين، بقيادة مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، تمكّنوا من إنجاز 90 في المائة من القضايا العالقة، ويتبقى فقط 10 في المائة.

وخلال الأيام الماضية صرّح كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ومدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، بأن الولايات المتحدة ستقدّم اقتراحاً جديداً ومحدَّثاً خلال أيام، وروَّجت لفكرة مقترح «خذها أو اتركها»، وأنه سيكون مقترح الفرصة الأخيرة، وأن الإدارة تعمل بقوة على سد الفجوات، لكن التطورات الأخيرة، المتمثّلة في مقتل 6 رهائن على يد «حماس»، من بينهم الأميركي هيرش جولبرغ، إضافةً إلى مَطالب نتنياهو بالحفاظ على السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة على ممر فيلادلفيا على الحدود بين مصر وقطاع غزة، ورفض مصر القاطع، أدّى إلى إحباط متزايد في البيت الأبيض.

محاولات غير مُجدِية

وأوضح المسؤولون أن عديداً من العراقيل تواجه التوصل إلى اتفاق، ومعظمها يتعلق بشروط لم يتمكّن أي من الجانبين من الموافقة عليها. وأشار مسؤول بالبيت الأبيض إلى أن الحزن والانزعاج خيّم على المسؤولين بعد مقتل الرهائن الـ6 على يد «حماس»، وعلى الرغم من ذلك استمر المسؤولون ومستشارو الرئيس بايدن في البحث عن فرص للتوصل إلى اتفاق، والتواصل مع الوسطاء المصريين والقطريين، ومراجعة المواقف من الأطراف والقضايا التي أوقفت المفاوضات، وإعادة تقييم الموقف الأميركي.

وتزايدت الشكوك بشكل كبير في فرص التوصل إلى اتفاق، وسط رغبة الرئيس بايدن في المُضي في الصفقة، واعتقاد مستشاريه أن التقدم بأي مقترحات جديدة لن يكون مُجدِياً.

وأقرّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأنه إذا لم يتم الحصول على موافقة نهائية من الجانبين، فإن البنود التي تم التفاوض عليها بالتفصيل على مدى 11 شهراً قد تنهار في أي وقت.

قوات إسرائيلية مستمرة في عمليات عسكرية بقطاع غزة وسط تضاؤل الفرص للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

وألقى البيت الأبيض باللائمة على حركة «حماس»، مشيراً إلى أن الحركة قدّمت مطالب جديدة بالإفراج عن عدد متزايد من السجناء الفلسطينيين الذين يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، أكبر من العدد الذي تم الاتفاق عليه، وهو ما رفضه الطرف الإسرائيلي، وطالبت إدارة بايدن الوسطاء القطريين والمصريين بالضغط على «حماس»؛ لتخفيف مطالبها، وقال المسؤولون إنهم يشعرون أن زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار لا يرغب في التوصل إلى اتفاق، ولديهم قلق من أن «حماس» قد يكون من المستحيل التفاوض معها، ولن توافق أبداً على اتفاق لوقف إطلاق النار.

خيارات إبداعية

وأشار وليام بيرنز، مدير الاستخبارات الأميركية، في مؤتمر لجريدة «فايننشال تايمز» في لندن، إلى أن الأمر متروك للسنوار ونتنياهو لاتخاذ القرار الصعب، وقال: «الوسطاء عملوا على صياغة خيارات إبداعية، وتقديم خيارات، لكن في نهاية المطاف إنها مسألة إرادة سياسية، وما إذا كانت القيادة من الجانبين على استعداد للاعتراف بأن ما حدث يكفي، وأنه حان الوقت لاتخاذ قرارات صعبة وتقديم تنازلات»، وأوضح بيرنز أنه «تم الاتفاق على 90 في المائة من المقترحات، لكن الـ10 في المائة الأخيرة هي الجزء الأصعب في التنفيذ».

مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز (أ.ب)

وقال بيرنز إنه يأمل في أن يدرك نتنياهو والسنوار أن هناك الكثير على المحكّ، ويتفقا على المُضي قُدماً نحو التوصل إلى اتفاق، وقال: «سنواصل العمل بأقصى ما في وسعنا مع الوسطاء؛ لأنه لا يوجد بديل للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار، ما هو على المحك هنا هو الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة في الأنفاق بغزة، وأرواح المدنيين الأبرياء في غزة»، وشدّد مدير الاستخبارات الأميركية مع نظيره البريطاني ريتشارد مور على أن الوكالتين قامتا باستغلال كل القنوات الاستخباراتية للضغط بقوة، من أجل ضبط النفس وخفض التصعيد.

وأشارت مصادر إلى أن الرئيس بايدن لا يريد أن يُنظَر إليه على أنه يكافئ «حماس»، وأنه يقدّم مزيداً من التنازلات بعد أن قتلت رهائن، وتقدمت بمطالب أكثر تطرفاً.

استبعاد صفقة أحادية

مظاهرة في تل أبيب ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للدعوة إلى إطلاق سراح الرهائن في غزة وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» (رويترز)

وكانت عائلات الرهائن الأميركيين الـ5 المتبقين لدى حركة «حماس»، طالبت الإدارة الأميركية بالتوصل إلى صفقة منفصلة مع «حماس»، وقدّم مسؤولون قائمة بـ5 أشخاص فلسطينيين محتجَزين في سجون الولايات المتحدة لتبادلهم مع الرهائن الأميركيين الـ5 لدى «حماس»، وأجرت الإدارة الأميركية اتصالات مع المسؤولين القطريين لاستكشاف فرص التوصل إلى اتفاق، إلا أن هذه المحاولات لم تجد صدى، ولم تكتسب أي زخم.

وقد أثار هذا المسار الكثير من الجدل حول صفقة التبادل المقترحة، واحتمالات رفض «حماس» لها، والمطالبة بمطالب أخرى (مثل رفع الحركة من قوائم الإرهاب، أو المطالبة بضمانات أميركية بعدم ملاحقة قادة «حماس»، وتمكين الحركة من التحول إلى حركة سياسية داخل غزة)، ومقابل الإفراج عن الرهائن الأميركيين فقط، وما سيثار من انتقادات لإدارة بايدن من التعامل مع حركة تَعُدُّها إرهابية، إضافةً إلى الانتقادات بالتخلّي عن الرهائن الإسرائيليين الآخرين.

وقد أثار هذا الأمر معارضة شديدة داخل الإدارة الأميركية، وأشار مسؤولون لشبكة «إن بي سي نيوز» إلى أن إبرام صفقة أحادية الجانب مع «حماس» سيفتح باباً من الجدل والانتقادات لا تحتاج إليه إدارة بايدن، وأكّد جيك سوليفان لعائلات الرهائن أن الإدارة تبحث كل الخيارات، لكنها في نهاية الأمر تفضِّل صفقة مع إسرائيل.

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن بعض مستشاري الرئيس بايدن يرون أن السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق هو أن يمارس الرئيس بايدن مزيداً من الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ما ظهر في تعليقات الرئيس بايدن الأسبوع الماضي أن نتنياهو لا يقوم بالجهد الكافي للتوصل إلى اتفاق، فيما تشكَّك مسؤولون آخرون أن تؤدّي تلك التعليقات المنتقِدة لنتنياهو إلى تغييرات في موقفه، خصوصاً أن الرئيس بايدن لا يريد استخدام نفوذه القوي، واستخدام ورقة وقف مليارات الدولارات من الأسلحة الأميركية لإسرائيل.